كهرمان
2006-08-28
آخر ما كتبه مظفر النوّاب وهو على فراش الموت إهداءللبنان
مع دراسة نقدية للقصيدة كتبها د . محمد أيوب
كهرمان ... يا كهرمان
الوطن المتساوي الأضلاع
رجسٌ لن يقبله منذ الآن
الأمريكان
*** ****
كهرمان ... يا كهرمان
في يوم واحد تتناقص ثلاثة بلدان
طهرانٌ تقضم من كبد البصرة
ومن إبطيها تُسحل غزة
وعلى “ أربعة عشر “ صليباً يتخوزق لبنان
*** ****
كهرمان ... يا كهرمان
هل علم فلسطين هو الممنوع
وتزدحم بأعلام ( الفيفا ) بلادي
وبأعلام الألمان
**** ****
في غزة يتوالى القصف
والبلدان العربية
تبذل أقصى طاقتها
من جُمل “ التنديد “
وعبارات “ العطف “
هذا يستغرب “ الاستخدام المفرط للقوة “
وآخر يدعو الشقيقة اسرائيل لضبط النفس
والثالث يخشى من دورة عنف
والرابع يُرسل أرخص أنواع البطانيات
لتحمي القتلى
من” أمطار الصيف “
**** ****
في القاهرة اجتمع الوزراء
(الحمد لله لم يتأخر منهم واحدْ
هذا أكبر إنجاز في هذا الظرف)
قال عمرو موسى
استطعنا أن نجمعهم على رأي واحد
من أفتى للشيخ حسن أن يخرق إجماع الأمة
ويشقّ الصفّ ؟
وفي تونس كاميرات صُنعت خصيصاً للمسجد
تحصي شعرات اللحية
وتحفظ دعوات المغرب
وتؤرشف أسماء العُبّاد
تساعد الملكين على الكتفين
وتتدخل أيضا لو أن محجبةً مرت من تحت الشباك
هذا بلدٌ منفتحٌ لا يسمح أن يسكنه النُسّاك
*** ***
في “ السوليدير “
لجنة تحقيق تنبش تحت” الإسفلت “
وشاليهات السُيّاح
من وضع “ الديناميت “
ومن أشعله بسيارات “ الموكب “؟
الولد الفذ
لن يتسامح
حتى لو ورث “ المستقبل “
و” آذار “
وما ترك “ الجمّال “
“ الجد “ في “ جدة “ لا يسمح
والولد الشاطر يسمع آراء العُــقّال
**** ****
كهرمان ... يا كهرمان
من يحمي الآن الخرفان
إن كان الذئب صديقاً
وحليفاً
وهو الآمر والناهي
في هذا البستان ؟
**** ****
والشيخة “عكا “ في المستشفى
بدأت تفتح عينيها
من يعرف ، في هذا القصف ،
إن كانت تتذكر أبويها ؟
ارشقها بالبحر يا “ حج حسن “
بالرعب فقط ... تسقط آثار الرعب
على قدميها
**** ****
من يتذكر في هذي الأيام
صواريخ “ الفاكهاني “
وحصار “ الشيّاح “
لم ينتحر الثوار كما اقتضت المصلحة الليبية
فمن منكم يعرف
ماذا يفعل في هذي الليلة .... ؟
**** ****
يا سيدي حسن
يا سْيدي ... في جُبّتك الخوف أمان
يتلفّع “ نصر الله “ إذا جاء
بآيات القرآن
هذا الفتح الـــ ... من عند الله ومن “ مارون الراس “
لا من عند “ الأمريكان “
فسبح بحمد ربك
واستغفره
لن تبقى “ حيفا “ هادئة
بعد الآن
الهم السياسي في آخر قصائد مظفر النواب
قراءة نقدية بقلم : د . محمد أيوب
ما زال مظفر النواب مسكونا بالهم السياسي وبقضايا أمته العربية ، وهو مسكون بالشعور القومي العربي متمسكا بالقومية العربية من زاوية مغايرة للزاوية التي ينظر منها النظام الرسمي العربي إلى هذه القومية ، فهو يخشى من أطماع الدول الاستعمارية إضافة إلى بعض دول الجوار ، وقد ظل النواب مؤرقا بهموم الوطن العربي ومشاكله حتى وهو على فراش الموت في دمشق .
بدأ النواب قصيدته بكلمة كهرمان ، ولعل الكهرمان بلونه الأصفر يشير إلى أشياء غير محببة إلى النفس ، اللون الأصفر يشير إلى الخوف والغيرة والحقد والشحوب من المرض ، وقد احتل الوطن العربي لقب الرجل المريض الذي كانت تركيا تحمله ، وأصبح هذا الوطن محط أطماع الطامعين ، وهو مصدر قلق وخوف للمحبين والكارهين له على حد سواء ، المحبون يخافون عليه من العدوان والأطماع الاستعمارية ، والكارهون يخشون صحوته القادمة ، ولذا فإن اللون الأصفر يحمل دلالة التحذير والتنبيه والدعوة إلى الاستعداد وكأن الوطن العربي اليوم يقف على مفترق طرق : وقد أضاء اللون الأصفر منبها إلى ضرورة العبور واختيار الطريق :
كهرمان ... يا كهرمان
الوطن المتساوي الأضلاع
رجس لن يقبله
الأمريكان
هكذا بدأ النواب قصيدته ليقول لنا إننا على مفترق طرق وعلينا أن نختار الطريق ، إما أن نبني وطنا متساوي الأضلاع لا يفرق بين مواطنيه في الحقوق أو الواجبات ويستند في بنيته على تكامل السلطات الثلاثة أو الأربعة في الوطن العربي ، السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية ، وكلها سلطات مشوهة منقوصة ، حتى السلطة الرابعة ، الصحافة ووسائل الإعلام لا تجد هامشا من الحرية في النقد والتعبير عن هموم الوطن والمواطن ، وقد اختصر مظفر النواب كل هذه الهموم بقوله إن الوطن المتساوي الأضلاع لا يرضي الأمريكان .
يعود النواب إلى وضع كلمة كهرمان في بداية الفقرة التالية :
كهرمان ... يا كهرمان
في يوم واحد تتناقص ثلاثة بلدان
طهران تقضم من كبد البصرة
ومن إبطيها تسحل غزة
وعلى أربعة عشر صليبا يسحل لبنان
اللون الأصفر مرة أخرى للتحذير والتنبيه ، الوطن يتآكل ، فقد طعن الوطن العربي في خاصرته من الشرق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، ويشير النواب باعتباره قوميا عربيا، وعلى الرغم من إقامته في دمشق الحليف العربي لإيران ، إلى أطماع إيران في العراق ، فهي تقضم من كبد البصرة ولم تكتف باحتلالها لإقليم عربستان "الأهواز أو خوزستان " وجزر الخليج الثلاثة " طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبو موسى " ، كما أن قلب الوطن العربي مطعون في فلسطين بينما يتخوزق لبنان على خوازيق قرارات مجلس الأمن الدولي الذي لا يستأسد إلا على العرب بينما يقف عاجزا أمام إسرائيل و بعض البلدان غير العربية ، الأطماع في الوطن العربي لا تقف عند حد ولا يمكن أن تتوقف دون صحوة العرب ووحدتهم .
يرفع مظفر النواب الكارت الأصفر في وجه العرب الذين تجاوزوا كل الحدود في تخليهم عن كرامتهم ، علم فلسطين ممنوع في الوطن العربي بينما ترفرف أعلام الفيفا وأعلام الألمان في سماء الوطن الكبير ، ولا يعلم النواب أن علم فلسطين أصبح غريبا في فلسطين وليس في الوطن العربي فقط ، لقد توارى علم فلسطين أمام أعلام الفصائل الفلسطينية المتنافسة ، فقد أصبح لكل فصيل علمه الخاص به وربما أصبح للفصيل الواحد أكثر من علم .
وأخيرا يقذف النواب بالكارت الأحمر في وجوه الحكام العرب وجامعة الدول العربية :
في غزة يتوالى القصف
والبلدان العربية تبذل أقصى طاقتها
من جمل التنديد وعبارات العطف
هذا يستغرب الاستخدام المفرط للقوة
وآخر يدعو الشقيقة إسرائيل لضبط النفس
والثالث يخشى من دورة عنف
والرابع يرسل أرخص أنواع البطانيات
لتحمي القتلى
من أمطار الصيف
وكأن النواب هنا يريد إخراج اللاعب العربي من الملعب الدولي لأنه ارتضى لنفسه أن يكون خارج بؤرة اهتمام العالم ، وأن يعيش على هامش التاريخ والحضارة ، وهو بالتالي لا يريد منهم شيئا أكثر من أن يخرجوا وأن يتركوا الفلسطينيين يواجهون قدرهم دون عطف أو شجب أو استنكار ، ودون استخدام للمصطلحات التي روجتها أمريكا في المنطقة .
يلجأ النواب إلى السخرية حين يقول :
في القاهرة اجتمع الوزراء
( الحمد لله لم يتأخر مهم واحد
هذا أكبر إنجاز في هذا الظرف )
قال عمرو موسى
استطعنا أن نجمعهم على رأي واحد
من أفتى للشيخ حسن أن يخرق إجماع الأمة
ويشق الصف ؟
أي صف يا ترى الذي شقه الشيخ حسن ، هل هو صف الخضوع المطلق لمشيئة رب البيت الأبيض أم صف المقاومة العربية التي كانت في قمتها فشقها الشيخ حسن ؟ سخرية ما بعدها سخرية من أنظمة ومؤسسة فقدت مبرر وجودها ، تماما مثل مؤسسة الأمم المتحدة التي أصبحت عدوا للشعوب المحبة للسلام ونصيرا للمعتدين .
وتتوالى الكروت الحمراء ، هذه المرة يرفع النواب الكارت الأحمر في وجه أجهزة الأمن العربية التي تبذل أقصى جهودها في مراقبة أماكن العبادة إرضاء للسيد الأمريكي المبجل :
وفي تونس كاميرات صنعت خصيصا للمسجد
تحصي شعرات اللحية
وتحفظ دعوات المغرب
وتؤرشف أسماء العباد
تساعد الملكين على الكتفين
وتتدخل أيضا لو أن محجبة مرت من تحت الشباك
هذا بلد منفتح لا يسمح أن يسكنه النساك .
ومن قمة السخرية هنا ينتقل إلى لبنان فيشير إلى حادثة اغتيال الحريري في لبنان ومحاولة إلصاق التهمة بسوريا على الرغم من أن الفاعل وصاحب المصلحة في الحادثة معروف ، ومع ذلك يصر سعد الدين الحريري على اتهام سوريا ، ويصر على المواجهة معها من خلال مجموعة الرابع عشر من آذار ، يقول النواب :
الولد الفذ
لن يتسامح
حتى لو ورث المستقبل
وأذار
وما ترك الجمال
" الجد" في " جدة " لا يسمح
والولد الشاطر يسمع آراء العقال
إشارة مباشرة وواضحة إلى محطة تلفزيون المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار التي شكلت محورا مضادا لسوريا في لبنان ، ولكن السعودية تنصحهم بعدم التمادي في هذه المواجهة مع سوريا .
يعود النواب للسخرية من جديد حين يتساءل عمن يحمي الخرفان بعد أن أصبح الذئب صديقا:
كهرمان ... يا كهرمان
من يحمي الآن الخرفان
إن كان الذئب صديقا
وحليفا
وهو الآمر والناهي في هذا البستان
فقد أصبحت أمريكا إله هذا العالم وهي الآمر الناهي فيه ، فهل يبقى أمام الخرفان العربية سوى الاستسلام للذبح لتصبح طعاما شهيا للآكلين ، ولكن حساب السرايا لا يتطابق مع حساب القرايا ، عكا تفتح عينيها على صواريخ حزب الله وهي تهزها لتوقظها من غيبوبتها ، فهل تتذكر عكا أبويها بعد هذا القصف :
والشيخة عكا في المستشفى
بدأت تفتح عينيها
من يعرف في هذا القصف
إن كانت تتذكر أبويها
أرشقها بالبحر يا حاج حسن
بالرعب فقط ... تسقط آثار الرعب
على قدميها
هنا نجد تناصا واضحا مع المثل الشعبي الفلسطيني الذي يقول : " خوفة بتطرد خوفة " أي أن خوف عكا من صواريخ حزب سوف يسقط خوفها من الاحتلال عام 48 عند قدميها لتدوسه ويصح مجرد ذكرى لاستحلاص العبر منها ، ولا ينسى النواب أن يربط بين الماضي والحاضر ، فصواريخ حزب الله تذكره بصواريخ الفاكهاني وحصار الشياح أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982 م ودعوة القذافي للمقاتلين الفلسطينيين بالانتحار في بيروت ، ولكن الفلسطينيين لم يستجيبوا لدعوته لأنهم ليسوا كاليهود الذين انتحروا انتحارا جماعيا في الماسادا خوفا من مواجهة قدرهم ، بل واجهوا هذا القدر بشجاعة على الرغم من خروجهم من بيروت ، فقد نهضوا من الرماد مثل طائر الفينيق الكنعاني لتستمر الحياة وتبقى جذوة القضية مشتعلة :
من يتذكر في هذي الأيام
صواريخ الفاكهاني
وحصار الشياح
لم ينتحر الثوار كما اقتضت المصلحة الليبية
فمن منكم يعرف
ماذا يفعل في هذي الليلة سلطان عمان
العبارة الأخيرة تحمل إشارة إلى قصيدة سابقة للنواب حول سلطان عمان لا أريد التطرق إليها في المجال .
وفي مسك الختام يرى النواب أن الخوف في ظل المقاومة يصبح أمانا لأن المقاومة تمنح الثقة للناس ، الثقة بقدراتهم وبكرامتهم على الرغم من الخسائر التي قد تلحق بهم :
يا سيدي في جبتك الخوف أمان
يشير بعد ذلك إلى الوعد الحق الذي أطلقه حسن نصر الله حين وعد بضرب حيفا ثاني أهم المدن المحتلة في إسرائيل وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا ، يقول :
لن تبقى حيفا هادئة
وبالفعل اهتزت حيفا طربا وهي تستقبل صواريخ المقاومة بينما هرب منها من لا ينتمون إليها انتماء حقيقيا .
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |