Alef Logo
ضفـاف
              

حول الموقد حوار مع الكاتبة راوية بربارة حاورها : سيمون عيلوطي

2007-11-18

لفتت إنتباهي منذ أن قرأت لها للمرة الأولى .. فأخذت أتابع ما تنشره في الصحف والمواقع الإلكترونية من نصوص قصصية وشعرية ، وفي كل مرة كنت أتاكد من ذات الأمر ، وهو انني أقف أمام كاتبة تبشر بالكثير من الخير . تكتب بطريقة مختلفة عن الكتابة التقليدية والمألوفة ، وتسكب قصصها بقوالب وأشكال جديدة ، ربما فرضتها عليها المضامين التي تريدها... حتى انك لا تكاد تميِّّّّّّّّّّّّّّّّز في شخوص بعض نصوصها ، بين المرأة والرَّّّجل . وللافت للإنتباه كذلك لغتها التي تحمل بالأضافة الى معانيها القاموسية ،الكثير من الأبعاد الفنية التي تضيف الى تلك المضامين مضامين أخرى . وقد تعددت الآراء حول كتابتها ، هناك من يعتبرها مجددة ، وهناك من لم يرى في نصوصها تجديدا ، وهذا ببساطة ما دعاني الى "مقابلتها " ، ولكن : قبل ذلك لا بدَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ من الإشارة الى أن هذة المقابلة ، ستليها مقابلات مع كتاب وفنانين يستطيعون من خلالها أن يتحدثوا عن أدبهم وفنهم وتجاربهم ، وقد رأيت أن تنشر هذه المقابلات تحت عنوان – حول الموقد - وها نحن نستضيف الكاتبة راوية بربارة ، في جلسة أدبية حول موقدنا " ونجري معها الحوار التالي .

* * كيف تُعرّفين نفسك ؟ *امرأةٌ طموحةٌ لا تعرف الكلل ..
أمٌّ معطاء لا تُغْلِقُ كفَّ نداها ..
عربيّةٌ، تحلمُ باللا حدود في زمن الغياب.
زوجةٌ، تقلب مفاهيم الورائيّات لتقول: وراءَ كلِّ زوجةٍ محبَّةٍ رجلٌ عظيمٌ.
مربّيةٌ، تجد الأمل في الجيل الجديد، رغم كلّ التّحدّيات التي يواجهها في زمن الأرق. قارئةٌ، تجعل الاستراحةَ بين الكلمة والجملة كتابًا للمتعة..
باحثةٌ، ترى في البحث الأكاديمي محكًّا للحقيقة..
كاتبةٌ، تجمح على صهوة فرس الحبر وتقفز فوق الحواجز..
صديقةٌ، تفتحُ أذُنها وبئر أعماقها لأحاديث وأسرار الآخرين..
جليليّةٌ تعشقُ البحرَ والسّهلَ والآثار القديمة..

** شقائق الأسيل .. هل هي مجموعة قصصية ..؟ كتابات وجدانية ..؟ نوع من أنواع الكتابة الحديثة ... ؟ . أنت لم تعرفي الكتاب .. ما السبب في ذلك ؟
* لَمْ أٌعرِّف الكتاب لأنّ قلق النّمذجةِ لا يُقلقني، فعندما أكتب لا أُحَضِّرُ قالبًا جاهزًا أصبّ فيه كلماتي وأفكاري، وهل أصنعُ كعكةً بمقادير أخلطها وأخبزها ليتذوّق القرّاء؟؟
ماذا لو صببتُ الخليطَ في قوالب مختلفة؟ هل ستتغيّر النكهة؟؟
عندما تداهمني الكلمات لا أحاول ترويضها أو سَجْنَها .. أتركها تنطلق على سجيّتها، فكما ولدتْنا أمهاتنا أحرارا، هكذا تولدُ الكلمات، فلماذا نستعبدها بمفاهيمنا؟؟؟
لا أفهم لماذا عليَّ أنْ أفَصِّّلَ الثوبَ ثمَّ أُلْبسهُ لكلماتي.. لماذا لا أترك جَسَد الكلماتِ يبحث عن الثَّوب الذي يُظهر مفاتنه ويحيكه على قياسِهِ وَقَدِّه..؟!إنّها نصوصٌ فيها الحَدَثُ والشخصيّة والمكان والزمان والراوي، يتشكَّلُ كلٌّ على هواه .. ولا يتقيّدُ بنظريّةٍ لا تستطيع سجن الحبر السائل..إنّ الأدبَ يمرُّ بمراحل مختلفة ولا يبقى جامدًا، فعبر التاريخ تطوّر الشّعر مثلاً، من العمودي ذي الوزن الواحد والقافية الواحدة، إلى المخمّسات والموشّحات والشّعر المقطعي الذي يتبّرج بنظام تقفية، وَقَطَع شوطًا طويلاً حتّى تحرّر من قيوده وأصبح شعرًا حرًّا، مرسَلا، منثورًا، تفعيلة وما إلى ذلك.والقصَّة أيضًا تطوّرت، والتطوّر مرحلي، يُلبِّي احتياجات وأذواق كل مرحلةٍ، فمن المقامةِ والأمثولة إلى الرواية والقصّة القصيرة . بعدها أخذت القصّ أيضًا تتحرّر من قيودِها وعناصرها وانتقلت نقلة "حداثية" و"ما بعد حداثة" .. ولكلّ جديد معارضوه ورافضوه .. فَمَن اعتاد لبس العباءَة، يصعب عليه أنْ ينفضها عن جسده ليُبدِلها ببنطال ضيِّقٍ من القماش الصلب.وتلك القصّة التي اعتدنا عليها لا تُشَكّل إلاّ بعناصرها الخمسة (الزمان والمكان والحَدَث والراوي والشخصيّات)، فإذا ما فقدَت عنصرًا، فقدت هويّتها، نراها اليوم وبعد الانفتاح الحياتي، تنفتح لتقول شيئًا بصورةٍ مغايرة، تكسر القوالب القديمة، وتنطلق بعد أن اختمرت بالتجرّبة، فتعلن مع رولان بارت عن موت الكاتب، فالكاتب يكتب نصّه ويموت، والقارئ يُحييه من جديد، بثقافته وبمفاهيمِه، انفتاحٌ عصريٌّ يحوِّلُ القارئ إلى كاتبٍ مشاركٍ في العمليّة الإبداعية، ذلك لأنّ النصوص الحداثية هي "نص السؤال"، هيَ النصوص التي تطرح موقفًا أو قضيّة، لكنها تعترف بعجزها، فلا تطرح حلولا وهميّة بل تترك النهايات مفتوحة، متسائلة باحثة عن الحقيقة.النصوص القديمة التي اعتدنا عليها كانت إمّا تصاعديّة المبنى (تبدأ من نقطة معيّنة، تتصاعد فيها الأحداث وتبقى نهايتها مفتوحة)، أو تنازليّة تبدأ من النهاية وتعود باسترجاع فنّي نحو نقطة البداية، أو دائريّة أو هرميّة المبنى، أمّا القصص الحديثة فلا يهمها أن ترسم لها خطًّا على دالة المبنى، لا أفقيا ولا عموديا، إنّما توزّع الفكرة بين فقراتها، وتعطي للقارئ مفاتيح نصيّة ليدخل منها إلى النّص.لا أنكر بأنّ النصوص الحدائية بحاجة إلى مراس، كي تستطيع أنْ تعتادها، فالقارئ المتلقي السلبي الذي اعتاد القراءة والمتعة والإغفاءة، أو القراءة واعتمال المشاعر والثورة في داخله .. لا يستطيع أنْ يلقي خموله جانبًا مرّة واحدة، عليه أنْ يمارس سلطته على النصّ بحنكةٍ وذكاء، لذلك عليه أنْ يتدرّب على قراءةٍ جديدة، أنْ يستقبل نصًّا يصدمه من القراءة الأولى، يتركه حائرًا متسائلاً في إمكانيات تعاطيه مع مثل هذه النصوص، والأسهل أن يتركها ناعتًا إيّاها بالفشل وبالهروب، والأصعب أنْ يجاريها، أنْ يبحث في النصوص عن مفتاحٍ أو موتيف، يعوّض مكانَه معادلا موضوعيًّا، وأن يقرأ من جديد بناءً على الأبواب الجديدة التي فَتَحها بوعيِهِ وبتجربته وبثقافته، أن يحيك نسيج النصّ من جديد شرط أنْ ينسج بنفس الخيوط والحياكة الجديدة. ونصوصي في "شقائق الأسيل " تنوّعت بين قصص ونصوص حداثية، لم أشأ أنْ أقيّدها بتعريفٍ مِنِّي، لذلك تركتها تُعَرِّف عن نفسها. نحنُ بعدَ التسعينات وصلنا لمرحلة التمرُّد على التمرّد، وهيَ مرحلة الاختراق لكلّ المعايير المعروفة، ونشوء فكرة التداخل النوعي أي تمييع الحدود بين الأنواع الأدبية والانتقال من النوع إلى اللا نوع، وكل نصّ عبارة عن ظاهرة مستقّلة ويأبى أن يُعَرَّف تحت اسم أي جنس أدبي.

** تعددتالآراء حول شقائق الأسيل ، بعض من تناولوه بالنقد لم يروا فيه أي تجديد ، وبعضهم اعتبروه غاية في الجمالية والتجديد، وبعضهم حددوا قصة أو قصتين تنطبق عليهما مقاييس التجديد ، ولكنهم اتفقوا على قدراتك اللغوية .. ولعل هذا ما دفع أحد النقاد – في رأيي - إلى القول : أن البطل الحقيقي في قصصك هو اللغة .. وقارن بين أسلوبك في الكتابة وبين أسلوب جمال الغيطاني . ما هو ردك على كل ما تقدم ؟ *الدنيا أذواقٌ، والقراءة أذواق، فهناك كتبٌ عالميّةٌ مشهورةٌ أعجز أحيانًا عن قراءتها حتّى النهاية بشَغَفٍ، فأتركها وأعاود لقاءها على مَضَض، وهناك كتبٌ مغمورةٌ تشدّني من الحرف الأوّل والفِكرة البكر ولا تتركني حتّى بعد إنهاء القراءة..لا بُدَّ أنَّك تعرف قصّة الفطام عن أكل الكرز، وإذا بقينا كقرّاء نأكل الكرز ثمّ الكرز ثمّ الكرز، لا بُدّ أنْ نُصاب بتُخمةٍ قرائيّة ونفطم أنفسنا..التجديد نسبيٌّ، فنجيب محفوظ في زمنه كان مجدّدًا، ويوسف إدريس في حينه كان مجدّدًا، وكلُّ من خطّ حبرًا نثرًا، قصّة، رواية أو قصيدة وحظي بأهميّةٍ، حظي بها لأنّه جَدّد.. إنّ أبا نواسٍ كان حداثًيًّا وأبا تمّام كذلك .. فالتجديد هو مرحلةٌ تأتي بعد إدمانٍ لنوعٍ واحد .. وإذا كنت سأكتب مقلّدةً الآخرين فلأكسر قلمي .. لأنّه من العبث أنْ يسعى القارئ وراء المزيّف والأصلي موجود..هناك من رأى في النصوص تجديدًا وهناك من لم يَرَ، وهذا متعلّقٌ بالنظارة التي وضعها على عينيه عند القراءة، وبالزاوية التي أطلّ منها على النصِّ، يمكنك أنْ تجلسَ في حديقةٍ وترى السنديانة العتيقة، ويمكنك أنْ تلتفت يمينًا أو يسارًا لترى الزنابق والنرجس وربّما العوسج!!وهناكَ منْ يجلسُ قربكَ فلا يرى أبعدَ من أرنبة أنفهِ، بينما ترى أنتَ من مكانك خطّ الأفق. والنصُّ كما قُلتُ في مقدمة كتابي: " الكلمة عالَمٌ استوائيٌّ أحيانًا، قُطبي المزاج حينًا، كرويٌّ لا بداية له ولا نهاية..
الكلمةُ بحرٌ حبريٌّ يهوج ويموج ليفرض سلطانه، لكنه سرعان ما يغريك
برمال شواطئه وأصدافه..
مِنّا من يُبحر فوق نقاط الكلمات، ومنّا من يغوص في أعماق الحِبر..
منّا من يبني من ذرّات الكلمات الحارّة قصورًا..
ومِنّا من يتمتّع بسباحةٍ بين السطور"أمّا أنْ يتّفقَ الجميع على قدرة لغويّةٍ ظهرت في النصوص، حتّى ظنّها البعض البطلَ الحقيقيَّ، فهذه لغتي ولا أصْطَنِعها، تأتيني أحيانًا في صحوتي وأحيانًا في منامي، تعشّش كالنحل في شراييني وَتَخِزُني ليسيلَ الألَمُ أو الفرحُ حبرًا على الأوراق. النصّ الأدبي يتعامل مع سؤالين :
- ماذا يقول النصّ؟
- وكيف يقولُ هذا ال "ماذا"؟
والمعاني، كما قال الجاحظُ، مطروحةٌ على الطرقاتِ .. لذلك تتشابه الفكرةُ أحيانًا بين أديبين، الَمْ تتشابه الفكرة بين "دانتي" في "الكوميديا الإلهيّة" وأبي العلاء المعرّي في " رسالة الغفران"؟ وتبقى اللغةُ والأسلوبُ هيَ الفارقُ بينَ الأدباءِ.ومن جهةٍ ثانيةٍ يُمكن للغةٍِ أنْ تكون البطلَ، في زمنٍ لم يعد الحدَثُ الكبير هو البطل، كالحرب والسلام. بمفهوم توفيق الحكيم، الذي اعتبر الحَدَث الجلل هو الحدثُ الصالح للنصّ القصصي، لكننا اليوم بمفهوم "التشييء" نصنع من الشيء حَدَثًا مميّزًا لقصّةلم يعد هناك "رامبو" يُنقذ دولةً بعضلاته .. لم يعُد هناك "منقذٌ" أو نبيٌّ يجترح المعجزات .. فالبطولةُ أصبحت تقتصر على الأحداث العادية البسيطة .. أن تعبر الشارع بسلامٍ يُعْتَبرُ اليوم بطولة ..أنْ تُرَبّي ابنك تربية جيّدة، يُعتبرُ اليوم بطولة .. أنْ تكتب شيئا جديدا مغايرًا في زمن التراكمات الكَميّة للأدب والشعر، يجب اعتباره بطولة وحدثا..هناك معايير لتحديد الشخصيّة الرئيسيّة في العمل الأدبي، فالمعيار القَبْلي هو الهدف، فهل لهذه الشخصيّة هدفٌ تسعى لتحقيقه؟ ثمّ تأتي القدرة ، هل تملك الشخصيّة القدرة على تحقيق الهدف، ثمّ يأتي السعي أو التنفيذ ثمّ تأتي النتيجة، فإذا حقّقَت الشخصيّةُ هدفها تُعتَبرُ بطلا..
إذا حقّقَت جزءًا منه .. تُعتبرُ بطلا جزئيًّا ، وإذا لم تحقّقه تُعتبر "لا بطل".فإذا كانت "اللغة" في نصوصي قد حقّقت الهَدَف.. فلتكن "البطل". فهيَ ال "كيف" الذي يقولُ ويعبّر عن مكنون وفحوى النص، فاللغة برأيي هي التقنيّةُ التي تُضفي على النص نكهة خاصّة بحفيفِ أوراقِ لفظها وفحيحِ معانيها، بقراءة حروفٍ على السطورِ، كلماتٍ بين السطورِ، ومعانٍ مُختفية ما وراء السطور.



**هناك ملاحظة عند بعض القراء على غياب الحوار تقريبا عن نصوصك القصصية .. ما قولك في ذلك ؟* الحواروسيلةٌ، أسلوبٌ يُسْتَعْمَلُ عند الحاجة لإيصال معلومات أو لفتح النصّ والتعريف بشخصيّاتِهِ، فالحوار تقنيَّةٌ تُسْتَعملُ للكشف عن جانب من جوانب شخصيّة المخاطِب أو المخاطَب.
الحوارُ لغةٌ لا بدَّ أنْ تلائم بمفرداتها وتعابيرها وأفكارها، شخصيّةَ المتحدِّثِ، وإلاّ أصبحت الشخصيّةُ كاذبةً بعيدةً عن متناولِ مُخَيَّلَةِ القارئ.. لذلك متى أجد حاجةً لاستعمال هذه التقنيَّةِ، لا أبخل على نصوصي، ومتى يكتفي النَّصُّ بسرديّتِهِ أو وصفِهِ لا أحاول إقحامَ الحوارِ عليه..لكلّ نصٍّ متطلباتِهِ، والنصُّ المسرحي أو الرواية يحتاج للحوار، أكثر من القصّة التي تعتمد غالبًا على الراوي بروايتِهِ، بسردِهِ أو إشرافِهِ أو تدخُّله أو علْمِه بالحدث.. وما بين السُلُطاتِ البشريّةِ التي تعملُ على النصّ الأدبي – الكاتب الحقيقي، الكاتب الضمني، الشخصيّة الرئيسيّة، الراوي، القارئ الضمني (الذي يتّخذ موقفًا من الشخصيّات)، والقارئ الحقيقي – وبين الفكرة واللغة، يبقى الأسلوب هو الوسيلة والأداة، لذلك تتكلّم الشّخصيّات لتؤدّي مهمّة معيّنة، أو تصمتُ لتتيح للراوي وللقارئ أن يستنتج، فلا يبقى محايدًا، بل يُشارك في عمليّة الكتابة من خلال إكماله لجملةٍ منقوصة، لموقف غامض، ولمحاولته سبر أغوار الشخصيّة، وهي صامتة..


** نعود إلى اللغة ....هل تتعاملين مع اللغة بوصفها وقفا أزليا لا يجوز التصرف به ، أم كأداة تعبير للتواصل وتبادل المعرفة ؟ * لُغتنابحرٌ واسعٌ وكمٌّ زاخرٌ، لكنّها تعجز أحيانًا أنْ تفكّر بطريقةٍ حداثيّةٍ وأنْ تكتب بلغةٍ قديمةٍ، لأنّها حينها تُصبح كالأب الحداثي الذي يؤمنُ بالتربية الحديثة، لكنّه لا يستطيع الخروجَ من عباءَةِ أجدادِه..أتعامل مع اللغةِ ككائن حيّ يتنفسُ، ينمو، يتطوّر، ويفقد حيويته إذا بقى جامدًا، وقفًا أزليًّا.الرواسم اللُّغوية كثيرةٌ موجودةٌ ونستعملها بشكل عفوي كأنْ نقول "كالأطرش في الزفّة" أو "الرزق الحلال والزلال"، أمّا التعابير اللّغوية إذا تجمّدَت في قوالبَ، يشعرُ القارئُ بصقيع النصّ، فلّلغة دفؤها وحميميّتها .. لذلك لا أعترضُ قلمي إذا أراد البدء باسمٍ (متجاهلا الجملة الفعليّة)، أو إذا استدعى كلمةً قديمةً يَرى في لفظ حروفها تعبيرًا جماليًّا .. أهذِّبُها أحيانًا لكنني لا أملك الجرأة بعد على إقحام اختراعاتٍ لغويّةٍ كأنْ أستعمِلَ مثلا "ال" التعريف مع كلمة "هنا" أو "هناك"، رغم أنّني أجدها جميلة معبّرة. إنّ اللغةَ بناءٌ جماليٌّ يلائم طبيعة الجنس الأدبي، ووظيفتها بناء النصّ من فكرةٍ وحدثٍ لذلك تأخذُ كلُّ كلمةٍ دورها ووظيفتها لخدمة المبنى والمعنى، فإذا ما احتجنا الاقتصاد اللغوي والإيجاز والكثافة والانزياح والاختزال والتركيز والحذف نستعملُ هذه التقنيّات لإثراء النصِّ بلغة مميزة.

** ما هي في رأيك العوامل المؤثرة على تشكّل مفردات اللغة في عصر ما .. وفي حالة متابعتك ، هل للّغة التراثية تأثير على نصوصك ؟
* الانغلاق والانفتاح الحضاريّ أهمّ عامليْن يؤثّران على تشكُّل مفردات اللغة، فإذا مارجعنا للعصر الجاهلي ، نجد اللغة العربيّة أصليّة المفردات لم تشبها شائبة، وعندما بدأ العرب بالانفتاح على حضارات وشعوب جديدة، كحضارة الفرس والغرب وشمال افريقيا والشّرق الأوسط وحضارة الأندلس، رأينا اللغة تُفسح مجالا لمفردات أعجميّة أنْ تقتحمها ككلمة "النيروز" مثلا، أو رأيناها تتزيّن بالجناس والسّجع والتّورية والكناية والطباق وما إلى ذلك ( كالموشّحات)، لتلائم التّعبير عن الجماليات التي تصفها كالقصور المزخرفة والتّماثيل المنحوتة.
كي تبني عمارة عليك أنْ تحفر بعيدا في الأعماق لتضع حجر الأساس، تمسُّ الصّخر ثمّ تبني عواميد قويّة لتحمل البناء، واللّغة إذا لم تنطلق من أساسٍ معرفيٍّ قويٍّ، سيتهدّم نصّها مع أوّل هزّة خفيفةٍ، أمّا إذا انطلَقَتْ من أساسٍ قويٍّ لن يزلزل كيانها أحد .
لذلك تتراوح لغتي بين مخزون ثقافي قديم وانفتاح حداثي..وأظنّ أنّ تلك الانزياحات اللّغويّة هي التي تُعطي للنّصّ نكهته الخاصّة.

** ماذا تعدّ لنا الكاتبة راوية بربارة للمستقبل من نتاج أدبي ؟
* مشاريعي الأدبيّة كثيرة، منها ما أصبح مخطوطا جاهزا ينتظر الطّباعة، لكنّه ينام الآن في دُرج الاختبار، وعندما يصحو من نومته بعد غيبةِ شوقٍ، سأحكم عليه، إذا كان سيبقى في أحضان العتمة أم سيرى النُّور، لأنّ القراءة البعيدة عن لحظة الإنتاج تزيل اللهفة والتّعلُّق بالنّص، وتتيح للكاتب أنْ ينظر بموضوعيّة لنصوصه.
من جهةٍ ثانيةٍ، وبحكم عملي وقراءاتي الكثيرة، قمتُ بتحليل بعض النّصوص الأدبيّة وإظهار سِماتها ومميّزاتها، وأفكّر في نشر هذه القراءات والدّراسات في كتاب، أو عبر الجرائد والمواقع الالكترونية.
ومشروعي الأدبي الكبير هو كتابة رواية، والفكرة تعتمل في داخلي وتتبلور على مهلٍ، ذلك لأنّها تجربة يجب أنْ تختمرَ، ولأنّ البحث الأكاديمي( التّحضير لرسالة الدكتوراه حول الشّعر الفاطمي)يستغرق ويستهلك كلّ وقتي حاليّا.

**كيف تقيّم راوية بربارة القصة القصيرة في بلادنا .. وكيف تنظر إلى النقد المحلي ؟
*القصّة القصيرة في بلادنا جانرٌ قائمٌ بحدّ ذاته، له قيمتُه وكتّابه وقرّاؤه وناقدوه، وقد أخذ هذا الجانر الأدبي يتبلور ويتشكّل ويتطوّر تباعا وعلى مراحل تاريخيّة تُصنّف حسب التّقسيم التّاريخي لهذه الأرض من جهة، وحسب التّطوّر العالمي للقصّة في العالميْن الغربي والعربي من جهة أخرى.
هناك علامات مميّزة في قصّتنا المحليّة لم تخرج عن نطاق المحليّة بسبب الانغلاق ما قبل الانفتاح العنكبوتي عبر شبكة الانترنت، لكن هذا الانغلاق لم ينتقص من حقِّ هذه النّصوص، فقدْ تناولها الباحثون والنّقاد والمحلّيّون، ووضعوا إصبعهم على زوايا عديدة جديدة ميّزت هذا الأدب المتواجد في رقعة جغرافيّة خاصّة.
أمّا بعد الانفتاح فقد كثُرت الأقلام التي تحاول إثبات وجودها ومقدرتها، والزّمن كفيل بإقرار خلود نصوصٍ دون غيرها.
لا يمكن تجاهل النّقد المحلي، وأراه أصبح يتّخذ شكلا علميّا ويرتقي نحو مصاف النّقد الغربي..فيواكب الإنتاج الأدبي وينظر إليه بعينٍ فاحصةٍ باحثةٍ.
هذا لا ينفي وجود حساسيّة أحيانا بين النّاقد والكاتب، فهناك من النُّقاد من يمسّ بالنّصّ سلبيّا لغايةٍ في نفس يعقوب، وهناك من يخاف الاقتراب نحو مناطق النّقد، فيستعرض ما قرأ ويكتفي، وهناك من ينظر للنّصوص الجديدة الحداثيّة من خرم إبرة النّقد التّقليدي ومعايير القولبة القديمة.
وأعتقدُ أنّ الكاتب الذي يحظى عمله الأدبي بالنّقد البنّاء، هو كاتبٌ محظوظٌ، يعطي فرصة لتطوير أدواته ويضع نصوصه تحت مجهر أولئك الذين لا يشاركونه القراءة فحَسْب، إنّما يشاركونه عمليّة الكتابة والتّواصل الأدبي.

** قرأت لك نصوصا شعرية في بعض المواقع .. فهل تلجئين إلى الشعر حين لا تستطيعين
التعبير عما يجول في خاطرك من خلال السرد القصصي .. أم ماذا ؟
* أحبّ الشّعر، وأراه تعبيرا صادقا يتفجّر من الأعماق، لغةُ الشّعر ساحرةٌ مؤثّرةٌ، وأكتب شعرا عندما يأتي النّصّ على صيغة شعر، لا أحاول عندها أنْ أُلبسَهُ قميصا آخر لا يليق به.
والقرّاء يجدون الشّعر أقرب للقلب وأسرع للقراءة، في زمنٍ لم يعد للقارئ فيه أناةٌ وصبرٌ على مثابرة القراءة.
أحبّ الشّعر الشّعبي، الزّجل، وأجده قريبا جدّا من النّاس، فأنظُمُه وأتبارى مع زملائي عبر موقع "ورقستان" .

** بودّك أن تضيفي شيئا ؟
* أخيرا أودّ أنْ أشكرك على هذا اللقاء، فمثل هذه الأسئلة مؤشّر لارتقاء والتقاءٍ أدبيّ، وأتمنى لحركتنا الأدبيّة المزيد من العطاء والتّقدّم والانفتاح .


المحاور سيمون عيلوطي شاعر فلسطيني من الناصرة ويدير موقعا ثقافيا وهو الموقع الثقافي موقد
الكاتبة راوية بربارة فلسطينية من قرية أبو سنان في الجليل الغربي




































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow