حوار مع المخرج الكوردي بهمن كوبادي : المرأة إله
خاص ألف
2007-05-17
حاورته في استنبول : فاطمة سافجي
الترجمة من الكوردية : مصطفى إسماعيل
في إطار مهرجان استنبول السينمائي الدولي عُرِضَ فيلم المخرج بهمن كوبادي الأخير " الهلال " في استنبول. بهمن كوبادي, ورغم كل المصاعب من السلطات الإيرانية والتراث المجتمعي الرجعي, استطاع وضع المرايا أمام الحقيقة الكوردية وأثبت جدارة أفلامه عبر العديد من الجوائز العالمية لقي في استنبول احتفاءً كبيراً به. أنا هنا لا أريد التحدث عنه أو عن أفلامه, فقط أردت الاستماع إلى مخرج كوردي لطالما بؤلمنا ويغضبنا ويجعلنا نعيش دراماه ويُسكننا الأمل ويجعلنا نرنو إلى الحظ . أردت أن نتقاسم الاستماع وآمل أن يسعدكم الحوار كما أسعدني.
فاطمة سافجي: كثيرون يعرفونك ويعرفون أفلامك, ولكني أريد تعريفك لك, هل تستطيعون وباختصار التعريف بكم؟.
كوبادي: أنا من أهالي بانه. بانه مدينة صغيرة تقع على الحدود العراقية- الإيرانية . والدتي من بانه ووالدي من مدينة سنه. كنت بعدُ في الحادية عشرة حين غادرت عائلتي إلى مدينة سنه هرباً من الحرب الأهلية. كبرت في سنه, وسنه كانت مدينة كبيرة, ومكاناً للثقافة والفن. في هذه المدينة تعرفت على الثقافة, ورويدا.. رويدا تعرفت على الصور. حينها لم تك هنالك جامعة في المدينة, ولكن كانت لدي الطاقة. قبل 15 سنة فقط دخلت الجامعة, درست في جامعة طهران ولكن لم أكمل الدراسة, لم يكونوا يعلموننا شيئا لهذا تركت الدراسة, وارتأيت أن أنخرط في الجانب العملي لهذه الصنعة, الممارسة العملية خلقت لدي تجربة أفضل, في الممارسة العملية صنعت 30- 35 فيلما قصيرا, وكنت مساعدا في 200 عملية إخراجية للأفلام , وإلى الآن أخرجت أربعة أفلام طويلة.
فاطمة سافجي : كأنك في كل فيلم لك تثأر من شيء, أرى في أفلامك مشاعر الثأر, ممن ومما تثأر؟.
كوبادي : أنا رجل غضوب جدا, وعصبي جدا, في قلبي أوجاع كثيرة, أريد أن أصرخ. كل فيلم لي هو صرخة. كأن أقول " آآآآآآآآآآآآآ " هذا كل فيلم لي. ولكني مجبر أحيانا أن أصنع الفيلم بكل لطفي وصمتي وشاعريتي. ولكن رغمها يوجد العنف. هنالك عنف في أفلامي, هذا يتأتى من العنف في حياتي, منذ ولادتي وحتى كبري كشخص وكعائلة تعرضت للعنف. عانيت الألم. هذا الألم عشش في دمي وجسدي وروحي. أريد أن أطيح بتعقيدات 36- 37 سنة من حياتي. أريد أن أفرغني. أريد إخراج هذا الصراخ الداخلي. إن شاء الله سيأتي يوم ينتهي فيه صراخي. حينها سأصنع أفلام العزلة وحدها. ثقي أن أفلامي هذه لا ترقى إلى مستوى صراخي. حين تكون أفلامي موازية لصراخي يجب أن تكون كبيرة وقصيرة. أحيانا أنصب نفسي رقيبا على نفسي. لأجل الكورد, الحكومة الإيرانية, والإسلام أحجب نفسي وأقيمني رقيبا على نفسي وأفلامي. وذلك لا يسمح لصراخي أقصد أفلامي أن تكون كبيرة. للأسف ليس هذا الزمن مواتيا لصناعة أفلام وفاقا للمشيئة. المجتمع الكوردي والحكومتان العنصريتان الإيرانية والتركية تتحملان 50 % من مسؤولية رقابتي على أفلامي. وأنا لا أريد ان أكون مقسوما. لا أحب المحاربة بعنف على جميع الجبهات. أشكو بدقة. أسخر. أعترض. وأقدم الصراخ.
فاطمة سافجي: نحن نعي لماذا يتحول الآخرون سببا في رقابتك على أعمالك, ولكن بأي طريقة يتحول الكورد إلى مسببي تلكم الرقابة؟.
كوبادي: مشاكل الكورد كثيرة. إني إذا صنعت أيما شيء ستعترض عليه جماعة صغيرة, وتقول : لماذا تتصرف هكذا؟. البعض يقول: لماذا تغني النساء في أفلامك .. هذه خطيئة؟. البعض يقول: لماذا تقدم الأطفال في أفلامك مبتوري الأيدي والأقدام للعالم وتريهم الكورد بهذه الصورة؟. يريدونني أن أصنع أفلاما عن حقوق المرأة, والظلم, والعنف الواقع على المرأة الكوردية من الرجل الكوردي برأيهم يجب ان يكون موضوع أفلام. ولكن بعض الأشخاص يقول : لا تقدم الكورد بهذه الصورة للعالم.
هنالك ثقافة وتاريخ عظيم وكبير للكورد, ولكن للأسف الثقافة السينمائية غائبة لدى الكورد.
لدينا فقط الغناء والمقولات. لا كتب. لا صور. فقط الكلمات. باختصار أنا لا أستطيع صناعة مشهد وفاقا لطموحي. لا أستطيع جمع شخصين يقبلان بعضهما ويمتعان بعضهما في مشهد سينمائي لي. هذا ممنوع علي. ولهذا يعترض الكورد يعترضون على هكذا موضوعات. أنا اصنع الأفلام الإنسانية فقط. فقط هذه.
فاطمة سافجي : هل تستفيد من الكتاب, القصاص, والروائيين الكورد حين تصنع فيلما؟.
كوبادي: لا. فقط أعرف أحدهم م. عطا نيها , وهو شاب ذكي جدا وحسن. ولكن يجب أن نخلق كتاب السيناريو . لا يوجد لدينا نحن الكورد كتاب السيناريو. الكتابة والسيناريو قسمان فنيان مختلفان. علمان مختلفان. ربما بعد خمس – عشر سنوات يخرج من بيننا سيناريست مثلي. لو أطلب مثلا من شيركو بيكس كتابة قصيدة لي فهذا لا يجوز. أنا أخرج إلى المجتمع وأرى ما هي المسألة. ما هو الموضوع. كيف أحوله إلى فيلم, ولكن ضروري, ضروري جدا جدا أن استفيد من الأدب والتاريخ الكورديين.
أنا إلى الآن صنعت أربعة أفلام. أنا أحاول الآن صناعة أفلام عن حكايتي وتعقيداتي. إن شاء الله بعد سنتين – خمس سنوات قد تتأسس شركات إنتاج كوردية ضخمة, حينها سأصنع أفلاما عن التاريخ الكوردي وأفلاما مستقاة من الروايات الكوردية واستلم من الكتاب الكورد أعمالهم, ولكننا بكل تأكيد نحتاج الآن إلى كتاب السيناريو. يجب أن يكون لدينا الذين يجيدون تقنية السيناريو. لدينا قصص كثيرة, ولكنها يجب ان تكون بتقنية السيناريو حتى نستفيد منها. لي أخ يدرس قسم السيناريو في فرنسا مثلا. إذا ما تعلم هذا العلم سيساعدني.
فاطمة سافجي : السيد كوبادي بماذا تشعر بعد إنهاء كل فيلم. أنت قلت خلال حديثك أنك تصنع الفيلم من وجعك, من صراخك. حين تصنع فيلما بمعنى : حين تخرج صرخة. ألا ترتاح قليلا؟.
كوبادي : أبدا لا . لا . بعد إنهاء الفيلم لا ارتاح أبدا. بعد الفيلم تبدأ أشياء صعبة. يجب أن نعرّف بالفيلم. اذهب إلى المهرجانات. أجري حوارات وأشياء أخرى , وهذا أصعب من صناعة الأفلام. ثقي.. لم أقضِ يوما من الراحة . لا. لا. لا... لا يقل صراخي أبدا لأنني أريد أن أعمل أكثر. الآن لدي ستة مشاريع سينمائية أريد أن أنهيها, وحين أنهيها وبدون أن أرتاح ليوم واحد سأبدأ بمشاريع أخرى. ثقي ليس لي يوم ممتع في الحياة. أنا طموح, دائما أطلب الأشياء الكبيرة. أنا أحاول ان يكون لدي عند موتي عشرون فيلما, وليس خمس – ست فقط, لهذا أطلب من الله أن يمد في عمري.
فاطمة سافجي: أنتم تقدمون شخصيات النساء بشكل جيد في أفلامكم وتستعرضون معاناتهن. ماذا تشكل المرأة بالنسبة إليكم؟.
كوبادي: المرأة بالنسبة إلي هي إله. إله على الأرض. المرأة هي الإله بذاته. خالقة.
والدتي أنجبتني. صنعتني. إلهتي هي والدتي. بعد الله والدتي هي الإلهة التي على الأرض. اسم والدتي إيران. اسمها هو اسم البلاد التي أعيش فيها. والدتي فتحت عيني على الدنيا وأرضعتني حليبها. بالنسبة إلي المرأة هي في الأعلى. في الأعلى جدا, والرجال هم في الأسفل.
بالنسبة إلي المرأة والرجل مختلفان جدا. قدما المرأة : أحدهما في الأعلى والآخر في الأسفل. هي شيء مثل الملاك بالنسبة إلي. المرأة هي كائن أرضي وسماوي في نفس الوقت.
فاطمة سافجي: الأخ كوبادي.. هل لديك مشاريع سينمائية حول حياة شمالي كوردستان؟.
كوبادي: لدي مشروع عن قصة حياة رجل وامرأة في السجن. يجري الفيلم بنسبة 7% في استنبول و40% في ديار بكر, ولكنني لا أزال أعمل في سيناريو الفيلم. محتمل أن أجري تغييرات. مشروع كبير , وآمل أن يعطي نتيجة جيدة.
بعد فيلم " الطريق" ليلماز غوناي ليس لائقا صناعة أفلام صغيرة هنا. سنوات كثيرة انقضت لم تصنع فيه أفلام جيدة عن كورد تركيا. آمل أن اصنع فيلما كبيرا.
فاطمة سافجي : كأن هنالك انجذابا في كوردستان إيران نحو السينما. أليس كذلك؟.
كوبادي :صحيح. هو كذلك. هنالك تأثير للسينما الإيرانية على مجتمعنا. نحن لا نستطيع إنكار هذه الحقيقة. أنا أعرف ثلاثمائة وربما أكثر من الشباب الكوردي الذين على علاقة بالسينما, هؤلاء الشباب يعيشون في بانه, سنه, مهاباد , وكلهم يصنعون الأفلام أو يرغبون في صناعتها. لديهم تجاربهم الجيدة وهذا سيتطور.
في كوردستان العراق يتطور هذا الاهتمام بالسينما أيضا. أصبح جيدا. أنا أسمع أن بين كورد تركيا من الشباب من يريد صناعة أفلام, ولكن لا يدعمهم أحد. تركيا لا تدعمهم.
إن شاء الله سيكون هنالك دعم جيد يوما ما, وستصنع السينما في جزء كوردستان الكبير هذا ( كردستان تركيا ) بشكل افضل.
فاطمة سافجي : أفكر بوجوب أن يكون لنتاج أي فنان / فنانة قيمة ما لديه / لديها. ماذا يعني فيلم " الهلال " لك ؟.
كوبادي : أقول أن أكثر أفلام السينما الكوردية كرديةً هو فيلم " الهلال ". هو قريب جدا إلى حياة الكورد اليوم. فيلمي الأكثر احترافا . وهو فيلم اجتماعي.
فاطمة سافجي : قيل في الإعلام أنكم تعانون بعض المشاكل الصحية. معافى. هل تستطيعون إعلام محبيكم بشيء في هذا الموضوع. سيما وانهم قلقون عليكم؟.
كوبادي : في الشهر الثاني كنت في النمسا. مرضت جدا. قضيت أسبوعا في المشفى. عانيت صداعا سيئا, لم اعلم ما هو. يتوجب خضوعي للفحوصات بعد أسبوعين في طهران. أجهض عقلي كثيرا. أغضب كثيرا. أفرح كثيرا. واعمل بلا نظام .. ربما هي مجتمعة أسباب المرض.
فاطمة سافجي : معافى مرة أخرى. وأتمنى أن تنجز جميع أحلامك وتكون ناجحا دائما وشكرا لأجل الحوار؟.
كوبادي : وأنا أشكرك أيضا.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |