بمناسبة معرض الفنان التشكيلي سعد يكن والذي سيقام غدا السبت بتاريخ 15 / 3 / 2008 تنشر ألف واحدة من القصص التي ضمها الكتاب الذي صدر بمناسبة هذا المعرض وهو عبارة عن مجموعة لوحات المعرض بالإضافة إلى القصص التي أوحت للفنان لوحاته المشاركة بالمعرض والتي كتبها الفنان من وحي القصص الأصلية الموجودة في ألف ليلة وليلة ولكن برؤية جديدة تتناسب مع العصر ومتغيراته .
و هذا المزج بين الأدب والفن تحول نوعي جديد وانطلاقة جديدة للفنان التشكيلي الذي عودنا دائما على تقديم كل ما هو جديد في تجاربه الفنية السابقة .. من حيث المضمون والتشكيل اللوني والبصري . نختار قصة من تلك القصص مرفقة بلوحات من المعرض ..
وهنا نقدم رؤيته للشخصيتين الرئيسيتين في ألف ليلة وليلة وننشر واحدة من القصص التي احتواها الكتاب مزينة بلوحات من تلك الأعمال.
ألف

جاء من بلاد رسمت في الذاكرة أحلى ألوان المآسي والمغامرات ، بلاد تمتد من الإنسان إلى الإنسان حاملة معها صور الجن وغرابة السحر ، أحداث تروي قصص الأبطال والعشاق وجروح من الأسى تنزف دماً على أطلال الحبيب الغائب بين غيوم الأيام وسحر الرغبة التي تنسى في مغارة الجن السرية .

شهريار القادم من سهول الشرق الأقصى التي لا يعرف خارطة لها إلا الله والراوي المجهول الذي اعتصم برداء السرية ، ليترك شهريار حيّاً بسطوته على الأفكار والحلم المشبع بالجسد والفراشات والسيوف .
خيول وعصيان ، دماء وسبايا ، مكّنت شهريار من احتلال قصصٍ تدور في فلك العالم، توحي لنا إنه الشرق بأبهى ألوانه ونسائه .
شهريار : كان صارماً في رغبة الطفل ، وحاداً كنسمة الفراشة . كان يبحث عن أحلامه في حكايات تمد لـه يد العون ... ليكون . كان بدائياً وعنيفاً ... وذا سطوة لا تضاهى ، نفوذ أطاح بكل من حاول أن يجاريه حتى نساءه في فراشه المباح ، والموصوم بدموع العذارى التي اختفت في ردائه السري والذي اتسع لنساء الأرض دونما منازع .
شهريار الملك هو أسطورة بحد ذاتها أطاح بأعدائه ، فمات كل من نظر إليه وكأنه حريق لا يرحم ، حتى الأخ مات في لحظة حقده الكبير .
كان في يومياته جباراً وفي خلوته بسيطاً ، طفلاً يلعب بالحكايات والنساء دون مشاعر، ذكراً فاق حد الأحاسيس ليصل إلى متعة الجسد الخالصة .
دونما جدوى كل هذا الترف حين كانت شهرزاد تقف على باب عينيه للمرة الأولى ، تبحث عن موت أكيد في ديار الملك العظيم .
حب الذات والأنانية صفات جعلت من شهريار نموذجاً فريداً في السلطة المطلقة والاستبداد الذي لا يرد لـه حتى بجواب . جاء من قسوة الأيام ورخاء العيش ، فساد وباد حتى وصل إلى النزق الكبير فصار يملك كل شيء ولا يملك شيئاً .
يحكى أن رغباته أوامر ونساءه يكبتن رغبة من القهر . غلمانه براعم وفراشات ، في نظرته يمتزج السحر بالطلاسم ، ويقال إنه يحول كل شيء يراه إلى موت محتّم حتى النساء قدرهنّ موت معلن .
لم يكن لديه حماس المغامرة لكنه المغامر الذي يعبث بكل شيء . عاش كاملاً كالبرق حين يحدّ الحياة عن الموت .
شهريار الملك الذي دخل قلب الثقافة بقصص تراوح بين العظمة والوضاعة . بين الجنس والرغبات المحبطة ، أبطال جبابرة وسحرة . عالم متكامل من الخيال بين المساء والصباح . كان يحمل بين يديه سيف التعسف وبرتقالة للحياة ، تتراقص بزهو فتتحول تدريجياً إلى امرأة ، تصير بين يديه شهرزاد .
كانت نموذجاً لفهم هذه الحالة النادرة ، استطاعت مع مطلع الحكاية الأولى وحتى اليوم أن تجعل ذلك المتباهي إنساناً حقيقياً يحلم بالغابات والعصافير .
تحول ثم تحول في ليلة مداها القلب وألف ليلة إلى بساط سحريً من الألوان بلا غيوم أو عواصف بلا سيوف لرؤوس المارة . لتكتب عنها روايات وتخلق تساؤلات من جديد ، في ألف ليلة وليلة .
شهريار الملك تجاوز حدود النفس والذات والأنا ، ليصير وديعاً في أحضان السيدة الجميلة ، التي اسمها شهرزاد .

شهرزاد

يقال إنها ولدت من زهرة ، ويقال إنّها جاءت من ا لصخر .
يقال إنها ولدت من النار .
ويقال أيضاً إنها خرجت من الماء ، وهذا هو سر قدرتها على استحضار حوريات البحور السبعة .
يقال إنها سرقت صمت البحر وصخبه ، ويقال إنّ لها امتداد شفاف يغمر الموجودات كطوفان . فتبدأ من شفتيها حياة الرجال والمحاربين الذين حكم عليهم الهوى وصهيل الرغبة الجامحة معلق على باب شهريار .
نسمة لعوب صارمة ، ورقّة لا يمكن أن يضاهيها حلم يعبر القارات دون استئذان . امرأة خرجت من حيز الآلهة لتصير حالة من الجمال والحكمة تضاهي شيوخ المعرفة وكبار السحرة .
يقال إنها بسيطة طيبة تحمل حباً للمعرفة وتوقاً للمغامرة ، لقد استحضرت كل الأساطير بين أصابعها وكل العلوم البيضاء والسوداء ، لتكون حلماً للرجل الذي لا يخشى الموت في جحيم الكهوف ولا نار الشياطين الملونة .
ذكاء شهرزاد جعلها أقرب ما تكون في حكاياتها من السرد الشعبي إلى تقديم فريد لقصص الملوك والأبطال والمساكين . حكايات النساء والجنس المباح ... كلها حكايات عبرت بها بلاد السند والهند لتقدم إلى شهريار خلاصة تجربة منوعة بين الخير والشر والمرأة.
كانت تغيّر الملك وتحمله إلى عوالم من السحر والجمال ، من الرغبة والبطولة ليصير عبر ليلة وليلة وليلة ، رجل مختلف الألوان ، متنوع الحجوم يتراوح بين ذاته وذاته ، وكأنه في لحظة عشقه الأولى .
حولته رقّة المرأة إلى رجل قريب من القلب ، فاض بعد ليلة وليلة بالتسامح والغفران وكأنه اغتسل في سهول شهرزاد وأثمر فمه من رحيق شفتيها أشياء وأشياء .
شهرزاد تلك المرأة التي جعلت من معرفتها قصصاً وحكايات شعبية تربط الخرافة بالسحر والحيوانات بالأساطير والمغامرات بالأبطال الكواسر . كل ذلك في سبيل تقديم حكايات تحمل في طياتها بساطة استطاعت أن تؤكد حضورها عبر الأجيال ، لتصير ألف ليلة وشهرزاد رمزاً للشرق وشكلاً من أشكال الترف والمجون حاملة معها أجواء الحلم والجنس والعنف .
شهرزاد المرأة التي تتحوّل من شكل إلى آخر في لياليها ، لتكون بأمان واستمرار ، كانت مدركة أنها تغزل ثوباً من الأيام واللحظات . تُلبسه لشهريار الملك ليحمل من خلاله الواقع الزمني والمكاني ويكون في أحداث يومياته ، شيء يسمى " الآخر " .
شهرزاد عمقت صدر المعرفة ، وأفسحت المجال للجمال بمفهومه الكلي عند شهريار، فصار من خلالها تكاملاً بين حدث روائي ، وواقع من المشاعر المتداخلة بلغت صدره ، فانفتح فجأة على العالم يمسح عنه غبار التعسف وسلطة القهر وسيف الجلاد .
شهرزاد تلك المرأة الحلم التي دخلت إلينا عنوة . لا يمكن اليوم لأحد أن ينكرها أو يتنصل منها ولا حتى في الأحلام.