Alef Logo
ابداعات
              

فيلم زينب يحوز على الجائزة الدولية الثالثة

2006-08-15

يتعلق الأمر بفيلم تربوي لا يتجاوز زمن عرضه عشر دقائق من إنتاج النادي السينمائي لمدرسة سيدي إدريس بنيابة تطوان. سيناريو أولاد الطاهر ، إخراج وتصوير مصطفى الشعبي .
حصل هذا الفيلم على الجائزة الأولى على الصعيد الوطني وعلى الجازة الثالثة على الصعيد الدولي في إطار المهرجان الدولي للفيلم التربوي بمدينة الدار البيضاء لهذه السنة . أما الممثلون فهم تلاميذ وأطر وأسر مدرسة سيدي إدريس بمدينة تطوان وهم على التوالي : يسوي الحسين ، سعاد أولاد القامر ، محمد الدودي ، أحمد العاقل ، أسماء الغلبزوري ومحمد أغربي .
لقد كان حدثا نوعيا باعتبار قيمته التربوية والفنية إلى جانب جرأته في طرق موضوع حساس من الناحية الاجتماعية.
الفيلم يطرح قصة فتاة لم تستطع أن تتأقلم مع جسدها الذي أخذ صورة جديدة بعدما فرض عليها أخوها الأكبر القادم من أوروبا ارتداء الحجاب. في البداية نرى هذه الصبية تحاول استراق النظر إلى المدرسة دون الجرأة على الدخول إليها كما هو المعتاد عندما يدق الجرس ، حيث كانت تخجل من نظرات زميلاتها وما قد ينطوي عليه موقفهم من زيها الجديد الذي لا يناسب سنها ولا عادات البلد من حيث علاقة نسائه بالحجاب كظاهرة حضارية لها خصوصية نوعية لدى نساء تطوان .
بعد تردد وهي مختفية وراء جذع شجرة مقابلة لباب مدرستها تقرر في الأخير أن تفر من مواجهة الفضاء المدرسي الذي لا ينتشر فيه غطاء الرأس لدى الفتيات خاصة وهن قاصرات وغير مكلفات من الناحية الشرعية.
تفر الصبية بشعرها الملفوف في ثوب فرض عليها فرضا لتلبية نزوة " فقهية " لدى أخ جد منبهر بموجة التحجيب التي أخذت طابع إثبات الذات لدى المسلمات اللائي يرغبن في إعلان انتمائهن الديني في الشارع الغربي العلماني .
بعد غياب تجاوز أسبوع يضطر مدير المؤسسة استدعاء أسرة الصبية لمعرفة أسباب غيابها وهي الطفلة المواظبة والنشيطة والمحبوبة لدى رفاقها في القسم ومن لدن معلمتها التي بادرت بإخبار المدير بهذا الغياب المفاجئ لهذه الطفلة المليئة بالفرح والحياة.
تحضر أسرة الطفلة إلى المدرسة بعد تلبيتها لاستدعاء من لدن مديرها الذي سيحاول من خلال حوار مباشر مع والدي هذه الطفلة الوصول إلى القوة الكامنة خلف سلوك فرار التلميذة من مدرستها. يعلن الوالد أن ابنته قد وقعت تحت ضغط أحد إخوتها الذي قدم مؤخرا من أوروبا وهو الشاب الذي تشبع هناك بالفكر السلفي الجهادي الذي يعادي كل أشكال التمدن في الحياة والأكل واللباس والمعاملة انطلاقا من اجتهاد فقهائه الذي يعتبرون كل ما لم يمارسه السلف فهو بدعة يجب محاربتها .
لقد وجد هذا الفكر طريقه إلى عقول بعض الشباب المسلم الذي يجد صعوبة في الاندماج في المجتمع الغربي حيث يقدم له تفسيرا دينيا لوضعه الاجتماعي ويحاول تعبئته لمعاداة الثقافة الغربية " الكافرة " و" الملحدة " ويدعوه إلى محاربتها ومحاربة كل من يتشبه بها.
من هنا سيحمل الأخ معه عقدة اتجاه كل المظاهر التي تذكره بالحياة الغربية التي رفضته ولم تمنحه فرصة تحقيق ذاته ، وستكون أخته الفتاة ، الصبية التي لم يتجاوز عمرها العشر سنوات هي الضحية الأولى لهلاوسه ووساوسه الدينية التي لا تنسجم مع عادات المغاربة المتشبعة بقيم وأحكام المذهب المالكي منذ أن ترسخ هذا المذهب في العقلية المغربية .lمخرج الفيلم
تعتذر الأسرة لمدير المؤسسة وتحاول إقناعه أن غطاء الرأس ليس خيار الأسرة بل هو خيار قادم من هناك ، أي من خارج البلد وهو ما يعني وحسب الخلفية الثقافية لمعدي هذا الفيلم التربوي أن ظاهرة تحجيب الفتيات هي موجة قادمة من الخارج في شكل فكر غازي يستهدف زعزعة الاستقرار الاجتماعي والمذهبي للمغاربة .
وهناك لقطة بليغة في هذا الفيلم التربوي تتعلق بالحوار الذي سيدور بين الأخ المسؤول عن تحجيب أخته الصغرى ووالده ، حيث تظهر الصورة الأب في شكل رجل مغربي سلوكا وحركة وتأدبا ومعاملة يطبعها الود والحنان مع ولده المغالي في نزعته الدينية المتطرفة . تركز الكاميرا على هذا الشاب وهي تلتقط ملامحه الخارجية وحالته النفسية المتوترة على الدوام وكأنه على أهبة للانقضاض على فريسة تخالف الموقف الحياتي لإيديولوجية "السلفية الجهادية ".
يحاول الأب أن يحاور ابنه هذا في موضوع أخته التي فرت من المدرسة بسبب ما فرضه عليها من حلة لباسية لا تنسجم مع سنها ولا تنبع من إرادتها . يضع الأب سجادته إلى جانبه وهي دلالة على أنه يؤدي واجباته الدينية على الطريقة المغربية دون تحويلها إلى "فرجة يومية " كما يحلو للمتأسلمين أن يفعلوه من خلال التركيز على المظاهر الخارجية ومخالفة العادة المغربية في اللباس والحركة والكلام وكل ما له علاقة بالحياة العامة .
يدعو الأب ابنه إلى الرأفة بأخته ملتمسا منه وبلغة يملؤها العطف والحنان الأبوي المغربي الأصيل ، لكن الشاب الذي أخذته سكرة التطرف والغلو في دينه لا يبدي أدنى استعداد للسماع لصوت أبيه وكان الذي يتحدث له هو شخص أجنبي لاتربطه به أية علاقة دموية . إنه مشهد غريب حقا عندما تجعل الايدولوجيا الدينية الوهابية الأولاد غرباء في بيوتهم وأعداء لذويهم . إنه الفصام النمطي الذي تنشره مثل هذه الأفكار التي لا يجمعها بالمعتقد إلا المظهر والقول المسجوع . تفسح كاميرا المخرج للمشاهد لكي يرى أن هذا الشاب المستغرق في نومه الهلوسي لا يعير لكلام أبيه أدنى اهتمام بحيث عيناه مركزتان على صفحات كتاب من الكتب الصفراء التي تخاطب الغرائز المدمرة باسم الوازع الديني .
زينب هي الفتاة المغربية التي يراهن عليها الخطاب الأصولي المتطرف لكي يمرر من خلالها رسالته السياسية . فغطاء الرأس ليس الهدف منه الاستجابة إلى مبدأ ديني أخلاقي بريء بقدر ما أن المراد منه هو التأكيد على الحضور الوهابي في الشارع المغربي. ولقد كان جواب الأم بليغا عندما قالت للمدير " ها أنا كما ترى لم أتحجب إلا بعدما أصبحت متقدمة في السن " وهذا موقف اجتماعي مغربي من ظاهرة التوظيف السياسي لحجاب النساء. المرأة المغربية تضع غطاء الرأس على رأسها بطريقة تميزها عن كل نساء العالم ، فهي لم تستورد هذا الغطاء من باكستان أو من الهند أو من السعودية ، بل أبدعته من عبقريتها الفنية في خياطة الثوب والتفنن في تخريج أشكال متنوعة من الأزياء والغطاء .
تساهم الأم إلى جانب زوجها في هذا الشريط التربوي المتميز لنصرة طفولة ابنتها التي كادت تدوسها كبرياء المعتقد الوهابي الذي حول الشاب إلى شيخ لا يرى في الطفلة القاصرة سوى " جنس مؤجل للمنع والإخفاء والقهر " انه الجنون الشبقي في صورة " طهرانية " تتمسح بالأخلاق لقمع الأنوثة وتقبيح الجمال وتحويل الطفولة إلى مشتل لصناعة التطرف والسوداوية .
يعلن الفيلم عن الأدوار الجديدة للمدرسة المغربية حيث نرى مدير المؤسسة لا يكتفي بإخبار رؤسائه فقط بغياب الفتاة وكأن الأمر مجرد روتين عادي ، بل يحاول البحث وبمساعدة التلاميذ الذين انحازوا إلى صف زينب المجروحة في براءتها ، حيث تبدأ رحلة البحث عن أسباب غياب هذه الفتاة النشيطة هكذا دفعة واحدة وبدون سابق إنذار .
يمارس المدير في هذا الفيلم وظيفة المسؤول التربوي بالمعيار الحداثي للكلمة فهو الذي يحاور الأسرة وهو الذي يتبنى شخصيا قضية زينب من الناحية التربوية والنفسية فقط. المؤسسة لا تريد الانخراط في المزايدات السياسية على مستوى زي الفتيات بل تبحث عن شيء مهم وأساسي وهو حرية الاختيار .
حرية الاختيار هو عنوان الدرس الذي سيحتفل بعودة زينب إلى المدرسة رفقة ذويها والمدير الذي اصطحبها إلى قسمها لتستقبلها معلمتها بالأحضان وكأنها فلذة من فلذات كبدها . صاح الأطفال بملأ حناجرهم فرحا وحبورا بمقدم زميلتهم زينب وكأنهم خلصوها للتو من بين أنياب وحش كاسر كاد يبتلعها .
بمجرد جلوسها يدير المخرج فوهة الكاميرا ليتابع طقوس التخلص من غطاء الرأس الذي حجب شعر الفتاة الذي سينساب بهدوء وتلقائية طبيعية ليغطي وجهها الملائكي الطاهر وكأنها أقحوان تعلن قدوم الربيع بعد شتاء طويل وحالك.
تستأنف الأستاذة دروسها وهي ممتننة بعودة زينب إلى طاولتها التي ظلت فارغة بدون سبب عقلاني . وستعلن لتلاميذها أن درس اليوم هو " حرية الاختيار ". هكذا تتحول المدرسة إلى مؤسسة حاضنة لحلم الطفولة وحامية لحقوقها الطبيعية وعلى رأسها الاستمتاع بجسدها الطري والبريء من كل علامات الإثارة والشهوانية التي لا ترتسم إلا في مخيلة ضعاف النفوس.
لقد أصاب معدو هذا الفيلم التربوي هدفهم وهم يقدمون صورة عن الأفكار التي باتت تهدد المشروع التربوي المغربي الذي انحاز إلى القيم الكونية وفي مقدمتها حرية الاختيار والحوار والانفتاح على المحيط وضمان مشاركة الأسرة في تدبير خيارات المدرسة ومناهجها. كما كانت قناعة منتجي هذه التحفة التربوية ذكية وهي تستحضر الأم كرمز للمرجعية الثقافية من حيث اللباس والكلام والتسامح والقبول بالطفولة وشغبها كجزء من العادات المغربية التي تسمح للطفولة ومعها الشباب بهامش من الشغب النظيف والذي لا يخرج عن المعايير الاجتماعية السائدة .
كما ركزت فكرة الفيلم على دور التأثير الخارجي في عقول الشباب وخطره على مستوى نسيان هويتهم المغربية الأصيلة والتي تنبني على مذهبية مالكية ومعتقد أشعري يجمع بين الاجتهاد العقلي وقداسة النص الديني دون الميل المطلق لإحدى طرفي هذه المعادلة الروحية الهشة .
وراء هذا الشريط التربوي فكرة تربوية تحكمها خلفيات ثقافية جد معقدة يصعب الإلمام بكل تفاصيلها . المهم هو إثارة انتباه المربين والمسؤولين إلى ظاهرة مدرسية تستوجب نقاشا عموميا يشارك فيه المثقفون وعلماء الشريعة والمربون أصحاب القرار التربوي .
يثير هذا الشريط الذي حاز على الجائزة الأولى وطنيا في مهرجان الفيلم التربوي بالدار البيضاء، إلى ضرورة الاعتناء بهذا النموذج الإبداعي الجديد الذي من شأنه نقل رسائل تربوية مهمة إلى الأطفال والمدرسين والآباء بشكل أكثر فعالية من الخطابات النظرية والمذكرات الرسمية .
يقبع وراء الكاميرا مخرج شاب موهوب بحذوه الأمل في أن يحقق حلمه السينمائي في بلده من خلال البحث عن مشاريع جدية تحمل الفكرة الكلية وترتبط بمشروع فكري وقضايا اجتماعية حقيقية تقض مضجع المغاربة. إنه المخرج مصطفى الشعبي الذي نتمنى له رحلة فاتنة في سفره السينمائي .




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow