وَجَع: قصائد لم تكتمل
2006-04-23
يبدأ يسار أيوب ديوانه (وَجَع) بإهداء متردد بين عالمين: عالمه الداخلي المثقل بوجع شخصي يعيق نمو القصيدة دون أن يستطيع منعها من التلصص بين الحين والآخر على العالم الثاني عالم المتلقي/ الآخر الذي يغالب نفيه الحضور على صفحات الديوان.
لو أنني ما كنت أظمأ... ثم أروى بالوجع/ لو كانت الأحلام –نسيج قلبي- مجبولة بحبر أوراقي/ لو كانت قصائدي لي/ لكنت أهديتها أولاً .. إليك/ ثانياً.. إليك/ .. إليك.
ومن هذا العلاقة الحائرة بين يسار وقصائده يدلف القارئ ساعياً إلى لمس المأسور شعراً بأفكار الشعر لدى الشاعر، مرتبِكاً بالتباس القصائد بين حرية ممنوحة لها على مضض وبين قافية قسرية تجهض ما كان يجب أن يتوالد أكثر في اللغة والمعنى معاً.
هذا ما يتبدى بوضوح، لغةً ومعنى، في القصيدة الأولى (أبي) التي تحيلنا مباشرة إلى حالية موقع الشاعر من الشعر، فكأن الأب هنا هو المألوف في الذاكرة من أشكال – قيود الشعر وكأن تخبط الشاعر في متاهات إيجاد لغته الخاصة يجد منطلقه في هذه القصيدة محتمياً بجمالية مفترضة عن عينه ومعلناً في الوقت نفسه عن حضوره المباشر والشديد الوضوح لعين القارئ.
كيف تشهق هكذا/ لن تنتهي أبداً/ كيف انتهيت/ لأشتهي صرع الفراق؟/ لكي أراك/ وكيف تتركني..
ولأن "الأب" لم يترك الشاعر يصارع مصيره الشعري وحده، فإنه يعود مرة أخرى ليضفي ظلال وجعه على سَفَرٍ مقيد بكلمات خفيفة الأثر:
لا قبر يا حبيبي/ هو المنفى/ قلب حجر/ أي الطريق ستختصر الطريق/ إلى نهايات المسافة؟/ أيُّ الجراح إذاً/ تقود إلى انهمارات الدماء/ الدموع/ أو انهمارات المطر؟.
طريق الشعر لا يُختصر إلى مكان يُختتم فيه البوح عمّا يلاقيه المسافر في رحلته الدائمة التكرار إلى نهايةٍ تعلن نفسها بدايةً جديدةً ما أن تطأها قدم واصلٍ مُتعَب، ولذلك فإن الجمال الذي يحصده الشاعر في طريقه يحصده القارئ أيضاً، وهذا ما يضيع في ديوان "وجع" وسط ما يمكن أن نسميه "ثرثرة مقتصدة"، فالشاعر لا يُدخلنا في ابتكارات مبالغ فيها للّغة الشعرية كما نلاحظ في العديد من التجارب الشعرية العربية، كما ولا يراكم زخماً غامضاً للمعاني في سطور قليلة، بل يتركنا مع بساطة تعبيراته الشعرية عما يختلج في نفسه لكن دون مواجهة فعلية تشذب فعالية القصيدة وقدرتها على ابتكار جمالياتها اللغوية التي تمكنها من التعبير عن خلجات كاتبها وفق قالبها الخاص، المبتكر، والمناسب بالضرورة.
وهكذا تأتي بعض المقاطع، كما في قصيدة "محطات على جسد سونا"، وكأنها مجزأة أو مبتورة من قصيدة أسبق:
يا امرأتي التي لم تخصب في أفراح القدر/ ولم تتزوج لتنجب مني عرائس بحر/ تغني/ إذا ما صحت في الليل هائمة/ ولم تتشرب ظل السنونو/ على ذيلها السمكي انهمر/ وأكشف صمت البياض.
لكننا ما أن نصل إلى "ثلاثية" وهي عنوان مستقل لثلاث قصائد، حتى ندخل في مناخ شعري مختلف، تتلقفنا القصيدة فيه لتقول بعضاً من شعريتها بعد مخاض صعب فـ(هنالك ينتظر[ها] الأبيض الثلجي/ وريح عينيك الجميلة/ كل تاريخ النهارات القديمة/ دمعتان)، ومن موقعها هذا تقف القصيدة لتحاسب الشاعر خالعة عنه أقنعته وداعية إياه إلى نزال حقيقي يثبت فيه كل منهما وجوده غير المنفصل عن الآخر والمستقل بذات الوقت:
وهل تحتاج أغنيتي../ إلى الموت الفجائي/ الجبان؟
يا سيد.. لو تتلطف/ تنظر من بين سحائب قدرتك الفذة/ لا تخجل تأتيني/ مثل سهولة برق الأشياء/ أضئ في قلبي المنفى/ واترك لعبتك الأزلية/ في الإنشاء.
أنا يا سيد لن أرقص فوق دمي/ كي أرضيك/ ولن أحمل أرث الزمن الماضي.
هنا فقط يمكننا أن نعلن صمت الشاعر (... لا نهائي الخطيئة/ في المدى/ يثغو.. ويلهو.. بالخبايا)
فلعل خباياه القادمة تبدأ من ختام "وجع"ه هذا.
اسم الكتاب: وَجَع (مجموعة شعرية)
اسم الكاتب: يسار أيوب
الناشر: جسور للدراسات والترجمة والنشر، دمشق 2006.
08-أيار-2021
10-آب-2019 | |
30-حزيران-2018 | |
21-نيسان-2018 | |
24-شباط-2018 | |
16-كانون الأول-2017 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |