والعلمانيون يحبون وطنهم أيضا
2008-02-26
ثمة ما يدعو إلى الدهشة والأسف والاستهجان جراء ما يتعرض له العلمانيون على كامل المساحة العربية من اتهامات تطاولهم صبح مساء، تعزف على أكثر من وتر وتستعين بأكثر من مقام، فتارة هم متهمون بالخيانة وتارة أخرى بالارتهان لمصالح خارجية غير وطنية، وثالثة باستيراد الأفكار الهدامة، ورابعة بمحاولة القضاء على التراث وخامسة بالتنكر للماضي والتاريخ، وسادسة ـ وهنا بيت القصيد ـ بالكفر بكل شيء حتى بالوطن!!.
اتهامات تساق من كل حدب وصوب، منها ما هو علني ومباشر، ومنها ما هو مبطن يعتمد أسلوب الغمز والهمس واللمز.. ولو أن المسألة تقف عند هذا الحد لكان الأمر محمولاً على الرغم من بطلانه وقسوته، إلا أن المسألة تتعدى حيز الاتهامات لتنتقل إلى تضييق المساحات في وجه كل من يجعل من العقل والعلم ومنتجهما الثقافي والفكري فضاءً رحباً يتسع لكل التساؤلات ويتيح المجال للبحث والدراسة و التمحيص وإماطة اللثام عن كل ما هو مستور وممنوع "تابو" وجعله موضع جدل ونقاش.
من الظلم والجور أن تبقى العلمانية تهمة تتناقلها الألسن وتبثها معظم وسائل الإعلام العربية الرسمية والخاصة التي يدعي بعضها احتكار الوطنية ومحبة الوطن..
جولة سريعة في فضاءات الإعلام العربي عموماً وفي فضاءات بعضها المنتمي إلى قبيلة "ثقافة البترو دولار" خصوصاً يمكن لها أن تظهر حجم الحملات والحشد الإعلامي والطاقات والإمكانات الموظفة لإظهار العلمانيين بمظهر اللاوطنيين واللامنتمين، ويمكن لها أن تكشف علناً بما لا يدع مجالاً للشك عن العقلية الإقصائية الإلغائية التي تتحكم بتلك الوسائل وتبث عبرها سمومها واتهاماتها للعلمانيين كمستوردين أساسيين للأفكار الغربية "الهدامة"، وكمعادين للوطنية وكارهين للوطن!!.
شخصياً، لا أعرف من قال لهؤلاء "الحريصين على الوطن" إن المجتمعات الغربية التي سبقتنا بأشواط كبيرة في مختلف الميادين والتي تتخذ من العلمانية مبدأ ونظام حياة لها.. من قال لهم إنها مجتمعات تخلو من الوطنية ومحبة الوطن؟!!. من قال لهم إن أبناء تلك المجتمعات، وهم يعدون بعشرات الملايين، لا يعرفون معنى الوطن ومحبته؟!!. واقع الأمر إنه لو صح ادعاء "الجهابذة" من محاربي العلمانية في العالم العربي، لكانت تلك المجتمعات والأوطان قد انهارت ولم تقم لها قائمة، على عكس ما نرى فيها اليوم من نمو اقتصادي وبحبوحة ورفاهية، وعلى عكس ما نرى فيها من إبداع وحريات وديمقراطيات وإنجازات علمية وثقافية واقتصادية مكنتها من أن تحتل المراتب الأولى في شتى المجالات. هذه حقائق يجب أن تقال و يجب أن يعرفها القاصي والداني لا محبة بالغرب ولا دفاعاً عنه إنما كي لا يكون أحدنا ساكتاً عن الحق ويتحول إلى "شيطان أخرس".
العلمانيون في بلاد العرب، يكفيهم فخراً أنهم ليسوا حزباً ولا ديناً ولا طائفة ولا قبيلة ولا جمعية ولا شركة اقتصادية عملاقة محلية أو عابرة للحدود والقارات ولا حوت إعلامي ولا أي شيء من هذا القبيل، إنما هم تيار فكري متنور وحر يؤمن بالعلم وبالعقل كمنهج أساسي للتفكير، ويؤمن كذلك بحرية الفكر والإيمان والمعتقد.. ويكفيهم فخراً أيضاً أنهم لا يتبجحون ولا يزاودون في محبة وطنهم ويحولونه إلى جملة من الشعارات التي لم تعد رنانة حتى في آذان الطرشان، ولا يجعلون منه سلعة للمتاجرة، وهم في الوقت نفسه لا ينتظرون شهادة من أحد في وطنيتهم لأنهم مستعدون، إن لم يكن أكثر من غيرهم، كغَرهم للتضحية في سبيله، ولكن مع فارق بسيط مفاده أن تضحياتهم في سبيل الوطن غير مشروطة، بمعنى أنهم يفعلون ذلك لا طمعاً بجنة، ولا خوفاً من نار..
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |