نبيل سليمان يحاكم ستين روائياً عربياً
2006-04-07
ما يقارب 60 رواية عربية،كانت صدرت في أواخر القرن الفائت ومطلع هذا القرن، وضعها نبيل سليمان تحت مختبره النقدي في مسعى إلى تشريح آلية عمل أصحابها وكيفية الاشتغال على المادة الروائية الخام وتحويلها إلى فضاء تخييلي، يلامس أسئلة اللحظة الراهنة بكل احتداماتها ومرجعياتها، من دون أن يتوقف عن مساءلة النص من داخله بقصد نبش المخبوء الحكائي وأسرار الروائي والراوي في آن واحد.
ولعل نبيل سليمان في كتابه النقدي "أسرار التخييل الروائي" (اتحاد الكتاب العرب)، أدرك صعوبة مناوشة هذه النصوص من ضفة نقدية محددة، نظراً لتعدد مسلكياتها التخييلية، الأمر الذي قاده إلى تبويب الروايات المختارة في حقول متجاورة، تقترب وتبتعد تبعاً لمقاصدها الجمالية والبلاغية، وإن كانت معظم هذه النصوص تنتمي إلى حساسية جديدة في الكتابة. وما يحسب للناقد مواكبته هذه الأصوات والمجازفة في مقاربة فضاءات التجريب نقدياً، كما تقترحه النصوص ذاتها، إذ يشير في مقدمة الكتاب إلى أن ما ينهض به نص، يقوضه نص آخر، وما ينعقد هنا، يتجلى هناك بأسرار مضادة، مؤثراً السؤال الجوهري للمتن الحكائي، وهو مقارعتها للأسئلة الكونية في مغامرة سردية لا تتوقف عند عتبات بهجة الكتابة، إنما ترمي إلى تأصيل مدوّنة عربية تنهض من شرك المحلية إلى رحابة الكونية، وهو ما جعله يخصص مدخل الكتاب إلى مناقشة اطروحات الناقد المغربي محمد يرادة في معنى كونية الرواية العربية، بعد أن دخلت إلى متنها أسئلة العولمة وما بعد الكولونيالية والمتعة والتسلية، وكذلك ارتيادها مناطق الكلام الممنوع. وعلى رغم شكوك الناقد ببعض خطوط هذه الأطروحة المتفائلة، إلا انه لا يعدم إجابات تتسق مع طموحات الكتابة الروائية العربية الجديدة في إنجاز كونيتها من طريق حضورها الفعال في الحقل العالمي من منطقها الخاص.
ويرصد نبيل سليمان في الباب الأول تحت عنوان "كنائية المدينة الروائية" معنى المدينة الروائية ومراوحتها بين الفضاء الواقعي والفضاء الروائي، كما تبدت في روايات "الحب في المنفى" لبهاء طاهر، و"سلطان النوم وزرقاء اليمامة" لمؤنس الرزاز، و"العصفورية" لغازي القصيبي، و"رسمت خطاً في الرمال" لهاني الراهب، و"المخطوطة الشرقية" لواسيني الأعرج، كما يؤكد على أن اللاتعيين في المدينة الروائية، سوف يتجاوز هذه الأعمال إلى مقترحات أخرى تتدفق بقوة ضمن مثنوية الاتصال والانفصال بين المكان الخيالي والمكان الواقعي.
وفي "تقاسيم على التجريب" يختار نصوصاً اقتحمت في سرديتها فضاءات جديدة ومبتكرة في الكتابة، خصوصاً لجهة التشظي والمكاشفة، فيرى أن عزت القمحاوي في "غرفة ترى النيل"، اشتغل على كيان الموت المعلن، بما هو مجازات حياة واستعارة كبرى للاعتلال الفردي والجماعي، بمقاربات سردية متباينة، فيما تذهب رواية زهير الجزائري "الخائف والمخيف" إلى إعادة إنتاج صورة السفّاح بنسخته العراقية الفريدة، وترميمها بصورة الدكتاتور في أسطع صوره العربية. وفي مقاربته لرواية محمد سناجلة "ظلال الواحد" يشير إلى إنها أول رواية عربية تقوم على تقنيات الانترنت في بناء نسيجها الروائي، فتعمل على التشظي بما هو كتل سردية متجاورة. ومن ضفة أخرى تأتي رواية علم الدين عبد اللطيف "قمر بحر"، حين تستعير شخصيات روائية من روايات الآخرين، وتعيد ترتيب مصائرها على نحو آخر، وكما يرغب الراوي الجديد.
ولأن السيرة الذاتية هي أحد مفاصل الكتابة الجديدة، يتناول الناقد في "السيرة روائياً" أعمالاً اشتغلت على السيروي في التدوين كنوع من الاقتحام السردي المكشوف، فتتواتر هنا مدونات تقترب وتفترق في آلية تدوينها، من "الوفاة الثانية لرجل الساعات" لنورا أمين، مروراً ب"مواعيد الذهاب إلى آخر الزمان" لعبده جبير، إلى "الكرنفال" لمحمد الباردي.
وفي فصل بعنوان "الأنوثة وشماً روائياً، يعالج أعمالاً لكاتبات عربيات اقتحمن في نصوصهن مخادع الغواية وفتنة السرد من دون وجل وببوح صريح. هكذا تبدت هذه الخصوصية في أعمال آمال بشيري في "فتنة الماء"، و"لطيفة الدليمي في "حديقة الحياة"، و"زهرة اكرام في "قلادة قرنفل"، و"ليلى الجهني في "الفردوس اليباب"، ورجاء عالم في "موقد الطير".
واعتباراً من الفصل السادس في الكتاب يطوي الناقد أسئلة الكتابة الجديدة ومغامرة التجريب، ليدخل في نصوص أخرى انشغلت في سرديتها على الحفر في التاريخ مثلما فعل خيري الذهبي في "فخ الأسماء"، والزمن المستعاد روائياً، كما في أعمال يوسف المحيميد والحبيب السالمي وميرال الطحاوي وأحمد ابراهيم الفقيه. ويستعيد سؤال الحرب في الرواية كما تجلى لدى منهل السراج وامين الزاوي وأحمد زين. أما اشتباك الأزمنة الروائية فيجده في أعمال جميل عطية إبراهيم وفواز حداد وسمر يزبك وياسمينة صالح. ويلحق فصلاً أخيراً بعنوان "الرحلة إلى أمريكا روائياً" باشتغاله على رواية "أمريكانلي" لصنع الله إبراهيم.
أسرار التخييل الروائي حسب تجوال نبيل سليمان مروحة واسعة لإعادة اكتشاف موقع الرواية العربية اليوم من أسئلة الراهن وحفرها في المزاج الحكائي المتحول، بوصفها المدونة الوحيدة لألوان الطيف السردي، وإن غلبت على بعض فصول الكتاب قسرية من نوع ما لإدخال بعض النصوص العابرة إلى المختبر النقدي.
08-أيار-2021
12-حزيران-2009 | |
18-نيسان-2009 | |
27-أيلول-2008 | |
08-آب-2008 | |
15-أيلول-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |