Alef Logo
كشاف الوراقين
              

(4) فتوى الأزهر عن الحجاب غير شرعية

محمد سعيد العشماوي

2006-10-07

نشر هذا البحث فى مجلة روزاليوسف المصرية العدد 3454 بتاريخ 22/8/1994يبدو أن قدرنا أن نعاود الكر ونعيد, ما دام غيرنا يكرر الكلام ولا يزيد!.
فلقد كنا قد نشرنا مقالاً عن الحجاب فى الإسلام " بمجلة روزاليوسف العدد 3444 بتاريخ 13/6/1994 فرد علينا فضيلة مفتى الجمهورية, ونشر رد فضيلته وردنا على الرد بمجلة روزاليوسف
العدد رقم 3446 بتاريخ 27/6/1994, وكنا نرجو أن يستمر الحوار حتى يصل الجميع إلى قرار صحيح بشأن مسألة حساسة كمسألة غطاء الشعر ـ التى يسمونها خطأ الحجاب ـ والتى يلخص البعض كل الإسلام فيها وحدها ويجعل منها فريضة الفرائض, أهم من أى فريضة أخرى وأبدى من أى واجب آخر. غير أن فضيلة المفتى لم يؤثر الحوار المتصل وإنما فضل الحديث المنفرد وبدأ يزج فى كتاباته بجريدة الأهرام عن أدب الحوار فى الإسلام, رأيه الذى رددنا عليه بشأن الحجاب ( وإن بتعديل بسيط ) وهو مطمئن إلى أن ردنا عليه لن ينشر, وبذلك يستأثر بالحديث وينفرد بالرأى.
ثم طلعت علينا لجنة تُسمى " لجنة الفتوى بالأزهر الشريف" بما قالت إنه فتوى عن " الحجاب" بمناسبة قرار السيد وزير التربية والتعليم رقم 113 لسنة 1994 بشأن توحيد الزى المدرسى, وهو القرار الذى رأت الفتوى المذكورة أنه يمس أمر الحجاب. و نظرًا لأن هذه الفتوى هى أول تعرض عام من لجنة الفتوى بالأزهر لموضوع عام, ولأنها رددت الحجج التقليدية مع إضافة خفيفة, فإننا نرى ضرورة الرد عليها. وتفنيد ما جاء فيها, حتى لو اضطررنا إلى تكرار الحديث, مادام غيرنا لا يمل من تكرار القول, فلا يأتى بجديد ولا يرد على الحجج المعارضة لقوله, أو يعنى بالأسانيد المفندة لرأيه.
وهذا هو الرد ...
( أولاً ) : ينبغى لسلامة البحث وصحة الاستدلال أن يتحدد ـ ابتداء ـ منهج تفسير آيات القرآن الكريم. فالمنهج التقليدى ( ويوافقه فى ذلك منهج المتطرفين و الإرهابيين ) يتأدى فى أن آيات القرآن الكريم إنما تفسر على عموم ألفاظها, أى وفقًا لمطلق ألفاظ الآية التى تُفسر دون نظر إلى الظروف التاريخية التى أحاطت بنزول الآية, وبغير اعتداد بأسباب تنزيلها.
أما المنهج الأصولى الصحيح فهو يستقيم على أن آيات القرآن لا تُفسر على عموم ألفاظها, ولكن على خصوص أسياي التنزيل, فللإحاطة بالمعنى الصحيح الذى أريد من الآية ينبغى معرفة الظروف التاريخية التى تداخلت معها وأسباب التنزيل التى أدت إلى وجودها.
والمنهج التقليدى ـ وهو ذات منهج المتطرفين والإرهابيين ـ يؤدى إلى تفسير آيات القرآن الكريم على غير ما أراد التنزيل, وإعمالها فى غير الأغراض التى تنزلت بسببها, ويبدو ذلك واضحًا فى الآية الكريمة : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }[ سورة المائدة 5: 44 ], فهذه الآية, وفقًا لرأى أصحاب المنهج السالف, تُفسر على عموم ألفاظها, فتعنى أن كل مجتمع وكل نظام حكم لا يحكم بما أنزل الله ( وفقًا لتصورهم للتنزيل وتفسيرهم له ) يُعتبر مجتمعًا كافرًا, ونظامًا كافرًا, وبذلك يتعين شرعًا مقاومته والخروج عليه وتقويضه. وهكذا ينتهى المنهج التقليدى إلى التوافق مع الإتجاه المتطرف والإرهابى فى نتيجة اعتبار المجتمعات والحكومات كافرة, وإن كان التقليديون ـ لاعتبارات سياسية ـ يقفون بتفسيرهم عند حد معين, بينما يتابع المتطرفون و الإرهابيون النتائج حتى آخرها, فيصلون إلى ما يسكت عنه التقليديون من ضرورة تقويض كل المجتماعات وإسقاط كل الحكومات.
أما المنهج السديد, الذى يفسر الآيات وفقًا لظروفها التاريخية وتبعًا لأسباب تنزيلهت, فإنه يرى أن الآية المنوه عنها نزلت فى يهود المدينة فى واقعة معينة, وطلبوا فيها من النبى أن يقضى بحكم الله فى التوراة على يهوديين كانا قد ارتكبا فعل الزنى, ثم أخفى اليهود " أى أنكروا" عن النبى حكم الله فى التوراة بمعاقبة الزانى بالرجم. فالآية من ثم تتصل بواقعة معينة, وتشير إلى يهود المدينة, ولا تعنى المجتماعات أو الحكومات, كما لا يجوز إطلاقها على المسلمين مهما كانت أخطاؤهم.
ومن هذا يتبين بوضوح أن المنهج المتبع فى تفسير آية قرآنية قد يجنح إلى خطأ شديد, ويتبنى تفسيرًا لم يرده التنزيل, كما أنه ـ من جانب آخر ـ لو اُتُبع سبيل التفسير السليم يصل إلى الحقيقة ويعلن التفسير الذى أراده الشارع الأعظم.
( ثانيًا ): الفتوى التى صدرت عن اللجنة المسماة ـ بلجنة الفتوى بالأزهر ـ دون تاريخ ـ والمنشورة فى مجلة الأزهر ـ الجزء الثالث ـ السنة السابعة والستون ـ ربيع الأول 1415 هـ , أغسطس / سبتمبر 1994 م ـ صفحات 275 – 279, هذه الفتوى قالت نصًا: " إن نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية تقتضى بأن المسلمة متى بلغت المحيض ... وكانت خارج بيتها لا يجوز لها كشف شئ من جسمها سوى الوجه والكفين ... وأن يكون غطاء الرأس ساترًا بحيث لا يظهر سوى الوجه بحده المعروف طولاً وعرضًا, وأن يمتد غطاء الرأس بحيث يُغطى العنق, والرقبة وفتحة الصدر مما يلى الرقبة, وهو المقصود بالخمار الوارد فى كتاب الله عز وجل.
وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب ففى سورة النور قوله تعالى : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } [ سورة النور 24: 31], وفى سورة الأحزاب قول الله تعالى : { يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن جلاليبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين } [ سورة الأحزاب 33: 59].
( أ ) وأول ما يُلاحظ على هذا الرأى أنه لم يبين المنهج الذى اتبعه فى تفسير آيتى القرآن سالفتى البيان, وإن كان الواضح تمامًا أنه ركن إلى المنهج التقليدى الذى يفسر آيات القرآن على عموم ألفاظها, وبهذا يكون قد أغفل سبب التنزيل, فوقع فى الخلط والتعميم. ذلك أن سبب تنزيل الآية الأولى " آية الخمار" أن النساء على عهد النبى كن يضعن مقانع على رؤوسهن تتدلى منها الأخمرة ( الطرح ) فيسدلنها وراء ظهورهن وبذلك يبدو الصدر عاريًا, ومن ثم فقد أُمرن أن يضربن ـ أى يسدلن ـ خمرهن ( التى كن يلبسنها أصلاً ) على صدورهن لإخفاء الصدر, وهو عورة. فالآية لم تأمر بلبس الخمار, ولكن أمرت بتغطية الصدر. أما سبب تنزيل الآية الثانية " آية الجلابيب " فهو أنه لم تكن فى بيوت المؤمنين ـ فى المدينة ـ دورات مياه, فكانت النساء يخجن إلى الخلاء بعيدًا عن المدينة لقضاء حاجاتهن وكان بعض الرجال يتعقبونهن ويؤذونهن بالقول, أى يتعرضون لهن بالقول الجارح, على مظنة أنهن جوارٍ أو غير عفيفات, ولما شكت النساء إلى النبى نزلت آية الجلابيب, تقصد من إدناء الجلابيب إلى أسفل أن يتميز المؤمنات من غيرهن فلا يؤذين بالقول. فالآية بذلك لا تتصل بوضع غطاء الرأس " وما لإدناء الجلابيب وما لتغطية الشعر؟!" ولا تأمر بإدناء ( أى إرسال ) الجلابيب إطلاقًا, ولكن لسبب خاص هو أن تميز المؤمنات عن غيرهن, فإذا زال سبب هذا التمييز زالت الضرورة لإدناء الجلابيب, وهو الأمر الواقع فى العصر الحالى.
( ب ) وقد ركن الرأى إلى جزء من الآية هو :{ وليضربن بخمورهن على جيوبهن } وعَدّ ذلك أساس وضع ما يُسمى بالحجاب, ولم يتعرض للشق الآخر: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } مع أن فضيلة المفتى فى رده علينا استند إلى هذا الشق الأخير, وقال إنه سبب فرض ما يُسمى بالحجاب, وأنكر أن يكون هذا الفرض بسبب جزء الآية :{ وليضربن بخمورهن على جيوبهن }, وبذلك أصبحنا أمام رأيين, احدهن للمفتى والآخر للجنة الفتوى بالأزهر, كل يقول قولاً مرسلاً دون أن يعرض للرأى الآخر.
( جـ ) وتزيد الرأى فاعتبر أن الخمار, المقصود من الآية, هو " غطاء الرأس ساترًا بحيث لا يظهر سوى الوجه .. وأن يمتد غطاء الرأس بحيث يغطى العنق, والرقبة, وفتحة الصدر .." وهذا تَزَيُّد لا أساس له, أو تفسير للآية بالمطلوب , وليس طلبًا بما هو فى الآية. فلفظ الخمار يعنى غطاء الرأس فقط, ولا يعنى سوى ذلك [ لسان العرب: مادة خمر: صفحة 157, طبعة دار صادر ببيروت: الخمار هو ما تغطى به المرأة رأسها: أى الطرحة : المعجم الوسيط ـ مادة طرحة ].
( د ) لم يتعرض رأى اللجنة لما يقرره الفقهء من حق المرأة فى أن تُبدى زينتها الظاهرة بأن تكتحل وتضع الأصباغ والمساحيق وتلبس الأقراط والأساور, وهو ما يعنى أنه ليس للجنة رأى خلاف الفقهاء, ومفاد هذا أنه يحوز للمرأة أن تفعل كل ذلك ولا تعتبر أن ثم خطأ قد وقع منها أو أنها كشفت عورة أو تظهر فتنة, أما الخطأ كل الخطأ, والمحظور الذى ما بعده محظور, فهو ألا تغطى شعر رأسها بخمار.
( ثالثًا ) : ولبيان ما يجوز للمرأة أن تظهر من جسدها ـ وهو الوجه والكفان ـ اعتمدت اللجنة فى ذلك على حديث قالت فيه نصًا : { ما رواه أبو داود عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على النبى (ص) فى ثياب رقاق, تشف عن جسدها, فأعرض عنها النبى (ص) وقال " ياأسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا, وأشار إلى وجهه وكفيه }.
( أ ) وهذا الحديث لم يُخرجه البخارى فى صحيحه " أصح كتب الحديث " ولا أخرجه مسلم ولا ورد فى مسند ابن حنبل, وإنما جاء فى سنن أبى داود فقط " وهو كتاب واحد من ستة كتب للحديث لا تعتبر أصحها".
( ب ) والحديث لم تروه عائشة وإنما رواه عنها شخص يُدعى خالد بن دريك, وقد قال أبو داود عن الحديث أنه مرسل, أى لم يثبت صدوره عن عائشة إلا عن طريق هذا الراوى الذى لم يعاصرها قط.
( جـ ) والحديث من أحاديث الآحاد التى لن ترد بطريق التواتر ولا بصورة مشهورة, وإنما أخرجه أبو داود " فى أوائل القرن الثالث الهجرى" رواية عن واحد بعد واحد بعد واحد , حتى وصل إلى خالد بن دريك الذى روى عن عائشة مع أنه لم يعاصرها ولم يرها قط.
( د ) ولو أن الحديث قد صح للمسلمين فى عصر النبوة لا تبعوه جميعًا ولا تبعه من تلاهم ثم من تلاهم, وهكذا حتى يصل إلينا سُنة متواترة بالفعل وليس مجرد حديث آحاد مرسل. وإذا كان بعض الصحابة أو التابعين قد عمل بمضمون هذا الحديث فإنما وقع ذلك منهم كعادة اجتماعية وليس ا5
تباعًا لسُنة دينية.
( هـ ) وأحاديث الآحاد يُعمل بها فى شئون الحياة الجارية ولا يُعمل بها فى المسائل الدينية, أى أنه لاتقوم بها فروض أو واجبات دينية, وإنما تصلح للاستئناس والاسترشاد لاغير, كما أنه لاتُقام بها حدود.
( رابعًا ) : وتسوق اللجنة فى التدليل على رأيها حديثًا عن ابن عباس حيث قال: { إن النبى ( ص) أردف خلفه ( على دابته ) الفضل بن العباس ـ يوم النحر ـ وكان رجلاً حسن الشعر, أبيض, وسيمًا. فجاءت امرأة من قبيلة خثعم تستفتى الرسول ( ص ) فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه, فجعل رسول الله ( ص ) يصرف وجه الفضل إلى الشق ( الإتجاه ) الآخر. فعاد الفضل ينظر إليها ثلاث مرات, والرسول ( ص ) يحول وجهه. فقال العباس لرسول الله ( ص ) لِمَ لويت عنق ابن عمك؟, فقال صلعم : رأيت شابًا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما }, ثم أضافت اللجنة: زكل من هذين الحديثين ( هذا الحديث والحديث السابق ) واضح الدلالة على جواز كشف الوجه والكفين من المرأة, وقد أجمع المسلمون على هذه الأحكام منذ عهد رسول الله ( ص ) إلى اليوم, وأصبحت معلومة من الدين بالضرورة !.
ويُؤخذ على هذا القول:
( أ ) أن الاستدلال بهذا الحديث فى بحث يهدف إلى إضفاء الشرعية على تغطية المرأة رأسها ـ بما يسمى خطأ بالحجاب ـ استدلال فى غير محله, أو هو بتعبير المناطقة و الأصوليين استدلال فاسد, إذ ما الذى يقطع بأن المرأة ـ من قبيلة خثعم ـ لم تكن سافرة لاتضع على رأسها غطاء, بذلك يكون الحديث دليلاً على عكس ما تريد اللجنة أن تثبته, غاية ما فى الأمر أن الحديث دلالة واضحة على أن وجه المرأة قد يكون فتنة للرجل, كما قد يكون وجه الرجل فتنة للمرأة, فإذا ما أُريد بالحجاب أن يزيل هذه الفتنة من المرأة, فهو لن يفعل إلا إذا غطى كل الوجه, وهذه حجة أصحاب النقاب, يقابل ذلك أنه إذا تعين وضع النقاب على وجه المرأة لمنع فتنة الرجال, فإنه يتعين كذلك ـ من باب المساواة ـ ولتحقيق ذات الغرض ـ أن يوضع النقاب على وجه الرجل حتى لا تفتتن به بعض النساء.
( ب ) وفى مقال منشور بجريدة الأهرام بتاريخ 7/8/1994 قال فضيلة المفتى :" وجمهور الفقهاء على المقصود بما ظهر منها ( ما ظهر من الزينة ) : الوجه واليدان". وبهذا لم يركن فضيلة المفتى إلى أحاديث للنبى ( ص ) ليثبت أن ما يظهر من المرأة البالغة هو الوجه واليدان فقط. وخالف بذلك رأى اللجنة, بل عدل فى رأيه السابق. فإذا كان الرأى فيما ينبغى أن يظهر من المرأة ولا يعتبر عورة مردودًا إلى الفقهاء, فهو رأى بشر وليس أمرًا من الدين أو الشريعة. وما دام الناس أماك آراء بشرية فمن حقهم تعديلها وفق ما يرون, دون أن يُعد ذلك خروجًا من الدين أو جنوحًا عن الشريعة ما داموا يلتزمون الحشمة والعفة.
وإذا كان الفقهاء قد رأوا فى السابق أن شعر المرأة عورة لابد من تغطيتها, فإنه يمكن للمسلمين فى العصر الحالى ألا يعتبروه عورة ـ ما دام لايوجد نص فى القرآن أو السنة قطعى بذلك ـ وأن يروا العفة فى ذات المرأة الطاهرة وضمير الفتاة النقى وقلب الأنثى السليم, لا فى مجرد وضع زى أو لبس رداء ثم تجاهل الأعراف والتقاليد والأخلاق.
( جـ ) وتشير اللجنة إلى أن المسلمين قد أجمعوا على هذه الأحكام ( الحجاب يمعنى تغطية الرأس وبالمعنى الذى فصلته اللجنة من عندها ) منذ عهد الرسول ( ص ) إلى اليوم, والاستناد إلى الإجماع فى ذلك أمر غريب, فالإجماع يكون أساسًا حيث لايوجد حكم قاطع فى القرآن الكريم أو السنة النبوية, وما دامت اللجنة تركن فى الدليل على رأيها إلى القرآن والسنة فإنه يكون من قبيل اللغو الذى لا معنى له أن تعمد بعد ذلك إلى ذكر الإجماع خاصة أن ثمة خلافًا كبيرًا بين المسلمين فى مسألة الإجماع, فيرى المالكية أن الإجماع هو إجماع أهل المدينة وحدهم, ويرى آخرون أنه إجماع أهل ألمصار ( الكوفة والبصرة ), وينكر أحمد بن حنبل وجود أى إجماع إلا إجماع الصحابة, كما ينكر الوهابيون تعميم مبدأ الإجماع ويأخذون فى ذلك برأى ابن حنبل, وهناك فِرَق ـ كالشيعة والأباضية ـ لاتدخل بطبيعة الحال فى إجماع أهل السنة, ويرى بعض الفقهاء أن الإجماع لم ينعقد قط [ يُراجع ـ على سبيل المثال ـ دائرة المعارف الإسلامية ـ الطبعة العربية ـ باب إجماع ـ ص 245 ].
( د ) وتقول اللجنة إن الآراء التى انتهت إليها أصبحت معلومة من الدين بالضرورة, وهى بذلك تلوح بعصا الإلحاد وتتكلم بلغة الإرهاب, فتصف من يخالف رأيها بأنه كافر وأنه يستحق عقوبة الردة, وهذا من أخطر ما يمكن أن يصدر عن لجنة تنتسب إلى الأزهر, لأنه يفرض جوًا من الرعب والخوف على مناخ البحث ويشل يد متخذى القرار عن أى مبادأة, ويُشيع الإرهاب المعنوى فى كل مكان وفى أى نفس. وإذا كان من يخالف رأى اللجنة ـ فى وضع ما يسمى بالحجاب ـ منكرًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة ( أى كافرًا ) فما رأى اللجنة فى هؤلاء الذين يرون أن الإسلام يأمر بالنقاب ( لا الحجاب )؟, وأن كل من يخالف رأيهم يُعَد منكرًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة؟. أليس حكم أنصار النقاب هؤلاء ـ ومنهم وهابيون بارزون ـ يستطيل إلى أعضاء لجنة الفتوى أنفسهم ؟!. وما حكم المسلمين وهم ضائعون بين أنصار النقاب وأنصار الحجاب, وكل يلوح بالكفر والإلحاد جزاء لمخالفة رأيه؟.
يا لضيعة المسلمين بين هؤلاء وهؤلاء, بين فقهاء من كل جانب يتهمون خصومهم ـ فى مسألة من مسائل الفروع لا الأصول ـ بالكفر والإلحاد, وهو أمر يجعل معظم المسلمين منكرين لما هو معلوم من الدين بالضرورة !! وبذلك يصبح الكل كفارًا !!.
( خامسًا ) : و عَوْد على بدء, فإن فتوى لجنة الفتوى بالأزهر فى مسألة الحجاب أبديت بمناسبة صدور القرار رقم 113 بتاريخ 17/5/1994 ( من السيد وزير التربية والتعليم ) بشأن مواصفات الزى المدرسى, ووزعت على نطاق واسع, ونُشرت فى عدة صحف ومجلات منها مجلى الأزهر, وبذلك تكون هذه أول مرة, وأول سابقة, تتصدى فيها لجنة الفتوى فى الأزهر لمسألة عامة وتطالب بالعدول عن الرأى فيها, وتصف المسئولين ـ ومن يشايعهم ـ لاكفر والإلحاد, وتدمغ من يعمل القرار بالعصيان لأمر الله, وتهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور, وهى سابقة تلاها إبداء الرأى فى شأن انعقاد مؤتمر السكان بالقاهرة مما يشير إلى أنها سوف تصبح قاعدة, فتهيمن لجنة الفتوى بالأزهر على كل أوجه الحياة فى مصر وتسيطر على كل المناشط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والإعلامية والحضارية والعلمية وغيرها, وهى سيطرة لاتسمح بأى جل ولا تبيح أى نقاش, وإنما تضفى على رأيها العصمة, وتتهم من يناقشه بإنكار ماهو معلوم من الدين بالضرورة, أى بالكفر والإلحاد, وهو اتهام كاف لأن بعطى مسوغًا لأى إرهابى لأن يصفّى المعارض جسديًا فيغتاله دون أن يُعتبر آثمًا فى حكم الشرع ( كما قال واعظ أمام محكمة الجنايات ).
ونظرًا لخطورة هذه التداعيات, وإيذائها بقيام حكومة ثيوقراطية ( كهنوتية ) تحكم من خلال من يسمون أنفسهم رجال الدين, بينما لايعرف الإسلام إلا علماء فى علوم الدين لا رجال دين ولا يقر وجود مؤسسات دينية, بل يعترف بقيام مؤسسات مدنية ـ كالأزهر الشريف ودار الإقتاء ـ يتصل عملها بشئون الدين, نظرًا لكل ذلك, فإنه يكون من الضرورى واللازم بيان الأساس الشرعى والسند القانونى لقيام لجنة الفتوى, ونطاق عمل هذه اللجنة, حتى يوضع كل أمر فى موضعه الصحيح, ويسود حكم القانون وتستقر أسس الشرعية.
فالذى يحكم نشاط الأزهر هو القانون رقم 103 لسنة 1991 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يضشملها, ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975. وهذا القانون نظم فى الباب الثالث منه " مجمع البحوث الإسلامية وإدارة الثقافة والبعوث الإسلامية", وجعل من فضيلة شيخ الأزهر رئيسًا لهذا المجمع ( مادة 18/2 ), وحدد هيئاته فى مجلس المجمع, ومؤتمره, والأمانة العامة ( مادة 20 ) كما حدد اختصاصاته بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والتأليف .. " على أن " تتولى إدارات المجمع تنفيذ مقرراته", وأن " تنظيم هذه الإدارات بقرار من شيخ الأزهر ( مادة 25 ), ونظمت اللائحة التنفيذية للقانون إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية", واعتبرت أنها " هى الجهاز الفنى لمجمع البحوث الإسلامية".
وواضح من الاطلاع على قانون الأزهر ولائحته التنفيذية أنه خلو من تنظيم أو إنشاء أو حتى الإلماح إلى ما يسمى لجنة الفتوى بالأزهر, وكل ما يعرفه القانون هو مجمع البحوث الإسلامية ( الذى يرأسه شيخ الأزهر ) وإدارة الثقافة والبعوث الإسلامية, ولا يخول القانون أو لائحته التنفيذية لفضيلة شيخ الأزهر أو مجمع البحوث الإسلامية إنشاء أى لجان مستقلة للفتوى.
إن ما يسمى بلجنة الفتوى بالأزهر لجنة ليس لها أساس شرعى وليس لوجودها سند قانونى وليس لعملها هيكل تنظيمى, وغاية ما فى الأمر أنها ذات وجود واقعى ( غير قانونى ) أو أنها أنشئت بقرار داخلى من فضيلة شيخ الأزهر لمساعدة الناس فى التعرف على آراء الفقه فى مدارسه المختلفة, فإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز لهذه اللجنة أبدًا أن تتصدى للمسائل العامة وأن تفرض رأيها على صناع القرار, وأن تتهم بالكفر والإلحاد من يخالفها فى مسألة من مسائل الفروع, مختلف عليها, ولا تحديد بشأنها.
فإذا عَنَّ لهذه اللجنة أن تبدى رأيًا فى مسألة ترى أنها تتصل بالإسلام فإن عليها أن تقدم هذا الرأى إلى مجمع البحوث الإسلامية ليصدر عن هذا المجمع وعن رئيسه ( فضيلة شيخ الأزهر ) كما حدث ابتداء فى مسألة مؤتمر السكان ( الذى عقد فى القاهرة اعتبارًا من 5/9/1994 ), أما التصرف بالصورة الغريبة التى وقعت فيها اللجنة فهو أمر مخالف للإسلام, مقوض للشريعة, مجانب للقانون, وهو ما ينبغى أن يتكاتف الجميع لمنعه وأن يحول الكل دون وقوعه, حتى تعلو راية الإسلام وترتفع أسس الشرعية ويسود حكم القانون.
وما عدا ذلك فهو شرع الغابة أو الطوفان!.





تعليق



nawel

2013-06-17

اتقوا الله

زهرة العلاء

2015-04-20

لا أدري كيف قرر او ما علاقة الشرف بالحجاب وتغطية الجسد في المقام الأول!! ليس كل إمرآة شريفة متحجبة ولا كل إمرآة متحجة شريفة!! بالضبط ما ههي مشكلتكم يا معشر الرجال المسلميين!!!

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow