لقاء مع الشاعرة الفلسطينية رانة نزال أجراه في عمّان مدني قصري
2007-06-16
تجربة تمتد إلى الجيل الثالثمن الشتات الفلسطيني
الشاعرة رانة نزال :
المرأة الأنوثة؛ شمس عندنا ...هي نهر ونخلة ونحلة، والبحر غامق غامض
رانة نزال شاعرة مكافحة، معاندة، طموحة، حرونة، مضطربة، قارئة، ذكية، وإنسانة تمقت الحياة الراكدة وتعشق الحياة النابضة. إمرأة خبِرت معنى المعاناة ودلالات الكفاح والمثابرة. شاعرة تمارس في تلقائية حسّها السادس، بوعي وبغير وعي، وتوظف هذا الحس النادر في ما هُيّء له أصلا ألا وهو الغوص في البعد الرابع للأشياء الذي لا ندركه بحواسنا الخمسة.
من يقرأ شعر رانة نزال، الغامص أحياناً، يدرك أنها في قصائدها تتحول إلى وسيط بين عالمين، واحد مللنا منه لفرط ممارستنا له، وآخر لو خبِرناه وفهمناه لتغيرت أشياء كثيرة في حياتنا. فهل أدركت شاعرتنا هذا العالم حقاً ؟ .
* ديوانك الشعري الأخير عنوانه "مزاج أزرق"، لكنه لا يتضمن من هذا المزاج سوى لون الغلاف....اللهم إلا إذا كان للأزرق دلالة خاصة في حياتك، أو إن شئتِ... في شعرك.
- قد يبدو للظاهر أن ليس في الديوان من التسمية إلا اللون الخارجي للغلاف الذي تزيّا بالزرقة، إلا أن التسمية تفيض على الديوان بدلالاتها، فالزرقة أول الفجر الخيط الأبيض منه الذي يحمل أزرق السماء، وأزرق البحر، وأزرق الحياة التّوق إلى آخر سماوي لا نعرف كنهه ونعلّق عليه أشجاننا، ونتعالق مع فيوضاته فيه إذ نحمله تشهّي الأنبل والأجمل والأكمل، ونمتاح من زرقة، نحوّش الزرقة بين اليدين وندخرها في العينين لنحلم، ونسرح، نصفن في جدلنا الدائر بين الواقعي والمحلوم، كنت انسكنت بالمرحلة الزرقاء عند بابلو بيكاسو بقسوتها، وزرقة الموت فيها فالجسد يزرق عندما تغادره الرّوح .. وفي الديوان من الموت فقد الجدّة لجهة الأب، والجدّ لجهة الأم، فيه بعض نبض الموت الحياة، وفيه مزاج الأزرق المعلّق في العيون المشرئبة للغد الآتي من خيط البياض المزّرق بعد مجاهدة الليل المعتم.
* ما أكثر الغرف في عقلك، ولكل غرفة مفتاحها على ما يبدو، فهل فتحتها جميعاً؟
- لن يمكنني ذلك، وإنما أنا أجهد في الفوص على الغرف واحدة .. واحدة.
* فوّضت أمرك للشك، إيماناً منك أن الشك مفتاح اليقين، وهذه مفارقة. أليس الشك في حد ذاته يقين ؟ وهل أنت تائهة في هذا الكون يا رانة ؟
- تأتي الإجابة من تضاعيف الديوان حيث أقول فيه:
" والتيه درب للصمد
والآه مفتاح الأبد "
التيه بمعنى الكشف، بمعنى العين التي ترى الكون بعينها مطلب، وغاية، والتيه بمعنى الضلال في السطحي من الكلام لست منه بشيء إذ أعرفني من حيث معرفتي بأشواقي وأشواكي معاً، التيه البحث .. التيه الدرب .. التيه الحيرة غاية .. غاية مراقٍ ومعاريج، فليكن .
* قصائدك ألوان من الحياة، والحب، والضجر، ومن تساؤلات وإجابات فلسفية، ومن المتعة غير المكتملة أيضاً. هل المرأة كائن يعاني من قلق الخِصاء ؟ ثم هل الرجل في رأيك يعاني الخصي النفسي، لكن من حيث لا يدري (هذا ما يؤكده التحليل النفسي على أية حال، وإلا لما كان "عدواً كامناً" للمرأة).
- توق التشارك بمعناه الوجودي، الآخر الأصيل أصالة نفسية وحقيقية هو شاهدي ومتبصري وتوقي، وعدم اكتمال الكتابة في الديوان من حيث الرؤية لغيابه الحقيقي، لتشظي في البحث عنه، وأما خوف انمحائه وتلاشيه فلا يسكنني، ولا يؤرقني إذ الروح في بحثها عن الوليف .. عن النصف الآخر أشد شقوة في عصرنا لأن حضارة – بين قوسين- تكّرس الرجل بالشكل الذي يبقيه على السطح .. ويحرمه الغوص على النفائس من الروحانيات التي صنوه فيه المرأة، يجعل العالم بأكمله يعاني ما يعانيه من تمزق، وطبعا المسألة أعقد وأكثر اشتباكاً مما قد يبدو من هذا الكلام العام، لكنه بالمعنى الوجودي يلقي الضوء وبأقل الأحوال على توقي الشخصي إلى اكتمال الرؤية، ولن يغيب عني أن أشير هنا إلى القصائد تمت إلى سنوات من القيظ والجهد في إثبات الذات بالمعاني الواقعية المرتبطة بمعنى النجاح لا النجاة وبالتالي عانت من الحرمان في هذا الجانب، والافتقار بسبب الانشغال إلى التوسد على فكرة الآخر الرؤية، لإنشغالها بعقدة نقص مرتبطة بإثبات الوجود، والآخر الخصي موجود كحقيقة وببساطة تناسبه الأخرى الخصية.
* الأرقام في شعرك وكأنها مفاتيح قصائدك السرية. هل لهذه الأرقام دلالة عميقة في ذاتك :سبعة، ثمانية، أحد عشر، ثلاثة وعشرون، أربعة وعشرون، تسعة وثلاثون، أربعون، ستة وستون، تسع وتسعون الخ...؟ بمعنى آخر، هل أنت تعين الرمزية الشمولية لهذه الأرقام، أم أن للأرقام دلالة خاصة لا يفهمها غيرك؟
- تتقاطع كلا المسألتين، الرقم بدلالات الخلق، وبدلالاته الفردية، والرقم لمجرد كونه رقماً، وبالفعل هي أرقام مفاتيح في عالمي.. والرقم من حيث كونه رمز يهمني لأننا نتحصن خلف دثار من الرمزية التي نتحامى بها من القول / القول ، القول الصريح الجسور ففي عالم رايته خائبة وممزقة يظل لمن لم يتعالق بعد مع قضية ما هجس يشغله .. ويشاغله بأن يقول ولا يقول.
* وفي شعرك أيضاً ألوان كثيرة تحمل دلالات عديدة، وهل الأخضر هو لونك المفضل ؟
- نعم .. الأخضر الراية التي ترفرف، ففيّ إنسكان بالفتح، فكرة وواقعا وتاريخاً ورايته رايتي القديمة الملوحة في أعماقي فأنا امرأة عربية مسلمة تعتد برايتها، بسكينة بنت الحسين صاحبة أول صيوان أدي، بليلى الأخيلية، بولادة وكلهن راياتهن خضر مرفرفة.
* البحر رمزٌ للمرأة وللقمر أيضاً. فهما مؤنثان في كل لغات العالم على ما أذكر إلا في لغتنا العربية. هل عرفتِ السر؟
- أحب شمسي المؤنثة في لغتي العربية، وكذا النهر العذب المؤنث، وأحب الطريق المؤنثة، نعم أعرف السّر فالمرأة الأنوثة شمس عندنا ... هي نهر ونخلة ونحلة، والبحر غامق غامض، وكذا القمر متصحر وصخري ضوءه من الشمس، هي مجرته .
* الحب كذبة، في شعرك على الأقل، فهل السُّكّر أو العسل أحلى من القبلة ؟
- طبعا .. والحب كذبة لطبيعة الآخر الذي التقيت في حين هو – أي الحب - الحقيقة العميقة التي تمنح الحياة وجهها الباش، وغيابه لقصور في تجربتي مع الآخر.. في حين موجود ولعلي أقود الدراما التي تخصني بإقصائه، في حين هو متجسد في دواخلي، حاضر في كل من مرّ، وقصوري حال دون تمظهره وتجليه، واعتناقي يقين التوق والتعلّق بأهداب السماء يحرمني فرصة الأرضي، إذ الدرب عندي يبدأ من هناك لأعود إلى الأرضي ل بالعكس .. فالأرض صورة .. أشباح تتحرك في برازخها.أنا بي شوق البرزخ لا تمظهره.
* أنت لا تُقبّلين سوى الجدران والأحجار والأشجار والأطفال ! هل هي الأجدر ؟
أقرأ المزيد
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |