مصادر التشريع الإسلامي في زمن محمد ج 2 ـ مؤلف مجهول
2007-07-12
بحث في الموروث التشريعي للجزيرة العربية قبل الإسلام
وعلاقته بتشكيل الثقافة التشريعية العربية
الفصل الثالث
الصابئة: لم يرد في كتب التاريخ الإسلامي ما يشبع نهم الباحث حول الصابئين? لكن القرآن أشار إليهم أكثر من ثلاث مرات (البقرة 2:62? المائدة 5:69? الحج 22:17), وقد ربط الإخباريون بين الصابئة المذكورين في القرآن وصابئة حران والعراق وجعلوهم طائفيتن: حنفاء ومشركون (المفصل 6:701), وقد أطلق القريشيون هذه اللفظة على المسلمين في أول الأمر? وذكرت كتب السيرة أن قريش دعت النبي صابئاً (المفصل 6:703), ولعل سبب هذه التسمية أن العرب تستخدم هذا اللفظ لوصف الخروج على مُثل المجتمع وتقاليده,
والصابئون على ما تذكر الكتب الإسلامية? هم عُباد الكواكب? وقد قسمهم الشهرستاني إلى قسمين: أصحاب الروحانيات? وأصحاب التجسد, أما أصحاب الروحانيات فيقولون: إن للعالم صانعاً? فاطراً? حكيماً? مقدساً عن سمات الحدوث, والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله, وإنما يُتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه? وهم الروحانيون المطهرون جوهراً? وفعلاً وحالة , ويقولون: إن الأنبياء أمثالنا في النوع? وأشكالنا في الصورة? يشاركوننا في المادة? يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب? ويماثلوننا في الصورة? فمن أين لنا طاعتهم? وبأية مزية لهم علينا لزمت متابعتهم? (الملل والنحل - ج 2 ف أصحاب الروحانيات),
وقد كان لهم عدة هياكل أكبرها الشمس? ثم القمر? فالزهرة? وزحل? والمريخ? وعطارد? والمشتري? ولهم أيضاً هياكل أخرى مثل هيكل العلة الأولى? وهيكل العقل? وهيكل السياسة? وهيكل الصورة? وهيكل النفس (الملل والنحل - ج 1 ف أصحاب الهياكل), ولهذه الكواكب عندهم عبادات ودعوات خاصة يصورونها في الهياكل ويتخذون لها أصناماً تخصها ويقربون لها القرابين? وكانت لهم صلوات تقام في الليل والنهار تقترب في طقوسها من الصلاة الإسلامية? واختلفوا في عدد هذه الصلوات فهي ثلاثة عند الشهرستاني? وخمس عند البغدادي (الملل والنحل - 2:56 وما بعدها - فصل مزاعم الحِرنانية? بلوغ الأرب - 2:223 وما بعدها - الصابئة),
المفسرون والصابئة:
لعل الغريب في الأمر هو ما قرره بعض أهل التأريخ كالبغدادي - حسب رؤيته للقرآن - فيقول: وقداختلف الناس في الصابئين اختلافاً كبيراً بحسب ما وصل إليهم من معرفة عن دينهم? وهم ينقسمون إلى مؤمن وكافر إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِا للَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة المائدة 5:69), فذكرهم في الأمم الأربع الذين تنقسم كل أمة منهم إلى مؤمن وكافر, وذكرهم أيضاً في الأمم الستة الذين انقسمت جملتهم إلى ناجٍ وهالك كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (سورة الحج 22:17), فذكر الأمتين اللتين لا كتاب لهما ولا ينقسمون إلى شقي وسعيد - وهم المجوس والمشركون - في آية الفصل? ولم يذكرهم في آية الوعد بالجنة? لكنه ذكر الصابئين (بلوغ الأرب - فصل الصابئة),
فالبغدادي يقرر أن الصابئين منهم مؤمن ناج? وكافر هالك? ولعل هذا الموقف من عبدة الكواكب غريب بعض الشيء بالنسبة لشخص مثل البغدادي? ولكن إذا نظرنا إلى تشريعات الصابئة قد يتضح لنا الموقف أكثر,
تشربعات الصابئة:
سبق وقررنا انقسام الصابئة إلى طائفيتن وكان لكل طائفة منهم تشريعاتها الخاصة? فمنهم من كان يصوم شهر رمضان? ويستقبل الكعبة في الصلاة? ويعظم مكة? ويحجون البيت كل عام? ويحرمون الميتة والدم والخنزير? ويحرمون من ذوي القرابة في الزواج ما يراه الإسلام محرماً (بلوغ الأرب - فصل الصابئة), وكان الصابئون يصلون ثلاثة صلوات - إلا طائفة منهم كانت صلواتها خمسة كأوقات الصلاة الآن - ويغتسلون من الجنابة? ومن مس الميت? ويحرمون أكل الكلب وكل ما له مخلب من الطير? وينهون عن السكر في الشراب ويأمرون بالاختتان? والزواج بولي وشهود? ولا يُجيزون الطلاق إلا بحكم حاكم? ولا يجمعون بين امراتين ( الملل والنحل - ج 1 - فصل عبادات الصابئة وهياكلهم),
وكان من شرائعهم رجم الزاني المحصن? وقطع يد السارق اليمنى? والقصاص من القاتل,
لعل الموقف قد صار اكثر وضوحاً الآن فالإسلام لم يجد فروقاً جوهرية بين ما جاء به من شرائع وشعائر وما كان يفعله الصابئون? ولذا كان تقسيمهم إلى مؤمن وكافر? وكانت المرجعية في الإيمان أو الكفر هي: الإيمان بالله? والعمل الصالح? وما خلا ذلك فالله يفصل فيه بينهم? فالإسلام إذن لم يقرر هلاك جميع من سبقوه - حتى وإن ظلوا على اعتقادهم - ولكنه ترك الفصل في هذا - لأن الإيمان صلة شخصية بين الإنسان وربه لا يحكم فيها سوى الله,
الفصل الرابع
اليهودية
اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا? وأكثر من قاوم النبي? وهم من فُضّلوا على العالمين, توافدوا على شبه الجزيرة قبل الإسلام بعدة قرون? وبالتحديد عام 70 م? وذلك بعد تدمير القدس وخراب هيكل سليمان على يد تيطس? الذي قتل من اليهود حوالي المليون ونصف المليون (1) ثم عام 132م حينما حاولوا القيام بثورة ضد الرومان? فقُتل منهم من قُتل - على يد هدريان - وهرب للجزيرة من هرب (2) وذلك لبعدها عن سلطان الرومان (1 - قصة الديانات? سليمان مظهر ص 337 - 2 - المفصل 6:522),
ومع قدوم اليهود إلى شبه الجزيرة العربية بدأوا العمل الدؤوب لتثبيت أقدامهم في الأرض الجديدة عليهم? فكان أن قامت عدة حروب عنيفة بين المستوطنين, اليهود والعرب? وبعد فترة انتهى تطاحنهم وقبلوا العيش معاً? وسبب هذه المهادنة - كما يرى د, طه حسين - أن اليهود اعتمدوا على صلة قرابتهم البعيدة بالعرب? ليتمكنوا من العيش معهم (الشعر الجاهلي ص 26 و27), ومن ثم استوطن اليهود في يثرب - موطن بني النجار أخوال النبي - وعملوا بصناعة السيوف? وتجارة الحُلي? والكهانة? والبيع بالرهن والزراعة,
وقد استوطن جزء كبير منهم في خيبر? واليمن? وحنين? ونتيجة لوجودهم في وسط سكان الجزيرة? اعتنقت بعض القبائل الديانة اليهودية ودانت بها مثل: بني كنانة? وكندة? وبني الحرث بن كعب? وبعضاً من العرب المتفرقين في مكة واليمامة? وحمير وحُنين (بلوغ الأرب - ج 2 - فصل اليهود),
لم يتفق أصحاب الأخبار على الزمن الذي بدأ اليهود يتوافدون فيه على شبه الجزيرة بأعداد كبيرة? ولم يتفقوا أيضاً على كون اليهود العرب يهوداً? أم عرباً متهودين, وقد قدم الأستاذ خليل عبد الكريم دراسة جيدة حول هذا الموضوع في كتابه قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية فليراجعها من يريد المزيد,
تشريعات اليهود:
كان لليهود في شبه الجزيرة العربية شرائعهم الخاصة? بعضها مستمد من التوراة, والبعض الآخر من آراء أحبارهم? وأشهر هذه الشرائع وأقدسها عندهم هي الوصايا العشر التي ذُكرت في التوراة وهي: لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً - لَا تَنْطِقْ بِا سْمِ الرَّبِّ إِل هِكَ بَاطِلاً,,, اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ,,, أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ,,, لَا تَقْتُلْ? وَلَا تَزْنِ? وَلَا تَسْرِقْ? وَلَا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ - لَا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ (تثنية 5:7-21),
بالاضافة إلى هذه الشرائع فقد كان لليهود مجموعة أخرى من الشرائع المأخوذة من التوراة مثل:
1 - القصاص:
كَسْرٌ بِكَسْرٍ وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا أَحْدَثَ عَيْباً فِي الْإِنْسَانِ كَذ لِكَ يُحْدَثُ فِيهِ (لاويين 24:20),
2 - الحرب:
حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِتُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا لِلصُّلْحِ? فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ? فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْباً? فَحَاصِرْهَا. وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِل هُكَ إِلَى يَدِكَ فَا ضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ? كُلُّ غَنِيمَتِهَا? فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ (تثنية 20:10-14),
3 - رجم الزناة:
إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ? فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا? فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِا لْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا (تثنية 22:23-24),
4 - القسامة:
إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِل هُكَ لِتَمْتَلِكَهَا وَاقِعاً فِي الْحَقْلِ? لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ? يَخْرُجُ شُيُوخُكَ وَقُضَاتُكَ وَيَقِيسُونَ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَ الْقَتِيلِ. فَالْمَدِينَةُ الْقُرْبَى مِنَ الْقَتِيلِ? يَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ لَمْ يُحْرَثْ عَلَيْهَا? لَمْ تَجُرَّ بِا لنِّيرِ. وَيَنْحَدِرُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِالْعِجْلَةِ إِلَى وَادٍ دَائِمِ السَّيَلَانِ لَمْ يُحْرَثْ فِيهِ وَلَمْ يُزْرَعْ? وَيَكْسِرُونَ عُنُقَ الْعِجْلَةِ فِي الْوَادِي. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْكَهَنَةُ بَنُو لَاوِي - لِأَنَّهُ إِيَّاهُمُ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا بِاسْمِ الرَّبِّ? وَحَسَبَ قَوْلِهِمْ تَكُونُ كُلُّ خُصُومَةٍ وَكُلُّ ضَرْبَةٍ - وَيَغْسِلُ جَمِيعُ شُيُوخِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الْقَرِيبِينَ مِنَ الْقَتِيلِ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْعِجْلَةِ الْمَكْسُورَةِ الْعُنُقُِ فِي الْوَادِي? وَيَقُولُونَ: أَيْدِينَا لَمْ تَسْفِكْ هذَا الدَّمَ? وَأَعْيُنُنَا لَمْ تُبْصِرْ (تثنية 21:1-7),
5 - الردة:
وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ? أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ? أَوْ صَاحِبُكَ الَّذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلاً: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلَا آبَاؤُكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكَ? الْقَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ الْبَعِيدِينَ عَنْكَ مِنْ أَقْصَاءِ الْأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا? فَلَا تَرْضَ مِنْهُ وَلَا تَسْمَعْ لَهُ وَلَا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ وَلَا تَرِقَّ لَهُ وَلَا تَسْتُرْهُ? بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ (تثنية 13:6-9),
6 - منع التشبه بالنساء:
لَا يَكُنْ مَتَاعُ رَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ? وَلَا يَلْبِسْ رَجُلٌ ثَوْبَ امْرَأَةٍ? لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ذ لِكَ مَكْرُوهٌ لَدَى الرَّبِّ إِل هِكَ (تثنية 22:5),
7 - تحريم الخنزير:
وَالْخِنْزِيرُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الظِّلْفَ ل كِنَّهُ لَا يَجْتَرُّ فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. فَمِنْ لَحْمِهَا لَا تَأْكُلُوا وَجُثَثَهَا لَا تَلْمِسُوا (تثنية 14:8),
8 - تحريم جوارح الطير:
وَه ذِهِ تَكْرَهُونَهَا مِنَ الطُّيُورِ. لَا تُؤْكَلْ. إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ: اَلنَّسْرُ وَالْأَنُوقُ وَالْعُقَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْبَاشِقُ عَلَى أَجْنَاسِهِ? وَكُلُّ غُرَابٍ عَلَى أَجْنَاسِهِ? وَالنَّعَامَةُ وَالظَّلِيمُ وَالسَّأَفُ وَالْبَازُ عَلَى أَجْنَاسِهِ,,, الخ (لاويين 11:13-20),
9 - تحريم الدم:
وَأَمَّا الدَّمُ فَلَا تَأْكُلْهُ. عَلَى الْأَرْضِ تَسْفِكُهُ كَا لْمَاءِ (تثنية 12:16),
10 - تحريم الخمر:
وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: خَمْراً وَمُسْكِراً لَا تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ لِكَيْ لَا تَمُوتُوا (لاويين 10:8-9),
العرب واليهود:
كما رأينا أن هناك كثيراً من التشريع اليهودي كان قائماً معروفاً ومعمولاً به وسط عرب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام كالقصاص? والقسامة? والجهاد? والرجم,,, ومنه ما وافق الإِسلام عليه جملة وتفصيلاً? ومنه ما وافق على بعضه وعدّل بعضه? بالرغم من ندرة المصادر العربية التي تتحدث عن اليهود الذين عاشوا في شبه الجزيرة قبل الإسلام بزمن طويل? إلا أن المصادر الإسلامية تقدم لنا صورة دقيقة لليهود الذين عاصروا النبي أو الذين كانوا قبله بفترة وجيزة? وذلك لاحتكاك اليهود المباشر - والحاد أحياناً - بالنبي ومحاورتهم له, وقد أورد القرآن الكريم جانباً من هذه المحاورات في أكثر من موضع,
وقد كان لوجود اليهود في أنحاء متفرقة من شبه الجزيرة العربية تأثيراً واضحاً في كثير من عادات الجاهليين وشرائعهم? خاصة وأنهم تواجدوا قبل الإسلام بعدة قرون - تبدأ في رأيي منذ عام 70 م بعد خراب القدس - ومما ساعد على انتشار شرائع اليهود أن العرب كانوا يرون لليهود عليهم فضلاً? لأنهم أهل كتاب أولاً? وثانياً لأن العرب لم تكن تقبل فكر هراطقة النصارى المنتشر بطول الجزيرة وعرضها بسهولة,
ولعل أهم المناطق التي كان لليهود بها نفوذاً وتأثيراً هي المدينة - يذكر جواد علي أن اليهود هم من أطلق على المدينة هذا الاسم وقد أخذوه من الآرامية (المفصل 6:566) وتروي كتب التفسير قصة تهود كثير من أبناء الأنصار? وإجلائهم من المدينة مع بني النضير واحتجاج الأنصار على هذا (راجع أسباب النزول للسيوطي - البقرة 2:256),
بالإضافة لما سبق فقد كان لدعوة اليهود للتوحيد المطلق أثرها في إعداد العقلية العربية لتقبل عقيدة وحدانية الله? ولعل هذا يفسر لنا أن سبب دخول الأنصار في الإسلام أفواجاً ولا دخل في إسلامهم - كما قرره بعض الباحثين - وجود بني النجار في المدينة وهم أخوال النبي? فقد كان أشد الناس عداوة للنبي هم أعمامه ولم تؤثر صلة القرابة بينهم في شيء, ولكن وجود اليهود وسط المدينة وانتشار أخبار النبي المنتظر بين العرب? كان الدافع لدى الأنصار في سرعة إسلامهم ليكونوا هم السابقون وليس اليهود? وقد كانوا من قبل يترفعون عن الأنصار لأنهم أهل وثن (قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية - خليل عبد الكريم), ونتيجة لكل ما سبق كانت المدينة هي البقعة المثلى لانطلاق الإسلام لكل الجزيرة العربية ومن ثم للعالم,
الفصل الخامس
المسيحية
المسيحية في الجزيرة
حسب ما قرأنا في الفصول السابقة كانت هناك أديان عديدة قد انتشرت في شبه الجزيرة العربية? ولعل المسيحية كانت أكثر هذه الأديان انتشاراً? وهذا لأنها ديانة مُبشرة وليست ديانة مغلقة كاليهودية, وبالرغم من عدم وجود تاريخ محدد لانتشار المسيحية في وسط العرب? إلا أن المرجح عندي أنها بدأت في الانتشار في أواخر القرن الأول الميلادي تقريباً? فلو نظرنا للإنجيل - كمرجع تاريخي - نجد أنه كان هناك عرب في مدينة أورشليم في يوم الخمسين (يوم العنصرة) سمعوا البشارة من بطرس تلميذ المسيح (أعمال الرسل 2:12) بل إن الأمر بلغ أن يكون حاكم دمشق ونائب قيصر عليها هو الحارث العربي (2 كورنثوس 11:32),
ولم يقتصر الأمر على هذا بل إن بعض الباحثين يرى أن تلاميذ المسيح أرسلوا بعضاً منهم لدعوة العرب إلى المسيحية? وهذا مثل ما قاله شيخو: من أن متى? برتلماوس? تداوس? وتوما? ومتيا قد ذهبوا إلى الجزيرة لحمل بشارة المسيح للعرب (النصرانية وآدبها - شيخو ص 23),
والرأي السابق وإن كان فيه شيء من المغالاة إلا أنه يعطي صورة ليست بعيدة عن الواقع فكتب التاريخ الإسلامي تذكر قصصاً لتنصر قبائل عربية بكاملها لسبب أو لآخر مثل ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية من قصة فيميون - لعله فيليمون - الذي عاش في نجران وتسبب في أن يتبعه أهل نجران على دين النصرانية (البداية والنهاية 2:168), ومثل قصة أصحاب الأخدود التي لا يخلو منها أي تفسير للقرآن (راجع تفاسير القرطبي? وابن كثير? والرازي? في تفسير سورة البروج),
ويذكر الدكتور جواد علي ما كان بشأن إحدى البدع عند نصارى العرب وأنه أقيم مجمع سنة 246 م سُمي مجمع العربية لمقاومة هذه البدعة (المفصل 6:634: ?Religious Encyclopaedia, vol, I,p.122.A
وهذا الحادث يوضح ما كان عليه العرب النصارى من شأن فلو لم يكن عددهم كبيراً وله تأثير لما أقيم مجمع خاص بهم? ولعل ما يوضح الصورة أكثر هو عدد القبائل العربية التي دخلت في المسيحية سواء في شمال أم في جنوب الجزيرة,
القبائل المسيحية في شبه الجزيرة:
_ بكر وتغلب بنو وائل بن ربيعة:
وهما من أقوى القبائل العربية? وقد بلغ من قوتها أن قال عمرو الشيباني فيها: لو تأخر الإسلام لأكلت بنو تغلب الناس (شرح معلقة عمرو بن كلثوم للتبريزي - النصارنية لشيخو 125), وقد قال عمرو بن كلثوم متفاخراً بشرف قبيلته:
ظعائن من بني جُشم بن بكر
جمعن بميسم شرفاً وديناً
والدين المقصود هنا هو المسيحية حيث كانت هي ديانة بني تغلب, وتذكر كتب السيرة تحول بني تغلب إلى المسيحية (المفصل 6:590)? وقد اتفق معظم الباحثين على اعتناقهم المسيحية مثل ما قاله البغدادي: وكان بنو تغلب أيضاً من نصارى العرب وكانت لهم شوكة وقوة يد ,
2 - الغساسنة:
وهم عرب سوريا الذين هاجروا من اليمن? وقد ارتبطوا بالأمبراطورية الرومانية منذ القرن الرابع? ومن ثم أخذوا دورهم كدولة حاجزة ضد هجمات القبائل العربية وأيضاً ضد الفرس, وكان بنو جفنة هم أشهر الغساسنة? وهم أيضاً ملوكهم? وفيهم يقول النابغة:
1مجلتهم ذات الإله ودينهم
2قويم فما يرجون غير العواقب
(في بعض الروايات محلتهم - والمقصود هنا بالمجلة الإنجيل - المفصل 6:678),
ويذكر شيخو أن ملوك غسان ابتنوا عدة أديرة منها: دير هند? ودير حالي? ودير أيوب (النصرانية وآدابها ص 31),
3 - اللخميون:
وكما كان للروم عملاء على حدودهم فكذلك كان للفرس فكان اللخميون المستقرون في عاصمتهم الحيرة وما حولها يقومون بدورهم في تأمين حدود فارس مع العرب, وقد نقل
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |