حوار مع الباحث الأردني د.هشام غصيب
2007-07-31
بالحداثة وحدها نعود إلى التاريخ
علينا الإعتراف بالتخلف
في بحثه الجسور (تملّك الحداثة)، طرح د. هشام غصيب (الأردن) أفكاراً وأوضاعاً مخيفة تعيشها المجتمعات العربية دون استثناء وتجعل منها اليوم (عالة) على الحضارة الحديثة مشيرا إلى المأزق التاريخي الذي تعيشه النخب السياسية والثقافية لعدم فهمها وإدراكها الجوهر الحقيقي للحداثة ،داعيا في الوقت نفسه الى تثوير مفاهيمنا ومعتقداتنا والولوج الى عصر العلم بالسرعة القصوى .
في الرقة، وعلى هامش الندوة الفكرية التي أقيمت فيها تحت عنوان ( سورية في عيون المثقفين ) كان لنا معه هذا اللقاء:
س : تملك الحداثة عنوان واسع وعريض فلسفيا ماهو المدخل الثقافي إليه سيما وأنت المتخصص بالفيزياء..؟
ج : في البداية أنوه إلى أنني قد دعيت بصفتي كمنخرط في العمل الثقافي والفلسفي وليس لصفتي العلمية أو الأكاديمية كرئيس لجامعة أردنية .
تملك الحداثة هو مشروعي الذي أعمل عليه منذ سنوات وكل مأاقوم به أو أنجزه يصب فيه , هذا المشروع له أبعاد متعددة ولكنه منطلق من فكرة أساسية هي ضرورة الاعتراف بالتخلف،
إن لم نعترف بأننا متخلفون وخارج التاريخ قياسا إلى الأمم الأخرى فلن نكون قادرين على تملك الحداثة والمشاركة في صنع الحضارة الحديثة .
س : الاعتراف بالتخلف عبارة استفزازية قد تجد لها الكثير من الأعداء كيف يمكن صياغتها كخطاب ثقافي ؟
ج : أنا افترض , وهذا واقع , إن هناك تغيبين يطبعان الحاضر العربي :
الأول : إن الجيل الجديد بات عاجزا عن الشعور بالتخلف وهو متآلف معه على اعتباره أمرا طبيعيا وهذا لم يكن حال الأجيال في الستينات والسبعينات من القرن الماضي أيام المد القومي واليساري حيث كان هناك شعور ممض بالتخلف مما استدعى الكثير من الأفكار والمشروعات لتحقيق نوع من التقدم ، للأسف هذه العقلية التنموية تراجعت لصالح عقلية طفيلية لا تشعر بالحاجة إلى التقدم ولا تشعر بان هناك مشكلة بالأساس رغم إن كل المؤشرات تدل على إن التخلف موجود وهو يتعمق بالمجتمعات العربية ومن يشكك بذلك عليه الرجوع إلى الإحصائيات التي تصدرها المنظمات الدولية حيث سيجدون تدنيا مريعا في الوطن العربي على كافة الصعد مقارنة مع الأمم الأخرى ، فعلى سبيل المثال إن دولة أوربية صغيرة كاليونان تتفوق على الوطن العربي من حيث الإنتاج الصناعي أو المعرفي أو العلمي وما هو مؤسف أكثر إن الكيان الصهيوني وحده ينتج مايزيد عن العالم الإسلامي برمته من الأبحاث العلمية نوعا وكما .
الثاني : عدم إدراكنا كمجتمعات أو مثقفين لمدى الشرخ الذي أحدثه في الوعي العربي بروز الحداثة في الـ/ 400/ سنه الماضية.
فالحداثة جاءت نتيجة لجملة من التطورات في سياق بناء الرأسمالية الصناعية الأوربية ، لقد كانت ثورة فكرية عارمة في الثقافة البشرية وللأسف فإن معظم العرب لايدركون ماحصل في أوربا من ثورات ثقافية وعلمية.
هذين التغيبين هما المشكلة الكبرى وهذا مايجعلنا نعيش فضيحة تاريخية علينا الاعتراف بها كخطوة أولى نحو التقدم .
س : ماذا بعد الخطوة الأولى ( الاعتراف بالتخلف ) كيف سنعود إلى التاريخ ؟
ج : نعم كيف سنعود إلى التاريخ ، كيف نستعيد أنفسنا كبشر تاريخيين .. هذه هي المهمة الكبرى التي تنتظرنا..!!
لقد خرجنا من التاريخ منذ قرون ولم نعد إليه حتى الآن ، وللعودة إليه علينا أن نفهم كيف نتحول إلى ذوات على صعيدي الفرد والجماعة،أي نتحول من مفعول فيه إلى فاعل يسهم في بناء الحضارة، بكلام آخر، كيف نبني الدولة القومية القادرة على خلق التنمية وتنظيم الإنتاج والانتقال بنظمنا السياسية والاقتصادية والثقافية من موضوع إلى ذات و كيف نصنع من الفرد العربي ذاتا فاعلة قادرة على الخيار والاختيار ..
هذه هي المهمة التاريخية التي تنتظرنا وهكذا نعود إلى التاريخ .
س: كيف يمكن ربط ذالك بالحداثة ؟
ج : الحداثة منظومة متكاملة جوهرها العلم والفلسفة وعمرها اكثر400 سنة ولا يمكن أخذها جزئيا، وتملك الحداثة مغامرة نقدية كبيرة يمكن لها أن تعرض الكثير من المعتقدات والنظم المقدسة إلى الدمار ورغم هذا ينبغي خوضها بجرأة ولا خيار لنا سوى ذلك إن أردنا بناء أنفسنا ذاتا مستقلة والتحرر من سطوة الغرب والدخول في التنمية والتقدم .
الحداثة لم تأت صدفة، لقد حصلت بعد لحظات حاسمة في التاريخ الحديث وبعد ثورات مختلفة في أوربا علمية وثقافية وسياسة واقتصادية واجتماعية ولكن الثورة الأهم، برأيي، التي قادت إلى تملك الحداثة هي الثورة الثقافية التي اقسمها إلى 3 أنواع :
ثورات ثقافية أو ماسمي بالنهضة الأوربية وهي التي قادت إلى رفع لغة الجماهير إلى مستوى الخلق الحضاري .
الثورة العلمية الكبرى التي قوّضت أركان الفلسفة الطبيعية القديمة وأقامت على أنقاضها محورية المنهجية العلمية وا لثورة الفلسفية التي صاحبت الثورة العلمية في القرنين السابع والثامن عشر
أوربا أيضا مرت بثورات أخرى اقتصادية كالثورة الزراعية في بريطانيا وصناعيا وسياسيا كالثورات البرجوازية في هولندا وثم بريطانيا وفرنسا وألمانيا .
إذا عاشت أوربا سلسلة من الثورات في خضم وصولها إلى الحداثة وللأسف فما زلنا نحن العرب ندور حولها بعيدين كل البعد عن جوهرها وهما العلم والفلسفة أي اكتشاف الطبيعة واكتشاف الإنسان، لم نجابه الحداثة ولم نحاول اقتحامها وهذا مأابقانا متقوقعين على ذواتنا وتصوراتنا الخاصة بالتاريخ .
علينا أ ن نستنبط من دراسة تاريخ الشعوب الأخرى المهمات الملقاة على عاتقنا وذلك كخطوة لابد منها لتنفيذ مشروع نهوضي عربي .
س : ثمة من يعتقد أن تملك الحداثة هو في امتلاك التكنلوجيا الحديثة ؟
ج : نعم علينا إعادة بناء الإنسان بالعلاقة مع التكنولوجيا ولكن موقفنا من التكنولوجيا موقف خاطئ لأنه مجتزئ وينظر إليها على أنها مجموعة من الأجهزة يمكن اقتنائها وبأخر صرعاتها
نتحدث عن العصر الرقمي ونحاول تملك هذا العصر بتملك احدث الأجهزة والبرمجيات وما شابه وكل ظننا إننا تملكنا مفاتيحها ولكننا في الواقع لا نمارس سوى الدوران حولها ،لم نفهما ولم ندركها كمنظومة تاريخية .
البارحة استشهدت برئي الفيلسوف الألماني هايدكر الذي وصف التكنولوجيا بأنها المرحلة العليا من مراحل الميتافيزيقا ( الفلسفة ) الأوربية..
ماذا يعني هذا ؟ يعني أن أي ظاهرة تكنولوجية لايمكن عزلها عن مجمل الإطار الذي تخلّقت فيه فالعصر الرقمي احتاج إلى تطورات كبيرة في علم الرياضيات وفي المنطق الرياضي وفي الفيزياء الحديثة وهذه كلها تطلبت تطورات أخرى منها تطور الفلسفة .
إذا نحن أمام منظومة كاملة اسمها الحداثة عمرها أكثر من 400 سنة ولا يجوز التعامل معها جزئيا ثم القول بأننا صرنا قادرين على استيعابها .
س : قلت أن جوهر الحداثة أمران: اكتشاف الطبيعة واكتشاف الإنسان، كيف توضح ذلك ؟
ج : اكتشاف الطبيعة بوصفها نظام فيزيائي تحكمه القوانين ويمكن إن يعرف بالمنهج العلمي وأعني وحدة الرياضيات مع التجربة وهذا ماسيقودنا إلى إدراك الطبيعة كنظام فيزيائي تحكمه قوانين معينة و تنتجه ظاهرات مغايرة لبعضها ويمكن تفسير هذه الظاهرة بالعودة إلى هذه القوانين .
اكتشاف الطبيعة بهذا المعنى العلمي ركن أساسي من أركان الحداثة ونحن حتى الآن لم نكرس هذه المعرفة في حياتنا أو في تفكيرنا .
لقد تحولت المعرفة اليوم في المجتمعات المتقدمة إلى صناعة ، بل إن أفضل محرك للاقتصاد العالمي اليوم هو صناعة المعرفة .
لقد اكتشفت الحداثة الإنسان بصفته ذات فاعلة وفرد قادر على التغيير وبصفته قوة اجتماعية طبيعية إضافة لكونه مصدر وصانع للتاريخ أي بصفته عقل وكائن تاريخي .
اكتشاف الإنسان بهذه المعاني بمعنى ذات تنتج قيمته من ذاته وليس من عشيرة وقبيلته أو مهنته أو ماشابه بل من إنسانيته التي هي امتياز ودلالة على إنها قيمة تنبع من باطن الإنسان وليس من خارجه
إن إدراك قيمة الفرد وإدراك أن الإنسان هو محور الحياة البشرية بمعنى انه محور التاريخ هو جوهر الحداثة وإدراكها تربطه بذلك قضية علمنة الفكر ففي أوربا تطور الفكر بانتقال من محورية الذات الإلهية إلى محورية الذات البشرية وهذه مرت بعدة محطات : الذات مصدر اليقين ( ديكارت ) والعقل منظم العالم( كانت) والإنسان مصدر الوجود بحد ذاته ( هيكل) .
المطلوب منا الآن استيعاب هذه المنظومة بأبعادها المختلفة وهذه مغامرة كبيرة اسميها ( الاستغراب) لابد علينا من خوضها بكل جرأة رغم أنها عملية نقدية محفوفة بالمخاطر وسوف تؤدي إلى تفجير الأفكار والأطر المفوتة التي مازالت تحكم حياتنا.
الحداثة ثورة ثقافية دائمة .. نقد دائم .. بل نقدية مطلقة .
08-أيار-2021
12-آذار-2016 | |
21-تموز-2012 | |
05-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 | |
24-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |