ملف حول مجلة " جسد " / لا تحولوا جسد إلى جثة
خاص ألف
2008-10-01
حين قرأت عن إعلان "جسد " الذي تنوي الشاعرة جمانة حداد إطلاقه ، وبعد أن اطلعت على تفاصيل عملها ، كنت متحمسة جدا لمشروعها ، وربما كنت من أوائل المباركين لها ، بل والراغبين في الانضمام لهذا المشروع ، لما قد يحمله التابو الجسدي من تاريخ طويل من المعاناة في ثقافتنا العربية .
أن تكون صاحبة المشروع امرأة ، فهذه نقطة إضافية تحسب للمشروع وصاحبته . وأن يتم إطلاق المشروع في بيروت ، العاصمة الفعلية للثقافة العربية ، المدينة التي لا تعرف التابوات ، والتي كانت وستكون ملاذا للكثير من الكتاب المارقين والفارين من قوانين الرقابة وتابواتها .
كان ثمة أكثر من سبب لمباركة جسد ، والسبب الرئيس طبعا ، هو مضمونها الجديد والمتخصص في " ثقافة الجسد " الثقافة الأكثر أهمية في معركة التنوير التي نخوضها في أزمنة الجهل والظلام .
مع أن " الجسدية " ليست جديدة في الكتابة العربية ، لا القديمة ولا المعاصرة ، وسبق لمجلة ألف أن كسرت الكثير من حواجز الكتابة ، عبر نشر وتبني العديد من الكتابات الإيروتيكية ، وآخر أعدادها الذي لم يصدر وهو العدد الخامس والعشرون كان مخصصا للجسد .. ولكن توقف ألف الورقية ، وتحولها فيما بعد إلى ألف الالكترونية ، ليس كافيا لنقول أن تواجد الكتابة " الجسدية " بات أمرا رائجا في الكتابة العربية . طبعا الحديث عن الكتابة الجسدية الراقية ، وليست سيناريوهات البورنو .
جسد ـ جمانة حداد ، هي أول مشروع ورقي معاصر متخصص ، لا بل مشروع مباشر لا يوارب ولا يلمح ، ويكشف عن محتواه باسمه ، ويسمي الأشياء بأسمائها .
جرأة ، فنية ، تخصص ... اجتمعت في شخصية شاعرة متميزة في الساحة العربية ، أثبتت مهارتها وجديتها .
كنت متحمسة إذن ، ومندفعة للمساهمة في الكتابة لـجسد ، التي تحمل الكثير من طموحاتي في الكتابة ، الكتابة التي لا خوف فيها . حيث تعج الساحة بالأصوليين و" فقهاء الظلام " ، وصار من حقنا ، أن تكون لنا منابرنا ، منابر أكبر من الشبكة الانترنيتية ، بل منابر ترسخ وجودنا ، في ورق لا يخجل من مضمونه ، ومن شعاره " اللوغو " الدال عليه .
لن أطيل في تبرير مشروعية وأهمية هكذا عمل ، ولكني سأنتقل مباشرة للإحباط الذي وقعت فيه ، وأرجو أن لا يطول ، حين قرأت ما نشرته مجلة الغاوون ، من أن جمانة حداد ليست صاحبة المشروع الأساسي . حيث يتهم الشاعرة حداد بـ " التبجّح والادّعاء" .
برأيي ، يجب أن لا تتأثر جسد بصاحب الملكية ، وسواء أكانت الفكرة لـ إبراهيم توتنجي ورنا نجار ، وأن جمانة أطلقتها كما لو أنها مشروعها الخاص ، أو أن ثمة رأيا لجمانة ، لم تقله بعد ، يعيد ‘ليها أولويتها في إطلاق مبادرة جسد ، مهما كانت المرجعيات ، المهم أن مجلة " جسد " يجب أن ترى النور .
لا أشك أبدا في ماهر شرف الدين ، رئيس تحرير مجلة الغاوون ، بالاشتراك مع الشاعرة زينب عساف ، الذي يتمتع بمصداقيته ومكانته في الكتابة العربية ، فهو صاحب إصدارات عديدة ، ولا يمكن أن ينطق بكلام ليس له أصل .
بالتأكيد أنا لا أنوي أن أكون حكما بين الطرفين ، ولا أن أميل لطرف دون الآخر ، فقط أريد أن أطالب الجميع ، على الأخص ، جمانة حداد وماهر شرف الدين ، أن يفعلوا كل ما يستطيعون حتى تبقى جسد ، شوكة في عين الظلام ، وشمعة تنير دروب الأجيال القادمة ، حتى نؤكد لهم أنه ، لا يزال ثمة أمل .
وفيما يلي مورد في الغاوون على لسان ماهر شرف الدين وما كتبته جمانة حداد عن الموضوع ذاته
مها حسن ـ باريس
عدد "الغاوون" الثامن بفضيحتَيْن!
صدر العدد الثامن من صحيفة "الغاوون" الشعرية في بيروت، كاشفاً عن فضيحتين ثقافيتين، حملت الأولى عنوان "سيلفيستر ستالون يسطو على منزل رامبو في عدن"، وفي التفاصيل أن بيت الشاعر الفرنسي الشهير رامبو Rimbaud في عدن تحوّل إلى "فندق رِمبو" Rambo (الممثّل الأميركي سيلفيستر ستالون)! وأصل الحكاية أن مستثمراً جاهلاً اشترى المنزل (وحوّله إلى فندق) ظنّاً منه أن المقصود برامبو هو الممثّل الأميركي الشهير، لأنه على ما يبدو لم يسمع بالشاعر الفرنسي!
أما الفضيحة الثقافية الثانية فحملت عنوان "وجمانة حداد تسطو على "جسد" نجّار وتوتنجي في بيروت"، وفي تفاصيل الخبر قالت "الغاوون":
"قبل حوالى الثلاث سنوات، حين كان الزميل ماهر شرف الدين ما يزال يتعاون مع صفحة "أدب فكر فن" في جريدة "النهار"، قام بتسليم مسؤولة الصفحة جمانة حدّاد ثلاث مقالات يتناول كلّ منها مجلّةً ذات فكرة خاصة وجديدة: "برّا" (مجلّة للمثليين)، "واو" (مجلة للمعوّقين)، "جسد" (مجلة عن عالم الجسد وآدابه وفنونه أنجزها الزميلان إبراهيم توتنجي ورنا نجّار كمادّة تخرّج). وما حصل أن مقالتَيْ "برّا" و"واو" نُشرتا، أما المقال الخاص بمجلّة "جسد" فاختفى، هو ونسخة المجلة! وحين راجع زميلُنا السيّدةَ حدّاد قالت له حرفياً: "أرجوك، زِدْناها! مقالتك عن "برّا" كانت كتير قويّة"!
ويتابع الخبر: "إذاً، المقالة لم تُنشر ونسخة المجلّة اختفت (انظرْ غلافها)، وقبل شهر فوجئنا بنشر خبر يستحقّ جائزةً في التبجّح والادّعاء: "مجلة أولى من نوعها في العالم العربي اسمها "جسد" تصدر عن شركة "الجمانة"..."!! مع تعداد حَرْفيّ لأبواب المجلة المسروقة!!".
عن جهة الشعر
خبر في كيكا
جسد
"جسد" مجلة ثقافية فصلية جديدة، أولى من نوعها في العالم العربي، متخصصة في آداب الجسد وفنونه، تصدر قريباً في بيروت باللغة العربية وتوزَّع في العالم بريدياً على أساس الاشتراكات السنوية. مؤسِّسة المجلة ورئيسة تحريرها الشاعرة اللبنانية جمانة حداد.
تنطلق "جسد" من "أن هناك معبداً وحيداً حقيقياً على هذه الأرض، هو جسد الإنسان"، على ما كتب يوماً الشاعر الألماني نوفاليس، لتقول طقوسَ هذا المعبد وفلسفته وصلواته، أرضه وكواليسه وأسراره، جنونه وفجوره وهلوساته، حقائقه وأقنعته وأكاذيبه، صوره وظلاله وتجلياته، الجميلة منها والبشعة، الملموسة والمجرّدة، الحسيّة والروحانية على السواء، في تصميمٍ مثقّفٍ ورصينٍ وعارف وعنيد على كسر أغلال التابو - مثلما يشاء أن يعلن اللوغو الخاص بالمجلة - توقاًً إلى أعلى سماءٍ للحرية تستحقها يد كاتب وفنان في هذه الحياة.
"جسد" ملوّنة وذات طباعة فاخرة، بقياس 22 x 28 سم، وسيضمّ كل عدد مجموعة كبيرة من الريبورتاجات والأبحاث والنصوص والترجمات والرسوم والمقالات المتنوّعة بأقلام كتّاب وريش فنانين لبنانيين وعرب وأجانب حول محور الجسد وتشعّباته اللامتناهية، من الايروتيكيا الى التصوّف مروراً بالبرودة، إلى جانب باقة من الأبواب الثابتة بدءاً من أخبار معارض وكتب وأفلام من العالم، وصولاً الى الاختبارات النفسية والأبراج الجنسية ووصفات الطعام المثيرة للشهوة. وسيحمل كل عدد توقيع فنان وبصماته بين الصفحات.
من كتّاب العدد الأول نذكر (بالترتيب الأبجدي) محمد أبي سمرا، ناني بالستريني، حسن بلاسم، الطاهر بنجلون، عباس بيضون، اسكندر حبش، إيمان حميدان يونس، انريكي دي خيسوس، فيصل دراج، عقل العويط، فيديل سبيتي، هاجر صالح، فدوى القاسم، يوسف ليمود، عيسى مخلوف، عبده وازن، وفاروق يوسف. وفي حين يروي الرسام اللبناني أمين الباشا "مرّته الأولى"، تتحدث الكاتبة والناقدة الفنية الفرنسية كاترين مييه عن كواليس كتابها/ الفضيحة، "حياة كاترين م. الجنسية"، في حوار مطوّل وشيّق أجرته معها جمانة حداد في باريس. وتزّين غلاف الباكورة أعمال الفنانة الشابة نينار إسبر.
أما عناوين العدد الذي يصدر هذا الخريف، فنورد منها: "العري باباً الى الزهد والتنسّك"، "أنا مثليّ إذاً أنا غير موجود"، "صناعة البورنو وكواليس الرعشة الميكانيكية"، "نهدايَ وأنا"، "طقوس تشويه الذات بين السكيزوفرينيا واللذة"، "مؤخرة الزوجة"، "كيف يمارسون الحبّ في ماليزيا؟"، "نظرتُ الى جسدي وخجلت"، "سرطان المظاهر في جسد بيروت"، "إيحاءات الجثة"، "الجنس بعد سنّ الخمسين... أحلى!"، "الانتصاب معادلةً رياضية" و"كيف تغازل امرأةٌ امرأةً اخرى؟"...
يذكر أخيراً أن مجلة "جسد" تصدر عن شركة "الجُمانة" للنشر والترجمة والاستشارات الأدبية. وهي ورقية في الدرجة الأولى، لكن مقتطفات من كل عدد ستكون متوافرة على موقعها الالكتروني، وعنوانه www.jasadmag.com
. وتقوم محطة الـBBC حالياً بإعداد فيلم وثائقي حول ولادة المجلة ومراحل تكوينها وإطلاقها في العالم العربي.
لمن يرغب في الاستفسار أو الاشتراك أو الإعلان في "جسد"، يمكن الكتابة الى رئيسة التحرير على الايميل الآتي: [email protected]
جسد / جمانة حداد
عن كيكا
"والكلمة صار جسداً"
إنجيل يوحنا
هذا ليس مانيفستو. فأنا لستُ من محبّذي المانيفستات والعرائض والبيانات، ولا من المؤمنين بمفعولها.
ولا هو مرافعة مسبقة درءاً لتهمة مقبلة، على طريقة "أتغدّاك قبل أن تتعشاني". فالتهمة، أو التهم، أعرف، آتية لا محالة. ولن تنفع في صدّها على الأرجح أيّ مرافعة، عاجلة أكانت أم آجلة.
ولا هو استجداء دعم، أو انتباه، أو تعاطف، أو تكاتف.
ولا هو شكوى، أو استنكار، أو نقّ، أو صريف اسنان.
ولا هو تمرّد، أو استفزاز، أو نداء، أو محاولة افتعال ضجة.
إنما، في واقع الحال، أكتبُ ما أكتب اليوم عجباًً. وحيرةً أكتب، ورغبةً في الفهم. فما أن نُشر خبر تأسيس مجلة "جسد" الثقافية الفصلية في بعض الصحف والمواقع العربية لبضعة أيام خلت، حتى شرعتْ تردني، الى جانب الأصداء الرائعة والمتحمّسة والمؤيدة (هي، في المناسبة، أكثر وأغزر مما كنتُ لأجرؤ أن آمل فيه)، العجائب والغرائب من ردود الفعل والتعليقات، عبر الايميل خصوصاً، ولكن ايضاً من طريق بعض "فاعلي الخير"، هواة نقل كلام السوء بحجّة المحبة والمساعدة و"التنبيه".
هذا، طبعاً، أمرٌ منتظر، ستقولون، ولا مفرّ منه إزاء نبأ صدور مجلة ورقية تُعنى بـ"آداب الجسد وفنونه". وهي، كي "تزيد الطين بلّةً"، مجلة باللغة العربية. وهي، فوق هذا كلّه، مجلة ترأس تحريرها امرأة. أي أنها "كوكتيل مولوتوف" برسم الانفجار. "فماذا كنتِ تتوقّعين؟"، ستسألون.
لم أكن أتوقّع أعجوبة، في طبيعة الحال. ولا كنتُ أتوهّم أن "الوسط"، كلّ الوسط، سيتلقف فكرة هذه المجلة بالأحضان، وسيفرح ويبارك ويشجّع ويشيد. لكني، في المقابل، لم أعرف بلداً في حياتي، ولا ثقافةً تستحق هذه التسمية، تُهاجِم منتَجاً ثقافياً قبل تحققه الملموس، وتحاسبه بناء على تصوّره المجرّد فحسب، أي على فكرته، مثلما تكاد تفعل باستمرار بلادُنا وثقافتنا، وحريّ بي أن أقول: ثقافاتنا. ثقافاتنا المتنوعة المختلفة المتناقضة التي، إذ تتخاصم وتتبارى في ما بينها، لا تتبارز غالباً، للأسف، سوى لإعلاء شأن الرداءة والخساسة والحِطّة.
*
عذراً، فأنا قد نسيتُ. نسيتُ – وأقول ذلك بدون تعميم - أن الجميع في جمهورياتنا وممالكنا وإماراتنا العربية السعيدة، الجميع تقريباً، الجميع تقريباً ما شاء الله، أثيريون وغير ترابيين، قديسون وأنبياء. كائنات هيولية تولد وتكبر بلا أجساد، بلا أعضاء جنسية، ولا حاجات، ولا غرائز، ولا فانتاسمات، ولا رذائل، ولا "خطايا"، ولا عادات سرية أو علنية...الخ.
ونسيتُ، يا لهول ما نسيت، أن الجميع في جمهورياتنا وممالكنا وإماراتنا العربية السعيدة، الجميع تقريباً، الجميع تقريباً ما شاء الله، "غيور" على شيء ما. عدِّدوا معي:
هناك حزب الذين يدّعون المحافظة، "الغيورين"- في الظاهر نعم، ولكن بشراسة ما بعدها شراسة- على مفاهيم العفة والحشمة والطهارة، وعلى حماية بكارات العين والأنف والأذن والحنجرة واللغة والخيال والحلم، والى ما هنالك من لزوم ما لا يلزم: حمايتها من اي "اختراق" اباحي قد يمزّق غشاءاتها الرهيفة الحسّاسة، التي تصون، وحدها هي التي تصون، شرف تقاليدنا من الوحل والبهدلة والجرصة.
هناك أيضاً حزب المحافظين بحقّ، "الغيورين" على أخلاقيات هذا القرن وأدبياته، لكنهم في معظمهم يمسكون بهذه الأخلاقيات من أذنابها، كمن يضحك على نفسه ويكنس غباراً تحت سجادة لكي يشعر بالأمان، ثم يروح يصدّق وهم تلك النظافة الكاذبة الى حد ان الوهم يصير هو الحقيقة.
وهناك حزب الغربان، "الغيورين" على حاجتهم شبه الدائمة الى نعي المبادرات الطامحة الى تغيير مياه المستنقع قبل ولادتها، إثباتاً لفلسفتهم الرخوة التي تنعق، بلا انقطاع، اللازمة إياها: "لا جدوى، فلِمَ عذاب القلب"؟
وهناك حزب الثرثارين، "الغيورين" على حسن دوران محرّكات ألسنتهم الديزل، التي كانت لتصدأ وتتفكك لولا الشائعات والدسائس والفتن والهلوسات والافتراءات والأكاذيب الرخيصة.
وهناك حزب المفخِّخين، "الغيورين" على اندفاعهم الحيوي والفطري الى وضع العصيّ بين الدواليب لكي يتعثّر كل ما يقوم ويمشي بلا جميل عجائبهم عليه.
وهناك، أخيراً وليس آخراًً، حزب الخبثاء، "الغيورين" أيما غيرة على توقهم العارم الى بثّ السموم، تحت مزاعم "الحرص" على السلامة الشخصية والسمعة الحسنة، وما يقع تحت أيديهم من ذرائع أخرى قابلة للتصديق من هذا القبيل.
*
حسناً حسناً. إسمحوا لي، من باب التوضيح ليس إلا، أن أعلن عالياً وقوياً:
ليست "جسد" مجلة بورنوغرافية أيها السادة. وهي لا تتنصّل، بسبب الطهرية والتزمت، من وصمة البورنوغرافيا. فنحن نعيش في لبنان ما يكفي من البورنوغرافيا السياسية والاجتماعية والاعلامية والفنية والثقافية والعقلية والفكرية والأخلاقية، كي لا نخشى الأقل ضرراً بين أنواع من البورنوغرافيا: أي النوع الحرفي والمباشر.
وليست "جسد" مجلة نضالية ذات قضية (إن في سبيل النسوية، كما يتوهّم البعض، أو ضدّ النسوية).
وليست "جسد" مجلة وعظ وإرشاد وتربية جنسية (اطرقوا باب "غوغل" تجدوا).
وليست "جسد" مجلة منوعات فنية تستهدف حصراً الجمهور "النسائي" (معاذ الله!).
وليست "جسد" نزوة ظريفة. ولا مزحة خفيفة. ولا لعبة طريفة.
"جسد" هي في اختصار (وسوف تخبر عن نفسها بنفسها بالتفصيل، عندما يصدر عددها الأول في الخريف المقبل) مشروع ثقافي وفكري وأدبي وفني جدّي، تطلّب الكثير من التفكير والتمحيص قبل أن يتبلور ويتكوّن. وهو مشروع ينتمي الى الجسد، جسد الحياة، جسد العقل وجسد القلب وجسد اللغة. بل ينتمي الى جسد الجسد. وهذا المشروع ليس له من هدف سوى ذاته. أي أن يسأل عن وعي الجسد، وعن لاوعيه، متأملاً، باحثاً، منقّباً، مختبراً، مسلساً، متمرداً، مستيقظاً، نائماً، حالماً، رائياً، مهلوساً، كاتباً، ناحتاً، راسماً، راقصاً، وخالقاً جسداً للجسد، وهذا كلّه ضمن مغامرة الحرية التي لا يزال الجسد في أوّلها، ودائماً في أوّلها، كما لغاته وتجلياته، لا تزال في أوّلها. وتظلّ.
"جسد" هذه، تريد أجساداً كهذه الأجساد، ولغات كهذه اللغات، وتجليات كهذه التجليات، لتحيا وتنمو وتتوالد وتتواصل، من أجل أن تكون جديدة الجسد باستمرار، وجديدةً من حيث لغاته وتجلياته. كما لو أنها تكتشف هذا الجسد للتوّ، ماضيه وحاضره ومستقبله. وكما لو أن هذا الجسد لم يكن ولم يولد من قبل. أي أنها تتوق الى أن تكون بيتاً رحباً لأقلام واختبارات أدبية وفنية وفكرية، طليعية، وخلاّقة، لتشارك في مختبر هذه المغامرة الثقافية وتحدياتها، ولتصنع من الجسد المتخلص من محظوراته، ومن لغاته واختباراته وتجلياته، باباً مفتوحاً على الحرية.
*
سؤال:
"لماذا لم تجعلي "جسد" مجلة الكترونية، لتجتنبي بذلك أي رقابة محتملة عليها؟"
جواب:
"لأن الورق من أرقى الاجساد التي يؤتى لنا أن نلامسها، ومن أشهاها.
ولأن "الدخول من الباب الضيّق"– مثلما قال أحد العظماء منذ نحو الفي عام– أجمل من رحابة الطريق الانترنتية؛ أليس كذلك؟!
*
هكذا نحن يا سادة:
نصفّق لصور روبرت مابلثورب ومان راي وسبنسر تونيك القائمة على عري الجسد، لكننا في المقابل نسمّي عرضها وعرض شبيهاتها من الأعمال الفوتوغرافية الفنية، لفنانين عرب وغربيين على السواء، في مجلة ثقافية عربية: بورنوغرافيا.
نهلّل لعظمة هنري ميللر وأناييس نين وفلاديمير نابوكوف، على سبيل المثال لا الحصر، ولأمثالهم من الكتّاب الذين كسروا ويكسرون التابوهات بامتياز، فنثني عليهم حتى يكاد لا يخلو حوار مع كاتب/ة عربي/ة من ذكر احدهم ومديحه والتلويح به كتأثير أدبي حاسم؛ لكننا في المقابل نسمّي نشر قصائد أو قصص أو نصوص أو ترجمات تنتمي الى الكتابات الأدبية الايروتيكية في مجلة ثقافية عربية: بورنوغرافيا.
نحتفي بعبقرية بيكاسو وبالتوس وكوربيه، واسلافهم وأحفادهم، من اصحاب الشهوات التشكيلية الفاقعة، احتفاء ما بعده احتفاء، لكننا في المقابل نسمّي دراسة لوحات مماثلة، لرسامين عرب وغربيين على السواء، في مجلة ثقافية عربية: بورنوغرافيا.
نصرخ "برافو" للياباني ناجيزا أوشيما ("مملكة الحواس") وللايطالي برناردو برتولوتشي ("التانغو الأخير في باريس") وللبولوني – الأميركي - الفرنسي رومان بولانسكي ("بيتر مون")، ولسواهم من السينمائيين الأجانب الذين انتهكوا وينتهكون الممنوعات بجرأة وفنية عاليتين، لكننا في المقابل نسمّي الحديث عن هذه الأفلام وسواها في مجلة ثقافية عربية: بورنوغرافيا.
هكذا دواليك: الحديث عن الختان هو بورنوغرافيا. والحديث عن المثلية؟: بورنوغرافيا. وعن طقوس تشويه الذات؟: بورنوغرافيا. وعن تأثير العقد النفسية على الجنسانية؟: بورنوغرافيا. وعن العلاقة بين العين والجسد الاجتماعي؟: بورنوغرافيا. وعن الفيتيشيسم والكانيباليسم؟: بورنوغرافيا. وعن خداع الوجوه للمرايا؟: بورنوغرافيا. وعن سؤال الهوية الجنسية؟: بورنوغرافيا. وعن الرؤية النقدية للجنس في الروايات المعاصرة؟: بورنوغرافيا. وعن الرغبة من منظور الانتلجنسيا النسائية؟: بورنوغرافيا. وعن جسد الرجل بين التغييب والتغيّب؟: بورنوغرافيا. وعن لحظات النشوة لدى المتصوّفين؟: بورنوغرافيا.
لا تُتعِبوا عقولكم ونفوسكم. "ما في نوى": بورنوغرافيا. بورنوغرافيا. بورنوغرافيا.
*
هكذا هي غالبيتنا: "نريد الشيء ونبصق عليه"، على ما يقول مثلنا اللبناني الشهير. ننهى عن المنكر بيد، ونمارس الدعارة الفكرية (وهي الأدهى) الجنسية) باليد الثانية. أمّةٌ عربية سكيزوفرينية واحدة، متحدة، في غالبيتها الكاسحة، حول دساتير الجهل والفصام والتخلّف والخبث والتكاذب وفنون الاختباء وراء الإصبع الوسطى.
*
فيا أصدقائي والأعداء، دعوا أنفسكم من مواويل التحذير والتهويل والنصح والهداية. ومن مساعي التخويف والتأديب والتفزيع والإخجال. قد سبق السيف العزل، ولا حياة للتراجع الذي تنادون عليه ها هنا.
يا خصومي والحلفاء، "جسد" هي لكم. "جسد" هي جسدكم، سواء أشئتم ذلك أم أبيتم.
عانِقوها، أو ارجموها: هي ستكون مستعدة (جيداً جداً) للإحتمالين.
... وبيتها لن يكون من زجاج.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |