فن تشكيلي / قراءات في معرض سعد يكن الأخير
دارين أحمد
2006-04-08
المَنْفى
المنفى كتعريف أول
السؤال المُجهِض يتربع كرسي المقهى، كرسيك، يتربعكَ، أنت الذي كان عليه أن يبدأ يومه بتوقع مختلف: امرأة تدخل شراييني الآن...
هذا ما يجب أن تتوقعه عند كل منعطف دائري، وهذا ما يجب أن يكون عليه المنعطف: دائرياً...
السؤال المُجهِض يتربع كرسي المقهى، وكرسي المقهى رِجِلٌ بلا رغبات ورَجُلٌ يهرب من زحام رغباته إلى هذا المكان حيث يكتسب التآكل وجهاً إضافياً لا غرابة فيه، من الجميع وللجميع، وجهٌ واحدٌ بلا منغصات غير محددة الجهة، غير مرئية، دائرية تماماً؛ وكرسي المقهى ملاذ المنعطفات المنتهية بنقطة: رِجِلُ كرسي.. ورَجُلٌ يسرق من الخشب شكل الذاكرة...
التآكل وجهٌ أليف الملامح.. عين ترف لحصادها.. وأنتَ سنبلةٌ وما يشبهها من ثقلٍ تسنده يداك، أما أنا فمن تؤكد أنك أنتَ أيضاً أحد المتكاثرين في رأسي، أحد الملاعين ذوو الأدمغة المربعة كالشوارع، وأنا من ترى يداك تبتران رأسي وتخبئان وجهك..
اليد أعجوبة مكتملة والزاوية اكتمال ناقص
اليد خمسمائة غابة تسند الرأس
اليد تشوهٌ يكشف عورته بلذة
اليد كهف مرئي لاختباءٍ غبيٍّ
واليد منعطف مدور ينتظر امرأة...
-كنت أفكر بالقوارير التي غادرتك وأنت تنظرني من بين أصابعك..
-هطولكِ بَرَدٌّ على هشاشة رأسي
والقوي هو من يحتمي بطاولة بعيدة
-القوي هو من يقترب من الصفر
-القوي هو من يبتعد عن هذا الفراغ
-القوي هو من يسند العالم بصمته
-القوي هو من يملك القوة
-القوة مفردة ونحن الجحيم
-من نحن؟!
-من أنتم؟!
-من أنتَ؟!
حين أتيتِ وزادكِ في يديك
لم أكن سوى جائعٍ
مُتعب.
المنفى كمشاركة في الظل
الفائض الوحيد أنتَ،
لخمسة آلاف عام من التفاهة
والضجيج....
إن حدثوك عن أشيائهم حقاً
فهل سيصمتون الآن؟!
وحده مثقب الرأس
موجةً خضراءَ
بين رأسيه
علامةْ
العلامة نحن، قبعات المكان الملائمة تماماً لرؤوس الكسالى الطيبين، وحيث يتفتح جرح نستطيع أن نسعى لترتيب أجسادنا بعشق نظنه أزلياً لا يتغير:
ولم نتغير يا مكان
صعدنا
فصعدت فينا الهاوية
والهاوية زبد يستحق الثرثرة، يستحق هذا التوتر المشوه لترتيب المكان ببعض حركات سريعة، وحين لا يكون علينا سوى أن نلمس بعضنا البعض، بهدوء، ليشتعل الحريق؛ سوف نكون أكثر جدارة بهذا التماهي... أكثر قدرة على ابتكار السأم من أضلاع الوردة:
و قالت لي أيضًا
و هي تنظر إلى الرأس
المشوّه المتوتّر في لوحة لسعد يكن:
أمك بجانبك تنحني عليك كيمامة
و أصدقاؤك يقبلون في المناسبات
و أنا أدفئك في ليالي تشرين الباردة
و أرسل إليك الأحلام الشاسعة والمكاتيب
فماذا تطلب غير ذلك؟!..
أتريد أن تفجّر النبع؟ أم تودّ أن تحرث المجرّة...
"من قصيدة الرجل السيء لرياض صالح الحسين"
وكنت أود أن أعد الزاحفين على أصابعي
أن أختتم النهار
برائحة القرنفل
ثمَّ أنام...
المنفى كخطوط أخيرة
لابد وجهي ضائع
لابد كنتُ يدي
لابد أني انتظرتُ على مشارفي ألف عام
قبلكِ
وبعدكِ
وفيكِ
لابد أني انطفأت وأنت تشتعلين
لابد كنتُ وحيداً
وأنا الآن وحيد
لابد كنتِ تتفتحين وكنتُ أعمى
لابد كنتِ تسأمين مني
وكنتُ ثرثرة بلا معنى
لابد كنتُ حذائي وسرقتني
لابد وأنت آتية خُطفتِ
لابد عريي فاضح
وأغصاني حزينة