محمد كامل الخطيب يرد على إعلان دمشق المعارض
2006-05-06
إعادة تكوين سورية !
هل ستجري إعادة تكوين سورية على أساس (عقلاني علماني ديمقراطي مدني) أي على أساس تعاقد وطني اجتماعي متساو للبشر أم تتم على أساس (الهي ديني طائفي عرقي) كما يحدث في العراق أو لبنان مثلا؟
(إلى الحالمين ب والساعين إلى مجتمع علماني – عالمي قد يأتي وقد لا يأتي.
إلى عبد الرحمن الشهبندر- كمال جنبلاط
تراجيديا المثقف العلماني في مجتمع ديني- طائفي)
بهذا الإهداء الملفت يتكثف موضوع كتاب محمد كامل الخطيب (وردة أم قنبلة ؟! إعادة تكوين سورية) والصادر حديثا في دمشق.
في الكتاب يتجلى ضغط الراهن على الحالم منذ زمن بعيد بأن يكون أحد كتاب القصة القصيرة المرموقين ولكن وأمام انكسار الحلم وأمام قوة الشك ربما بجدوى الحلم ينغرس الخطيب بالواقع محاولا تفسير ما جرى ويجري بروح الأديب وعقل الباحث. إعادة تكوين سورية كما يصدرها الخطيب في مقدمته هي قصة الصراع الوجداني- النفسي لمدرس جغرافيا يدرس خريطة بلاده والعالم كما هي مرسومة على اللوح، ويعتقد هذا المدرس أن هذه الخارطة مزيفة ومزورة ومرسومة على عجل أو هي أكاذيب في أكاذيب ولكن لا يجرؤ على إعلان هذه الحقيقة أو فضح الأكاذيب.
الحراك الاجتماعي- السكاني في المنطقة العربية
لقد تجلت النهضة في المجتمع العربي في أمور ثلاثة:
- التخلف عن الغرب (تخلف الزراعة الشرقية ونمط حياتها عن الصناعة الغربية ونمط حياتها) أي تخلف المجتمع الريفي العربي عن المدينة الأوروبية التي هي تشكيل صناعي- مديني.
- محاولة اللحاق بالغرب والدخول معه إلى مسرح الفعل التاريخي من موقع المشارك وليس من موقع المستلب والمنهوب والمتأخر .
- الانتقال من اللاحم الإمبراطوري- الديني إلى اللاحم القومي- الثقافي أي الانتقال من الدولة الدينية إلى الدولة القومية- الوطنية.
وباعتبار أن النظام الرأسمالي ديناميكي وذا طبيعة انتشارية فقد نظر إلى الشرق كسوق أي: المركز الأوروبي مدينة ومخزن وباقي العالم ريف.
إن امتداد الرأسمالية إلى مناطق الشرق لها وجهين من ناحية استعمار له ومن ناحية أخرى إدراج وتوحيد له في مسيرة التاريخ العالمي فمنذ الحملة الفرنسية على الشرق(1798 ) وافتتاح قناة السويس (1869 ) عاد العالم العربي إلى فضاء الفعل التاريخي وساحته، ضمن هذا المنظور يضع الخطيب الانتداب الفرنسي والبريطاني للمنطقة العربية.
ونهضة شعوب الشرق تعني تكييف هذه العملية التاريخية لصالح الشعوب الشرقية وليس الإبقاء عليها مستمرة ومتحركة لصالح المسيطرين في النظام الرأسمالي، لذلك نهضة شعوب الشرق هي عملية بناء دولة وتحرر وطني كما هي عملية تحرر اجتماعي وهذا هو جوهر الحراك الاجتماعي- التاريخي الذي تخوضه شعوب المنطقة منذ القرن التاسع عشر
هذا الإدراج للمنطقة والحراك المذكور هو عملية تحضير وتمدين ورسملة وتحديث لهذا المجتمع الريفي ككل وليس عملية (ترييف للمدينة العربية)، كما يحلو القول لبعض المفكرين والمثقفين ومنهم بعض الماركسيين، وهذا القول (ترييف المدينة) قول (حسب الخطيب) يخفي في طياته بذور وعي أو لا وعي طبقي قديم أو وعي ولا وعي طائفي مؤسف، وهو قول يخشى الإعلان عن نفسه أو عما في نفسه فيتقنع بحذلقات (تقدمية أو علمية أو ماركسية طبقية- طائفية) على نمط (الماركسية العشائرية – القبائلية) التي هدمت اليمن الجنوبي في تسعينات القرن العشرين.
وينسحب الأمر نفسه على التقدميين الذين يتحدثون عن الأمر ويحللونه على أنه صراع الأقلية ضد الأكثرية بالمعنى الديني أو الطائفي مع العلم أن مصطلحي (الأقلية والأكثرية) هما مصطلحات مدنية وسياسية أما الطوائف والأديان فهي مجموعات فكرية شبه ثابتة وملل ونحل حسب المصطلح الإسلامي وليست خاضعة لهذين المفهومين السياسيين المتحركين، يقصد الكاتب بهذا النقد (إعلان دمشق المعارض)
والأمر نفسه ينطبق على القائلين بأن الأفكار القومية والاشتراكية إنما هي أفكار أبناء الأقليات وهدفها ضرب الإسلام، متناسين أن الإسلام والمسيحية هما ثقافة وميراث إنساني وعربي عام وليسا مجرد اعتقاد وطقوس أو مذهب ..، إذا الأقلية والأكثرية هي أقليات وأكثريات سياسية- اجتماعية فكرية متحركة ومفتوحة حسب تحرك الأزمان والمصالح والأفكار والسياسات وتغيرها، وليس حسب شهادة الميلاد التي تقضي وضعا أبديا والمثال على ذلك (كتابات محمد عابد الجابري وحازم صاغية وبرهان غليون وجمال باروت ..فهذا التحليل لحركة (أقلية وأكثرية ) على أساس ديني وطائفي ومغلق هو طائفية وطبقية مقنعة إنها نظرة طائفية إلى الفكر والمجتمع والتاريخ.
عن الاجتماع البشري وتعدد الهويات
كل تجمع بشري (صغر أو كبر) يقوم على لاحم أو عاقد اجتماعي وهذا العاقد أو اللحم مرن ومتغير فتارة تكون العائلة هي اللاحم وتارة الطائفة أو الدين أو الفكرة الفلسفية....
الروابط هي هويات واقعية بقدر ما هي متخيلة وظرفية بقدر ماهي قديمة ومتعددة بقدر ماهي واحدة فالهندي قد يكون مسلما وقد يكون هندوسيا والأمر نفسه ينطبق على الشيوعي الذي يمكن أن يكون صينيا ومصريا لكنه يعيش في إطار دولة محددة
هناك هويات مفروضة على المرء وهناك هويات مختارة فكون المرء تركيا أو أسود العينين يعود لمكان وزمان ولادته ووراثته (هوية مفروضة) معطاة مسبقا، أما كون المرء شيوعيا أو وجوديا فهذا هوية مكتسبة أو هوية مختارة أي صاحبها هو من اختارها محاولا تحرير نفسه من هويته التي فرضت عليه، ومن الممكن أن يخلع المرء هويته المكتسبة متى أراد فالشيوعي قد يصبح بعثيا والفيثاغورثي قد يصبح أفلاطونيا ولا يحدث ذلك استغرابا أما تحول المسلم إلى مسيحي أو العكس أو زواج امرأة من غير طائفتها فقد يؤدي إلى القتل من هنا يأتي خطر الهويات المفروضة.
والنتيجة أن ما من هوية أو فكرة أو دولة أو حدود ثابتة أو خالدة والبشر (أفرادا وتجمعات) يعيدون تجميع وتعريف وتحديد أنفسهم في هويات ومجتمعات بشرية بطرق متعددة حسب الأفكار والمصالح والأزمان وموازين القوى، فتركيا العثمانية انهار لاحمها الإسلامي عام 1924 واليوم تستعد لدخول لاحم جديد هو الإمبراطورية الأوروبية، مصر كانت شيعية وتسننت زمن صلاح الدين وإيران كانت سنية وتشيعت زمن الشاه إسماعيل الصفوي وأسبانيا كانت مسيحية ثم صارت مسلمة ثم عادت مسيحية وسورية كانت مسيحية ثم صارت مسلمة وساطع الحصري كان عثمانيا ثم صار عربيا، وعائلة جنبلاط اللبنانية (العروبية الدرزية) تعود لأصول كردية حلبية...وأحمد فارس الشدياق خلع المورانية وصار بروتستانتيا ثم أصبح مسلما..
عن الدولة العربية القائمة
خلال الحكم العثماني كان الدين الإسلامي هو اللاحم الاجتماعي والعقائدي وعندما وهن هذا اللاحم وضعفت أهميته اثر ظهور البرجوازية وفكرتها عن السوق والدولة القومية تفتت هذه الإمبراطورية (العثمانية) كما تفتت إمبراطورية شارلمان المسيحية ثم أنشأ كمال أتاتورك ما تبقى من الإمبراطورية دولة قومية بينما عجز العرب عن تشكيل دولتهم القومية عام 1916 ولم يستطيعوا فيما بعد إلا تشكيل دولهم القطرية وحتى هذه الدول أخفقت لأنها لم تستطع تأسيس لاحمها أو عاقدها الوطني، ومنطقة بلا د الشام والعراق اللتين انفصلتا عن الدولة العثمانية هما مناطق أقوام وطوائف شبه منغلقة لم تصهرها برجوازية أو صناعة أو حركة تنوير جذرية أو دولة ولم تربط آمادها الجغرافية والبشرية والاقتصادية إلا رابطة اللغة العربية، من هنا جاء تأكيد مفكري القومية على عامل اللغة في الفكرة القومية.
الكيان السوري
يروي ساطع الحصري قصة الكيان السوري من خلال كتابه (الإقليمية: جذورها وبذورها) بيروت (1963 ) ومحمد كامل الخطيب ترك رواية الحصري لنشوء الكيان السوري كما هي فلا أحد حسب الخطيب يستطيع التشكيك بوطنية وعروبة وإسلام الحصري.
جاء في كتاب الحصري: يتباهى بعض السوريين بأن سورية موجودة منذ آلاف السنين ويتخذ هذا البعض ذلك ذريعة لطلب استمرار الوجود السوري، ولكن حقائق التاريخ لا تؤيد مزاعم هؤلاء بل تشهد أن سورية الحالية (1963 ) حديثة الوجود والكيان، ومدن دمشق وحلب ودير الزور وحماة وحمص ودرعا والسويداء والرقة اللاذقية موجودة منذ آلاف السنين غير أن تجمع هذه المدن لتكوين سورية بمعناها الحالي لم يتم إلا بين سنة 1918 و بين 1943
ولا يجوز اعتبار دمشق عاصمة الأمويين دليلا على وجود سورية في عهد الأمويين كون أراضي الدولة الأموية تمتد من حدود الصين حتى سواحل الأطلسي
ثم يستعرض الحصري كيف كانت تقسم الولايات والمتصرفيات واستقلالها وكيفية اندماجها خلال الفترة من الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية
ويستنتج محمد كامل الخطيب من رواية الحصري أن الكيان السوري الحالي حديث النشأة أي أن ثمة مناطق جمعت وألحمت وتعاقدت وما كانت ملتحمة سابقا، فحلب انضمت إلى دمشق بعد أن فقدت مجالها الاقتصادي الحيوي عقب الانفصال عن الدولة العثمانية بلاحمها الديني وبعد عزلها عن العراق اثر دخول الإنكليز إليه ومنطقتا الساحل وجبل العرب لم يضما إلى لبنان حتى لا تختل التركيبة الطائفية فيه أكثر مما اختلت، بعد ضم الاقضية الأربعة وبيروت وطرابلس إلى متصرفية جبل لبنان التي حلت عقب دخول الأتراك الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا ومن ثم إنشاء دولة لبنان الكبير واللاذقية التي كانت تابعة لولاية بيروت ضمت إلى ولايتي دمشق وحلب بعد أن خسرت دمشق ميناء بيروت كمنفذ بحري بعد تكوين دولة لبنان الكبير وبعدما خسرت حلب ميناء الاسكندرون بعد سلخه وضمه لتركيا هذا غير فصل خالد العظم الاقتصاد السوري عن الاقتصاد اللبناني عام 1949 .
وضم اللاذقية إلى الاتحاد السوري جعل الدولة السورية قابلة للحياة عبر هذا المنفذ البحري وبدون هذه الواجهة البحرية ستبقى سورية جزءا من الصحراء العربية (فاللاذقية وطرطوس بدائل لاسكندرونة وبيروت)
أما اللاحم والعاقد الذي أقيم عليه الاتحاد السوري فهو فكرة العروبة البازغة آنذاك وليس العاقد الإسلامي الذي جمع الجميع في إطار الدولة العثمانية ولو كان اللاحم الديني ما يزال صالحا لما تفككت الدولة العثمانية، والثورات السورية (ثورة صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش..) لم تقم على أساس ديني أو طائفي بل قامت على أساس وطني- عربي، وقيام الاتحاد السوري على أساس اللاحم القومي- الثقافي (اللغوي) هو ما أتاح إدماج التعدد الطائفي والديني والمناطقي في فكرة وكيان الدولة السورية ولذلك بقي الفكر القومي قويا ونشطا ولا حما في سورية ..
وما حدث في الخمسين سنة الأخيرة جعل فكرة الاندماج أو الاتحاد السوري حقيقة واقعة ودولة أظهرت أنها قابلة للحياة وهوية جديدة لتركيبة سكانية تسعى للتجانس والاندماج في دولة واحدة أي هوية وطنية موحدة قائمة على الأساس الوطني وليس على أساس الدين.
لذلك وبناء على ما تقدم فان الدعوة أو العودة إلى برنامج سياسي يقوم على لاحم أو عاقد ديني إسلامي أو غير إسلامي أو طائفي هي دعوة وعودة إلى ما قبل اللاحم أو العاقد القومي- الوطني- الثقافي أو التوافق الذي قام عليه الاتحاد السوري ومثل هذه الدعوة هي تحويل للصراع الاجتماعي و السياسي إلى صراع مذهبي وديني وهذا يشكل خطرا كبيرا على الكيان السوري وتلك هي على كل حال الخطورة الكبرى لتوظيف الدين في السياسة في العصر الحديث ومن المؤسف أن يقع فيه بعض السياسيين والعلمانيين!!
فلا نريد استبدال الاستبداد العسكري واستبداد الحزب الواحد باستبداد ديني طائفي خصوصا إذا ما التحف هذا الاستبداد بشعار براق ومخادع هو (الأكثرية مقابل الأقلية) على أساس ديني أو طائفي وحتى قومي فهذه مفاهيم مدنية وسياسية وحزبية وليست مفاهيم دينية أو طائفية أو قومية وهي عرضة للتبدل والتحول حسب الظروف السياسية فالاستبداد الديني أخطر من الاستبداد العسكري والسياسي بل هو أكثر زعزعة لأسس الدولة والكيان كما أنه يتدخل في شؤون الإنسان الحياتية اليومية وفي ضميره
ويبقى السؤال المهم والأساسي في هذه الظروف هل ستجري إعادة تكوين سورية على أساس (عقلاني علماني ديمقراطي مدني) أي على أساس تعاقد وطني اجتماعي متساو للبشر أم تتم على أساس (الهي ديني طائفي عرقي) كما يحدث في العراق أو لبنان مثلا؟
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |