خمسة وثلاثون عاما على رحيل طه حسين
2008-11-05
35 عاما على رحيل طه حسين
بقلم : أدونيس
1 -
أذكر لطه حسين قوله : "أنا قلق دائما ساخط دائما ، مثير للسخط من حولي...".
فهو قول يرسم ، كما أرى صورة الخلاق المجدد.
وكثيراً ماتمنيت أن أزوره في بيته، وأراه عن كثب ، وأتحدث معه مباشرة ، وهي فرصة أتيحت لي في أثناء وجودي في القاهرة ، في أواسط نوفمبر / تشرين الثاني 1966 ، للمشاركة في مؤتمر أدبي .
2 -
كان حضوره أمامي في بيته مفاجئاً : لم يشخ كما كنت أظن.
كان يجلس في جلال آسر ، يلف ساقيه بغطاء من الصوف ، وبدا جميلاً كمثل منمنمة عربية في تمثال يوناني
كان يتلألأ فيما يتكلم وأخذت أراقب كيف ينبثق داخل كيانه كيان آخر جسده قبل كلامه غلافٌ لروحه ، وروحه بعد الكلام غلافٌ لجسده.
3 -
جلسنا نصغي إليه :
مولود معمري (الجزائر) ، محمد النويهي (القاهرة) ، عبدالله الأمين (السودان) ، سهيل إدريس ، وأنا (لبنان).
تحدث بالعربية والفرنسية عن الشعر والتجديد الشعري ، وقبل ذلك تحدث عن الموسيقى.
قال : "إن لموسيقانا العربية أصولاً بيزنطية وهي أصول غنية يجب أن نعرف كيف نفيد منها ، ونفجر طاقاتها ، ولقد طالبت كثيراً بتجديد موسيقانا الحاضرة ، بتحطيم القوالب التي جمدت فيها ، فأفقدتها الصدق ، وسدت عليها أبواب التطلع إلى كشوف إيقاعية جديدة..."...
"..في كتاب "الفصول والغايات" لأبي العلاء المعري فصل مهم يشرح فيه فيلسوفنا الشاعر أصوات الموسيقى الإيقاعية ، وكثيراً ماتمنيت لو يعكف على دراستها أحد الموسيقيين المختصين ، لكن أحداً لم يسمعني..."..
4 -
وتابع قائلاً:
"..الموسيقى والشعر ؟ لاشعر بلا موسيقى ، بلا نوع من الموسيقى.
الشعر العربي الجديد؟ لبنان؟ أذكر أن خليل مطران زارني مرة ، يصطحب معه شاعراً لبنانياً هو جورج شحادة ، وقرأ لنا (بالفرنسية) بعض قصائده ، ومازلت أحفظ مايقول في إحداها ، أظنه يقول (مستعيداً النص بالفرنسية):
أولاً
لاقرود وراء الورد
وراءه طفل له عينان حزينتان..."
"...ولقد عجبت آنذاك وتساءلت عما تكون علاقة القرد بالورد؟"..
"...التجديد؟ هذا طبيعي ، ولا غرابة فيه ، الغرابة هي في مناوأة التجديد كيف يستطيع الإنسان الحي أن يقف في وجه التجديد والمجددين؟ من حق الشاعر أن يجدد من حقه اليوم ، كما كان من حقه في الأمس"..
"..كان الشاعر العربي يجدد لا في الشكل وحده ، كما تؤكد لنا مجزوءات الأوزان ، وإنما كذلك في المضمون وماأباح للعربي القديم أن يجد ، يبيح للعربي المعاصر أن يجدد هو أيضاً.
5 -
"لكن لي شرطان:
الأول هو أن التجديد لايجوز أن يكون تقليداً ، خصوصاً للأساليب غير العربية فالتجديد نقيض لأي تقليد.
والثاني هو أن يأتي التجديد بشعر له مقومات الشعر من الصور الرائعة أعني أن يجيء بشعر رائق رائع.
دون هذين الشرطين لاتكون للتجديد قيمة شعرية أو فنية ، وإنما يكون عبثاً ولعباً.
هذا يفترض أن على من يجدد أن يكون في مستوى التجديد والغاية من التجديد يجب أن يكون شاعراً حقاً لكي يعرف كيف يضيف ، ويستبق ، ويبدع لكي يعرف كيف يجدد.
6 -
كنت أحب أن أظل صامتاً أصغي إليه ، لكن ماقاله في التجديد أثار في شوقاً لاستطلاع رأيه في قضية يقف منها شيوخ الأدب العربي المعاصر ، ومعظم شبانه (آنذاك) ، موقف الرفض وهي قضية التعبير شعراً بالنثر ، أي قضية "قصيدة النثر".
.." قصيدة النثر ؟ لم لا ؟ يستطيع الشاعر اليوم أن يكتب قصائد نثر هذا تخصيب للشعر العربي.."
- لكن في كتابة قصيدة النثر تجاوز للمصطلح الشعري العربي.
.." - قصيدة النثر إضافة لاتجاوز . لنا الحق أن نضيف وليس لنا الحق أن نتجاوز لِمَ لانتخذ الحرية التي كان يتخذها أسلافنا؟ أبو نواس مثلاً ، أبو تمام.
لماذا نسمح لشاعر كأبي تمام أن يجدد حتى أنكره المحافظون ولانسمح لشعرائنا اليوم أن يجددوا؟ "
"... لكن التجديد كما قلت ليس غاية بذاته الغاية هي الشعر الشرط الوحيد الذي يعطي للتجديد معناه وضرورته هو أن يجيء بشعر جميل".
".. بول فاليري لم يجدد ، وكان شاعراً حقاً . ليوبولد سيدار سنغور مجدد إلا أنني لم أستطع أن أكمل قراءة شعره".
7 -
كان طه حسين في حديثه تلك العشية ، عشية الخامس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1966 ، كثيفاً ، مليئاً كشجرة عظيمة من الكلمات والأفكار ، وخيل إلي ونحن ننهض لتوديعه أن هذه الشجرة فيما هي تغمرنا تتطاول لكي تسقط على الماضي ظل الحاضر وعلى الحاضر ظل المستقبل . ولكي تعلن الحياة التي لاتشيخ ، الحياة التي تظل في بداية وتجدد دائم .
نقلا عن : مجلة دبي الثقافية - 2008
08-أيار-2021
12-شباط-2013 | |
19-كانون الأول-2009 | |
06-أيار-2009 | |
19-نيسان-2009 | |
23-كانون الثاني-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |