مصادر التشريع الإسلامي في زمن محمد ج 1 ـ مؤلف مجهول
2007-07-04
بحث في الموروث التشريعي للجزيرة العربية قبل الإسلام وعلاقته بتشكيل الثقافة التشريعية العربية
الشريعة الإسلامية,,,!
موضوع هام كثيراً ما أغرى الجميع بالكتابة عنه? فكان لكثير منهم حجر عثرة? إما لتحيزهم الكامل لكل الكتب الصفراء? أو لرفضهم لها,
وقد اخترت بإرادتي أن أكتب في هذا الموضوع الهام? وأن أدع القلم ينزف فوق الأوراق صارخاً
في الجميع: انتبهوا,,!
ففي هذا الوقت ترتفع فوق مصرنا الحبيبة سحابة سوداء مملوءة حقداً وبغضاً لكل ما هو جميل? الحرث والنسل,, وكل هذا يحدث باسم الإسلام - والإسلام براء منه - وكل هذا يحدث ممن يدّعون أنهم ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية, فطوال تاريخنا لم يحدث ما نراه الآن من قتل وسرقة ونهب وترويع للآمنين وإهلاك
وقد حاول كثير من الباحثين المخلصين تقديم دراسات جادة حول هذا الموضوع? ولكنهم لم ينجوا من القتل كما حدث للدكتور فرج فودة? أو التكفير كالشيخ علي عبد الرزاق والمستشار سعيد العشماوي? والدكتور سيد القمني, وإني أقدم هذا البحث حتى تعلم الأجيال القادمة? أن هذا العصر كان فيه رجال لا يخشون التفكير ولا التكفير, وقد وجدت إنني إذا أردت دراسة الشريعة الإسلامية دراسة وافية عليّ أن أعود قروناً عديدة قبل بعث خاتم النبيين - لأقف على الموروث التشريعي في الجزيرة العربية حتى لحظة ظهور الإسلام, ولا يخفى على القارئ ما في هذا البحث من مشقة ومجهود? وذلك إما لندرة المصادر والمراجع حول هذه الفترة أو للطعن في صحتها من قبل علماء الإسلام تارة والمستشرقين أخرى, وقد اخترت في هذه الدراسة إعادة بحث ما أرجع إليه من مصادر? وذكر المطاعن عليها, وسبب قبولي أو رفضي لأحد هذه المصادر دون غيره - إذا وُجدت ضرورة لذلك - وإني لأرجو من القارئ أن يختلف معي بمنهجية? ورحابة صدر? لأن غياب المنهجية ورحابة الصدر في الحوار هي أزمة جميع المثقفين,
وأخيراً,, هذا بحث تاريخي وليس دراسة دينية بالرغم من تعرّضه لموضوع ديني وهو الشريعة - فإني لا أدّعي العِلم بالدين? ولكني أرجو أن أكون قادراً على إعادة قراءة التاريخ,
الفصل الأول
تمهيد
الجزيرة العربية:
هي تلك البقعة الجغرافية التي تُحد بالخليج الفارسي شرقاً? والبحر الأحمر غرباً? والمحيط الهندي جنوباً? وبادية العراق والشام شمالاً, وهي تلك المنطقة التي نشأ فيها الإسلام دين التوحيد المطلق? وترعرع فيها? وانطلق منها ليحكم أكثر من نصف المسكونة, وأيضاً هي المنطقة التي تميزت بكثرة الباحثين عن الله من أهلها بدءاً من كعب بن لؤي جد النبي البعيد? مروراً بزيد بن عمرو بن نفيل? وسويد بن الصامت? حتى أمية بن أبي الصلت,
وقد حبى الله الجزيرة بموقع منيع? فلم يكن من السهولة بمكان أن يهاجر إليها أحد إلا عن طريق بادية العراق والشام - مهد الأديان - مما جعل هذه الجزيرة ملجأ لكل دعاة الأديان? أو للفارين من الاضطهاد? أو الهراطقة, والجزيرة العربية هي ميدان لكل الباحثين الجاد منهم والهازل? فكم من كتب ومجلدات كتبت عنها? منها ما هو غث وما هو سمين وهي أيضاً ميداننا,, ودعوتنا للقارئ أن يشد رحاله إلى تلك الرحلة الشيقة للجزيرة العربية وأديانها قبل الإسلام,
استهلال
لا يخلو موضوع البحث في تاريخ الديانات في الجزيرة العربية قبل الإسلام من المتعة والإرهاق? أما المتعة فهي في محاولة سبر أغوار التاريخ والخروج بالحقيقة من وسط هذا الكم الهائل من الأقوال والأساطير? وأما الإرهاق فهو لصعوبة المصادر والمراجع حول هذا الموضوع, فمعظم المصادر إما فُقد أوأُعدم عمداً? فليس بخفي على أحد أن الغزوات التي تعرضت لها المنطقة العربية قد أفقدتها أعظم مكتبتين في التاريخ البشري? هما مكتبتا الإسكندرية وبغداد, ولعل القارئ يشعر بكم الإرهاق حين يحاول التيقن بنفسه من صدق خبر ورد في أحد كتب التاريخ العربي? فليس عندنا مثلاً أي شيء من الشعر الوثني الذي كُتب قبل الإسلام? ومن غير المعقول ألا يكتب قوم غارقون في عبادة الأصنام أي شيء عن أصنامهم? شعراً كان أم نثراً - اللهم إلا الشعر الذي تُسب فيه هذه الأصنام - كأشعار زيد بن عمرو بن نفيل - وجُل ما استطعت أن أفعله هو اعتمادي على كتابات من يؤمنون بعقيدة ما أو الاعتماد على أكثر المراجع حيادية, فمثلاً اعتمدت على الكتابات المنقولة عن اليهود والمسيحيية عند الحديث عنهم - ولم أناقش صحة هذا المعتقد أو خطئه حيث أن هذا لا يدخل في مجال هذا البحث - أما في حالة الوثنيين وغيرهم فقد اعتمدت على المراجع التاريخية وليست النقدية - دون التعرض بنقد لهذه المعتقدات - ودعوت القارئ أن يحاول أن يكون محايداً عند قراءة هذا البحث? حيث أنه - مرة أخرى - بحث تاريخي وليس بحثاً دينياً,
1 - الوثنية:
كان للعرب آراء عدة في وثنيتهم فبعضهم كان يقول: ليس لنا أهلية لعبادة الله بلا واسطة لعظمته? فلذلك نعبدها - أي الأصنام - لتقربنا منه ? وقال آخرون: هي قبلة لنا مثل الكعبة وفرقة اعتقدت أن لكل صنم شيطاناً موكلاً بأمر الله? فمن عبد الله حق عبادته قضى له الشيطان حاجته (بلوغ الأرب للبغدادي - 2:197-198),
وكان أول صنم وضع حول الكعبة - كما يذكر اليعقوبي في تاريخه - هو هُبل? وكان على صورة إنسان من عقيق أحمر مكسور الذراع? وقد قام العرب بعد ذلك بصناعة ذراع له من الذهب الخالص, ويقول ابن هشام: إن عمرو بن لُحَى خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره? فلما قدِم مآب من أرض البلقاء? وبها يومئذ العماليق - وهم أولاد عملاق, ويُقال: عمليق? بن لاوذ? بن سام? بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام? فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون? قالوا له: هذه أصنام نعبدها? فنستمطرها فتمطرنا? ونستنصرها فتنصرنا, فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنماً فأسير به إلى أرض العرب? فيعبدونه? فأعطوه صنماً يُقال له: هُبل? فقدم به مكة? فنصبه? وأمر الناس بعبادته وتعظيمه (ابن هشام ج 1 ص 75),
أما إساف ونائلة فكانا من أشهر أصنام العرب? وقد زعموا أنهما رجل وامرأة من جرهم? زنيا في الكعبة? فمُسخا حجرين? ووضعا على الصفا والمروة, فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما زلنا نسمع أن إسافاً ونائلة كانا رجلاً وامرأة من جرهم? أحدثا في الكعبة? فمسخهما الله تعالى حجرين (ابن هشام ج 1 ص 80),
ومن أصنامهم أيضاً اللات: وهي صخرة بيضاء مربعة? بنت ثقيف عليها بيتاً يحجّون له? وكانت سِدانته لآل العاص ابن أبي يسار? وكان جميع العرب تعظمه وتقدم له الهدايا والذبائح? وكانت تحت الصخرة حفرة يُقال لها غبغب تحفظ فيها الهدايا والنذور والأموال التي كانت تقدم للصنم, فلما هدم المغيرة الصنم أخذ تلك الأموال وسلمها إلى أبي سفيان امتثالاً لأمر الرسول (المفصل في تاريخ العرب - جواد علي - ج 6 ص 228),
أما العزى: فكانت نخلات في الطريق بين مكة والعراق? وكانوا قد بنوا عليها بيتاً يطوفون حوله ويسمعون الصوت (هواتف الجان) وقد عبد العرب العزى وتسمّوا باسمها مثل عبد العزى بن عبد المطلب , وقد أقسم العرب بالعزى? ولها يقول درهم بن زيد الأوسي:
إني ورب العزى السعيدة -- والله الذي دون بيته سرف
وقد كانت قريش وبني كنانة أكثر العرب تعظيماً للعزى? وكان سدنتها وحجابها من بني شيبان من سليم? حلفاء بني هاشم (المفصل - جواد علي - ج 6 ص 242),
وقد عبد العرب أيضاً مناة وتسموا بها? ولكن الأخباريون اختلفوا في هيئة مناة وشكلها? فمنهم من قال: إن مناة صخرة? سُميت بذلك لأن دماء النساك كانت تمنى عندها (أي تراق), ومنهم من يقول: إنها صنم كان منصوباً على ساحل البحر , وقد جعله بعض الرواة في الكعبة مع بقية الأصنام (المفصل - جواد علي - ج 6 ص 247),
وقد كان كل العرب يعظمونها ولكن أكثرهم تعظيماً لها الأوس والخزرج? وقد كانوا يذبحون لها? ويطوفون حولها,
وقد قال بعض الباحثين والمؤرخين: أن اللات والعزى ومناة تدل على معبود واحد هو الزهرة (النصرانية وآدابها - لويس شيخو - ص 10), ومع تقديري لشيخو ومن ذهبوا مذهبه إلا أني لا أتفق معهم? فهذه الأسماء الثلاثة وردت في القرآن على نحو يخالف ما ذهبوا إليه ففي سورة النجم 53:19 و20 يقول القرآن: أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُّزَى , وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى وليس من المعقول ولا المستساغ أن يكون المعنى (أفرأيتم الزهرة والزهرة والزهرة الثالثة الأخرى), إذن هذه الأصنام ثلاثة معبودات وليست معبدواً واحداً? فالعرب قبل الإسلام لم يكن لهم معبود واحد? ولم تكن وثنيتهم توحيدية, وقد ذكر ابن هشام في السيرة أن أصنام العرب بلغت 360 صنماً? وكانوا لا يفعلون شيئاً قبل سؤال أصنامهم? وكانوا يستسقون ويتشفعون ويقسمون بها, وكان من أصنام العرب حسب ما يذكر ابن هشام يغوت: عبده طئ وجرش من مذحج? ويعوق: عبده همدان? وود عبده كلب بن وبرة من قضاعة? وسواع: عبده هُذيل? ونسر: عبده ذو الكلاع بحمير? وسعد: عبده بنو ملكان? وذو الخلصة: عبده دوس وخثعم وبجيلة (ابن هشام ج 1 ص 81),
يغوث: وكان -على رواية ابن الكلبي - في جملة الأصنام التي فرقها عمرو بن لُحى على من استجاب لدعوته من القبائل? وقد دفعه إلى أنعم بن عمرو المرادي? فوضعه بأكمة مذحج باليمن? فعبدته مذحج ومن والاها? وكذا أهل جرش, وقد بقي في أنعم إلى أن قاتلتهم عليه بنو غطيف من مراد? فهربوا به إلى نجران? فأقروه عند بني النار من ضباب, وفي رأي جواد علي أن اسم هذا الصنم له علاقة بفكرة المتعبدين له عنه? أي أنهم كانوا يرون أن يغيثهم ويساعدهم,
يعوق: وهو أيضاً من جملة الأصنام التي فرقها بن لُحى? فكان أن سلمه إلى مالك بن مرثد من همدان, ويذكر ابن الكلبي: أن خيوان اتخذت يعوق? وكان بقرية لهم يُقال لها خيوان من صنعاء على ليلتين بمكة? ولم أسمع لها ولا لغيرها شعراً فيه ويستنتج جواد علي من ملاحظة ابن الكلبي من أنه لم يسمع شعراً في يعوق? أن يعوقاً لم يكن من الأصنام المهمة عند العرب - وقت ظهور الإسلام - وأن عبادته كانت قد تضائلت? وانحصرت في قبائل معينة, وهناك بيت ينسب لمالك بن نبط الهمداني الملقب بذي المعشار? وهو من بني خارف أو من يام بن أصي? هذا نصه:
يريش الله في الدنيا ويبري
ولا يبري يعوق ولا يريش
(المفصل - جواد علي - 6:262? 263)
ود: وكان من نصيب عوف بن عذرة من قضاعة - أعطاه إياه عمرو بن لُحى - فوضعه في وادي القرى? وسمى ابنه عبد ود? فكان أول من تسمى بهذا الاسم? وفي رواية لمحمد بن حبيب: أن ود كان لبني وبرة? وكان سدنته من بني الفرافصة من كلب , وود - حسب ما يصفه ابن الكلبي - تمثال لرجل كأعظم ما يكون من الرجال? قد ذبر عليه حلتان? متزر بحلة? مرتد أخرى? عليه سيف قد تقلده? وقد تنكب قوساً? وبين يديه حربة فيها لواء? ووفضة فيها نبل (الأصنام - ابن الكلبي - 35? 56),
سواع: أما سواع? فكان موضعه برهاط من أرض ينبع, وقيل أنه صنم على صورة امرأة? وهو صنم هذيل? وورد في رواية أخرى: أنه كان بنعمان, وقد عبدته كنانة? وهذيل? ومزينة وعمرو بن قيس بن عيلان, وكان سدنته بنو صاهلة من هذيل , وفي رواية ثالثة: أنه كان لكنانة (المفصل 6:258),
ويذكر ابن منظور في اللسان تحت كلمة :ثعلب أن غاوي بن عبد العزى كان عند سواع? إذ أقبل ثعلبان يشتدان حتى تسنماه? فبالا عليه فقال غاوي:
أربٌّ يبول الثعلبان برأسه
لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب
ثم قال: يا معشر سليم! والله هذا الصنم لا يضر ولا ينفع? ولا يعطي ولا يمنع! فكسره ولحق بالنبي في عام الفتح (اللسان - ثعلب - وقيل: إن الحادثة وقعت لعباس بن مرداس وقيل: لأبي ذر الغفاري),
بالإضافة لما سبق كان للعرب عدة أصنام أخرى اختلفت مكانتها من قبيلة لأخرى مثل:
رضى: ويكتب رضاء أحياناً: وهو صنم بني ربيعة بن كعب? وهو أيضاً من الأصنام المعروفة لقوم ثمود? وقد ورد اسمه في نصوص ثمودية عديدة? وكانت عبادته منتشرة بين العرب الشماليين, وورد في نصوص تدمر وبين أسماء بني إرم? كما ورد في كتابات الصفويين (المفصل 6:269),
ذو الخلصة: وهو صنم خثعم وبجيلة ودوس وأزد السراة? ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن? وقد كان له بيت يُطاف حوله? وكانوا يلبسونه القلائد? ويهدون له الشعير والحنطة? ويصبون عليه اللبن? ويذبحون له? ويعلقون عليه بيض النعام,
سعد: وكان لمالك وملكان ابني كنانة? بساحل جدة وكان عبارة عن صخرة طويلة يذبحون عندها? وقد روي أن رجلاً أقبل في إبل له ليقفها عليه? متبركاً به, فلما أدناها منه نفرت الإبل? وذهبت في كل وجه وتفرقت فأسف الرجل وتناول حجراً فرماه به وقال: لا بارك الله فيك إلهاً أنفرت عليّ إبلي ? ثم خرج في طلبها حتى جمعها وانصرف عنه وهو يقول:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا -- فشتتنا سعد? فلا نحن من سعد
وهل سعد إلى صخرة بتنوفة من -- الأرض لا يُدعى لغي ولا رشد
المفصل 6:275)
2 - عبادة الكواكب:
كما سبق وقررنا أن العرب كانت لهم معبودات شتى? ولم تقتصر عبادتهم على الاصنام بل كان كثير من قبائلهم يعبدون قوى الطبيعة من كواكب ونجوم? وكان لهذه العبادات الأثر الكبير في تشكيل بنية المجتمع العربي? بل في تشكيل العقلية العربية - في ذلك الوقت - فقد تركزت النظرة العربية للإله على قدر نفعه أو ضرره فكانوا يسترضون الإله الذي يخشون غضبه بالقرابين? وأيضاً يقدمونها للإله الذي يستزيدون من مراحمه, ولعل هذا هو سبب عبادتهم للشمس? والقمر? والشعري,,, ولكن أهم هذه الآلهة على الإطلاق كان الشمس,
الشمس: بالرغم من اختلاف المؤرخين في عبادة العرب للشمس إلا أن المرجح انتشار عبادة الشمس في شتى أنحاء الجزيرة, وقد رأى جواد علي أن شمس كان اسم صنم لبني تميم? عبدته معها ضبة? وعدي? وعكل? وثور, إلا أن هناك من المؤرخين من يرى غير ذلك فهيرودتس - مثلاً - يذكر في تاريخه أن العرب كانوا يعبدون إلاهاً سماه أروتال وهي لفظة آرامية مركبة تعني النور المتعالي ثم ذكر أن أروتال هذا هو ديونيسيوس أو بخوس وهو إله الشمس عند اليونان, ومن الأسماء التي شاع بها اسم الشمس في جهات العرب: ذو الشرى? والمحرق - لا بد أن هذه التسمية سببها حرقهم لقرابين بشرية لهذا الإله - وذريح - عند فلهوزن? ونولدكة - ونكرح (النصرانية وآدابها - شيخو - ص 9 والمفصل 6:286),
المقة: لم يتفق معظم الباحثين على أصل تسمية المقة وهل كانت تمثل عند العرب الإله بعل أم القمر ولعل أصوب تعليل لهذه التسمية هو ما قدمه د, القمني: من أن المقة اسم مركب من جزئين? إل: وتعني إله أو رب? ومقة أو مكى: وتعني معبد, وعلى هذا يكون اسم المقة يعني: إله أو رب مقة أو مكى أي إله المعبد الحرام الموجود على الأرض ويُسمى مكى (الأسطورة والتراث - للقمني - ص 120), ويؤيد القمني أن المقة هو نفسه الإله ذو سموى أو رب السماء? ويقصد به القمر, وقد ورود اسم المقة في كتابات المسند على نحو يصوره بصورة ثور أحياناً? وبنسر أو حيات أحياناً أخرى? وهذا يؤكد أن هذا الإله كان يشير إلى القمر (لأن هذه الرموز تدل على القمر عند الساميين), وقد أُشير الى المقة ب هلل بمعنى هلال وب ربع و حول وهذه الأسماء كلها تشير إلى القمر (المفصل 6:269),
الزهرة: وتُسمى عند العرب - أحياناً - عثتر? وكوكب الصبح? وقد كان العرب يتعبدون له بتقديم قرابين بشرية? ودائماً يكون القربان طفلاً? وكانوا يصورون الإله عثتر في صورة طفل صغير, وقد ورد دعاء عُثر على نصه في حران: إننا نقدم لك قرباناً يشبهك , وقد ذكر نيلوس أن العرب سرقوا ابنه الجميل ثيودولس وعزموا على تقديمه قرباناً لكوكب الصبح - الزهرة - (المفصل 6:171) ويروي الغلام بعد نجاته قصة اختطافه فيقول: وكان هؤلاء الغزاة قد عزموا على تضحيتي لنجمة الصبح? فأعدوا كل شيء للذبيحة في سحر اليوم التالي? فأقاموا لذلك وهيّأوا السيف والسكب والأًقداح والبخور, وكنت أنا ملقى على وجهي على الحضيض - أما نفسي فكانت مرتفعة إلى الله أدعو إليه بحرارة كي ينقذني من هذا الخطر العظيم ,,, وكانوا قد قضوا قسماً كبيراً من ليلهم أكلاً وشرباً وقصفاً حتى غلب عليهم النوم فهجعوا إلى الصباح ولم يستيقظوا إلا والشمس قد طلعت وفات وقت الضحية,,, فلما رأوا ذلك أخذوني إلى قرية تُدعى سوقا وتهددوا بقتلي أمام أهلها إن لم يفدني أحد منهم? فرحمني أحدهم ودفع فديتي واهتم بشأني أسقف المحل, وها أنا الآن عائد إلى والدي (النصرانية وآدابها - لويس شيخو - ص 17),
التلبية والعبادات:
كانت لكل هذه الأصنام تلبيات مختلفة? وقد ذُكرت في أكثر من مصدر ومن أشهر هذه التلبيات قولهم: لبيك اللهم لبيك? لبيك لا شريك لك? إلا شريك هو لك تملكه وما ملك وكذلك لبيك اللهم لبيك? لبيك إن جرهما عبادك و لبيك اللهم لبيك لأننا عبيد? وكلنا ميسرة وأنت ربنا الحميد ,
وقد كان لهم بجوار ذلك شرائع عدة في العبادة منها: الحج? والطواف? والتلبية? ورمي الجمار? والصلاة والصوم وتحريم زواج الأمهات والبنات? والخالات? والعمات? وخِطبة المرأة لوليها? ويطلقون ثلاثاً? ويحرمون الأشهر الحُرم والبلد الحرام مكة ويكفنون موتاهم ويصلون عليهم ويختتنون? ويطلقون اللحى ويستعملون السواك? ويقصون شورابهم,,, (راجع: المفصل لجواد علي ج 6 - الملل والنحل للشهرستاني ج 2 - بلوغ الأرب للبغدادي ج 2),
هذا جزء من الموروث التشريعي لدى بعض عرب ما قبل الإسلام? وهو الجزء الذي رسخ في العقلية العربية?وخاصة عندما أقر النبي العرب بعض هذه الشرائع التي وافقت الإسلام? أو تلك التي لم يُنزل فيها وحي,
ولكن الكثير أيضاً من هذه الشرائع والشعائر? لم يوافق عليها الإسلام بل حاربها أشد محاربة حتى خبت وتلاشت? وسنتعرف في الفصول القادمة على بقية الموروث العقائدي والتشريعي لعرب ما قبل الإسلام? وخاصة ما أقره الإسلام منه,
الفصل الثاني
الكعبات وبيوت الأرباب
للتاريخ العربي أن يحدثنا عن مكة وكعبتها على أنها قبلة العرب - قبل الإسلام - ومحجهم? وله أن يحدثنا عن رفع إبراهيم القواعد من البيت? ولنا أن نقبل كل ذلك دينياً وألا نناقشه - إذا ثبت صحته - ولنا أن نقبل كذلك كل الأساطير التي أوردها المؤرخون حول الثعبان الذي كان يحرس الكعبة? والرخ الذي قتله وألقاه بعيداً عند بنائها (السيرة الحلبية 1:233), ولكن كل ذلك لا مجال له في هذا البحث? لأننا نبحث في التاريخ? ويحق لنا ألا نثق في معظم ما جاءت به الأخبار,
وإذا بحثنا في موضوع الكعبة - تاريخياً - نجد أنها لم تكن الكعبة الوحيدة في الجزيرة العربية? ولكن كان هناك كثير غيرها في طول الجزيرة وعرضها, وبالنسبة لكعبة مكة يقول الدكتور طه حسين: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل? وللقرآن أن يحدثنا أيضاً? لكن ورود هذين الاسمين في التوراة لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي? فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها? ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى? وأقدم عصر يمكن أن تكون نشأت فيه هذه الفكرة? إنما هو العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية? ويبثون فيه المستعمرات, فنحن نعلم أن حروباً عنيفة شبت بين اليهود المستعمرين? وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد? وقد انتهت بشيء من الملاينة? ونوع من المحالفة والمهادنة, فليس ببعيد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأه هذه القصة التي تجعل العرب واليهود أبناء عمومة? لا سيما وقد رأى الفريقان شيئاً من التشابه بين الفريقين غير قليل? فأولئك وهؤلاء ساميون,,, وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح (في الشعر الجاهلي - د, طه حسين - ص 26 و27), هذا ما يقرره طه حسين بالنسبة لتاريخية كعبة مكة, وكان في الجزيرة عدة كعبات أخرى وإن لم تكن بشهرةكعبة مكة - منتشرة في أنحاء الجزيرة? وكانت العرب تحج إليها في أوقات معلومة - وغير معلومة - وتذبح عندها وتقدم لها النذور والهدايا? وتطوف بها في طريق الميثولجيا عند العرب - محمود سليم الحوت), وأما أشهر كعبات الجزيرة قبل الإسلام - بعد كعبة مكة - بيت ثقيف? وبيت اللات? وكعبة نجران? وكعبة شداد الايادي? وكعبة ذي الشرى? وبيت الأقيصر? وبيت رضا? وكعبة رحيم? وبيت العزى? وبيت ذي الخلصة (راجع - المفصل - جواد علي - ج 5 ص 398 وما بعدها وطوالع البعثة المحمدية - العقاد - صفحة 130),
لماذا الكعبات:
تشترك جميع كعبات الجزيرة في صفتين أساسيتين? فجميعها أبنية مكعبة? وجميعها أُطر لأحجار سوداء, وقد قال الدكتور القمني في كتابه الحزب الهاشمي : أن هذه الأحجار إما نيزكية أو بركانية? وإن سبب اسوداد لونها هو عوامل الاحتراق التي تعرضت لها? وإن سبب تقديس هذه الأحجار هو كونها آتية من عالم مجهول? فالحجر البركاني مقذوف ناري من باطن الأرض? وما صيغ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات واحتسبته علماً لأرواح السالفين المقدسين? كذلك الحجر النيزكي? وربما كان أكثر جلالاً? لكونه يصل إلى الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور (الحزب الهاشمي - د, سيد القمني ص 21 و22),
لكني أختلف مع الدكتور القمني في جزئية واحدة? وهي أن بعض هذه الأحجار السوداء إنما هي أحجار بركانية? فإنه من المرجح - إذا كانت هذه الاحجار بركانية - أن تنشأ عبادة لها طقوس أخرى? مثل حرق جثث الموتى? وتقديم ذبائح بشرية حية لهذه الآلهة - البراكين - لتسكين غضبها? كما كان يحدث في جنوب شرق آسيا واليابان? أو للتقرب إليها كما يحدث في الهند? ولانتشرت المجوسية أكثر من أي ديانة أخرى في شبه الجزيرة ولأحدثت البراكين حرائق يستحيل على البدوي أن يسيطر عليها - وهذا كله لم يحدث ولم يسجل لنا التاريخ أي شيء كهذا - ولكن عبادة تقديم القرابين البشرية الحية كانت متوقفة على عبدة الزهرة كما ذكرنا من قبل? وكانت ذبائحهم دائماً من الأطفال الصغار,
وفي رأيي أن هذه العبادة لم تكن منتشرة لا في الجزيرة? ولا في الشام ومصر? لبعد هذه البلاد عن المناطق البركانية? فلم تكن النار بالنسبة لهم سوى إلاهاً مستأنساً لا يخافون بطشه? وإن كان كثير منهم يعظمونه ويجلونه لفائدته لهم? وبالنسبة لما قاله الدكتور القمني? من أن هذه الأحجار السوداء? أحجار نيزكية? فهذا الرأي له شواهده في كتب التراث بل وفي القرآن? إذ يقول في سورة الجن 72:9 وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً , وفي كتب السيرة نجد الكثير عن تلك الشهب (أو النيازك) التي كانت تُرمى بها الشياطين (السيرة الحلبية - ج 2 ص 335 وما بعدها) وعلى هذا الأساس ترجع تسمية الكعبات? ببيوت الله - كما ذكر د, القمني - فهذه الأحجار تأتي لهم من عند إله السماوات? فجعلوا لها بيوتاً? وقدسوها? وعظموها وحجوا إليها? ظناً منهم بأنهم هكذا إنما يزورون الله في بيته ممثلاً في هذه الأحجار السوداء,
مكة:
أما بيت مكة فقد كانت له تلك المكانة الخاصة لعدة عوامل? منها وقوع مكة في ملتقى القوافل? ووجود معظم معبودات العرب حولها? ووجود بئر زمزم - مع ما راج حوله من أساطير - جعلها أكثر استقراراً من غيرها من المناطق, بالاضافة إلى هذا فإن تلك المكانة - لمكة وقريش - لم تكن وليدة الصدفة بل لقد ترسخت عبر سنين عديدة بواسطة أشخاص عملوا على إعطاء مكة وقريش هذه المكانة الكبيرة? مثل: كعب بن لؤى? وقصي بن كلاب? وهاشم بن عبد مناف? وعبد المطلب بن هاشم (راجع قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية - لخليل عبد الكريم),
ومن العوامل الهامة أيضاً وجود الحُمس? فالعرب يرون للحُمس فضلاً ومكانة? حيث أنهم هم أهل الحرم والقائمون على أمر الدين, والحُمس هم: المتشددون في الدين? وكانوا إذا أحرموا لا يلبسون الوبر ولا الشعر? ولا يستظلون به ما داموا حُرماً? ولا يغزلون الوبر ولا الشعر ولا ينسجونه? ولا يأكلون شيئاً من نبات الحرم? وكانوا يعظمون الأشهر الحرام ولا يظلمون فيها أحداً وكانوا يطوفون في ملابسهم ولا يخلعونها? وإذا أرادوا شيئاً من بيوتهم وهم محرمون دخلوا من الأَبواب - عكس سائر العرب - وقد بقيت هذه النظرة للحُمس - وهم قريش ومن ولدت من قبائل وكذلك حلفاؤها في بعض الروايات - إلى ما بعد الإسلام? فيروي النيسابوري: أن الناس في الجاهلية وأول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج والعمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه? فإن كان من اهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج? أو يتخذ سلماً فيصعد منه? وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يُحل من إرحامه ويرون ذلك ذماً إلا أن يكون من الحُمس - وهم: قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النظر بن معاوية - سموا حُمساً لشدتهم في دينهم - فدخل رسول الله بيتاً لبعض الأنصار? فدخل رجل من الأنصار على أثره من الباب وهو محرم? فأنكروا عليه ذلك? فقال له رسول الله : لِمَ دخلت من الباب وأنت محرم? فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على أثرك , فقال رسول الله : إني أحمسي ? قال الرجل: إن كنت أحمسياً فإني أحمسي? ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك? فأنزل الله وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها (أسباب النزول - النيسابوري - 2 40),
فالواضح إذن من النص السابق أن هذه المكانة لقريش ومكة والكعبة? كانت راسخة في العقل العربي - حتى النبي نفسه - إلى ما بعد الإسلام? مع ما كان لها من تأثير كبير في عدة أمور هامة? كالخلافة? والإمارة - كما سنرى لاحقاً - ولم تتوقف مكانة مكة وكعبتها عند هذا الحد? بل إن الأمر وصل بالعرب? ألا يضعوا مواثيقهم وعهودهم إلا داخلها لقدسيتها? ومكانتها عندهم,
adil
2015-01-31
super
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |