ملف الرجل / اجعلي وجوده اختياريا ...
خاص ألف
2006-10-11
عندما راسلني الأخ الأستاذ سحبان سواح من اجل إشراكي في الملف الذي يود الإعداد له والخاص بنظرة المراة المبدعة عن الرجل استغربت لبرهة لان هذا الموضوع صار يطرح علي لأكثر من مرة خلال شهر واحد وكنت قد نشرت مقالا بهذا الخصوص في صحيفة القدس العربي يتناول فيه المراة المبدعة الشرقية ومحاولتها للانسلاخ عن عباءة الرجل ..
ترددت قليلا قبل أن استجيب لطلب الأستاذ الكريم خوفا من تكرار نفسي في هذا المقال ولكني ما لمسته من صدق لما يطرح في موقع ألف وجرأة مستحبة آثرت أخيرا الاشتراك في الملف رغم اني لا اعرف ما اكتبه هل سيقدم شيئا جديدا ام لا .. على اية حال انها محاولة وهي قيد التجريب ..
لو طرح عليّ هذا الموضوع قبل عشر سنوات فقط لكان رأي مختلفا تماما عما سأدرجه الآن وذلك لاختلاف نمو التفكير عندي ولوصولي مرحلة صرت اقتنع تماما ان على المراة مجابهة اليوم الذي لا ريب فيه وهو ان تتخيل نفسها وحيدة تماما بلا عكازها الهش والذي طالما كان يخذلها طوال تدوين التاريخ ان صح القول .
نظرتي الآن عن الرجل لا تختلف كثيرا عن نظرتي للإنسان وبحكم الخبرة والسن والثقافة تعلمنا كيف نفصل بين الإنسان وجنسه ولكني اختلف في هذا الأمر.. لا أرى رجلا أمامي بقدر ما أتعامل مع إنسان كائن وأحب ان أعامله على هذا الأساس .. وأحب ان يعاملني على هذا الأساس أيضا بل اسعد بهذا . فليست هناك كلمة طنانة يسمعني إياها ستسعدني بقدر ما اسعد بما يقدمه لي لعلو شأني كانسانة أولا ومبدعة ثانيا .. وهيهات ان نصل الى هذه المرحلة من الوعي والإدراك في تفهم الأمور .. حيث حتم علينا مجتمعنا وأعرافنا الدينية ان نكون نحن النساء مجرد تابع للرجل وبلا نقاش .. ولكن من الناحية الأخرى احسب نفسي من المحظوظات من هذه الناحية اذ أتمتع بالسماح او عدم السماح للآخر باقتحام خلوتي ومفاتيح مغالق وجودي كلها بيدي ..وهذا من فضل ربي أولا ورسم الأقدار لمسار المراة ثانيا وإصراري لعدم قبولي بوجودي أنثى خالصة ثالثا .. وأسباب جانبية أخرى تقف مع المحظوظات مثلي !! لا اسخر أتكلم بجد ..
وجود المراة في حياة الرجل هو وجود اختياري ، وخاصة للرجل المبدع وكذا يجب ان تتعلم المراة كيف تجعل وجوده في حياتها اختياريا لا وجوبا .. وهذا ما نحلم به نحن النون وخطينا أول خطوة في تقبل الأمر حيث لا ادم في الضفة الأخرى ..
نكذب على أنفسنا ؟؟ .. ربما
وما أحلى الكذب في حين نحقق أمنية تراوغ كل الحقائق ..
وماذا عن احتياجات الجسد ؟؟
هل نتكلم ام نبلع ألسنتنا ونطمر رؤوسنا مثل النعامة بمجرد تورد الخدين لطرح مثل هذا السؤال ؟؟
لا اعرف ما سأسببه من رد فعل لي وللغير بصراحتي القادمة ..
منذ نعومة أظفارنا تعلمنا كيف نواري سوءاتنا وكما لو انها خطيئة ما وليس جزءا من باقي الجسد الذي نتباهى بإبرازه مثل العين والعقل والقدم التي تركل والأنامل التي تعمل ولماذا نركن بقية الأعضاء في سلة المهملات الغيبية لتفادي دغدغة المشاعر التي تؤجج الأنثى والذكر على السواء .. ولكن الم نسال لماذا كل هذه الثورة في جسد الشرقية !!
ان أي خبر يتم ممارسة التعتيم الإعلامي عليه يكون هو الأهم والأجدر بالبحث والأكثر تشويقا والذي تكثر حوله الاشاعات والروايات عن سائر الأخبار ، وكذا جسد الإنسان ( الرجل والمراة ) مهما حاولنا ان نبعد تفكير الفرد عن هذه الوجود نجده وبشكل غريزي يتورط أكثر وأكثر في البحث عن ذاته الذي يربطها بوجوده المادي في الحياة وربما يسوقه هذا التورط الى اكتشافات مغايرة وخطيرة تأخذه إلى روابط غير أليفة في فهم احتياجات جسده . وتأتي عقدة الأنثى من هنا ..
في فهم نفسها أولا ووجودها المادي ثانيا وكيف ستفهم الرجل في حالتيه الروحية والجسدية وهي لم تُمنح فرصة لفهم نفسها .. ولماذا يتذمر الرجل لبلادة المراة التي يعاشرها .. أليست هي نتاج تخطيطه عبر التاريخ في جعلها ذيلا ؟؟؟
لا أؤذن للحرب .. ولست ممن يحبون الدماء البيضاء على المخدات والشراشف .. من حقي ان يكون لي عالمي وغلماني .. ومن حقي تناول التفاح مهما كانت النتائج ..
لنعيد صياغة التاريخ الآن :
أنت لم تهبط اثر لعنة من الرب
بل ركلتك فكرة جبارة في راس ايفا
ولولاها لما كان لحمأتك شأن هارون وفرعون
أما زلت مصرا على اختزال وجودها بكتف ونهد وأصابع فعّالة ..؟؟؟؟
مادة القدس العربي
المرأة المبدعة و... الانسلاخ عن عباءة الرجل ـ منال الشيخ
إن شئنا أم أبينا، علينا أن نواجه الحقيقة، نحن النساء، بأننا نساء لا أكثر. وفي أوفر الحظوظ نحن نساء وبشر. أما أن نكون مبدعات بمعزل عن أنوثتنا، فهذا أمر يثبت استحالته يوماً بعد يوم. وفيما أقف علي أطلال المنجز النسوي في الأدب أجد أسماءً لا أتخيل أنها اتخذت من عباءة الرجل سقفاً وبساطاً سحرياً يوصلها إلي حيث استقرت قدماها ثابتة وراسخة...علي سبيل المثال لا الحصر: نازك الملائكة وفدوي طوقان ومي زيادة والشاعرة الرائعة ناديا تويني وغيرهن.. عشن باحترام.. وغادرن باحترام.. وما زلن يُذكرن باحترام... كيف استطعن تحقيق ذلك ولمَ أصبح الآن من المرعب التفكير في الاستقلال عن ظل الرجل؟
إذا بحثنا في هذا الموضوع سوف نتطرق إلي أكثر من مدخل يتمثل بالمدخل النفسي والاجتماعي والاقتصادي وكذلك الديني..وفي حالات.. المدخل السياسي وحبذا لو اكتفينا بالمداخل الأولي دون التطرق إلي مدخل يوجع الرأس والعنق في آن واحد..
الغريب في هذا الأمر أن ما أثار فضولي في موضوع كهذا قراءتي لصفحتين وربما أكثر في كتاب طويل وعريض مثل كتاب (الفكر مهنة) للأستاذ فاتح عبد السلام عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر /بيروت، وهو يرصد هذه الحالة بمرارة مجرب ومطلع ولكنه ومع الأسف ترك الموضوع رهن الطرح ليس إلا.. ولم يقدم ما كانت المرأة المبدعة تنتظره من بدائل وحلول جذرية لهذه الحالة السلبية التي تُجْبر علي خوضها علي الأقل في بداية انطلاقها واثبات ذاتها..
وتمركز موضوعه علي تحميل اللوم علي مجتمعنا الذكوري الذي لا يفصل بين العمل والوجود الكوني الطبيعي لكائنين من المفترض أن يكونا سواسية في حق الوجود.
وسماه (ومع الأسف) بسوق آخر للثقافة الشرقية أو العربية بالأخص وأصبح رواج المرأة الكاتبة يعتمد علي أساس اتكائها علي غيمة رجل ولن يقتنع الوجود الفكري أن تصل امرأة إلي ما وصلت إليه دون وجود هذه الغيمة والتي ما إن تمطر وتتلاشي حتي تجد ظهرها يتكيء علي فراغ، وفي علو مباغت !!!
وما المصير؟
سيلفيا بلاث الشاعرة الأمريكية المعروفة والتي قضت نحبها في عملية انتحار أقدمت عليها في يوم من أيام لم تعد تقتنع بوجودها ووجوب استمرارها وهي بعيدة عن غيمة رجلها الشاعر الغامض (تيد هيوز) ويبدو من دراستي الباطنية لقصة هذين المبدعين ان هناك خللاً ما في احد الطرفين ويبدو ان الخلل الأكبر تتحمله سيلفيا رغم قساوة حكمي إلا أني مضطرة أن أصدر هذا الحكم من منطلق التجربة والمعايشة.
المسألة تقريبا تتعلق بالشخصية ومدي تأثرها بالمقابل. وتأتي فيما بعد طبيعة المجتمع الذي يفرض علي المرأة المبدعة ان لا تكون وحدها في اغلب الأمور.. منذ ولادتها تُدَرب علي ان تكون تابعا لسلطة الأب ومن بعده سلطة الأخ وبعد خروجها من بيت العائلة تحتضر ثانية أمام سلطة الزوج، وأحيانا كثيرة سلطة الأقارب من الذكور مثل ابن العم. وتعيش السنين وأحرج لحظات نموها في كنف رجل مهما كانت صفته.. تتعود علي هذا النمط التواتري لتصل مرحلة تقتنع فيها بأنها غير مجدية وغير نافعة بدون وجود الآخر.. وهنا تبدأ المشكلة!!
إن ما واجهته سيلفيا بلاث لم يكن نتاج مجتمع ذكوري وإنما ضعفاً في شخصيتها أمام قوة شخصية هيوز وغلبة أنات الآخر أمام أناتها التي لم تعر له أهمية وجوده المستقل. وهو بدوره استطاع وبجدارة إقناعها بأنها قمر تابع لأرض ستورثها الثبات.. ولكل شخص أسلوبه في الإقناع ولكل قدرته في الاقتناع. ويدخل الحب العامل المساعد لتسهيل مهمة الطرفين في الإقناع والاقتناع.. في تصوري لم تكن الحالة المادية التي مرت بها سيلفيا هي السبب الرئيسي في اقدامها علي الانتحار او يأسها من الحبيب وخاصة انها انتقلت للعيش مع كاتبها المفضل (وليام باتلر ييتس)، ولكن المسألة أن فكرة تقبل وجودها كشاعرة وأنثي بدون ظل هيوز بات مستحيلا لها لأنه وبالتأكيد كانت حتي عندما تكتب تضعه في عقلها وأمام مرآة روحها.. وهذا من نتاج غلبة الروح المقابلة والهيمنة علي وجدان الآخر. وعندما قررت الاستقلال، وكانت مقتنعة بأنها ستنجح في استعادة ذاتها، وصلت مرحلة لم تعد قادرة فيها علي تخيل الأمر حتي بعد ظهور شخص آخر في حياتها. إن فكرة الاستحواذ الروحي والفكري هو من اخطر أنواع القيود التي يفرضها الرجل علي المرأة، وهو عالِمٌ بذلك.. يمارس كل أنواع الاستدراج من اجل إيصال المرأة المبدعة الي مرحلة تقتنع فيها بإنها يستحيل تقدمها ووجودها بدونه مع إعطائها جرعة منشطة بين الحين والآخر أن لا مثيل لها في مجالها. ولكن يجب ان يكون عرابها علي كل المستويات. والمصيبة انها تقتنع، لان ميزة الرجل المبدع عن الرجل العادي هو المعرفة المسبقة بمداخل المرأة ونقاط ولوج ذاتها والإمساك بمكامن ضعفها والتوجه إلي مفاتيح السيطرة وبشكل فني غريب. وهذا ما تتعرض له المرأة المبدعة علي العموم.. وأوعزنا الأسباب إلي عدة مداخل وهذه المداخل هي خاصة بمجتمعنا العربي لا نستطيع تعميمها علي مستوي المجتمعات الأخري.
ومن هذه المداخل المدخل الاقتصادي. وما علينا مواجهته الآن، أن المرأة العادية والمرأة المبدعة علي حد سواء تعاني من هذه المسألة لتبقيها أسيرة الآخر المتواجد قسرا، في بعض الأحيان، مع تفاصيل حياتها المتعبة أصلاً وسط المسؤوليات والهموم الملقاة علي عاتقها. ولان طباع المرأة الشرقية الفطري يفرض عليها ان تكون في صورة المسؤولة من أول قطرة حياء حمراء فارة من غياهب متاهتها والتي تشكل كل مغزي وجودها الآني والغيبي.. صارت تتكهن كل لحظة ببزوغ هذه الغيمة الذكورية والعقيمة في كثير من الأحيان ولكنها تستقبله، علي مضض، لأنها لا تري الجانب الآخر من أناتها غير هذا الجانب الذي بني علي أساس لبنة الغير لا لبنتها هي..
كنت أتمني علي أستاذي صاحب الفكر مهنة من منطلق كونه رجلاً ومبدعاً وشرقياً ان يدلنا علي السبيل الذي تجد فيه المرأة الثقب المؤدي إلي أول خطوة انسلاخ لها عن عباءة الرجل وربما عدم طرحه تعود لأسباب أراها متمثلة بأننا سوف نضحك علي أنفسنا إن اقتنعنا بان هناك رجلاً مبدعاً يود ان يفلت الرأس المقابل للحبل لمنح المرأة انطلاقتها الأولي دون اتكاء وربما من منطلق انه متكلم مثلنا لا مغامر من اجل الكلمة في سبيل إيجاد الحلول، وغالبا هذا دأب الأدباء والكتاب.
وأبدأ بأول أمر للذائقة الفكرية الملقاة علي عاتقي كامرأة أولا وكخطوة متأملة نحو طريق الإبداع ثانياً.. كان علي سيلفيا أن تحب نفسها أكثر لتمتهن وجودها أكثر.. والقناعة ان التقدم بخطوات وئيدة وواثقة أفضل بكثير من التقدم نحو القمة بطائرة نفاثة متحملة كل مخاطر الإقلاع والهبوط وما بينهما من تداعيات التعلق بالغمام والنجوم. أحبي نفسك أكثر أيتها المرأة المبدعة ولتتخطي مأزق الحب لغيرك من كائنات حتي إن كن فلذات أكبادك.. لكلٍ قدره ولكلٍ مقامهُ في الحياة، لا احد يمنح القيمة للذات البشرية غير صاحب الذات نفسه.. واتألم عندما أطرح موضوعاً كهذا ونحن في الألفية الثالثة واستنبط المشكلة من أصحاب أساس هذه المشكلة.. علي أيديهم يطبخ التاريخ الممنوع من التصحيح.. المؤسسات الفكرية التي تقوم بمنح امتيازات خاصة ومفجعة أحيانا تحت يافطة الأبوة المفتعلة. ومثلما يدعو الكتاب الي التخلص من كل مرجع سياسي او اجتماعي وحزبي واقتصادي علي السواء ليبقي الإنسان المبدع علي صلة تامة بطبيعته الخلابة دون مشاركة أصابع غائرة وخفية في صنع بقايا وجوده.. أقول يجب علي المرأة ان تتهيأ لمرحلة تربي فيها نفسها علي ان تمشي تحت الشمس المحرقة بلا شوق إلي مانع حروق الشمس ولتحب البقع البنية التي تتركها قبلة شمس أبدية قابعة في رأس إصرارها علي السير.. دون ظلال.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |