سينما / السينما السورية: مغلق للصيانة
خليل صويلح
2006-04-08
هل أنهى السينمائيون السوريون سرد سيرهم الذاتية، أم أن هناك المزيد؟
هذا السؤال أخذ يؤرق ذهن كل من يتابع مسيرة هذه السينما منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين إلى اليوم، فما أن تتاح الفرصة لأحدهم في تحقيق شريطه الأول وأحياناً الثاني حتى تتلبسه حالة المؤلف،وحينئذ لابد أن تكون طفولته هي محور عمله الأول، ورغم أن هؤلاء العباقرة عاشوا طفولة عادية تخلو من أية خصوصية، إلا أننا كمشاهدين، سنكتشف على الفور أن هذا الطفل نابغ، وانه لم يشرب في طفولته العتيدة الحليب من صدر أمه بل ماركة خاصة يتناولها الأطفال الخارقون، تحمل اسم"الوطن" أو"فلسطين"، أو"الحرب"، إذ لا يخلو فيلم من فلسطين بوصفها دريئة للمشروع الوطني والسينمائي، ورغم تبجيلنا لمثل هذه الهموم، إلا انه من حقنا-أو هكذا اعتقد،وبعض الظن إثم-أن نشاهد أفلاماً تشبه حياتنا بكل أطيافها، أفلاماً تعالج لحظتنا الراهنة، وفي أسوأ الأحوال ، نرغب بأفلام تحمل بصمة حكاية ما، قصة حب مثلاً، مشكلات شباب اليوم ،عزلة الفرد،على أن يكون المخرج مخرجاً فحسب،ويجيد إدارة كاميرته، فإلى اليوم لم نختبر مخرجاً سورياً إلا ما ندر بصفته الأساسية،فهو يكتب السيناريو وفق تصوراته الإخراجية، متخلياً عمداً عن مخيلة الكاتب. وهكذا فإن أي مشهد لا يستطيع تحقيقه ، يبتعد عنه سلفاً:أحياناً أشتهي مشهد مطاردة سيارات،يبرز قدرة هذا المخرج أو ذاك، وهو مشهد بسيط،يقوم به أي مخرج أفلام مقاولات.
في فيلم"بس يا بحر"للراحل محمد شاهين، الذي تدور أحداثه وسط عاصفة بحرية هوجاء، صورت المشاهد على الشاطئ، أما حادثة غرق زورق، فقد صورت في مسبح الفيحاء بوساطة ماكيت زورق صغير.لم اختر هذا المشهد بسبب غياب صاحبه، ولكنه نموذج لأفلام القماشة الواحدة للمشهد. طيب هذا مثال آخر من فيلم" صعود المطر" لعبد اللطيف عبد الحميد، حيث تم تصوير المطر بشكل مضحك عن طريق مواسير مثقبة بأشراف مساعد إنتاج.
واللافت في هذه السينما إنها حرمت سرديات أساسية في السينما العالمية مثل القبلة التي ألغيت تماما من قاموس السينما السورية: حين شاهدت فيلم"نسيم الروح"لعبد اللطيف عبد الحميد أيضاً، وهو ماركة مسجلة في إنتاج مؤسسة السينما، سعدت أن الفيلم ينهض على قصة حب مجنونة، وهناك ورد يهتز من تلقاء ذاته بمجرد حضور العاشق، بالإضافة إلى لقاءات حميمة بين العاشق وحبيبته،ثم ينتهي الفيلم من دون لمسة يد واحدة،ويستبدلها دلا لياً بكدسة من الأحذية التي تركتها العاشقة في غرفة البطل!
ولعل الثغرة الأساسية في هذه السينما هي غياب كاتب السيناريو تماماً، بسبب تنطح المخرج إلى هذه المهمة ليس لندرة كتاب السيناريو ،وإنما للحصول على "جعالة المؤلف" بعد ارتفاع مكافأة السيناريو، ثم انتقل الأمر إلى اختيار الموسيقى بدلاً من تأليف الموسيقا التصويرية، والاستعانة بالزوجات والشقيقات والأقارب في تصميم الأزياء والإكسسوارات والإنتاج، ولم يعد مستغرباً أن تجد شابا فشل في الحصول على البكالوريا بمرتبة مساعد مخرج وبعد سنتين يتحول إلى الإخراج بعد اختراع"الأفلام الروائية القصيرة"لكل من يرغب بذريعة تشجيع الطاقات الشابة.
إن وأد السينما السورية هو مجرد خبر مؤجل إلى حين لأن هكذا مقدمات لابد أن تقود إلى هذه اللحظة المؤكدة.