محمود درويش شاعر العدد الثالث من مجلة نقد
2007-07-20
صدر العدد الثالث من مجلة "نقد" الفصلية متناولاً تجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، بعدما تناول العدد الأول تجربة الشاعر اللبناني بول شاول، والثاني تجربة الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور. وقد جاء في افتتاحية العدد التي يكتبها رئيسا التحرير الشاعران والناقدان الشابان زينب عساف وماهر شرف الدين ما يأتي:
"بعدما تناولت في عددها الفائت تجربة الراحل صلاح عبد الصبور "المظلوم" بسبب إقصائه عن دائرة التكريس، تختار نقد تجربة محمود درويش "المظلوم"، لكن بسبب إقامته في هذه الدائرة تحديداً.
ففي تجربة درويش تمّ إنصاف الشاعر على حساب شعره، تمّ تقديم الشخص على القصيدة. على الدوام كان الانتصار لدرويش الفلسطينيّ على درويش الشاعر.!على الدوام كانت القضيّة هي الطريق الإجباريّ لامتداح الشعريّة. تقريباً، درويش لم يُقرأ، بل تُرجم... وضمن اللغة الواحدة كان ثمة "خيانة" (والإيطاليون يقولون: "الترجمة خيانة") في سلوك القصائد مجاريَ كسفتْ الجانب الفنّي فيها. كان ثمة بخسٌ "كرنفاليّ" للفنّ في سبيل الأيديولوجيا. لكن درويش لم تنطلِ عليه هذه "الخدعة" الموقّتة، بالرغم من ثنائيّة البنفسج - القذيفة التي ملأت قصائده، وبالرغم من حيرة بعض نصوصه بين مطلع غنائيّ بديع وختام مباشر وتكراريّ.
شعريّة محمود درويش ذات المزاج التقريريّ في أعماله الأولى، استطاعت الإشراق بأجمل مطالع الشعر العربي الحديث ("سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا"، "عودة الأسير"، "الرمادي"، "كان ما سوف يكون"، "شتاء ريتّا"...)، مثلما استطاعت اختراع قاموس تركيبيّ اغتذت منه الأجيال اللاحقة. بالطبع، استفاد درويش من تقنيّة السرد القرآنيّ (راجع مطلع قصيدة "سنخرج" مثلاً)، وتقنيّات الأغنية الشعبيّة (الأهزوجة تحديداً)، و"نشيد الأناشيد"... لكن قدرة هذا الشاعر على إجراء كلّ شيء في فلك غنائيّته الهائلة، جعل من ذلك تفاصيل. لذا، يكون تحديد تقنيّاتٍ في شعر درويش كالقول: لعبه الأثير بالضمائر (أنا، أنتَ، هو)، أو تذويبه التساؤل الفلسفيّ في البنية الشعريّة ("هل كان أوّلُ قاتلٍ - قابيلُ - يعرف أن نوم أخيه موت؟")، أو حرصه على قيام توازن سيكولوجيّ في الموسيقى (على سبيل المثال، قصيدة "الكمنجات" في "أحد عشر كوكباً" التي تُبرز التجانس الموسيقيّ بين "فاعلن" وصوت عزف الكمنجا)، أو "الغموض البليغ"... نقول إن تحديد تقنيّات هذا الشاعر بواحد واثنين وثلاثة لا يخدم الباحث كثيراً في القبض على "سرّ المصلحة" في شعره.
بالشعر، استطاع درويش تحويل قصّة النزوح من فلسطين إلى قصّة شبيهة بقصّة الطرد من الجنّة: فلسطين هي الجنّة، والفلسطينيّ هو آدم، والزيتون هو التفّاح.
بامتزاج الألم باللذّة، والحزن بالسحر، بات للمأساة مردودها الجماليّ الخالص (هنا يمكن جيلنا الشاب أن يستذكر تلك الشائعة التي طالما تداولناها عن "عمالة" ريتّا وارتباطها بجهاز الموساد الإسرائيليّ!).
في شعر درويش ثمة سمة ضوئيّة، أو فلنقل ثمة صباح: نهوض دائم من النوم، قهوة الأمّ، والقهوة مع الحليب... إضافة إلى صفاء لغويّ لا يقلّ استعلاءً عن قولنا: صفاء عرقيّ. وفي حين يأخذ الجسد في قصائد الآخرين منبر الكلام في الجنس، يقوم الجسد الدرويشيّ بالإصغاء. الجنس في قصائد درويش فعل إصغاء لا مرافعة.
لقد جعل درويش من الشعر وسيلته الفضلى لقول كلّ شيء: الغضب، الخيبة، الحبّ، التحيّات... حتى النقد: "كيف أنجو من مهارات اللغة؟". أكثر من ذلك، نستطيع، من خلال قصائد درويش، تقديم رسم بياني لبدء تحوّله، الذي أخذ طابع الحيرة الفلسفيّة، إلى كتابة قصيدة النثر.
بعد "كزهر اللوز أو أبعد" (2005) بات انتقال محمود درويش إلى كتابة قصيدة النثر أكثر سلاسة، وربما أكثر حتميّة. لقد أظهر درويش في هذا الديوان قدرة (رغبة؟) كبيرة على "تمويت" الوزن وإدخاله في غيبوبة. لقد بدا جليّاً أن ثمة حاجة ملحّة لتنويمه مغناطيسيّاً (نثريّاً)؛ محوه والإبقاء عليه في آن واحد. استفادة قصوى من تقنيات قصيدة النثر وموارد تعبيرها، وطغيان لليوميّ، مع تصميم لا يُراجَع لردّ الاعتبار النثريّ للأشياء من خلال تعريفات كرّستها، تقليداً، قصيدة النثر... بالطبع، ذلك كلّه مسبوقاً باستهلال غير بريء مقتبَس من كتاب "الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيّان التوحيديّ: "أحسن الكلام ما... قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم" (الديوان ينتهي باقتباس آخر، لكن للشاعر نفسه من قصيدة "طباق"، يبدو غير بريء أيضاً: "وداعاً، وداعاً لشعر الألم").
في هذا الديوان كان ثمة تأتأة نثريّة. كان ثمة احتباس نثريّ واعٍ. كتابة محمود درويش قصيدة النثر، بعد 21 ديواناً، ليست فعل "تصابٍ" قطعاً، بل دليل قدرة، إن لم نقل يقظة نقديّة لا تشرد. والحقّ أن هذا الشاعر كان أحسن نقّاد تجربته، وليست غاراته التنقيحيّة على شعره القديم سوى دليل على ذلك.
امتحان "في حضرة الغياب" كان امتحانَ إيقاع، هذا المسمّى الذي طالما اعتبره درويش مقياساً أساسيّاً لحساب منسوب الشعريّة في النصّ، ناهيك بأن هذا الشاعر هو أكثر الشعراء العرب استخداماً لهذه المفردة (الإيقاع) في شعره حيث ترد عشرات المرّات. والصحيح أن قدرة الإيقاع، كمصطلح نقديّ، على التملّص والإفلات من تعريف أكاديميّ صارم يرسم له حدوداً للقياس، جعله يتقمّص هيئات عدّة في شعر درويش بين اختلاطه بالغنائيّة حيناً، وانبجاسه في "إباحيّة" عروضيّة حيناً آخر، أو حواريّات لم تكن تنويعاً يوماً في قصيدة درويش (وإذا كانت كذلك فهي تنويعات بنيويّة)، ناهيك بالتدوير المباغت ولعبة الصدى وجماليّة اللاوصول الدائم... في هذا الديوان الأخير، والذي تمّ ترويسه بلفظة "نصّ"، ثمة "مصالحة" تمّت، أو ثمة لقاء أُنجز. فلا يخفى على من يقرأ دواوين درويش، قراءةً كرونولوجيّةً، بروز ثنائيّتَين اجتهدتا على التصاعد كتاباً بعد آخر: ثنائيّة الحضور والغياب (حتى أن الغياب استطاع بلوغ مرحلة الوجود الفيزيقي: أشياء الغياب، مشاغل الغياب، ركض الغياب، رمّانة الغياب، فرس الغياب، شجر الغياب، رخام الغياب، زجاج الغياب، آثار الغياب...)، وثنائيّة النثر والشعر. في هذا الديوان كان ثمة استعادة نثريّة لـ"جداريّة" التي بلغت ذروتها في طرح الثنائيّة الأولى (الحضور والغياب)، مثلما بلغت ذروتها في استنفاد طاقة الأوزان في حمل (قول؟) كلّ شيء. "في حضرة الغياب" صالحَ النثر بالشعر، مطبّقاً مقولاتٍ كان درويش قالها في دواوين سابقة: "ستعثر الأنثى على الذكر الملائم/ في جنوح الشعر نحو النثر"، "أحبّ من الشعر عفويّة النثر"، "لعلّ السهل نثرٌ/ لعلّ القمح شعرٌ"، "]إلى الشعر والنثر:[ طيرا معاً/ كجناحَيْ سنونوّة تحملان الربيع المبارك"... وليست "زلاّت" التبرير للنثر في هذا الديوان سوى ترجيع لـ"زلاّت" العروض في النثر (وهنا لا نقصد المقاطع الموزونة التي تضمّنها الكتاب، لكن بعض الجمل الموزونة التي تسلّلت إلى المقاطع النثريّة).
قبل ذلك، كان لدرويش في ديوان "أحبّك أو لا أحبّك" 1972 محاولة لكتابة قصيدة النثر، وذلك في قصيدة "مزامير" التي تألّفت من 12 مقطعاً (5 مقاطع موزونة، 6 مقاطع غير موزونة، ومقطع مقفّى من دون وزن) في هيأتها النهائيّة، حيث كان الشاعر قد أعاد النظر في هيأتها الأولى (راجع قسم "منتخبات" في هذا العدد ص 163). بعد صدور "في حضرة الغياب" في وسعنا القول إن تلك القصيدة كانت محاولة قصيدة نثر في أصلها، حتّى ولو قال الشاعر إن لها مرجعيّة تاريخيّة هي نصوص المزامير.
قناعة درويش أخيراً بأن الشعر ما هو إلا "نثر مصفّى"، والتي كلّفته ديوان "في حضرة الغياب"، ستكلّف "الأيديولوجيين" عناء انتظار الديوان "الثاني" أو الثالث والعشرين. فثمة اعتقاد لاشعوريّ، جمعيّ، بأن التخلّي عن القصيدة الموزونة هو نوع من التخلّي عن مبدأ أو قضيّة أو مسيرة نضال. لا قضيّة تُخاض بقصيدة نثر، قصيدة النثر منقوصة الوجاهة... بالطبع، مثل هذه الدفوعات الرجعيّة لا يصمد طويلاً أمام تاريخيّة النقد التي لا يمكن أن تخضع لمنطق ابتزازيّ.
إذاً، في نيّة هذا العدد من نقد (ولو أن بعضاً من النقّاد العرب ممن وعدوا بالمساهمة فيه تخلّفوا لظروف قاهرة) أن يكون قراءةً ضدّ الترجمة، أن يكون قراءة الشعر بلا شوائب الأيديولوجيا والقضايا الكبرى... قراءة درويش المصفّى، درويش النقيّ".
وكالعادة انقسم العدد إلى محاور عدّة تحاول الإحاطة بتجربة الشاعر من مختلف جوانبها، فكتب في قسم الدراسات كلّ من: الناقد السوري عهد فاضل (طبيعة غير صامتة في الشعر العربي)، الناقد والشاعر المغربي حسن نجمي (كتابة السيرة الذاتيّة للقصيدة)، الناقد السوري خالد حسين حسين (من العنوان إلى النصّ... قراءة في قصيدة "يطير الحمام")، الناقد اللبناني عمر شبلي (المكان... قاب جرح أو أدنى)، الناقد والباحث السوري إبراهيم محمود (الترجمة الشعريّة للآخر... محمود درويش بين سليم بركات وإدوارد سعيد)، الناقد اللبناني سعد كمّوني (التقديم والتأخير والتوازي... شكل القول).
وفي ملفّ خاص يحمل عنوان "محمود درويش في عيون الشعراء العرب الشباب" يتناول علاقة الشعراء الشباب بتجربة الشاعر موضوع العدد، سلباً أو إيجاباً، كتب كلّ من: الشاعر اللبناني غسان جواد، الشاعر الكويتي نشمي مهنّا، الشاعر العراقي باسم الأنصار، الشاعرة المصرية رنا التونسي، الشاعر السوري عبد الوهّاب عزّاوي، الشاعر السعودي عبد الله ثابت، الشاعر المصري وائل السمري، الشاعر الجزائري عز الدين جوهري، الشاعر السوري أديب حسن محمد، الشاعر الفلسطيني مازن معروف، الشاعر السوري محمد ديبو، الشاعر الفلسطيني عبد الرحمن جاسم، الشاعرة الأردنية نسرين أبو خاص.
إلى ذلك ضمّ قسم "منتخبات" قصائدَ مختارة من مختلف أعمال درويش.
وفي القسم الأخير من المجلة والذي يحمل اسم "أحوال الشعر"، ويعنى برصد كلّ جديد في عالم الشعر أو الإضاءة على ظاهرة أو إشكاليّة أو شخصية شعرية، نقرأ: " التجانيّ يوسف بشير (1912 – 1937)" بقلم الشاعر السوداني جمال إبراهيم محمد، حوار مع الشاعر الدانماركي نيلس هاو أجراه الباحث والمترجم المغربي محمد سعيد ريحاني، مؤتمر "خليل حاوي وتطوّر الشعر العربي الحديث" في الجامعة الأميركية ببيروت... إضافة إلى قسم "مكتبة الشباب" الذي يرصد الحركة الشعرية الشبابية من خلال الإصدارات الجديدة، وفيها نقرأ وقفات نقدية مع الكتب الآتية: "شعرائيل" للسوري تمّام تلاّوي، "تمائم" للسعودي أحمد الواصل، "كما يخسر الأنبياء" للأردني حسين جلعاد، "أنا شاعر كبير" للبناني رامي الأمين، "ينتظرونكَ" لليبيّة خلود الفلاح.
وخُصّص العدد الرابع لتجربة الشاعر العراقية الراحلة نازك الملائكة.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |