Alef Logo
كشاف الوراقين
              

حقيقة الحجاب وحجية الحديث ( 2) بل الحجاب فريضة إسلامية

محمد سيد طنطاوي

2006-09-16

مفتي الجمهورية محمد سيد طنطاوي يرد على مقالة سعيد العشماوي .. والعشماوي يرد عليه :
لا ليس الحجاب فريضة إسلامية

نُشر هذا الرد فى مجلة "روزاليوسف" المصرية, العدد رقم 3446 بتاريخ 27/6/1994.
1ـ كتب سيادة الأستاذ المستشار سعيد العشماوى, مقالاً عنوانه: " الحجاب ليس فريضة إسلامية"
بمجلة " روزاليوسف" العدد 3444 بتاريخ 4 من المحرم سنة 1415 هـ الموافق
13 يونيو 1994م بدأه سيادته بقوله: " مسألة حجاب النساء, أصبحت تفرض نفسها على العقل الإسلامى, وعلى العقل غير الإسلامى بعد أن ركزت عليها بعض الجماعات, واعتبرت أن حجاب النساء فريضة إسلامية, وقال البعض: إنها فرض عين .. إلخ".
ثم استشهد سيادته بعد ذلك على ما ذخب إليه, من أن الحجاب ليس فريضة إسلامية, ببعض الآيات القرآنية فقال: " أولاً : آية الحجاب, والحجاب لغة الساتر, وحجب الشئ أى : ستره, وامرأة محجوبة, أى امرأة قد سُتِرَتْ بستر".
" والآية القرآنية التى وردت عن حجاب النساء, تتعلق بزوجات النبى وحدهن, وتعنى وضع ساتر بينهن وبين المؤمنين: { يا أيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لايستحى من الحق وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن .. } [ الآية 53 من سورة الأحزاب ].
وبعد أن ذكر سيادته أن هذه الآية تتضمن ثلاثة أحكام قال ما نصه: " فالقصد من الآية أن يوضع ستر بين زوجات النبى وبين المؤمنين, بحيث إذا أراد أحد من هؤلاء أن يتحدث مع واحدة من أولئك ـ أو يطلب منها طلبًا ـ أن يفعل ذلك وبينهما ساتر, فلايرى أى منهما الآخر, لا وجهه ولا جسده ولا أى شئ منه. هذا الحجاب بمعنى الساتر خاص بزوجات النبى وحدهن, فلا يمتد إلى ما ملكت يمينه ( من الجوارى ) ولا إلى بناته, ولا إلى باقى المؤمنات, ... إلخ".
2 ـ والذى أراه أن تخصيص هذا الحجاب بزوجات النبى وحدهن كما يرى سيادته ليس صحيحًا لأن حكم نساء المؤمنين فى ذلك, كحكم زواج النبى, لأن المسألة تتعلق بحكم شرعى يدعو إلى مكارم الأخلاق, وما كان كذلك لا مجال معه للتخصيص, ولأن قوله ـ تعالى ـ : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } علَّة عامة, تدل عل تعميم الحكم, إذ جميع الرجال والنساء فى كل زمان ومكان فى حاجة إلى ما هو أطهر للقلوب وأعف للنفوس.
ولذا قال بعض العلماء: قوله تعالى: { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم, إذ لم يقل أحد من العقلاء, إن غير أزواج النبى لاحاجة بهن إلى أطهرية قلوبهن, وقلوب الرجال من الريبة منهن.
فالجملة الكريمة فيها الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب, حكم عام فى جميع النساء, وليس خاصًا بأمهات المؤمنين, وإن كان أصل اللفظ خاصًا بهن, لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه. [ تفسير أضواء البيان ج 6 ص 46] وفضلاً عن كل ذلك, فإن الإمام القرطبى ـ الذى جعله سيادته مرجعًا له فى معظم مقاله ـ قد صرح بذلك عند تفسيره للآية ذاتها فقال :" المسألة التاسعة: فى هذه الآية دليل على أن الله أذن فى مسألتهن من وراء حجاب, فى حاجة تعرض, أو مسألة يُستفتين فيها, ويدخل فى ذلك جميع النساء بالمعنى, وبما تضمنته أصول الشريعة" [ تفسير القرطبى ص 14, ص227, طبعة وزارة الثقافة 167] والخلاصة : أن تخصيص الحجاب فى هذه الآية الكريمة بأزواج النبى غير صحيح, ولا دليل عليه لا من النقل ولا من العقل.
3ـ ثم قال سيادته: " ثانيًا : آية الخمار. أما آية الخمار فهى : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ سورة النور 24: 31]. وسبب نزول هذه الآية, ومعنى قوله ـ سبحانه ـ " وليضربن بخمرهن على جيوبهن" وأن معناه: يغطين رؤوسهن بالأخمرة ـ وهى المقانع ـ ويسدلنها من وراء الظهر, فأمرت الآية بستر العنق والصدر, بعد كل ذلك قال سيادته:
" فعلة الحكم فى هذه الآية, هى تعديل كان قائمًا وقت نزولها, حيث كانت النساء يضعن أخمرة على رؤوسهن , ثم يسدلن الخمار وراء ظهورهن, فيبرز الصدر بذلك, ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر بدلاً من كشفه, دون أن تقصد إلى وضع زى بعينه ..".
4ـ وتعليقى على هذا القول أن سيادته استشهد على ما يريده بالجملة الأخيرة مما ذكره من الآية الكريمة, وترك تفسير ما قبلها وما بعدها, مع أن محل الشاهد على الحجاب هو قوله ـ تعالى ـ قبل هذه الجملة مباشرة : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }.
ومعنى الآية الكريمة إجمالاً: وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ للمؤمنات ـ أيضًا ـ بأن من الواجب عليهن, أن يغضضن أبصارهن عن النظر إلى ما لايحل لهن, وأن يحفظن فروجهن من كل ما نهى الله ـ تعالى ـ عنه, ولا يظهرن شيئًا من زينتهن سوى الوجه والكفين لغير أزواجهن أو محارمهن .. فحمل الشاهد على الحجاب ـ وعلى أن المرأة البالغة لا يجوز لها شرعًا أن تظهر شيئًا من زينتها, سوى الوجه والكفين ـ لغير زوجها أو محارمها ـ هو قوله ـ تعالى ـ : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }.
و الإمام القرطبى الذى استشهد سيادته ببعض كلامه هنا, قد فسر هذه الآية فى ثلاث عشرة صفحة, وساق خلال خلال تفسيره لها ثلاثًا وعشرين مسألة, وقال فى المسألة الثالثة: " أمر الله النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين, إلا ما استثناه من الناظرين فى باقية الآية, حذرًا من الافتنان, ثم استثنى ما يظهر من الزينة, واختلف الناس فى قدر ذلك .. فقال سعيد بن جبير وعطاء والأوزاعى : الوجه والكفان ...
ثم قال : ولما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة , وذلك فى الصلاة والحج, فيصلح أن يكون الإستثناء ـ فى قوله ـ تعالى: { إلا ما ظهر منها }, راجعًا إليهما, يدل ذلك على ما رواه أبو داود عن عائشة: " أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله وقال لها: يا أسماء, إن المرأة إذا بلغت المحيض ل صرى منها إلا هذا, وأشار إلى وجهه وكفيه. فهذا أقوى فى جانب الاحتياط, ولمراعاة فساد الزمان, فلا تبدى المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها". [ راجع تفسير القرطبى,ج 12 ص 226 وما بعدها ].
والخلاصة: أن قوله ـ تعالى ـ :{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن } هو بيان لكيفية إخفاء بعض مواضع الزينة بالنسبة للمرأة, بعد النهى عن إبدائها فى قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }. والمعنى: وعلى النساء المؤمنات ألا يظهرن شيئًا من زينتهن سوى الوجه والكفين. وعليهن كذلك أن يسترن رؤوسهن وأعناقهن وصدورهن بخمرهن, حتى لا يطلع أحد من الأجانب على شئ من ذلك, فالآية الكريمة بكاملها, من أصرح الآيات القرآنية فى الأمر بالتستر والاحتشام بالنسبة للنساء, وفى النهى عن إبداء شئ من زينتهن سوى الوجه والكفين.
5 ـ ثم قال سيادته: " أما آية الجلاليب فنصها كالآتى: { يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن جلاليبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين } [ سورة الأحزاب 33: 59]".
وبعد أن ذكر سيادته سبب نزول الآية, ومن أنها نزلت لتضع فارقًا و تمييزًا بين الحرائر والإماء, قال: " فعلَّة الحكم فى هذه الآية أو القصد من إدناء الجلابيب ـ وهى الأثواب التى تستر جميع البدن ـ أن تعرف الحرائر من الإماء والعفيفات من غير العفيفات, حتى لا يختلط الأمر بينهن ويُعرَفن, فلا تتعرض الحرائر للإيذاء وتنقطع الأطماع عنهن , ...".
ثم قال سيادته: " وإذا كانت القاعدة فى علم أصول الفقه أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا, فإن وُجِد الحكم وُجِدَت العلة, وإذا انتفت العلة انتفى ( أى رُفِع ) الحكم, إذ كانت القاعدة كذلك, فإن علة الحكم المذكور فى الآية ـ وهى التمييز بين الحرائر والإماء ـ قد انتفت لعدم وجود إماء " جوارى" فى العصر الحالى, وانتفاء ضرورة قيام تمييز بينهما .... ونتيجة لانتفاء علة الحكم فإن الحكم نفسه ينتفى ( أى يرتفع ) فلا يكون واجب التطبيق شرعًا".
6 ـ والذى أراه أن تفسير الآية الكريمة بهذه الصورة التى ذكرها سيادته, والنتائج التى استخلصها, بعيد عن الصواب, لأن الآية الكريمة واضحة فإنها تأمر النبى بأن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالتزام الاحتشام والتستر فى جميع أحوالهن ..
وقوله سبحانه: { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } بيان للحكمة من الأمر بالتستر والاحتشام, أى ذلك التستر والاحتشام والإدناء عليهن من جلابيبهن الساترة لأجسامهن, يجعلهن أدنى وأقرب إلى أن يُعرَفن عن غيرهن من الإماء, فلا يؤذين من جهة من فى قلوبهم مرض.
وقد جرت العادة أن الإماء أو الخدم بطبيعتهن يكثر خروجهن وترددهن على الأسواق وغيرها, نظرًا لحاجتهن إلى ذلك بخلاف غيرهن من النساء.
ومع ذلك فالمحققون من المفسرين, يرون أن المراد بنساء المؤمنين هنا ما يشمل الحرائر والإماء, وأن الأمر بالتستر يشمل الجميع, فقد قال الإمام أبو حيان فى [ تفسيره البحر المحيط ج7 , ص 250]: " والظاهر أن قوله { ونساء المؤمنين } يشمل الحرائر والإماء, والفتنة, بالإماء أكثر, لكثرة تصرفهن, بخلاف الحرائر, فيحتاج إخراجهن ـ أى الإماء ـ من عموم النساء إلى دليل واضح, ولا دليل هنا ..".
وهذا الذى ذكره الإمام أبو حيان هنا من أن المراد بنساء المؤمنين , ما يشمل الحرائر والإماء, هو الذى تطمئن إليه النفس, ويرتاح له العقل, لأن التستر التام مطلوب لجميع النساء, لافرق فى ذلك بين امرأة وأخرى, سواء أكانت مخدومة أم خادمة.
والخلاصة: أن ما ذهب إليه سيادته من تفسير للآية, ومن استشهاد بعلم أصول الفقه, لانرى محلاً له, لأن الآية واضحة الدلالة فى أمر النبى بأن يأمر زوجاته وبناته وسائر نساء المؤمنين, بالتستر والاحتشام, لأن ذلك أدعى لصيانتهن, من أن تمتد إليهن عيون المنافقين بالسوء.
7 ـ ثم قال سيادته ـ بعد أن ذكر حديثين عن السيدة عائشة ـ :" ويُلاحظ على هذين الحديثين أنهما من أحاديث الآحاد لا الأحاديث المجمع عليها, أى المتواترة أو الأحاديث المشهورة, وفى التقدير الصحيح أن أحاديث الآحاد أحاديث للإسترشاد والاستئناس, لكنها لا تنشئ ولا تلغى حكمًا شرعيًا ..."
8 ـ وأقول: بل التقدير الصحيح أن أحاديث الآحاد, حجة يجب اتباعها والعمل بها.
وفضيلت الأستاذ الشيخ عبد الوهاب خلاف الذى استشهد به سيادته هنا, هو القائل فى كتابه [ علم أصول الفقه ص 43 ـ طبعة دار القلم بالكويت] : " وكل سُنَّة من أقسام السنن الثلاث: المتواترة, والمشهورة, وسنن الآحاد, حجة واجب اتباعها والعمل بها. أما المتواترة, فلأنها مقطوع بصدورها وورودها عن رسول الله, وأما المشهورة أو سنة الآحاد, بما توافر فى الرواة من العدالة وتمام الضبط والإتقان, ورجحان الظن كافٍ فى وجوب العمل ..".
وبناءٍ على كل ذلك يجب العمل بالحديثين اللذين وردا عن السيدة عائشة وأولهما تقول فيه :" قال رسول الله : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر, إذا عركت ـ أى بلغت ـ أن تُظهر إلا وجهها ويديها هاهنا".
والثانى تقول فيه:" إن اسماء بنت أبى بكر, دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق, فقال لها: يا أسماء: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى فيها إلا هذا, وأشار إلى وجهه وكفيه".
والخلاصة: إن أحاديث الآحاد يجب اتباعها والعمل بها, ولا مجال هنا لتفصيل القول فى ذلك.
9 ـ ثم قال سيادت: " ومهما يكن الرأى, فإن أسلوب القرآن ونهج الإسلام هو عدم الإكراه على تنفيذ أى حكم من أحكامه, حتى أحكام الحدود ( العقوبات) , وأنما يكون التنفيذ دائمًا بالقدوة الحسنة والنصيحة اللطيفة والتواصى المحمود ...".
ثم قال سيادته: " الحجاب ـ بالمفهوم الدارج حالاً ـ شعار سياسى وليس فرضًا دينيًا ورد على سبيل الجزم والقطع واليقين والدوام, فى القرآن الكريم أو فى السنة النبوية. لقد فرضته جماعات الإسلام السياسى ـ أصلاً ـ لتميز بعض السيدات والفتيات المنضويات تحت لوائهم عن غيرهن.."
10ـ وأقول: نعم إن الإكراه والقسر وتعدى الحدود ما قال به عاقل, ولكن الذى قال به العقلاء هو بيان الحكم الشرعى للأمور بيانًا واضحًا, خاليًا من التأويل السقيم, ومن التفسير المنحرف عن الحق. وإن الحجاب ـ بمعنى أن تستر المرأة المسلمة جميع ما أمر الله بستره من بدنها, سوى الوجه والكفين ـ هو فرض دينى ورد على سبيل الجزم والقطع واليقين والدوام, فى القرآن الكريم, وفى السنة النبوية الشريفة, وليس شعارًا سياسيًا فرضته جماعات الإسلام السياسى أو غبرها, وإنما الذى فرضه هو الله تعالى ورسوله محمد. وأنا شخصيًا لا أعرف شيئًا اسمه " الإسلام السياسى" , وإذا قال الله تعالى : { ولا يبدين من زينتهن إلا ما ظهر منها }, فيجب على كل مسلم ومسلمة, يؤمنان بالله واليوم الآخر إيمانًا حقًا أن يقولا سمعنا وأطعنا.
وإذا قال النبى:" إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى فيها إلا هذا, وأشار إلى وجهه وكفيه". وجب على كل مسلم ومسلمة أن يقولا سمعنا وأطعنا امتثلاً لقوله سبحانه: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً }. [ سورة الأحزاب الآية 36 ].
وإن كل مسلمة بالغة لا تلتزم بستر ما أمر الله تعالى بستره مهما كان شأنها ومهما كانت صفتها هى آثمة وعاصية لله تعالى وأمرها بعد ذلك مفوض إليه ـ سبحانه ـ وحده ونسأله ـ عز وجل ـ أن يرزقنا جميعًا السداد والإخلاص فى القول والعمل. محمد سيد طنطاوى
19/6/1994.

(3) لا ليس الحجاب فريضة إسلامية

نُشر هذا الرد فى مجلة " روزاليوسف" المصرية العدد رقم 3446 بتاريخ 27/6/1994 عدا الفقرة الثانية.

أهلاً بالسجال مع فضيلة المفتى!
لقد تساجلنا مرة من قبل بشأن عقد إجارة الأماكن. ذلك أن فضيلته كتب مقالاً فى جريدة الأهرم ـ بتاريخ 10/4/1994 ـ ذكر فيه أن شريعة الإسلام لا تجيز امتداد عقود إجارة الأماكن لأكثر من ثمان أو عشر سنوات, كما لاتبيح تحديد الأجرة بواسطة المشرع. واقترح فضيلته تطبيقًا لحكم الإسلام ـ كما يراه ـ أن يصدر المشرع المصرى قانونًا يمنح فيه مهلة للمستأجرين مدة خمس سنوات أو أكثر أو أقل ينتهى بعدها عقد الإيجار ويكون على المستأجر أن يبحث عن مسكن جديد يتفق مع المؤجر على أجره بعيدًا عن تدخل القانون. وقد استند فضيلته فى رأيه بتأقيت عقود الإيجار وعدم جواز امتدادها إلى الآية الكريمة: { قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أى تأجرنى ( أى تعمل لدى ) ثمان حجج ( أى سنين) فإن أتممت عشرًا فمن عندك } [ سورة القصص 28: 27 ]. وقد رددنا عليه بمقال ننفى فيه أن شريعة الإسلام تقضى بتأقيت عقود إجارة الأماكن وترفض تدخل المشرع لتحديد الأجرة عند اختلال العرض والطلب. وبينا أن الآية التى يعتمد عليها فضيلة المفتى وردت فى سياق قصة موسى فهى رواية وليست حكمًا, كما أنها تتعلق بعقد إجارة الأشخاص ( عقد العمل) لا عقد إجارة الأماكن, ثم أوضحنا الأصل فى حق المشرع ( ولى الأمر ) فى أن يتدخل بتسعير السلع والخدمات إذا ما اختل العرض والطلب حتى لايقضى على ملايين الأسر المستأجرة بالتشريد فى الطرقات.
ولم تنشر جريدة الأهرام ردنا هذا, ونشرته جريدة الأهالى فى 22/6/1994. كان ذلك هو السجال الأول, وهذا هو السجال الثانى.
فلقد كنا نشرنا فى مجلة روزاليوسف مقالاً عن الحجاب فى الإسلام اعترض عليه فضيلته بمقاليقول " بل الحجاب فريضة إسلامة" وها هو الرد على مقال فضيلة المفتى.
أولاً: تعرضنا لمسألة الحجاب فى الإسلام بطريقة منهجية نظامية تعرض الآيات القرآنية التى تستخدم فى هذه المسألة ثم تطرقنا لحديث الرسول لكى ننتهى إلى وجهة النظر.
وكانت الآية الأولى التى عرضناها هى: آية الحجاب [ سورة الأحزاب 53] وأوردنا الآية نصًا وفيها خطاب للمؤمنين { وإذا سألتموهن " أى نساء النبى" متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ... } ثم بينا أن لفظ الحجاب لغة ـ وعرفًا أيام التنزيل ـ هو الساتر والمرأة المحجوبة هى المرأة المستورة بستر [ لسان العرب, المعجم الوسيط: مادة حجب ]. ومفاد ذلك أن آية الحجاب بصريح معنى لفظ الحجاب و وقفًا على أسباب التنزيل و طبقًا للسياق المستفاد من كل الآية. خاصة بنساء النبى تقصد وضعهن وراء ستار, فلا هُن يرين المؤمنين ولا المؤمنون يرونهن. هذا هو الثابت من تصرفات النبى مع زوجاته بعد نزول هذه الآية " كما سلف بيانه فى مقالنا الأول".
معنى ذلك أن الآية لا تتصل من قريب أو بعيد بوضع غطاء على رأس النساء المؤمنات. وتسمية هذا الغطاء ـ خطأ ـ باسم الحجاب ثم تعليله بالآية المنوه عنها أمر ليس من الدين فى شئ, بل هو اعتساف فى تمس حكم شرعى لما لا حكم فيه وبآية لا تفيد ذلك أبدًا, وهذا المعنى الصحيح الصريح من نص الآية المذكورة وشروح المفسرين عليها ومقالنا السابق, هذا المعنى غاب عن رد فضيلة المفتى فخلط بين الحجاب الذى يعنى الساتر بالمعنى العلمى والحجاب الذى يطلق على غطاء الرأس فى القول الدارج ثم دعا إلى تعميم الحكم على كل نساء المؤمنين فى كل عصر ومصر. وبذلك وقع فيما يقوله غلاة المتطرفين من أن المرأة ـ متى بلغت ـ صارت عورة ينبغى سترها عن الرجال تمامًا, وستار العصر الحالى هو حجزها فى البيت " وهو ستائر من حجارة" ومنعها من رؤية الرجال أو رؤية الرجال لها, فإن خرجت من المنزل لضرورة قصوى ففى قناع من الرأس حتى القدم لايُبدى منها شيئًا ابدًا.
فهل هذا ما يريده فضيلة المفتى ؟, وهل يتصور أن كلامه يبرر مقولات الغلاة والمتشددين, ويعطيهم السند الشرعى والحجة القانونية؟, وهل هذا ما يريده لنساء وفتيات مصر: أن يحتجبن " يُسترن" فى البيوت فلا يرين أحدًا من الرجال ولا يراهن أحد. لايخرجن ولا يعملن ولا يشاركن فى الحياة العامة إطلاقًا!. وكيف تكون مصر آنئذ؟, وماذا يقول العالم عنا وعن الإسلام؟!.
أما استدلال فضيلته بما قال القرطبى ـ الذى استند إلى تفسيره ـ فى المسألة التاسعة تعليقًا على الآية المنوه عنها ( آية الحجاب ) فهو ما يلى نصًا:" فى هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن فى مسألتهن من وراء حجاب فى حاجة تعرض أو مسألة يستفتى فيها ويدخل فى ذلك جميع النساء بالمعنى, وبما تصمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها .. فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها " [ تفسير القرطبى ـ طبعة دار الشعب ـ ص 5309 ], فرأى القرطبى فى هذه المسألة هو رأى أهل عصره, من أن المرأة كلها عورة, بدنها وصوتها, وهو قول غلاة المتطرفين فى العصر الحالى, فهل يرى فضيلة المفتى ذات الرأى أم أن لنا أن نأخذ من التفسير والكتب ما يناسب عصرنا ونجتهد, كما اجتهد فضيلته فى مسألة عقد إجارة الأماكن مثلاً, حتى نصل إلى الحكم المناسب للعصر.
ثانيًا: ثم ذكرنا فى مقالنا السابق بعد ذلك نص آية الخمار: { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ سورة النور 24: 31]. وذكرنا أن النساء كن فى زمان النبى يغطين رؤوسهن بالأخمرة ( المقانع ) ويسدلنها من وراء الظهر فيبقى النحر ( أعلى الصدر) والعنق لاستر لهما, فأمرت الآية بتعديل هذه العادة ولىّ ( أى إسدال ) المؤمنات للخمار ( الذى اعتدن لبسه ) على الجيوب, حتى لايبرز الصدر ( وهو عورة ).
فهذه الآية ـ كما يظهر بوضوح ـ تعديل فى أسلوب ملبس كان شائعًا, بقصد تغطية الصدر وعدم إبرازه, ولا تتصل من أى جانب بوضع غطاء على الرأس. ومن المعروف أن الملبس من مسائل العرف والعادات وأنه ليس من مسائل الفروض والعبادات. وكل ما هو مطلوب شرعًا ودينًا أن تحتشم المرأة ( بل والرجل) وأن يتعفف كُلُّ فلا يظهر عورة وهو أمر يقره العقل السليم والخلق المستقيم.
ويقول فضيلة المفتى أن هذا الشق من الآية ( الخمار ) ليس هو الدليل على الحجاب ( وبذلك فقد اتفق معنا ) وأن " محل الشاهد على الحجاب هو قوله تعالى: { ... يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }. ثم أضاف فضيلته إن معنى ذلك ألا يبدى النساء شيئًا من زينتهن سوى الوجه والكفين لغير أزواجهن أو محارمهن ... ثم أورد فضيلته رأى بعض الصحابة والفقهاء ـ كما جاء فى تفسير القرطبى ـ من أن المقصود بالزينة الوجه والكفان.
والواضح من الآية السالفة أن على المرأة المؤمنة ألا تبدى زينتها إلا ما ظهر منها, أى أن لها حق إبداء ( كشف ) ما ظهر من الزينة. وقد اختلف الفقهاء فى بيان " ما ظهر من الزينة" وهو اختلاف بين فقهاء, أى آراء بشر قالوا بها فى ظروف عصورهم وأحوال أمصارهم ـ وليست حكمًا واضحًا محددًا قاطعًا , من ذلك أن بعض الفقهاء قالوا إن ما يظهر من الزينة هو كحل العينين وخضاب اليدين ( بالحناء ) والخواتم.
فهل يقول عاقل ـ فى العصر الحالى ـ إن للمرأة أن تكشف ما ظهر من زينتها بتكحيل العينين ووضح الخضاب والخواتم ووضع الأصباغ والمساحيق " خضاب العصر الحالى" ثم تكون مع هذه الفتنة البالغة آثمة إن لم تضع غطاء على الرأس. ومن الذى يقول إن الشعر وحده هو العورة أو الزينة التى لايجوز إبداؤها مع جواز وضع الكحل والخضاب والأصباغ والمساحيق؟ هل الفتنة فى الشعر وحده؟ وماذا عن الصوت, وهو فى رأى البعض عورة؟ وماذا عن الوجه وهو فى رأى آخرين عورة؟ وماذا عن القوام وهو فى رأى الغير عورة؟.
إن القول بأن شعر المرأة عورة " لأنه تاجها" يستتبع ـ باللزوم العقلى والتسلسل المنطقى ـ اعتبار الوجه " وهو عرشها" عورة, والصوت " وهو صولجانها" عورة, والجسد " وهو مملكتها" عورة, وكل المرأة عورة, وهو قول إن قيل فى العصور الماضية لظروف الزمان والمكان , فإن من يقول به اليوم هم غلاة المتطرفين وبغاة المتشددين, فهل يُدرك فضيلة المفتى نتائج مقاله وهل يرى رأى هؤلاء البغاة وأولئك الغلاة من أن المرأة عورة لاينبغى أن يراها الرجل, ولا يجوز أن تعمل, ولا يصح أن تختلط بالرجال فى المحال وفى الطرقات وفى الأندية ووسائل المواصلات. وما نتيجة ذلك كله إلا ردة جاهلية وانحصار فى الماضوية وعدم إدراك روح العصر وأسلوب الزمان الذى أصبح يرى أن الحجاب الحقيقى فى نفس المرأة العفيفة وضمير الفتاة الصالحة تحجب نفسها عن الشهوات وتنأى بذاتها عن مواطن الشبهات وتلتزم العفة والاحتشام؟!.
ثالثًا: ثم أشرنا فى مقالنا السابق إلى آية الجلابيب: { يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن جلاليبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين } [ سورة الأحزاب 33: 59]. وذكرنا أن سبب نزول هذه الآية هو تمييز المؤمنات من الجوارى حتى يعرفهن المؤمنون فلا يتعرضوا لهن بالإيذاء بالقول على مظنة أنهن جوار ( على ما كان يحدث ذلك العصر ).
وقد وافقنا فضيلة المفتى لى رأينا ( الثابت فى المدونات الإسلامية ) غير أنه أضاف رأيًا لفقيه هو أبو حيان فى تفسيره مؤداه أن ظاهر قول الآية { ونساء المؤمنين } يشمل الحرائر والإماء ( الجوارى ) ثم أضاف فضيلة المفتى أن الآية واضحة الدلالة فى " أمر النبى بأن يأمر زوجاته وبناته وسائر نساء المسلمين, بالتستر والاحتشام ", ولسنا ندرى ما وجه الرد علينا فى ذلك وقد ذكرنا ـ فى مقالنا السابق ـ نصًا ( أما الحكم الدائم فهو الاحتشام وعدم التبرج ).
إن فضيلة المفتى لم يرد على لب ما ذكرناه من أن هذه الآية لا تفيد معنى وضع غطاء على الرأس يُسمى خطأ بالحجاب, وما للجلابيب وما لغطاء الرأس؟ ما الصلة بين إدناء الجلابيب ووضع غطاء على الرأس؟.
إن هذه الآية لا تتكلم عن الحجاب أبدًا, فآية الحجاب هى التى أوردناها نصًا من قبل [ سورة الأحزاب 33 : 53] ولو كانت آية الجلابيب تعنى الحجاب أو الخمار لكان معنى ذلك أن الآيتين الأخريين لا تتصلان بالحجاب بشئ أو أن هناك وفرة تشريعية بتكرار نفس الحكم أكثر من مرة, مع أن المشرع العادى يعمد إلى الاقتصاد ـ لحسن السياسة التشريعية ـ فما البال بالشارع الأعظم وهو منزه عن الحشو والتكرار؟.
إن الآية تفيد إدناء الجلابيب لتمييز المؤمنات من الإماء فى عصر التنزيل, والقول الذى ساقه فضيلة المفتى فى التسوية بين المؤمنات والجوارى [ نقلاً عن تفسير المحيط الوسيط ] قوله لفقيه فى عصر كانت فيه جوارٍ, أما فى العصر الحالى حيث لا جوارى إطلاقًا فإن الحكم العام بالتعفف والاحتشام يكون هو الحكم العام ـ كما ذكرنا ـ وهو غاية ما يدعو إليه العقل والخلق وحسن الآداب.
رابعًا: بعد أن انتهينا من عدم وجود حكم فى القرآن الكريم على شرعية وضع المرأة غطاء على الرأس, يسمى خطأ بالحجاب وتعتبره جماعات الإسلام السياسى فريضة إسلامية وشعارًا إسلاميًا, اتجهنا إلى حديث النبى فقد روى عن عائشة عن النبى أنه قال : { لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت ( بلغت ) أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا } وقبض على نصف الذراع. ورُوى عن أبى داود عن عائشة أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله فقال لها :{ يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يُرى فيها إلا هذا وهذا, وأشار إلى وجهه وكفيه}. [ سنن أبى داود ـ كتاب رقم 31 بند 31 : يُراجع دكتور فنسنك : مفتاح كنوز السنة, نقله إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقى, نشر دار إحياء التراث العربى ببيروت ].
ذلك هو الحديث الوحيد الذى روى عن النبى بروايتين, كلتاهمت رواية آحاد, فما هو حديث الآحا؟ وما حكم العمل به؟.
يرى الفقهاء ـ مما جمعناه عنهم من صحائف كتبهم ـ أن الأحاديث المروية عن النبى أحديث متواترة: وهى الت تواترت الجموع على نقلها عن النبى وأظهرها السنة العملية فى الصلاة وغيرها, وأحاديث مشهورة ( أو مستفيضة ) وقد رواها عن النبى صحابى أو جمع لم يبلغ حد التواتر ثم رويت بعد ذلك بجمع بلغ حد التواتر وأحديث آحاد وهى التى رواها واحد عن واحد عن واحد, وهكذا وأغلب السنة ( الأحاديث) يدخل فى هذا النوع ( أحاديث الآحاد ).
والرأى أنه لايجب الأخذ بسنة الآحاد فى الأمور الاعتقادية التى تنبنى على القطع ولا تنبنى على الظن الذى لايُغنى عن الحق شيئًا. أما فى الأحكام العملية فيجرى اتباع ما جاء به, مع أنه ظنى الدلالة, لأن الصحابة والتابعين ومن يلونهم عملوا به [ يُراجع زكريا البرى ـ أصول الفقه ـ ص 200 وما بعدها, عباس متولى ـ أصول الفقه ـ ص 84 وما بعدها, عبد الوهاب خلاف ـ علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى ـ ص 30 وما بعدها, أحمد أبو الفتح ـ المختارات الفتحية ـ ص 110 وما بعدها, أحمد إبراهيم ـ علم أصول الفقه ـ ص 19 وما بعدها ].
هذا مجمل ما يُستفاد من أقوال الفقهاء بشأن العمل بأحاديث الآحاد, إذ لايؤخذ بها فى الأمور العقائدية, ويؤخذ بها فى المسائل العملية أى مسائل الحياة الجارية التى لاهى من العقيدة ولا هى من الشريعة, على تقدير أن الجماعة اتبعتها, ويرى آخرون أن الحدود لا تثبت بأحاديث الآحاد [ محمود شلتوت ـ الإسلام عقيدة وشريعة ـ الطبعة الرابعة عشرة ـ ص 281 ].
و وجهة نظر الفقهاء فى العمل بأحاديث الآحاد ـ وهى أغلب الأحاديث المروية عن النبى ـ لأن الصحابة والتابعين ومن يلونهم عملوا بها, قلب للأوضاع, أشبه بوضع العربة قبل الحصان. فالأصل ألا يعمل الصحابة والتابعون ومن يلونهم بحديث الآحاد إذا كان حديثًا ظنيًا, فيصبح عملهم حجة على من بعدهم, بل أن يتحققوا من ضرورة كون الحديث قطعيًا فيعملوا به بعد هذا التحقق, وتكون قطعية الحديث سببًا لعملهم به. وليس عملهم به موجبًا للأخذ بالحديث.
وكنا فى مقالنا السابق قد ذكرنا أن الحديث المنوه عنه من أحاديث الآحاد التى يسترشد ويستأنس بها, أى أنها ليست فرضًا دينيًا, والفرض الدينى هو ما جاء فى حكم صريح قطعى لا تشابه فيه فى القرآن الكريم أو فى السنة المتواترة, أما أحاديث الآحاد ـ خاصة تلك التى لم ترد فى كل صحاح ومسانيد الحديث ـ فهى ليست فروضًا دينية بحال, والذى يقول بغير ذلك يفرض من عنده ما لم يفرضه الله.
على أننا أثرنا بالنسبة للأحاديث التى تتصل بالمعاملات أو الأمور العملية كما يقول الفقهاء مسألة وقتية الأحكام, أى تعليق الحكم بعد فترة معينة لكونه حكمًا وقتيًا يتصل بزمان معين ومكان محدد, وأشرنا إلى مراجع عدة, وفيما يناسب المجال, فإننا نرجو من فضيلة المفتى إبداء رأيه فى ذلك وسف نقدم إليه مثلاً محددًا, فالقرآن الكريم وإن توسع فى أبواب تحرير الرقيق لم يلغ الرق ولا التسرى بالجوارى إطلاقًا [ وورد التسرى بالجوارى فى 25 موضعًا ], وقد ألغى المشرع الرق بالدكريتو الصادر فى 4/8/1884 والأمر العالى الصادر فى 21/1/1896, على اعتبار أن الرق لم بعد يساير روح العصر, وتبعته فى ذلك كل الدول العربية والإسلامية ( حتى الستينات ), فهل يجوز تطبيق الرق والتسرى بالجوارى الآن؟ وما حكم الدول التى ألغت الرق فعطلت نصوصًا فى القرآن الكريم بعضها يتصل بالعبادات؟ وهل هى دول عصت الله ورسوله فيتعين الخروج عليها وعل أحكامهاـ وهو منهم ـ بالقوة والعنف؟ , وما رأيه فيمن يقتنى جارية فى الأيام الحالية يتسرى بها, هل هو آثم بحكم الشرع أم مخالف لحكم القانون؟ وإذا ساغ تعليق أحكام قطعية من أحكام القرآن الكريم للصالح العام, أفلا يجوز تعليق حكم متشابه فى حديث آحاد ( لم تروه كل كتب الأحاديث: المسانيد والصحاح ) إذا استبدلنا به الأصل العام من الاحتشام والتعفف والتطهر؟!.
خامسًا: ينهى فضيلة المفتى رده علينا بقوله: " وإن كل مسلمة بالغة لا تلتزم بستر ما أمر الله تعالى بستره ( والمفهوم من السياق أنه الشعر ) مهما كان شأنها ومهما كانت صفتها هى آثمة وعاصية ", وهو قول قاسٍ شديد لم نعهد صدوره من فضيلة المفتى الذى عرف بيننا بالوداعة والسماحة, ولعله فرط منه فى حماس الرد علينا والرغبة فى معارضتنا !.
إن هذا القول الذى يصف من لا تضع على رأسها غطاء ـ يُسمى خطأ بالحجاب ـ مع التزامها الحشمة والعفة قول يستطيل إلى فضليات السيدات وكرائم النساء ممن يتصدين للحياة العامة ويتطوعن لخدمة المجتمع , فى مصر وفى البلاد العربية والإسلامية, وبعضهن رئيسة للوزراء أو وزيرة, أو مديرة لعمل, أو رئيسة لفرع أو غير ذلك من أعمال ومهن قيادية, هذا فضلاً عن أن هذا القول يقترب كثيرًا من اتجاه الجماعات المتطرفة التى ترمى بالكفر أى مخالف فى الرأى أو مغاير فى التصرف, والرمى بعصيان أمر الله أدخل فى باب الكفر بالله أو بأوامره : { وعصى آدم ربه فغوى } [ سورة طه 20 : 121 ].
هل يُقدِّر فضيلة المفتى أن ما جاء فى قوله ذاك يمكن أن يُعطى سندًا وذريعة لمن يرى ضرورة تغيير المنكر باليد لإيذاء من لا تضع غطاء على رأسها " وإن كانت غير مسلمة " بإلقاء ماء النار على وجهها " كما حدث" أو بإيذائها ماديًا أو بالإساءة إليها بالقول والإهانة ( كما يحدث دائمًا ) ؟!.
إن ما صدر عن فضيلة المفتى صدر عنه بحكم شخصه ولم يصدر بوضع منصبه, لأنه ليس من شأن هذا المنصب أن يرمى بالعصيان من أمر الله, الفضليات والكريمات والعفيفات, ويرمى بالخبث أزواجهن والمجتمع, لأنهم خالفوا له رأيًا وضح من كل ما سبق أنه محل نظر ( ولا نقول موضع خطأ ) كبير..
خلاصة القول إن ما يسمى بالحجاب حالاً ـ وهو وضع غطاء على الرأس ـ غالبًا مع وضع المساحيق والأصباغ ـ ليس فرضًا دينيًا, لكنه عادة إجتماعية, لايدعو الأخذ بها أو الكف عنها إلى إيمان أو تكفير, ما دام الأصل القائم هو الاحتشام والعفة.
وفقنا الله إلى الصحيح من الأمر, وأيدنا على الشجاعة فى إبداء الرأى, وساعدنا على الاعتراف بالخطأ إن ظهر وجه الصواب.






































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow