"ورد هشيم" للقاصة الجزائرية ياسمين بن زرافة: حكايات شعبية في شكل "موباساني"
2008-11-17
صدر في الأيام القليلة الماضية العدد الأول من سلسلة "في الطريق" التي تخصصها جمعية الجاحظية برئاسة الروائي الطاهر وطار لأدب الناشئين، والعدد خصص للكاتبة الشابة ياسمين بن زرافة ومجموعتها القصصية البكر "ورد هشيم" التي كشفت عن كاتبة جديدة تمتلك من الأدوات ما يجعلنا ننتظر منها "فتوحات" سردية على طريق الفن الطويل.
وبداية، ماذا يمكن أن يقال عن كتابة قصصية جديدة، لكاتبة جديدة ضمن تجربة جديدة جدا تخوضها منشورات التبيين للجاحظية تحت عنوان فيه الكثير من التبشير "في الطريق"؟ تلك الجملة التي لا تحيل بالضرورة إلى عنوان كتاب إبراهيم عبد القادر المازني بحسه الساخر، بقدر ما تحيل على تجارب أدبية تتلمس بدايتها بكثير من الإصرار، من أجل أن تكون لها مكانة في "مدينة الأدب الفاضلة"، مع التأكيد على قاعدة "أصعب الأمور بداياتها"، وفي هذه البداية نقرأ لقاصة لم يعرفها جمهور القراء إلا في مناسبات قليلة جدا عندما نشرت في بعض المجلات الأدبية، وبعض المواقع على الشبكة العنكبوتية، وقليل جدا من حفظ هذا الاسم (ياسمين بن زرافة)، لكن من تسنى له قراءة تلك النصوص المنشورة بتمعن من المؤكد أنه تلمّس موهبة أدبية تبحث عن اللحظة المناسبة للإعلان عن نفسها.
كاتبة تريد أن تكون لها بصمتها الخاصة في الكتابة منذ البداية، وهي تكتب بتلك اللغة الشفافة الكثيفة في مواضيع من وحي الواقع، لكنها تتناولها بطريقتها الخاصة، بل تجدها تجدد في أدواتها السردية من نص إلى آخر ضمن نصوص هذه المجموعة القصصية الصغيرة حجما، والغنية من حيث التنوع في الأساليب، وبداية من العنوان الصادم (ورد هشيم)، الذي يبدأ رومانسيا وينتهي "مأساويا"، وهو يحمل نقيضه في ذاته وهو بالمناسبة عنوان القصة الأولى من المجموعة، الأطول من حيث الحجم والتي تعطي صورة واضحة عما سيأتي بعد هذا من نصوص متفاوتة الحجم، تظهر فلسفة الكاتبة واضحة في تصادمها مع الواقع، ومع الواقع السردي المبني على القوالب الجاهزة، فلئن كان الورد هو الحياة فإن الهشيم هو الموت، وفي هذه النصوص "يتصالح" الموت مع الحياة في تآلف عجيب مثلما لم يحدث في الكثير من التجارب السابقة، ومع كل نص جديد من نصوص المجموعة تتكرر تيمة "ورود الهشيم" بأشكال مختلفة تشترك في نقطة أساسية هي محاولة التخلص من اللغة السردية السائدة في المتن الأدبي المعاصر الذي غرق في القوالب اللغوية والسردية الجاهزة، باستخدام جمل مكررة بدون أي إبداع وكأن الكاتب ينهل من الذاكرة الحافظة لا من الذات المبدعة التي تؤلف بين الأضداد بشكل فني مقنع، فتتجاوز كل هذا وتعود إلى المادة الأولية لأي كتابة وهي الحكاية الخرافية العجائبية التي حضرت بقوة في معظم نصوص المجموعة وهو أمر مهم جدا مع هذه البداية حتى تتأسس التجربة المتفردة بالاشتغال عليها والحفر فيها، لكن استعمال الحكاية العجائبية في مجموعة "ورد هشيم" لم يسلم من مطبّات البداية، فمع استثناءات قليلة تم توظيف الحكاية بدون الاشتغال عليها، ولم تفعل الكاتبة في بعض المرات إلا على صياغة الحكاية الشفاهية إلى لغة عربية فصحى في قالب يقترب من القصة القصيرة بشكلها الموباساني (نسبة إلى موباسان)، مع الحرص على صهر تلك الحكاية الأولية في شكل القصة القصيرة الكلاسيكية الصارم، واستعمال الجمل القصيرة التي بموجبها تخلصت الكاتبة من اللغة التقريرية الإنشائية التي تعاني منها الكثير من المتون السردية، لكن الاستعمال المبالغ للغة التلميح التي تعتمد على الجمل القصيرة تلك قد أخل ببعض النصوص التي بدت غير مكتملة، بل هي أقرب إلى مشاريع النصوص منها إلى النصوص المكتملة، ومع توظيف الحكاية الشفاهية لم تخل بعض المقاطع من النبرة الخطابية التي ميزت الحكي الموروث، لكن ذلك جاء في مرات قليلة جدا.
ومع اكتمال هذه المجموعة القصصية الصغيرة، بقراءة آخر نص منها، يمكن أن نتلمس ملامح هذه التجربة الجديدة التي تحمل بذورا سردية معتبرة تحتاج إلى رعاية من صاحبتها ومن المؤسسة النقدية بمختلف مدارسها وتوجهاتها، فكل نص مهما كان قصيرا في هذه المجموعة الباكورة يمكن أن يتفجر من الداخل بتفجير الحكاية الموروثة من التراث الشفوي التي استطاعت الكاتبة قولبتها في القالب الموباساني، وساعتها يمكن أن نتكلم عن نضج هذه التجربة التي تتلمس بداياتها الأولى التي جاءت مبشرة على أكثر من صعيد.
08-أيار-2021
القاص اعلاّوة حاجي: راهنت على تقديم مادة قصيرة تتماشى والقراءة الالكترونية حاوره: |
11-حزيران-2009 |
04-حزيران-2009 | |
23-أيار-2009 | |
14-أيار-2009 | |
08-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |