الغرب بين معجزتين!
2008-11-15
من المتفق عليه أن الفكر الغربي المعاصر, وضمناً الفكر السياسي, هو فكر عقلاني مادي, لا مكان فيه للغيبيات والماورائيات والروحانيات. ومن المعروف أن المعاجز ـ تعريفاً واصطلاحاً ـ هي أفعال إلهية ربانية سماوية, خارقة للقوانين الطبيعية, وخارجة عن حدود الطاقات البشرية والإمكانيات الإنسانية, وهي بالمقصد الديني ـ الشامل لكل الأديان والمذاهب ـ تجري على يد الأنبياء والرسل والأئمة والأوصياء تأييداً لدعواتهم أو تثبيتاً لأنصارهم أو انتقاماً من أعدائهم.
من هنا يستغرب المرء تمام الاستغراب ما يكاد يجمع عليه مفكرو الغرب بكافة اتجاهاتهم الفكرية عندما يتحدثون عما اصطلحوا على تسميتها "بالمعجزة اليونانية أو الإغريقية". ويقصدون بها الحضارة اليونانية القديمة التي ـ بزعمهم ـ نشأت وتطورت ذاتياً دون أن تستفيد من أي من الحضارات السابقة لها كالمصرية والفينيقية والصينية وسواها... فإذا كان مقبولاً ـ تجاوزاً ـ من ابن العصور الوسطى الأوروبية أن يطلق على هذه الحضارة اسم المعجزة لكونه اعتبرها, ربما, آية سماوية مهدت لظهور المسيحية وتطورها, فإن ما لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال من ابن العصور الحديثة أن يلجأ إلى تفسير غيبي روحاني يسمي الحضارة بالمعجزة!. ناهيك عما في هذه النظرة من كلا الطرفين من تعصب وشوفينية وتجاهل لأبسط قواعد التطور الحضاري والتواصل الإنساني والمعطى التاريخي الذي يؤكد على التأثير الكبير لمجمل الحضارات القديمة في الحضارة اليونانية "المعجزة", التي ما كانت لتلد وتظهر إلى الوجود لولا ما رفدت به من من أنهار الحضارات السابقة ومياهها العذبة.
ولكن الأمر الذي يثير قدراً أكبر من الاستهجان والريبة هو الموضة السائدة في الفترة الأخيرة بين عدد من السياسيين والزعماء الغربيين, وآخرهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومرشح الرئاسة الأمريكي باراك أوباما, حيث تفتقت عبقريتهم السياسية عن وصف "اسرائيل" بالمعجزة!.وفي الحقيقة لا يعلم المرء هل يرجع هذا الكلام إلى تفسير غيبي روحاني ما ورائي يتضمن تبنياً صريحاً وواضحاً للعقيدة الصهيونية التلمودية, أم يرجعه إلى تفسير عقلاني موضوعي يفترض أن يكون أول من يلتزم به أبناء الحضارة الغربية الحديثة من مفكرين وسياسيين وسواهم؟. ولكن في الحالتين لا يستقيم الأمر, وفقاً للتعريف الاصطلاحي الوارد أعلاه, فلا أنبياء بني إسرائيل موجودون حالياً لاستنزال المعجزات من السماء, ولا ما قامت به الصهيونية في القرن العشرين في ظل دعم غربي مطلق وضعف عربي مدبر, يمكن أن يعتبر خارج حدود القدرات والإمكانيات البشرية, بل هو وفقاً لما سخر له من طاقات أقل من المتوقع بكثير!.
على كل حال, إذا أصر أبناء الغرب على رأيهم في المعجزتين, فليجربوا أن يبحثوا عما يمكن قوله عندئذ عن حزب اللـه؟. هل يقولون مثلاً ونقول معهم: إنه حقاً "حزب اللـه", ومن اللـه تأتي "المعجزة" لا من سواه!. {ألا إن حزب اللـه هم المفلحون}.
08-أيار-2021
27-تشرين الثاني-2011 | |
09-تشرين الأول-2011 | |
24-أيلول-2011 | |
19-آب-2011 | |
03-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |