كثير من المال وقليل من الشعر
2008-12-14
بين المال والشعر خبز وملح وفي كل خبز وملح تواطؤ ما ,فشعراؤنا الكبار أمثال النابغة ,جرير ,الفرزدق ,بشار ,أبي النواس ,أبي تمام ,البحتري والمتنبي وغيرهم من الأسماء كانت مشاريع استثمارية للسلطة والأغنياء أو بالأحرى خطة خمسية لتعميم شخصا ما وإنتاجه على ما يحلو للعامة من أطيب فاكهة للسمع.
وعلى الرغم من أسطورية ذلك الإنتاج " أي إنتاج بطل من طراز هيكتور وآخيل" إلا أن بضاعته كانت رائجة ولها دورها في السوق الثقافية لتلك المرحلة.
ومن هنا يمكننا القول بأن الشعر العربي الذي أغلبه قصائد مدحية عالج طبقة معينة من منظور خدماتي لا أكثر فعلى سبيل المثال لا نرى في الشعر مشكلة التباين الطبقي إلا عند طائفة من الشعراء سميت اصطلاحا الصعاليك.
وعند تصفحك لأي ديوان شعر قديم تراه يضج بطقوس احتفالية تخص الطبقة العليا رثاء أمير, قائد, تهنئة بمناسبة وغيرها من طقوس العزف على مرض هذه الطبقة الذي يسمى جنون العظمة.
فهل كان الشاعر يدرك اللعبة ويفهمها جيدا لذلك أبقى نفسه بمعزل عن تناقضات الحياة الاجتماعية والسياسية فمثلا شاعر كابن الرومي لم ير في ثورة الزنج إلا أنهم أحرقوا البصرة وهجموا عليها كقطيع من الليل دون الأخذ بأسباب تلك الثورة الاجتماعية والاقتصادية
وشاعر كأبي النواس من جهة يرد على الحسن البصري وأتباعه من المعتزلة التي تسيدت علم الكلام بخطابه الشهير :
لا تحظر العفو أن كنت امرأ حرجا فإن حظركه في الدين إزراء
وقل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
ومن جهة أخرى ومن خلال فهمه للعبة شطرنج الوصول يخاطب هارون الرشيد قائلا:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه لتخافك النطف التي لم تخلق
فاللعبة لم تتوقف وإنما كانت دائما محتدمة فالمتنبي منذ قصيدته الدينارية التي أخذ عليها دينارا واحدا وهو يدرك أن القصيدة بحاجة للكثير من " البرافو" من الأسياد لكي تتنفس في عالم الحقيقة أليس هو القائل :
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
فالعلاقة متبادلة بين المادح والممدوح كلاهما يعمم الآخر فالشاعر يعمم الممدوح كنموذج اجتماعي وسياسي وهنا يتحول إلى بوق أعلامي أومحطة خاصة تمجد وتهلل ليدخل هذا التمجيد والتهليل ضمن سجل العائلة
والممدوح يعمم الشاعر كنموذج يحتذى بطريقته الفنية والأسلوبية وبالتالي يتحول الشاعر إلى جسر من الكلام يعبره شعراء آخرون للوصول إلى ذات الموقع وهذا ما أوقع شعرنا العربي بالتكرار والنمطية والدوران في دائرة مفرغة فابتعدت القصيدة عن التكثيف الشعري لتقع في فخ المطولات والتي هي غالبا تعبيرعن اسم مدجن
وغياب المال والسلطة عن موقعي القصيدة والشاعر كان ينتج حالات استثنائية في كلا الموقعين فحالة المعري لم تتكرر لأنها نتاج عقائدي وثقافي محض لم تمتد يد التعميم لتطال حريتها الداخلية فبقيت على بريتها رافضة التدجين ورافضة العمل لأي حساب خاص وقصيدة ابن زريق البغدادي التي مطلعها
لا تعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه
جاوزت في نصحه حدا أضر به من حيث قدرت أن النصح ينفعه
وفيها يوجه الخطاب لحبيبته التي حاولت منعه من السفر للأندلس طلبا للمال من أحد رجالاتها الذي خذل الشاعر فمات مهموما في إحدى الخانات وإلى جانبه هذه القصيدة التي هي منتج ذاتي في ظروف خاصة تشكل بعيدا عن جو بغداد المحموم بمرتزقة الوصول إلى أبواب السلطة الذي كان يفرض على الشاعر قيدا من الرتابة النصية المفعمة بتبخير الأشخاص فابن زريق لم ينتعل الطريق إلى القصر في هذا النص وإنما التقى بذاته في غربة موجعة وهذا اللقاء ضمن له مكانا بجانب" ديالكتيك" أبي تمام و"أنا" المتنبي.
وعلى حد قول جبران " كان الموهوب في الماضي يفاخر بخدمة الملوك أما اليوم فأنه يدعي خدمة المساكين" والشاعر موهوب فهل هو كما قال جبران مسافة بين المفاخرة والادعاء :لا هو مسافته التي عليه أن يمشيها ولا بأس بغرباله لضبط ماء التحول فهل بعد أن كف الشعر عن التفجر عملة واقتصادا اخترع براقا من الأسئلة أمام ارتجالية التمدن العربي أم انه في عشائه الأخير وهب جسده ودمه لأجناس أدبية أخرى تستطيع من خلال قدرتها على التحول إلى صورة مرئية التفجر إلى عملة تساهم في خلق سوق ثقافية لها متطلباتها النوعية والكمية.
محمد الموعي
[email protected]
08-أيار-2021
10-تشرين الأول-2010 | |
29-حزيران-2010 | |
09-أيار-2010 | |
28-شباط-2010 | |
23-شباط-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |