مرض بالغرب ـ تأليف جورج طرابيشي
2007-03-27
مرض بالغرب
التحليل النفسي لعصاب جماعي عربي
الناشر
رابطة العقلانيين العرب ـ دار بترا للنشر والتوزيع
كان من المفترض أن يقدم هذا العرض صديقي لؤي حسين، وهو ناشر الكتاب والصديق الشخصي لجورج طرابيشي، وهما ليستا السمتين الوحيدتين اللتين تجعلانه أفضل مني
في تقديم هذا العرض هنالك أيضا عمق نظرته وصواب تحليله. ولكنه بسبب انشغاله بتحضير مؤتمر عن العلمانية، قرر أن يعتذر وأوكلت صديقتي الفاتنة سمر حداد هذه المهمة الصعبة للعبد الفقير، والمهمة صعبة لأكثر من سبب: أولها أن هذا الكتاب هو في الأصل أطروحة أكاديمية كان يفترض بجورج أن يقدمها إلى جامعة السوربون لنيل شهادة الدكتوراه.
ولكنه آثر ألا يفعل، لأن تقديمها على شكل أطروحة دكتوراه كان يقتضي التخفيف من لهجتها النقدية الجذرية، وهو ما كان يتعارض مع غائيتها بالذات من حيث أن المؤلف قد أرادها التزاماً بمنطق النهضة في مواجهة منطق الردة الذي طغى في الساحة الثقافية العربية.
منذ البداية إذن، نحن أمام نص علمي ولكنه غير محايد. هل ثمة تناقض في هذا التقديم؟ سوف نحكم بعد قليل.
* * *
يعتمد طرابيشي في كتابه المرض بالغرب منهج التحليل النفسي، وهو يضع على طاولة التشريح النفسي الخطاب العربي المعاصر ويخضعه لعملية تحليل صارمة. والتحليل النفسي هو المنهج الذي كان طرابيشي قد داوره بقدر أو بآخر من اليسر في دراساتنا عن الرواية العربية. وهي مهمة أسهل بالتأكيد من تطبيق المنهج نفسه على الخطاب العربي المعاصر. فالرواية العربية كانت ولا تزال رواية سيرة ذاتية. أما الخطاب العربي المعاصر فهو، كما يقول المؤلف بنية موضوعية مستقلة ظاهرياً عن ذاتية منتجيه.
وينطلق المؤلف من أن الخطاب العربي المعاصر قد تعرض لرضة نفسية أورثته عصابا جماعيا عربيا، أصابت بشكل خاص النخبة المثقفة. والعصاب هو بالتعريف كل خلل أو اضطراب من طبيعة مَرَضية يصيب الشخصية أو قطاعاً منها نتيجة لتمحورها حول عقدة نفسية. فأما الرضة فهي هزيمة حزيران 67 وأما عقدة الخطاب العربي المعاصر كما سيبين لنا طرابيشي فهي "عقدة التثبيت على الماضي في مواجهة حاضر جارح." (المقدمة)
والخطاب الذي يخضعه المؤلف للتحليل هو الخطاب العربي المعاصر، أي الخطاب الذي بدأ ينتج نفسه ويعيد إنتاجها منذ هزيمة حزيران 1967. وهو بذلك يتميز عن الخطاب العربي الحديث الذي رأى النور غداة الحرب العالمية الثانية، كما يتميز عن الخطاب العربي النهضوي الذي يغطي تمام عصر النهضة من 1798 إلى 1939.
الصدمة والرضة
يميز التحليل النفسي بين مفهومين قد يبدوان متقاربين ولكنها في الحقيقة مختلفان اختلافا بينا: مفهوما الصدمة والرضة. وهما يتشابهان من حيث أنهما يأتيان من خارج الأنا ويتركان أثرا تنبيهيا وتغييرا معينا.
أما الفارق بينهما فكبير. فمحمول الصدمة من شحنة التنبيه ضمن طاقة احتمال الجسم المصدوم، وهي بالتالي قابلة للهضم والتمثل وإعادة التوظيف، وغالبا ما تتحول إلى قوة دفع وحفز، يشبهها محمد عمارة ب «المس الكهربائي» الموقظ للقلب والعقل من «نوم الغفلة»، ويشبهها محمد عابد الجابري بـ «المهماز». أما إذا كانت شحنة الصدمة من التنبيه فوق طاقة احتمال الجسم المتلقي، وغير قابلة بالتالي للدمج والتوظيف ، كان لها مفعول عكسي. ويقول طرابيشي أنه "بدلاً من أن تطلق في الجسم المعني آليات الدفاع السوي والتكيف الواعي من خلال تعرّف الواقع ومواجهته (وذلك هو مرادف «الصحوة» أو «اليقظة») تطلق فيه على العكس الآليات اللاشعورية للدفاع المرضي من خلال العزوف عن تعرّف الواقع وعن مواجهته، ومن خلال إلغاء العقل النقدي، والعدول عن التعاطي الواقعي والمعرفي مع العالم إلى التعاطي السحري، والاستعاضة عن الوقائع بالاستيهامات، وعن الأشياء بالألفاظ." (ص ) وهي ما يسميه التحليل النفسي بالرضة.
والصدمة، بمعناها الإيجابي هي انكشاف الشرق العربي الإسلامي الذي ظل منغلقا مئات من السنين على عالم جديد مختلف تماما عن عالمه. عالم في تقدم علمي ومساواة بين البشر وفصل بين الدين والدولة. هذا الانكشاف أتى مع مدافع نابوليون الذي أيقظ الشرق الغافي وأخبره أن ثمة عالما آخر موجودا بإزائه ومختلف عنه. وقد أدت هذه الصدمة، وفق تعبير طرابيشي، إلى "حركة، بقوة دفع مخارج لها، هي التي عُمِّدت في الف