رواية "فصوص التيه" للجزائري عبد الوهاب بن منصور: سفر العودة إلى المدينة المقدسة
2008-11-25
كانت بداية الكاتب عبد الوهاب بن منصور ملفتة للانتباه متمردة في البداية، وهو يخوض تجربة "في ضيافة إبليس"، التي صدرت مؤخرا في طبعة جديدة عن دار أسامة للنشر بالجزائر، ثم استمر في هذا السمت فقام بمحاكمة "قضاة الشرف" في الرواية التي صدرت بعد ذلك وهي تبحث عن الانفلات من المقدس بحثا عن مدينة فاضلة (غير فاضلة)، ثم خاض تجربة روائية جديدة في سفر ملفت للانتباه من الناحية البصرية.
الرواية صدرت عن "منشورات البرزخ" بعنوان يحمل دلالة محددة، تحيل إلى مرجعية معروفة هو "فصوص التيه" الذي يربطها مباشرة بكتاب الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي (فصوص الحكم) وهي الطريقة في العنونة التي تحصر القارئ منذ البداية وتوجه نظره من الغلاف وجهة واحدة، ويزداد الأمر توجيها مع صورة الغلاف التي تمثل بناية بهندسة وزخرفة عتيقة تصب في ذلك المجرى، لكن السارد استبدل كلمة "الحكم" (جمع حكمة) التي وضعها الشيخ الأكبر والدالة على اليقين والرشاد بكلمة "التيه" التي تعبر عن الضياع والحيرة، وكأني بالسارد أراد أن يعارض ذلك التراث الضخم بطريقته الخاصة ويرسم لنا فصوصا عصرية هي أقرب إلى التيه منها إلى الرشاد، ومن هنا يكون النص الروائي هذا في مواجهة مع ذلك النص المؤسس-المرجع، وهي مغامرة غير محمودة العواقب على كل حال.
هذا النص هو سفر العودة إلى المنابع بعد مغامرة وجودية خارج أسوار المدينة، والعودة هذه جاءت محفوفة بالقداسة، وبالرهبة، وفي البال رقم واحد تدور حوله الأحداث هو "سبعة".. سبعة فصوص.. سبعة أبواب للمدينة.. سبعة فصول للرواية، وكل فص-فصل-باب مسيج بإرث كبير ومكتوب غليه عبارات للكثير من المتصوفة أولهم الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي صاحب الفصوص الأصل) ومنهم فريد الدين العطار صاحب "منطق الطير" وجلال الدين الرومي صاحب "المثنوي" وغيرهم.
وهذه الفصوص-الفصول-الأبواب السبعة هذه بمثابة"سفر للعودة" يحوم السارد فيه حول أبواب المدينة ثم يدخلها من الباب الرابع وهو باب "قناوة" متبعا خطوات والده الذي يقول بأنه دخل المدينة من الباب نفسه وربما بنفس الطريقة (بالرجل اليمنى) وهو يعد خطواته وربما أنفاسه "واحد.. اثنان"، أبوه الذي نشأ فقيها ثم استحال "قوّالا" وهي الطريقة في العودة التي تحمل أكثر من دلالة وتطرح أكثر من سؤال، وكأن بالسارد مسير لا مخير فيما يفعل ومايقول.. إنه يسر على خطى أبيه الذي سار هو الآخر على خطى أبيه والعمل ربما تكرر مرات كثرة في الزمان بنفس الخطى وبنفس الطريقة وربما من الباب نفسه، الباب الرابع أوسط الأبواب السبعة.
ولما نجتاز مع السارد الباب الأوسط وندخل الفصل-الفص الأول حتى تتجاذبنا الأطياف وتحيلنا الحكاية إلى أختها الحكاية إلى أن نخرج أو يخيل لنا أننا خرجنا من المدينة التي بقي السارد أسيرا فيها مستسلما لقدره المحتوم على عكس سارد الرواية الأولى لعبد الوهاب بن منصور الذي كان تتصارع فيه رغبتان واحدة للهروب وأخرى للعودة، ففي ا السفر الجديد لا تسأل عن عقلك وتسلم بما رأيت أو ما خيّل إليك أنك رأيت، فأنت ترى مع السارد: "الشيخ الحقاني يركب حصانا بالمقلوب وهو يدور بضريح سيدي سلطان ثم ترجل عن الحصان فأخذ يتقيأ مصارينه، فإذا بضفدع يقترب منه ويضع تحته طستا فهدأ الشيخ الحقاني وتبسم...".
ومن أغرب ما نكتشف في هذا المتن ونحن نلج الفصل- الفص السابع المكتوب عليه عبارة النفري: "فالكامل من عظمت حيرته ودامت حسرته ولم ينل مقصوده"، أن الأبواب الستة تنفتح كلها على مصاريعها إلا باب الخروج السابع الذي لا يفتح، فزيادة على أن هناك ستة سبل للعودة-الدخول، وهناك باب وحيد وربما ضيق للخروج، فإن باب الخروج يبقى مغلقا إلى أجل غير مسمى، ويبقى الداخل يراوح مكانه أسرا لذلك الموروث الذي يسطر على الأذهان والخطوات بدون الأمل في الانفلات من جديد، انفلات من سلطة الموروث الذي يبقى يحاصر الناس ومعظمهم مثل السارد مستسلم للأمر الواقع، محاصر تماما مثلما حاصرنا السارد والناشر بداية من الغلاف ذي المرجعية المحددة وتلك الصورة التي نبقى أسرى الجدران التي تمثلها، وتلكم هي وقائع "سفر العودة" إلى المدينة المقدسة بكل عنفها في انتظار فتح باب الخروج مرة أخرى إلى مغامرة سردية جديدة من كاتب عوّد قارئه على الجديد عند كل إصدار.
[email protected]
08-أيار-2021
القاص اعلاّوة حاجي: راهنت على تقديم مادة قصيرة تتماشى والقراءة الالكترونية حاوره: |
11-حزيران-2009 |
04-حزيران-2009 | |
23-أيار-2009 | |
14-أيار-2009 | |
08-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |