جيل دولوز / الزمن ضد الحقيقة ـ ترجمة
2008-11-12
السؤال عن الحقيقة هو السؤال الحقيقي في الفلسفة ولذلك يطرح بشكل حقيقي إذا ما ربطناه بالسؤال عن الزمن وقلبناه على جميع وجوهه وشرعنا في البحث عن نقيضه أي السؤال عن الخطأ وإذا ما عرضناه وشرحناه على مشرحة التاريخ والزمن ولكن تشريح السؤال عن الحقيقة على محك الزمن هو الذي يوقعه في أزمة ويحوله إلى مفارقة ليس لنا منها مخرج، فكيف سيعمل دولوز على إيجاد حل لمفارقة الحقيقة عندما يستنجد بمفاهيم لايبنتز عن الممكن واللامتجانس واللاتمايزية ويرجها بواسطة المطرقة النتشوية؟
"إذا ما اعتبرنا التاريخ الفكري فإننا نلاحظ أن الزمن كان دائما وأبدا مصدر أزمة تصور الحقيقة.. وما يوقع الحقيقة في أزمة ليست الحقيقة التي تتنوع عبر العصور وليس المضمون التجريبي البسيط بل الشكل أو بالأحرى القوة المحضة للزمن .
تتفجر هذه الأزمة منذ القديم في مفارقة أشكال المستقبل الحدثي. إذ لو كان صحيحا أن معركة بحرية يمكن أن تحدث غدا فكيف نتجنب أحد النتيجتين الآتيتين: إما أن ينبثق المستحيل من الممكن( لأن المعرفة لو حدثت فانه لا يمكن أن تحدث) وإما ألا يكون الماضي ضروريا ( لأن المعركة يمكن ألا تحدث).
انه من اليسير أن نعالج هذه المفارقة معالجة جدلية: إذا لم نبين على الأقل صعوبة التفكير في العلاقة المباشرة بين الحقيقة وشكل الزمن فإننا نكون محل اتهام لكوننا أسكنا الحق بعيدا عن الموجود أي في الأبد أو ما يحاكي الأبد. ينبغي أن ننتظر لايبنتز حتى تجد هذه المفارقة الحل الأكثر براعة ولكنه أيضا الأكثر غرابة والتفافا.
لقد ذكر لايبنتز أن المعركة البحرية يمكن أن تحدث أو لا يمكن حدوثها ، غير أن هذا لا يحدث في عالم واحد، أي يمكن حدوثها في عالم ولا يمكن حدوثها في عالم آخر، وهذان العالمان هما ممكنان ولكنهما لامتجانسان مع بعضهما البعض. ينبغي أن نختلق التصور الرائع عن اللامتجانس (المختلف عن المتناقض) لكي نحل المفارقة التي تنقذ الحقيقة.
إن الذي ينبثق منه الممكن حسب هذا المعنى هو اللامتجانس وليس المستحيل، وان الماضي يمكن أن يكون حقيقيا دون أن يكون حقيقيا بشكل ضروري. غير أن تصور الحقيقة سيعرف حينئذ هدنة بدل أن يجد حلا. انه لا شيء يمنعنا أن نثبت أن اللامتجانسات تنتمي إلى نفس الكون:" يحتفظ فانغ مثلا بسر، ثم يطرق بابه مجهول. يمكنك لفانغ أن يقتل الدخيل ويمكن للدخيل أن يقتل فانغ. لكن يمكن للاثنين أن ينجوا من الخطر ويمكن لهما أن يلقيا حتفهما والخ... يمكن أن تصل إلي ولكن في واحد من ممكنات الماضي كنت عدوي وفي عالم آخر صديقي.." هذا هو جواب برجس إلى لايبنتز:"إن الخط المستقيم بوصفه قوة في الزمن وبوصفه متاهة في الزمن هو أيضا خط يتشعب وما ينفك يواصل هذا التشعب بالمرور من أشكال لامتجانسات حاضرة والعودة إلى أشكال ماضية غير صحيحة ضروريا.
تنجم منزلة جديدة للسرد أي أن السرد يكف أن يكون سردا محقا بمعنى أن يطمح إلى الحق من أن يكون من حيث الماهية كاذبا. لا يتعلق الأمر أبدا بأن يكون لكل واحد حقيقته بل التنوعية هي المتعلقة بالمضمون. إنها قدرة الخطأ التي تعوض وتشوه شكل الحق بما أنها تطرح تزامن أشكال اللامتجانسة من الحاضر أو تعايش أشكال من الحاضر ليست حقيقية ضرورة.
يبلغ الوصف البلوري من الآن فصاعدا إلى لاتمايزية الواقعي عن الخيالي، لكن السرد الكاذب الذي يناسبه يقوم بخطوة إلى الأمام ويطرح في الحاضر فروقات غير قابلة للتفسير ويطرح في الماضي بدائل غير قابلة للحسم بين الحق والخطأ.
إن الإنسان المحق قد مات وكل نموذج من الحقيقة ينساب من أجل منفعة السرد الجديد. إننا لم نتكلم عن المؤلف الأول في هذا المجال: إن نيتشه هو الذي جمع تحت اسم إرادة القوة القدرة على الخطأ إلى شكل الحق ووجد حلا لأزمة الحقيقة عندما سعى إلى تحديدها مرة واحدة إلى الأبد ولكن بشكل متعارض مع لايبنتز من أجل منفعة الخطأ وتحت اسم القدرة الفنية الخلاقة..."[1]
لكن أليست الحقيقة إذا كانت بالفعل حقيقية ضرورة أن تصمد أمام الزمن ولا تنخرها حركة الصيرورة؟ ومن يعطي للزمن ديمومته وتميز حاضره عن ماضيه ومستقبله غير الحقيقة الحقيقية ؟ وهل هذه الحقيقة الحقيقية زمنية أم متعالية عن الزمن؟ بأي معنى إذن نتحدث عن زمن للحقيقة وزمن حقيقي وزمن للخطأ وزمن خاطئ؟ فهل أن الحقيقة بنت الزمن أم أن الزمن أب وأم كل شيء حقيقي في الوجود؟ ذلك هو السؤال الأهم في الفلسفة أكثر حتى من سؤال ما الحقيقة نفسه. ألا ينبغي عندئذ أن نتحدث عن حقيقة ضد الزمن عوض أن نتحدث عن زمن ضد الحقيقة ؟ ألم يصدق كارل ياسبرس القول عندما أقر أن الحقيقة تمتلكنا ولسنا نحن الذين نمتلك الحقيقة؟
من كتاب الصورة- الزمن
08-أيار-2021
05-تشرين الأول-2019 | |
10-آب-2019 | |
13-شباط-2010 | |
12-تشرين الأول-2009 | |
23-أيلول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |