د . بشار خليف يحاورالدكتور محمد بهجت قبيسي حول فقه اللهجات العربيات
2007-10-24
الدكتور محمد بهجت قبيسي باحث وأستاذ في اللغات العربية القديمة، بدأ بالتعبير وطرحمنهجه منذ حوالي عشر سنوات أو أكثر، عبر كتابه (( فقه اللهجات العربيات )) الصادرعن دار شمأل بدمشق.
ويعتبر الدكتور قبيسي باحثا" لغويا" لايأخذ بما طرحته أدبيات الاستشراق حول اللهجات العربية القديمة الا بما كان موضوعيا" ويماشي الحقائق العلمية والتاريخية .
والحقيقة أن منهجه ساهم في خلخلة السائد من المفاهيم التي تعوّدت عليها الأدبيات التاريخية العربية .
هذا الحوار هو رصد ورؤية بانورامية لمنهج الدكتور قبيسي.
è - لو شئنا مقاربة التطور اللغوي – الكتابي في منطقة المشرق العربي وبحسب دراساتكم وأبحاثكم، هل نحن أمام لغة أم، انبثقت عنها لهجات عديدة ؟ ما هي هذه اللغة العربية القديمة جداً ؟ الأكادية أم السومرية ؟
طبيعة السؤال يجب أن نقف عندها، أولاً، يجب أن نفرق بين اللغة والكتابة، فأنت دمجتهما معاً وكأن الموضوع موضوع واحد. فاللغة شيء والكتابة شيء آخر، يجوز أن أكتب اللغة العربية الفصحى بخط لاتيني وتسمى لغة عربية، وهذا دليل ذلك: قبل عشرون عاماً كانت كافة البرقيات ترسل من سورية إلى أمريكا اللاتينية بلغة عربية لكن بحرف لاتيني.
إذاً يجب أن نفرق ما بين الكتابة واللغة، وهنا نرجع إلى الثابت الأساسي الذي نعتبره من البدهيّات، بأن اختلاف نمط الخط لا يدل على اختلاف اللغة، كما أن وحدة نمط الخط لا تدل على وحدة اللغة. والأمثلة من التاريخ القديم لدينا واضحة جداً. وسأتكلم فقط عن العربية الفصحى وهي معروفة لدينا.
لقد كتبت العربية الفصحى بعدة أنواع من الكتابات، كتبت بخط الجزم الذي نسميه الخط العربي، وكُتبت بالخط السصرياني السطرنجيلي وسميت بالكرشونية نسبة إلى قريش والتي كان يتكلمها بنو ربيعة في شمال العراق قبل الإٍسلام، وهذا هام جداً فقبل الإسلام، العرب موجودون في شمال العراق.
إذاً كُتبت بخط الجزم، وكتبت بالخط المسند، وكتبها ورقة بن نوفل أيضاً بما سمي بالخط الآرامي المربع أو الخط العبري، هذه ثلاثة أمثلة...
رسالة الرسول محمد ( ص ) لأهل اليمن كانت بالخط المسند، الوثائق موجودة، تجدها في الكتاب لديّ.
لدينا الكثير من الأمثلة، ومنها نقش هام جداً يدعى نقش "رم 2 "، نسبة لجبل رم شمال خليج العقبة، وجدوا نقش مكتوب باللغة العربية " باللهجة العربية العدنانية كمصطلح دقيق ".
كانوا يتكلمون اللهجة العربية العدنانية أي الفصحى، وكُتبت بخليط من المسند السبئي أو اليمني، ومن خط الجزم، والهيروغليفي. نقش واحد، عد إلى كتابي تجد: " قاد علي جيشه، وانتهى بأرض ترى لكلب، جيشه عدا إلى الكمه ( الكمه تعني مصر، فاسم مصر بالنقوش هو الكمه ) سطر كوم ( وما أكثر الكومات في مصر " إشبين الكوم " مثلاً )، الراعي الرب.
قاد أتت بخط مسند، عليّ أتت بخط الجزم، الراعي الرب أتت بالخط الهيروغليفي.
إذاً اختلاف نمط الخط لا يدل على اختلاف اللغة كما أن وحدة نمط الخط لا تدل على وحدة اللغة.
وكمثال على وحدة نمط الخط، فإن كافة اللهجات الجرمانية اللاتينية تكتب بخط واحد سميناه الحرف اللاتيني، لكن هذه لغة والأخرى لغة. إذاً الموضوع الكتابي شيء واللغوي شيء آخر.
عندما أجد أي نقش بالكتابات القديمة سواء كانت مقطعية كالأكادية التي كتبت بالمقطعية المسمارية، أو ما بين المقطعية والهجائية كما في الهيروغليفية، الآن لدي مشكلة كبيرة جداً في عملي وهو ما نسميه إشكالية اللفظ، مثلاً عندي نقش أجاريتي أي بالأبجدية الأجاريتية، وجدت حرفي صاد وضاد، هنا قد يستغرب البعض وجود حرف الضاد !! نقول نعم ويجد صوت الضاد، وسنأتي على أمثلة، وجدنا الصاد أو الضاد تلفظ باللفظتين، وسنعطي مثال على ذلك، وأيضاً على الراء والتاء.
مثلاً صرّة وضرّة، إذا قرأتها حسب قراءة البعض الذي ينكر وجود الضاد، تقرأها صرّة، ليثبت صوت الضاد تقرأها ضرّة، وجاء في القاموس ضرّة هي الزوجة الثانية للرجل. فهل الزوجة الثانية للرجل أقرب لأن تكون ضرّة أم صرّة؟ بمعنى آخر اللفظ السليم يجب أن أسمعه في الأذن أولاً وفي اللسان ثايناً، أما الكتابة فهي وسيلة للتذكير فقط.
إذاً، أنا أمام مشكلة في الكتابات القديمة حيث أنني لا أسمع كيفية اللفظ، فكيف أغطي هذه المشكلة ؟
الواقع لدينا وسائل مقبولة نوعاً ما، بقي لدينا من هذه الألفاظ المتداولة سواء آرامية أو كنعانية أو أكادية أسماء المدن والقرى، فاسم دمشق، فيه تواتر لفطي، أذكر مرة كنا في مؤتمر المؤرخين العرب في القاهرة، اختلفوا في قراءة جِدّة أم جُدّة أم جَدّة، وقامت المشاكل بين المؤخلين العرب، فكانت لي مداخلة بسيطة جداً، وقفت وقلت لهم أنا لست من الحجاز، من منكم ابن جِدّة أو جَدّة ؟ وقف أحدهم وقال أنا، قلت له كيف يلفظها العامة لديكم ؟ قال جِدّة ( بالكسر )، قلنا هذا هو اللفظ السليم لأن فيه تواتر لفظي.
مثلاً في تونس للآن يقولون " حنا بعل " ولا يقولون " هنيبعل".
سأستشهد بالمستشرقين أيضاً، لدينا كتاب اسمه " ليشانوم أكاديتموم [ Introduction To Akkadian ] " لريشارد كابس، أظن في الصفحة 112، يشير بأنه لدي مقطع من المقاطع وهو يمثل الـ أ الألف نفس الشكل يمكنك لفظه بخمس حالات تلفظه: ألف، ها، حاء، عين، غين. أي إن أتتني كلمة وقرأها مستشرق " إقلم " أنا لي الحق أن أبدلها: " حقلم " أو " هقلم " أو " عقلم " أو " غقلم ". لكن يقول لي بجانب هذه الكلمة " إقلم " معناها " حقل "، وبالتواتر اللفظي أنا عندي كلمة " حقل "، إذاً أستطيع أن أقرأها " حقلم ". المشكلة في الكتابة الأكادية واضحة جداً في ثلاث حالات، لدي المقطع الأكيد ذي الخمسة ألفاظ:
المقطع الذي قلته سابقاً " هاء أو عين .. " همزة أو هاء أو حاء أو عين أو غين.
المقطع " القاف, والكاف، والجيم، وال " تستطيع أن تقرأه بالحالات السابقة جميعاً.
المقطع الذي لم يأتوا إليه وهو صوت الصاد إذ يمكن أن أقرأها ضاد.
فيجب إذن أن أستعمل ما هو متواتر. أيضاً، وجدنا في الكتابات الإبلاوية كلمة " حامضوم " = حامض، وكلمة
" وضاءوم " = وضاء، فهل من المعقول أن تكون " وصاءوم " بمعنى استعمال الماء ؟ ، وهل من المعقول أن تكون " حامدوم " بمعنى الطعم الحامض !!. لا يمكن لأنه لدي مدلول آخر لهذه الكلمة مثلاً كلمة " حَمَدَ "، هذا ما تقف أمامه في هذه الكتابات.
سأرجع إلى سؤالك مرة أخرى، نقول نعم لدي لغة أمّ.
هنا يأتيني بعض الكتاب العرب، ويقولون أن اللغة العربية هي اللغة الأم، بمعنى الفصحى، وهي لغة أهل الجنة، هذا كلام بعيد عن المنطق، وحين رجعت إلى بعض من ينسبوها بأنها حديث وجدت بأنه حديث ضعيف لا يؤخذ به.
لا شك تختلف اللهجات حتى باختلاف القرى من قرية إلى أخرى، قد تكون المسافة بنهما لا تتجاوز العشر كيلومترات.
ابن دمشق يقول " لبنان "، وابن عربين يقول " لبنون "، ابن لبنان يقول " لبنين " .
الموضوع أنه هناك لهجات تختلف وخاصة بالأحرف الصوتية، أو بالأحرى ألف المدّ، الألف والواو والياء هنا لدي إبدالات، فأقول [ دار ] أو [ دور ] أو [ دير]، صحيح أنه بعد ذلك أخذت كل منها مدلول آخر مختلف لكن الأساس واحد وهو البيت الدائري. ونحن نعلم من خريطة مكة القديمة، أن كافة البيوت في مكة كانت تبنى بشكل دائري، بخلاف الكعبة، وهذا شيء ثابت لدى الكتّاب، لذلك نقول لدينا لغة أمّ لا نعرفها تفرّعت إلى لهجات، ومنها هذه اللهجة الأكادية أو الإبلاوية أو الأجاريتية، وأيضاً العربية الفصحى، فهي لهجة حوت أكثر هذه اللهجات لكنها ليست اللغة الأم ( اللغة الأم لا نعرفها ).
è هل هي قبل السومرية ؟
أنت هنا وصلت إلى بيت القصيد، من العته بمكان أن أقرر لغة أو حضارة أمة قبل 3200 سنة قبل الميلاد، وهو ما عُرف بتاريخ الكتابة.
فوجئنا نحن عندما قالوا لنا أن اللغة السومرية هي اللغة الأم ! وبعدها أتت الأكادية وكأنهما لغتان مختلفتان، توجد نظرية قديمة أشار إليها د. نائل حنون وأثبتها علمياً، وأنا مع هذه النظرية بأن الكتابتين أو اللغتين هما لشعب واحد.
سأضرب لك مثلاً، لأن المثال يختزل الجواب ويختزل المقال: لديّ في مصر لغة، تدعى لغة السيم، وهي لغة تعتبر شيفرة، وتختص بين مهنة وأخرى، فبائعوا الصاغة لهم لغة، وهم يتكلمون أمامك ولا تفهم شيئاً، بينما يفهم عليه الصائغ الذي يعمل لديه، فلا يقول عن القطعة أمامك أنها غالية ويقول له لفظ آخر، إذن لدي لغة دعني أسميها لغة كودية ونحن نعرف سابقاً، حتى الهيروغليفية، " أنا الآن شتّيت بين السومرية والهيروغليفية لأنه لدي مثال واحد " كانت هذه الكتابات من اختصاص الكهنة ودليل ذلك أن اللغة المصرية / لغة السيم / بعد كل جملة صغيرة يضع لي المخصص، ما هو المخصص؟ ، مثلاً موضوع جنسي يضع الذكر البشري، موضوع مدينة يضع دائرة بداخلها مصالبة أي مدينة، فحتى لو كان الشخص مختص بهذه اللغة الكودية المشفرة لكن يمكمن أن ينسى، لذا وضع الرمز المخصص لها، إذاً هي لم تكن لغة منطوقة، إنما هي كتابة سرية ما بين الكهنة ليعرفوا مضمونها وهذه تحتاج إلى الكود.
الآن النظرية عن السومرية هي كذلك، إلى الآن لا نعرف من أين أتى السومريون، إذا اعتبرناها كلغة..
è هل هناك في السومرية نصوص كهنوتية مثل اللغة الكودية؟
نعم وأكبر دليل أن السومرية بقيت مستعملة حتى سنة 79 ميلادي، وأنا أعتبر اللغة السومرية لغة مكتوبة تكتب ولا تنطق، وقد تنطق لدى المختصين فقط.
طيب، كيف أقرأ نصاً مسمارياً. كافة المستشرقين يأخذون هذا الرمز ويحولونه إلى الرمز الحديث، لأنه لدي تطورات الشكل " الشكل تطور " ، فيكتبون بكتابة حديثة نسبياً وهي كتابات الدولة الحديثة أو العصر الحديث أو العصر الكتابي، إذاً المقطع نفسه حوله إلى مقطع ثاني، المقطع الثاني أخذ لفظه، أحياناً كثيرة يأتيني اللفظ سومري، أي مقطع من المقاطع سومري لكن أحوله إلى لفظ أكادي، الموضوع متشعب لكن السؤال المطروح من المعروف بأن اللغة السومرية هي لغة ملصقة يعني غير متصرفة، عندما أكتب شيفرة مثلاً، عندما أريد أن أتي لعندك، أكتب لك اليوم عندك وإشارة بيت، هذه شيفرة لكن أنا متفق معك، لذلك أنا مع النظرية التي أثارها د. نائل حنون أن السومرية والأكادية هما إن صح التعبير لغتان لشعب واحد.
الأكادية لغة منطوقة أو السومرية لغة غير منطوقة، هي كتابية مشفرة يعرفه أصحاب الاختصاص والكهنة.
è إذن لا يوجد شعب اسمه الشعب السومري ؟
لا يوجد شعب سومري، عندنا أرض سومر وأكاد. حتى كلمة سومر ليست سومرية، بل هي أكادية، لا أنسى بأن الكتابات مهما تجردت لا بد أن تحمل بعض الكلمات الفعلية.
عندي عدة كلمات موجودة مثلاً: " ريعوم " بمعنى " راع " ، كلمة " قصّاروم " بمعنى " قصّار أي نساج " ، كلمة " نجاروم " بمعنى " نجار "، هذه كلمات أكادية، هنا لنا وقفة مع بعض المحللين الذين يوقولون أن هذه الكلمات استعيرت من لهجة حضارة العبيد، ودليل ذلك كلمة " حرثوم " بمعنى " محراث "، والمحراث عُرف بفترة العبيد بالألف الخامس قبل الميلاد .
من هنا المقارنة، بمعنى أخر، لو سميناها لغة مستقلة لكن لابد أن تحمل بعض الملامح، لدينا كلمات كثيرة موجودة، هذا ما أود أن أقوله، إن سميناها لغة كتابية غير منطوقة اسمها السومرية، أصحابها الكهنة والمختصين، كتابة ذوي الاختصاص تعلموها، وهم الشعب الأكادي، الذين سميناهم أكادي بفرعيه الآشوري والبابلي، والذين نسميهم العرب القدامى..
è د. قبيسي.. نصل على أنه توجد حضارة عبيدية، ولا نستطيع أن نقول توجد حضارة سومرية، نقول توجد حضارة أكادية، كيف ننظم هذه الفكرة ؟
الآن حللنا المشكلة نحن نعمل، لكن قد أعطيك رأي وأغيره بعد يومين من ناحية الشكل وليس المضمون، لأنه موضوع جديد، إنما مبدئياً أقول، الشعب هو شعب واحد، وكلمة أكادية هي مصطلح جديد فابن أكاد لم يطلق على نفسه أكادي، والفن ببلاد ما بين النهرين أعتبره فناً مقبولاً، إنما لا يقارن بالفن المشرقي المصري.
è من حيث ماذا ؟ من حيث القيمة والإبداع ؟
لديهم تقنية جميلة وراقية جداً.
نعود للحديث: فالأهم، الدكتورنائل حنون جاء بـ 52 دليلاً، سأذكر اثنين، أولهما أن " إي – إن – غ " ، هو اسم السومريون الذين سموا أنفسهم هكذا، فكلمة سومر كلمة أكادية هذا أولاً، إذا اعتبرنا أن هذه اللغة اندثرت لماذا بقيت مستعملة حتى عام /79/ ميلادي بمعنى أنها ( وأشار إليها د. نائل ) تستعمل في الكتابات الدينية في المعابد أي كان لها جو معين، ولا أنسى بأن المسافة الآن بين الحدود المصية والعرقية هي 480 كيلو متر فقط، إذاً أخذتها ابتداء من سيناء حتى الحدود العراقية أي الفكر واحد، وهو ما أود أن أصل إليه، هناك منهجية لكتابة التشفير والتي سميناها هناك سومرية ولدي كافة الكتابات.
الآن توجد نظرية جديدة تقول: حتى اللغة المصرية القديمة، وحتى الهيروغليفية، بقيت كلمات وكتابات تشفيرية غير منطوقة، مثال على ذلك، كلمة " فتَكَ " بأسلوبهم وضعوا الفاء أولاً ثم الكاف ثم التاء أخيراً، فأنا أقرؤها " فكت " لكن هم يقرأونها " فتك " وهو شيء موجود بمعنى فتك وقتل.
كلمة النيل مثلاً، لم أجدها في الكتابات المصرية بل وجدناها " حابي "، استغربت فالعرب العدنانيون لا يعرفون شيء معناة النيل، فهذه عملية تواتر، أيضاً كلمة " هرم " اسمها " مِر " ويقرأها لك " مِر" ويكتبها " مِر "، لكن أين التواتر ؟ هل من المعقول أن تخفي هذه الحضارة العظيمة أهم معلمين في مصر ؟ فاسم نهر النيل وجدتها في الكتابات " حابي "، وكلمة " هرم " وجدناها " مِر "، فهل هذا معقول ؟
لماذا لم يختف اسم دمشق من الكتابات القديمة منذ الألف الثالث قبل الميلاد وحتى الآن أجد دمشق ؟، ووجدنا " دمشقا " في الكتابات الأكادية، لأنه ليس لدي مقطع للقاف وحده في اللغة الأكادية، الموضوع هو بحث لغة السيم، ما تزال فكرة هذه اللغة مستعملة في مصر في المهن وهي كلام سري لا يعرفه الآخرون.
تجار الصاغة هنا في دمشق، لديهم لغة خاصة بهم ولا سيما في تحديد نوعية وهوية زبائنهم.
هذا هو ما نسميه لغة السيم، إذن وصلنا إلى لغة أم موجودة، وفرقنا بين اللغة والكتابة، التطور اللغوي موجود. مثلاً هل لغتك عندما كنت في الثانوية مثل لغتك الآن ؟ لديك تعابير تستخدمها أنت لكن غيرك لا يستخدمها، أذكر مرة كان لدي كلمة في اتحاد الآثاريين العرب، في تكريم أحدهم، فكتبت صفحتين وكان معي الدكتور مصطفى جطل وكان عميد كلية الآداب في حلب واختصاصه اللغة العربية، فطلبت منه أن يضع التشكيل على خطابي فسألني أن يغير فيه قليلاً فوافقت، غيّرها ثم أخذتها لأقرأها فلم أستطع لفظها، قلت له: ما كتبته أنت فإن فيزيائية صوتي، لا تستطيع أن تلفظه. فقال لي: ارجع إلى كتاباتك.
إذاً لكل شخص وقفة معينة في حديثه، أنت لك لهجة، ونحن نختلف في الاستفهام والإنكار وفي النبرة وفيزيائية الصوت، فكل إنسان له فيزيائية معينة وبالتالي هناك تطور لا شك.
è اللغة الأم هل نستطيع أن نطلق عليها اللغة العربية؟ أنتم رفضتم السومرية..
ليست مسألة رفض.
نحيّناها جانباً. دائماً فلسفة التاريخ لها ثلاثة أمور:
أولاً: أن نستعمل مادة المنطق أي 1+1= 2 .
ثانياً: يجب أن يكون لدي خيال علمي سليم، مثلاً سباق الماراتون، هو أن الفرس دخلوا ليهاجموا أثينا، الماراتون سهل شمال أثينا، وأثينا في خصام مع إسبارطة، لكن يوجد عدو مشترك، فأرسلوا إنساناً يسمّى " فيدي بيدس PHIDI PIDES " جرياً من أثينا إلى إسبارطة التي هي في الجنوب، والماراثون بالشمال، خلال يوم وليلة عاد، فسموه سباق الماراتون، لنأخذ مادة المنطق والخيال العلمي، خيال علمي، يجب أن يكون لدي سلم تاريخي سليم، وساحة جغرافية سليمة، إذاً لماذا سمي سباق الماراتون بدل أن يسمى سباق أثينا أو إسبارطة ؟، قبلنا أنه بمناسبة وجود قوات فارسية بسهل الماراتون سمي بسباق الماراتون، هنا نطرح تساؤل آخر، الخيول كانت معروفة في اليونان، الإسكندر المقدوني دخل المنطقة بتسعة آلاف فارس، هنا يجب أن أقف عند حقيقة علمية واضحة اعترفت فيه اليونان، وهو موضع الأسطورة، في الأسطورة هناك حقيقة لكن هذه الحقيقة مضخمة ومبالغ فيها وقد أخذت بذلك المدرسة التوراتية، ونحن حبيسين هذه المدرسة التوراتية والمدرسة الإغريقية.
ثالثاً: المادة التاريخية، نأتي للسومرية، فالسومريون حتى الآن، الكل يقول لك لا نعلم من أين أتوا، هنا نريد أن نحل المشكلة، فإذن توجد لغة أم انبثقت عنها لهجات. لدينا لغة عربية أم لا نعرفها.
è ألا نستطيع أن نطلق عليها هوية ؟
الهوية عربية، حيث نأخذ آثارها في لهجات كلها تقوم بتشكيلها.
è يعني لغة عربية أم ماذا ؟ هل هي / سامية / أم عربية ؟
الواقع لم نكن سابقاً ضد كلمة سامية لأنها مدلول شمل الناس كلهم، أما وأنه قد استعملت كلمة السامية لحصرها باليهود فقط، فنرجع للحقيقة التاريخية حيث لم أجد في النقوش كلمة سام، عندي كلمات أخرى، هل ندعوهم عموريين إذ ظهر عندي كلمة عمور، هل نسميهم كنعانيين لأنه ظهرت لدي كلمة كنعان، أم نسميهم أجاريتيين لأنه ظهر لدي أجاريت، إبلاوية ظهر عندي إبلا، مصريين ظهر عندي مصر.
è ولكن أكاديين غير موجودة !!
كلمة أكاد كلفظ أغاد أو أكاد هل أسميها بونية، كل هذه الكلمات مقبولة لدينا، لكن أيها أكثر قبولاً وأيها أكثر انتشاراً جغرافياً وأيها أقدم مصطلح وجدته في الكتابات لا يجوز أن أؤلف من عندي، كلمة عرب وردت في نقش لـ نازان والد نارام سين، ابن شاروكين يتكلم عن عرب ملوكا وعرب مكان..
è هل ورد في النقش حرف العين أم.. ؟
أتت بحرف العين، على كلّ هذا ما أقره " إسرائيل ولفنسون " في كتابه " اللغات السامية " وما نقله عنه " أنوليتمان " ، هذان الاثنان لم ينكرا هذا النقش والاثنان قرآها، عرب، يعود هذا النقش إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد ( 2200 ق.م )، وللأسف إلى الآن أدمغتنا مغسولة بأن نقش " جنيديبو العربي " الذي قام بألف جمل في معركة قرقر، هو أول نقش يذكر العرب لكن هذا كلام غير صحيح.
ارجع إلى الكتابات الإبلاوية، ليس لدينا شيء عنها كله بالحرف اللاتيني وكله إمّا بالإيطالي أو بالإنكليزي، شخص واحد لدينا يهتم بهذه الأمور، وهذا لا يكفي، يجب أن يكون لدينا مدرسة أو مجموعة ما، لديها على الأقل فكرة عن الكتابات القديمة، أقول كتابات ولا أقول لغات، عندي الآن كتابات إبلا، يجب أن يكون لدينا شخص مؤسس لغوياً على الأقل وأن يكون أيضاً مؤسس باللهجة العربية العدنانية لأن اللغة لغة، ثم نعلمه شكل الخط.
è يلاحظ أنه تعتمد على اللغة في مناقشتك، ترى إلى أي حدّ تشكل اللغة عاملاً أساسياً في تحديد هوية مجتمع ما؟ فإذا كان سكان السنغال مثلاً يتحدثون الفرنسية كلغة رسمية فهل يعني هذا أن السنغال فرنسية الهوية ؟ أو مثلاً أن اللغة المالطية تحتوي على جذور / سامية / فهل يعني هذا أن المالطيين ساميين ؟
اسمح لي أن أقول هنا أن قومية فئة من الناس، أو على من تنتمي، الموضوع الأنثروبولوجي هذا هو موضوع غير علمي، لأنني لا أستطيع أن أعرف صفاء دمي لمن يبتع ولا أنت كذلك، ولو أن نسب العربي معروف لكن من خلال هذا النسب قد توجد امرأة تركية أو امرأة شركسية في سلالتي.
الموضوع الأنثروبولوجي، مثلاً عندك الأستاذ " إبراهيم يموت " ( وهو من الحزب القومي السوري )، له بحث جميل في هذا الموضوع وضع لك احتمال واحد من عشر ملايين كي يتطابق معك النسب لكن ما هي الدلائل ؟ لدينا دليلين هما اللغة والجغرافية، اللغة هي مسبار وكشاف الشعوب، هي ورقة عباد الشمس التي أضعها في المادة فأعرفها إما قلوية أو حامضية، تكلم أقل لك من أنت، أحدهم في يوم من الأيام وأنا أقول[ إن تكلمت العربية فأنت عربي ] فدخل بمداخلة وقال أنا أتكلم الفرنسية فهل أنا فرنسي ؟ قلت له حسب المنام ( الحلم ) الذي تراه إن رأيته بالفرنسية فأنت فرنسي.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |