ترشيد ثقافة الإفتاء أو إعادة تأصيل علم أصول الفقه
2008-10-05
"اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية وأجلها قدرا وأكثرها فائدة وهو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام والتآليف".
عبد الرحمان ابن خلدون- المقدمة
من مآثر بعض المفكرين العرب المعاصرين ومحاسن بعض المجددين التنويريين أنهم حاولوا عقلنة الظاهرة الدينية عقلنة فلسفية وسعوا إلى ترشيد التقول الديني ترشيدا علميا ووضعوا قواعد مضبوطة للاجتهاد والتأويل وتفطنوا إلى ضرورة إدماج مؤسسة الفقه التقليدية إلى العمارة العصرية للفلسفة وربطوا بين الفقه والعقل والواقع والمصلحة وأوجدوا ورقات أولى في سبيل فقه للفلسفة أو فلسفة للفقه وفقه للمقاومة والتغيير وفقه للتنمية والديمقراطية وفقه للمرأة وفقه للجمال والفن ولذلك فإنهم قد جسدوا في الآن نفسه شخصية المفكر والمثقف والسياسي والمصلح والداعية والفقيه والفيلسوف ولم يكونوا مجرد مختصين في مجال معرفي معين لا علاقة له بما يحدث في الشأن العام.
ورغم أنهم لم يؤثروا تأثيرا كبيرا في الواقع ولم يسهموا في إحداث تغييرات كبيرة على الأيقونات التي تستند عليها الثقافة العربية ولم يشيدوا فقه وجود بالمعنى الأصيل للكلمة إلا أنهم نجحوا لفترة طويلة في حجب هيمنة الفقه التقليدي على الساحة الإعلامية والفكرية وأوقفوا نسبيا حمى الفتاوى الاعتباطية وغير المواكبة للعصر وجعلوا صوت العقل والمنطق والواقع هو الذي يفرض نفسه وسط صخب الجدال بين الدين والسياسة وبين طيات الانجذاب إلى الشعارات البراقة والجري وراء العقائد البالية.
لكن هذا المنحى التنويري في الفكر العربي بدأ يترك الساحة للأسف وبشكل غير مفهوم لبعض الدعاة الجدد والفقهاء التقليديين ورجال الدين والشيوخ الذين يظهرون الوسطية والاعتدال والتيسير وصنع الحياة ويبطنون الفقر المعرفي وسطحية التحليل والموقف المهادن وماضوية القناعات ويشرعون إلى الموت والتنازع.
الغريب أن بعض الفضائيات الإخبارية ذائعة الصيت وأيضا جل الفضائيات الدينية المختصة في نشر المذهبية والدعاية لثقافة طائفية قد ساعدت على إهمال الناس للرؤى التجديدية والأفكار الإستراتيجية لهؤلاء المفكرين العقلانيين ووجهت الجمهور نحو الاهتمام ببعض السخافات والتقليعات لأولئك الدعاة الجدد وفقهاء الحوزات والقصور وقد ساهمت في انتشارهم وتحولهم إلى نجوم كبار وشخصيات عالمية مؤثرة في صنع الرأي العام العالمي باعتراف مراكز سبر الآراء وشيوخ طريقة لهم العديد من المريدين والأتباع في جميع أنحاء العالم بحيث تباع كتبهم وتسجل محاضراتهم ويعاد إذاعتها وتزار مواقعهم الالكترونية ومدوناتهم من قبل الآلاف من الشباب التائه والناس الحائرين والذين يجدون في ركام الأجوبة الماضوية إرضاء لاستفساراتهم وأسئلتهم والمستجدة.
كما أن بعض الأنظمة السياسية من خلال أدائها التسلطي الشمولي أو سياساتها الدينية الانغلاقية وبعض مؤسساتها التي تعتني بالشؤون الدينية مثل دار الإفتاء وبعض الجامعات الإسلامية شجعت بشكل أو بآخر على تزايد عددهم وتوجه الناس إلى هؤلاء والتلهف على سماع ما يقوله سواء عن كيفية السير في الدنيا أو حول المطلوب القيام به من أجل الفوز بالآخرة.
ان الفقه هو من العلوم التطبيقية الأصيلة التي أبدعها المسلمون عندما تعاملوا مع القرآن وقد ارتبط بالتشريع وله مبادئ وأصول يحددها علم نظري مجرد هو علم أصول الفقه والمعنى اللغوي للفقه هو العلم بالشّيء والفهم له والفطنة فيه أي عبارة عن كلّ معلوم تيقّنه العالم عن فكر. أما المعنى الاصطلاحي فهو العلم بالأحكام الشّرعيّة العمليّة المكتسب من أدلّتها التّفصيليّة الصحيحة وفق أصول فقهية سليمة. في يعني أصول الفقه العلم الذي يضع القواعد الأصولية لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها الصحيحة. ولذلك كانت الصّلة بين الفقه وأصول الفقه صلة العيني بالمجرد والعملي بالنظري أي أنّ موضوع علم أصول الفقه هو الأدلّة الإجماليّة من حيث وجوه دلالتها على الأحكام الشّرعيّة أما علم الفقه فيعنى بالأدلّة التّفصيليّة لاستنباط الأحكام العمليّة منها.
المشكلة ليس في انتصار دعاة التقليد على دعاة التجديد فهذه معركة أبدية والنتيجة معروفة مسبقة لأن حركة التاريخ دائما تتقدم إلى الأمام ودعاة التحديد هم الذين ينتصرون في نهاية المطاف رغم ما يلاقونه من إقصاء وإبعاد ونفور وما يعانونه من غربة وتجاهل وسخرية ودعاة التقليد سينسحبون من الأضواء ويتوارون عن الأنظار وينفض من حولهم المريدين رغم ما يلاقونه من تبجيل وتعظيم وتكريم وما يمتعون به من حظوة وسلطة ومنفعة في بدايات ظهورهم.
ان المشكلة هي في طبيعة الفتاوى الفقهية التي يصدرونها حسب الاتفاق وتماشيا مع رغباتهم، فهم يعتقدون أنها متفقة مع النصوص المقدسة ومحترمة للأحكام والأصول ولكن إذا تحرينا مدى علاقتها بالواقع التاريخي الذي نعيش فيه فإننا نكتشف البعد الكبير الذي يفصلها عن روح العصر والانعكاسات الخطيرة التي تسببها والتأثيرات السلبية التي تمارسها على السلم الأهلي وعلى السياق الاجتماعي والتوجيه المنمط للمجال السياسي والاقتصادي الذي تقوم به والأخطاء الفضيعة التي تتخبط فيها في حق الدين والجماعة المتدينة الصغرى والجماعة الإنسانية العظمى بلغة الفارابي وذلك لصدورها عن بنية فقهية تهيكلت في واقع قديم ومحاولتهم فرضها على واقع جديد دون محاولة لتحريك أو عصرنة بنية العقل الفقهي ودون البحث عن أجوبة جديدة للأسئلة الراهنة.
بعض الفتاوى اللاواقعية والمثيرة للجدل هذه الأيام تبعث على الاشمئزاز وتبين المستوى الفكري المتواضع والسلوك الأخلاقي المفقود الذي وصلت إليه حضارة اقرأ مثل التبرك ببول الرسول وإرضاع المرأة لزميلها أثناء العمل وإمكانية تزويج المرأة منذ السن التاسعة رغم كونها قاصرة التي صدرت عن فقيه مغربي اسمه المغراوي والذي رفعت ضده دعوى قضائية وحجب موقعه الالكتروني عن الناس، ثم قول أحد الفقهاء بأن ميكي ماوس هو من جنود الشيطان ولابد من هدر دمه وكذلك تحريم أكل بعض الحلويات في رمضان ومنع الناس من مشاهدة المسلسلات الأجنبية والأفلام المدبلجة مثل "نور" و" سنوات الضياع" واعتبار بعض الشخصيات التمثيلية مثل لميس ومهند سبب انحلال الأخلاق وفساد الشباب وما أجاز بعض الفقهاء إفطار الرياضيين في فترة الصيام من أجل تمكينهم من ممارسة أنشطتهم في أحسن الظروف وهو ما أدخل مجال الإفتاء إلى باب الارتجال وتلبية حاجيات اليومي المتغيرة والملحة مما جعل الفقه يتحول إلى فكر ذرائعي وممارسة ترقيعية لا غير .
غير أن أهم فتوى أسالت الكثير من الحبر هو الإفتاء بتكفير وقتل من يملك قناة فضائية تنشر السحر والتنجيم وتبث أغاني الكليبات كما فعل الفقيه السعودي اللحيدان الذي زاد في غلطه حين دعا إلى إنشاء مجمع علمي فقهي تكون له سلطة الحكم على الفتاوى ويحتكر الحق في إصدارها ويمنع الآخرين من ممارستها بشكل اعتباطي ويلزم الناس باحترامها وإتباعها.
رغم أن البعض من الفقهاء له رصيد في التحالف مع السلطان الغشوم من أجل تفادي الفتنة التي هي أشد من القتل والبعض الآخر وضع يده في يد الاحتلال وأفتى بالتعاون معه وحرم مقاومته والخروج عليه من أجل الدفاع عن العرض والشرف رغم علمه أن حب الأوطان من الإيمان.
الشيخ القرضاوي الذي اشتهر بحملته المتبصرة على قوى التطرف ومناهضته الجمود والتقليد وتحمسه للتيار السني الاخواني وتزعمه تيار الوسطية والاعتدال وبتبنيه للقضية الفلسطينية ومناصرته للعراق وهو ما جعله يتعرض للتهديد والمحاصرة من طرف بعض الدوائر المعادية وصل إلى حد منعه من السفر للتداوي هاهو الآخر يصدر فتاوي وتصريحات في غير محلها تؤجج النعرة الطائفية وتؤدي إلى الانقسام والتباغض بين السنة والشيعة وذلك عندما دعا إلى مقاومة المد الشيعي وعندما اعتبر إيران بلد مطامع وقد قال أقوال غير حسنة في شخصية حسن نصر الله دون أن يهتم بالوضعية الحرجة التي يمر بها العرب اليوم وحاجتهم الماسة لرموزهم ولمساعدة جيرانهم وشركائهم في الحضارة والدين وخاصة من الفرس والأتراك والهنود، على الرغم من أن الرجل من الذين يتزعمون اتحاد العلماء المسلمين العالمي وينخرط منذ مدة في إطار مشروع التقريب بين المذاهب ويساهم من موقعه في حوار الأديان وجدل الثقافات.
والحق أن القرضاوي قد أخطأ وكلامه عن خطر التشيع ليس مقبولا وربما كان كلاما في السياسة أكثر منه كلام في الدين لأن وجود بعض النوايا الإيرانية غير الحسنة وغير البريئة تجاه المنطقة العربية لا يبرر معاداة هذا الشريك الحضاري في المطلق والانخراط في لعبة عالمية الغاية منها هو التحريض عليه وشن حرب مدمرة ضده تعيده إلى غابر التاريخ كما هو الحال مع العراق والصومال وافغانستان.
هذه المواقف غير الدقيقة عرضت رجل الدين السني البارز في مستهل القرن الواحد والعشرين إلى الهجوم الذي شنه البعض عليه من العديد من رجال الدين المناصرين للمذهب الشيعي وتيار الممانعة، ومثل هذا الصنيع هو أيضا غير لائق وغير حضاري ويخدم أجندات غير عربية وغير حضارية ويؤدي إلى الفرقة والتشتت بينما الفقيه الحقيقي والداعية المخلص هو التوحيدي والوحدوي الذي يدمغ الباطل بالحق ويحافظ على العروة الوثقى للأمة لأن الخطر الحقيقي ليس التشيع ولا التسنن ولا العلمانية بل هي الطائفية والتمذهب والتسبب دون وعي في الفتنة والحرب الأهلية، ان الكارثي على الجميع هو اللاتسامح الديني والتعصب للفرقة والتصديق الأعمى للميراث ومحاولة فرض الٍرأي الشخصي على الآخرين بالقوة وهو المد السلفي المنتشر في جميع المذاهب وفي كل الملل والنحل وآن الأوان كي تتكاتف الجهود لمعالجته معالجة فكرية شاملة تعود به إلى أسبابه وتتقصى جذوره وتفهم منابته وليس الاكتفاء بالحل الأمني والمعالجة العنيفة الاستئصالية غير المجدية.
ان سبب مثل هذه الأخطاء وحالة الارتباك التي يبدو عليها بعض المتعاملين بالوراثة والتقليد مع الدين ولاواقعية فتاويهم هو انتشار الفقه التقليدي وانحباس حركة الاجتهاد وعدم أخذ المصلحة والواقع بعين الاعتبار وثبات بنية العقل الفقهي والاقتصار على ربط الفروع بالأصول والبحث على القياس بالمثيل والشبيه والنظير وإهمال المختلف والمتنوع والفريد والحادث والمباغت، وهذه الوضعية المزرية ناتجة عن حالة الجهل والغفلة والأمية والتصديق الساذج التي تبدو عليها المجتمعات العربية المسلمة ولذلك من الضروري التمييز بين دين التقليد ودين التجديد وبين الفقه النافع والفقه الضار وبين التعدد الايجابي المؤدي إلى إثراء الوحدة والتشعب السلبي الذي يحدث شروخا في جسد الأمة، كما ينبغي التمييز بين السنة الشريفة الحميدة والتسنن السلفي المغالي وبين التشيع الصفوي المرفوض والتشيع العلوي والزيدي المقبول وبين التثوير الهادئ والبطيء للدين والتثوير الهائج والمخرب له وبين احترام سلطة التقاليد المؤسسة للقيمة والحقيقة والخضوع التام لتسلط رموز قيم الماضي واستبدادها بالحاضر وتحولها إلى حواجز وعوائق أمام إمكانية استشراف المستقبل وتحول دون صنع الآتي .
المثير للجدل هو كيف يتحول علم عزيز وكثير الفائدة مثل أصول الفقه إلى لغو وسفسطة تدعو إلى التظنن وتدور في دائرة التخمين والاحتمال وتسبب الفتن ومصدر فرقة وتطاحن ووسيلة للتباغض والتلاسن لأن الفتوى الفقهية تظل حكما ونحن نعلم أن الحكم الصواب يصدر عن التفكير الأصيل والاستنتاج السليم.
ان الأجدى هو التبشير بالتنوير والعقلانية والإيمان بالقيم التقدمية وإجراء حوار بين مكونات الداخل واعتذار السنة عما اقترفوه بحق الشيعة من مظالم واعتذار الشيعة عما فعلوه الآن بحق السنة والكف عن نبش الماضي والحفر في الذاكرة المثخنة بالجراح والارتقاء بالأفهام إلى إسلام بلا مذاهب وبلا حدود ومتعال عن الفرق وعن الأحكام والأصول كما يرى طارق رمضان أو إلى إيمان ما بعد ديني وهذا المطلب لن نصل إليه إلا بتثوير القرآن وإعادة تأصيل علم أصول الفقه وإعادة كتابة السنة والحديث والتاريخ الإسلامي بأسره وفق منهاج العقل والطبيعة وبالاعتماد على مفهومي الزمانية والتاريخية حتى نجد إلى أرض الأنسنة سبيلا .
المحرج أن بعض الأنظمة السياسية وتسارع إلى الحلول الأمنية والبعض من دعاة التنوير يلجؤون إلى القضاء ضد هؤلاء الفقهاء والدعاة التقليديين ويمارسون ضدهم وضد مؤسسة الفقه وتجربة الإفتاء الإقصاء والتهميش والتكفير المضاد، فتزداد شعبيتهم وترتفع أسهمهم ويصبحون أبطال ورموز في عيون مريديهم وتنتشر فتاويهم رغم تواضعها وضعفها ويستقطبهم التيار الديني ويستخدمهم في مواجهته مع أنظمة الحكم وتصبح بضاعتهم مطمح كل باحث طالما أن كل ممنوع مرغوب فيه.
في واقع الأمر ان القيمة الكبيرة المعطاة لهؤلاء الفقهاء والهالة الإعلامية التي يحاط بها هؤلاء الدعاة الجدد هو أفق الانتظار لدى الناس الذين يصدقون فتاويهم ويعتقدون في مطابقتها لصريح النص وجوهر الدين ويستفسرونهم ويتبعون آرائهم ولو أمكن لأحدهم استعمال عقله بطريقة منهجية وخارج إطار سلطة الوصاية والتقليد لتبين له أن هذه الفتاوى مجرد اجتهادات بشرية وأن الإنسان يصيب ويخطئ وأن المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد ولنظر الناس إلى الفقهاء والدعاة نظرة دنيوية ولتعاملوا مع آرائهم على أنها مجرد اقتراحات وتوجيهات تدخل في أدب النصيحة والوعظ والإرشاد لا غير وليست وحيا يوحي أو علما لدنيا ناتج عن الهام رباني يتطلب التطبيق التام والتسليم المطلق بل مجهود إنساني قابل للتكذيب ويمكن أن يوضع موضع شك ويخضع لجدلية الهدم والبناء.
صحيح أن التوفيق بين الدين والحياة صعب لأن التغيرات كثيرة الاحراجات بارزة نتيجة تغير نمط حضور الإنسان في العالم وصحيح أن الفقه التقليدي بجميع مدارسه وتياراته يبدو عاجزا عن المصالحة مع الواقع والإجابة على تحديات الراهن ولكن مواصلة إصدار الفتاوى واعتماد الأصول القديمة على أنها البنية الثابتة للعقل الفقهي التي تصدر عنها كل الأحكام هو تمادي في الخطأ وإصرار عليه وغلق لباب الاجتهاد الذي لا ينبغي أن يقتصر على تسامحات طفيفة في الفروع وتيسيرات في الحياة العملية بالقيام بترخيص ورفع مؤقت لبعض الحدود بل ينبغي أن الاجتهاد النظر والعمل، الفرع والأصل، المحكم والمتشابه، والقطعي الدلالة والمضنون بمعناه حتى يعاد تأصيل علم أصول الفقه وحتى يتمكن هذا العلم الناشئ من تحويل الدين إلى منهج في الحياة وطريقة للتقدم والنهوض من الغفوة.
أن الإسلام حارب الاكليروس وهو دين خال من الكهنوت ولا توجد فيه طبقة تعتني بتنظيم الشعائر والعبادات بل ان الإيمان مرتبط بالحرية ولا توجد سلطة تكره الناس عليه وهو شأن فردي يهتم به كل امرئ بنفسه وحسب تفقهه الخاص في النص المقدس وله الحرية والمشروعية المطلقة في ذلك ولكن هناك في الإسلام العديد من العلوم التي تعتني بالكلام والاجتهاد والتأويل وتتدبر النصوص وعوض الإبقاء عليها في حالة جمود وتوظيفها من أجل غرض سلطوي معين لابد على العكس من ذلك استئناف النظر فيها والارتقاء بمناهجها ومفاهيمه وتطوير أساليبها وخاصة مؤسسة الفقه والإفتاء.
على هذا النحو ان وجد من يتدبر النص الديني ومن يولي عناية بظاهرة المقدس فانه من الضروري أن تصدر عنه تأويلات فقهية وفتاوى اجتهادية تنم عن تبصر ويقظة وحنكة وتصورات منفتحة وملمة بمختلف جوانب الحياة ومراعية لكل أبعاد التجربة الإنسانية ويلزم أن تكون الفتوى في خدمة المصلحة المشتركة وتعمل على دفع الضرر وجلب الصلاح حتى يكون الدين هو الوسيلة والإنسان هو الغاية.
ان إيقاف حمى الفتاوى الفقهية يمر لا محالة عبر ترشيد ثقافة الإفتاء والبحث عن إيجاد علم أصول فقه جديد لا يتمثل دوره في إصدار فتاوي عشوائية وفوضوية بل تقتصر مهمته على تقديم توصيات كلية وتوجيهات دقيقة ويعمل على رفض كل أشكال التكفير والتبديع والتفتين على غرار تراث التجديد الديني عند الأفغاني وعبده والكواكبي حيث وظفت الفتوى لمقاومة الاستعمار والاستبداد والاستغلال ونشر العدل والتأكيد على التسامح وتفضيل الرأفة بالضعيف والصداقة مع الغريب، كما ينبغي ألا نهمل محاولة جمال البنا الرائدة في مشروعه عن دعوة الإحياء الإسلامي وعن طريق امتلاك الناس للوعي التاريخي وتنسيب آرائهم واعتقاداتهم الدينية وإدخال عقلية الاختلاف والتعددية في رؤيتهم للعالم. علاوة على ذلك يجب الربط بين الفقه والواقع والرجوع إلى فلسفة كاملة في الفقه أو فقه فلسفي يرتقي إلى أن يكون فقه وجود وليس مجرد فقه لغة وهذا المقتضى يتطلب تخصصا أكاديميا ودراية دقيقة ويستلزم الارتقاء بالمؤسسة الفقهية ويستوجب تدخل السلطان السياسي قصد تحقيق التوازن داخل مجال السلطان الروحي ومن أجل أن يكون شوريا ديمقراطيا يبدأ بالعقل والإجماع والمصلحة والاستحسان والاستصحاب وشرع من قبلنا لكي يتفقه في الحديث والقرآن ويستنبط مجموعة من التوجهات والاستشرافات،فمن يوقف حالة الفوضى والارتجال والاعتباطية التي تشهدها ساحة الإفتاء في حضارة اقرأ؟ وأين هم المثقفين العضويين الذين يملؤون الساحة الثقافية والاجتماعية ولا يتركون الفرصة لمثل هؤلاء للبروز؟ متى يأتي اليوم الذي يتقنن فيه نشاط الفقيه أو يعوضه المشرع السياسي والفقيه القانوني؟ ألم يقل أبو حنيفة فقيه الرأي ونابذ التقليد ذات مرة عن الفقهاء الذين سبقوه:"هم رجال ونحن رجال" داعيا إلى إعمال العقل في السمع واستئناف التفقه في الدين والتجديد في الحكم؟
كاتب فلسفي
08-أيار-2021
05-تشرين الأول-2019 | |
10-آب-2019 | |
13-شباط-2010 | |
12-تشرين الأول-2009 | |
23-أيلول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |