الإسلامويون والشعر العربي
2008-02-03
إن أهم سمةٍ تميز دارسي الأدب من الإسلامويين(التكفيريين أو الوهابيين)هو تلك النظرة القدسية تجاه التراث العريي عموماً والشعر العربي القديم خصوصاً،ولاأسميها قدسية بسبب اعتقادهم بعظمة هذا التراث،وإنما بسبب اعتقاد الكمالِ فيه عند الدارسين الإسلامويين.
ولكي نفسر هذه الظاهرة(ظاهرة كمال التراث الأدبي وقدسيته)،يجب أن ننظر أولاً إلى قدسية التراث الديني (الإسلامي) كجزءٍ لا يتجزأ من هذه النظرية،بل كمسبب رئيسيٍ لها عند الإسلامويين،حيث إن التراث الإسلامي عند الإسلامويين كاملٌ يحتوي على كل مميزات المدينة الفاضلة (يوتوبيا)،كان يعيشُ فيها أجدادنا في سلامٍ ووئامٍ لا متناهيين،وكل مانعانيه اليومَ من ألمٍ وحروبٍ ودماءٍ نتيجةَ انحرافنا عما كان يقوم به أجدادنا العظماء المسلمون.
وتقف النظرية الإسلاموية تجاه التراث عند هذا المصطلح الجامد الغامض،كما تقف النظرةُ إلى الشعر العربي القديم.
وكما تحتوي النظرية الإسلاموية تجاه التراثِ الإسلامي على التناقض وعدم الوضوحِ فكذلك الأمر بالنسبةِ للنظرية الإسلاموية تجاه الأدب القديم.
أما عن تداعياتِ هذه النظرة الفاشلةِ (تجاه الأدبِ القديم) فتظهر من خلالِ العديد من الجراثيم والطفيليات التي تغزو جسدَ الأدبِ الحديثِ،فهذه النظرةُ تحتم الأخذ بكل ماهو قديم،وهي كذلك تدحضُ كل شيءٍ جديدٍ،لأن العصر الذي نعيشُ فيه عصر (اللاجدوى)بالنسبة للنظرة الإسلاموية عموماً ويأخذ الشعر جزءاً من هذه (اللاجدوى).
وهذه النظرة بالغرم من أنها غير متداولةٍ في المناقشاتِ الأدبية والنشاطاتِ التي تقامُ ضمنَ المؤسساتِ الثقافية او حتى بعضِ الحواراتِ العامةِ بينَ العوامنإلا أنها لاتزالُ موضعَ تشبثِ الدارسينَ الإسلامويين،وهي بالرغم من ضيقِ نطاقه إلا أنها تؤثرُ بشكلٍ خطير على مستقبلِ الأجيالِ المُلقَّنين من المؤسسة الدينينة هذه المفاهيم،والتي سيلقنونها مستقبلاً...
ومن تداعياتها أيضاً أنَّ الخلاف والذي يعني بالضرورة (الجديد) في الشعر يوجب المقاطعة والحرب،أي اختلافَ وجهاتِ النظر في أي شيءٍ يعني التكفيرَ والزندقة...
إن أول ما يلاحظه الدارس للأدب القديم هو شدةُ التباين في وجهات النظرِ تجاهَ الشعرِ والأدب،سواءٌ ما يتناول الفروعَ أو الأصول،فعلى سبيلِ المثال قضية اللفظِ والمعنى كانت بؤرةً للخلافِ الشديد كما يقول أحمد دهمان ،بينَ مؤيدٍ للفظِ ومؤيدٍ للمعنى إلى أن جاء عبد القاهر الجرجاني بنظرية النظم التي توفق بينهما،وهذا الأمر الخلافي بينَ القدماءِ ينسحب على رجال الدين أيضاً،ومنهم الخلفاء،والذي كانَ سبب نشوءِ المذاهب الإسلامية.
فالنقاد القدماء لم يتفقوا إذاً،وكانَ هناك نوعٌ من حرية الرأي سيما في العصر العباسي الذي سادت فيه موجةُ التجديد،والثورة على تقاليد القصيدةِ الجاهلية القديمة لتساير تفاصيل الحياة العباسية،وهو أمر طبيعي...
وهنا نوجه سؤالاً للدراسين الإسلامويين:إذا كان الدارسون والنقاد والأدباء والشعراء والفلاسفة المسلمون في العصر العباسي لم يسيروا وفقَ نهجٍ واحد وفق نظرةٍ واحدةٍ ورأيٍ يجمعهم،فكيف سنتفق نحنُ على تقديس آرائهم ومفاهيمهم المتناقضة؟، وبالتالي على تقديسِ التراثِ الديني أو الثقافي؟!،وإذا كان الشعر العباسي قد خطا خطوات وخرجَ من هيكل القصيدة الجاهلية عبر الخلافِ الكبير حول بنية القصيدةِ الجاهلية،فهل يُعد هذا خروجاً من الشعرِ وخروجاً من تقاليد القصيدة العربية القديمة التي لا بد من تقديسها وبالتالي خطأً؟،ثم لماذا نقدسُ الشعر العباسيَّ إذا كانَ خارجاً عن المألوف وعن التراثِ الجاهلي؟
وأترك للقارئ العزيز تعميمَ السؤالين السابقينِ ليشملا التراثَ الإسلامي بشكلٍ كامل،وليستنتجَ ما يريد استنتاجه...
وننتقل إلى الشعر الحديث،ونظرةِ الدارسينَ الإسلامويين لهذا الشعر ،وهي نظرةٌ تشكل جزءاً من النظرةِ العوام الساذجةِ تجاهَ الشعر العربي الجديد،والتي تقترن بالليونة واللاجدوى والسخف (سخف كل ما يكتب من الشعر الحديث)،وهذه النظرة في عمومها عند الدارسين الإسلامويين وغيرهم نتيجةً للنظرةِ العامةِ تجاهَ الواقع العربي والانحطاط والتخلف والجهل،وهي جزءٌ من تلك النظرة العامةِ نحو العصرِ الذي نعيشه من قبل العوام والإسلامويين،بل إن نظرةَ العوام إلى الشعر الحديثِ كانت نتيجةً لنظرةِ الإسلامويينَ له،عبر تقديسهم لشعر المناسباتِ والبلديات والمضافات...
غير أن الإسلامويين قد يغيرونَ بعضَ ملامحِ نظرتهم المتطرفةِ وغير الموضوعيةِ تجاهَ الشعرِ الحديثِ عندما يصطدمونَ ببعضِ الروائع (من شعر التفعيلة الخارج عن الملة) كما في أشعار السياب ونزار ومحمود درويش فيعجبونَ بها ويقرون بروعتها وهذا يدل على ضيقِ الثقافةِ وسذاجةِ الرؤية وسطحية التفكير وضحالته،لأن هؤلاءِ في نظر الإسلامويين مرتدين وأشعارهم كفر وضلالة وتتجه نحو اللاجدوى،فهم يختمونَ الشعر العربي بأحمد شوقي وأمثاله من الاتباعيين،أما ما سواه فهم إما (غربيون)،كشعراء المهجر،أو اتبعوا المدارس الغربية كالسياب،أو زنادقةً كنزار ومحمود درويش.
ونحن نقول للدارسين الإسلامويين:إذا كان الشعر القديم مقدس،والحديث تافه،فلماذا نظر معظم العباسيينَ إلى الشعر الجاهلي بعينِ القداسةِ والعباسي بعينِ التواضع،ثم اكتشفنا نحن خطأهم؟،ثم نسألهم: ماذا إذا طلبنا منكم وضعَ التاريخ بمجمله (سياسياً ودينياً واجتماعياً وأدبياً) ومناقشته ونقده،وتبين مافيه من أخطاء؟.
على أن الدارسين الإسلامويين يعتمدونَ القصيدةَ العمودية مقياساً للجيد والتفعيلة مقياساً للتدهور والانحطاط وكأن الامر أصبح مقتصراً على الشكل الشعري بينَ التفعيلةِ والعمودي،فماذا إذا قلنا لهم:مارأيكم بقصيدة النثر؟
الدراسونَ الإسلامويون لاينتمونَ إلى التاريخ،لاينتمونَ إلى القديم،لأنهم لايتمثلونه،ولم يتعمقوا فيه،لم يقرؤوه،ولا ينتمونَ إلى الجديد أيضاً،بل هم ينتمونَ إلى الجماجم التي تركها بعض المتعنتين والمجمرين في التاريخ،ينتمونَ على ماتزرعه المؤسسة الدينية من الأفكار المتناقضة والساذجة،ينتمونَ إلى ما نعيشه من حالةِ التخلفِ واللاوعي،هم في الحقيقة إحدى تداعياتِ الانحطاط الذي كانوا متولدينَ عنه ومسببينَ لها في آن...
08-أيار-2021
17-حزيران-2014 | |
27-كانون الثاني-2014 | |
21-تشرين الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2013 | |
27-آب-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |