دع عني لومك
2008-12-24
عن نية الفنان فراس إبراهيم إنتاج عمل تلفزيوني
يتناول حياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش
لن أتناول هذا العمل الذي ما زال في أطوار الإنجاز الاولى من وجهة نظر المقدرة التمثيلية للممثل فراس إبراهيم الذي ينوي تجسيد هذا العمل - كما تشير المؤتمرات الصحفية التي يعقدها و المقابلات التي يدلي بها- و لا من وجهة نظر المقدرة الكتابية للأستاذ حسن.م. يوسف. إذ لا أظن العوامل الشخصية هي العوائق الأهم، التي تجعل نجاح مثل هذا العمل مستبعداً، الأعمق فعلاً – من وجهة نظري- عوامل بنيوية تحكم عقلية إنتاج و تسويق الأعمال التلفزيونية في العالم بالعموم، والأعمال العربية و السورية بالخصوص.
يوضح فراس إبراهيم في مقابلة أدلى بها إلى موقع إم بي سي أنه أجّل العمل على مسلسل يتناول حياة الأميرة ديانا لصالح العمل على مسلسل محمود درويش << الأكثر إلحاحاً حالياً>> حسب تعبيره. وهنا أجد من الحريّ بنا أن نتساءل: كيف يمكن لإنتاج سوري، أو عربي، أن يتناول حياة أميرة إنجليزية كانت نجمة الأوساط المخملية و أغلفة المجلات النسائية
و المصورة، و محور شهرتها تعدّد علاقاتها الغرامية ؟ ثمّ كيف يمكن ردم الهوة بين الثقافتين و اللغتين، الإنجليزية و العربية ؟ لم أطرح هذه الأسئلة لتركها مفتوحة، و إنما لأجيب عليها: بالاعتماد على سحر الإسم لا على سيرة صاحبته الواقعية، بالاتكاء على الأسطورة الشعبية للأميرة الفاتنة التي ماتت شابّة، على الجانب الميلودرامي للشخصية لا على الجانب الوجودي الإشكالي في حياتها. فكيف يمكن تصوير غرام الأميرة بسائس خيلها دون الرومانسيات الخيالية التي حيكت حول هذه العلاقة. أسأل: هل يمكن مراعاة الجانب الغريزي من الموضوع؟ حاجة المرأة الشابّة إلى الجنس؟
ثمّ هل سيعالج العمل التساؤل المشروع في رأيي: من هذه المرأة ؟ و لماذا حظيت بكل هذه الشهرة دون أي منجز فعليّ يُذكر؟ لا أظن ذلك، فاختيار هذه الأيقونة الإعلامية لعمل تلفزيوني هو أصلاً للإتكاء على أسطورتها الناجزة، تسهيلاً للطرح التلفزيوني الانتاجي و التسويقي في النهاية، لا تعسيراً له.
لم أشاهد أيّاً من حلقات مسلسل أسمهان، لكن بالاعتماد على الضجة الإعلامية التي صاحبته يمكنني القول أن العمل قد حاول، وإن بخجل،أن يخلخل الصورة التقليدية التي يصرّ الكثيرون على تقييد المرأة العربية بها. لكن الكلام عن أسمهان يشبه الكلام عن ديانا . فكلتاهما أيقونة ساهمت صاحبتها شخصياً في رسمها. لا تخرج كلمات أغاني أسمهان و لا علاقاتها و لا طريقة ارتدائها لملابسها، ولا كذلك غراميات ديانا و أعمالها الخيرية، عن نطاق تصنيع الأسطورة الشعبية و تكريسها في أذهان الناس. أسطورة الشخص الجميل ذي المنشأ الأرستقراطي، الذي يحتشد حوله العشاق و المعجبون
و الحسّاد، لكنّ سوء الحظ يحكم مصير حياته ، لتكتمل التراجيديا بالموت المأساوي.
أظن، على محمود درويش أن ينحشر في مثل هذا الوعاء، لإنجاز عمل تلفزيوني، قابل للتسويق، يتناول سيرته.
لا أزعم أن لا أسطورة شعبية، وأخرى ثقافية، ترتبط بسيرة هذا الشاعر الكبير، بل لا أنكر أنه في معظم مراحل حياته ساهم بشكل أو بآخر في بناء هذه الأسطورة و الترويج لها، لكنه ،وهو الشخصية المثقفة الغنية متعددة الطبقات ، عمل دوماً على النشكيك بهذه الأسطورة، على إعطاء قارئه مفاتيح تفكيكها , وحتى على التبرّؤ منها.
فدرويش الذي يلقب نفسه: بآخر المرضى الغنائيين، هو ذاته الذي يرفع رأسه مجدفّاً على الإله: يا الله جرّبناك جرّبناك !
درويش الذي يسأل نفسه: من أنت يا أنا ؟ هو نفسه معرّف نفسه بالانتماء البسيط: سجّل أنا عربي. درويش عاشق ريتّا المولّه، هو الذي يعطف البحث عن الحقيقة على العلاقات السريعة.
سيتسلى المتفرّج بصورة محمود درويش الأسطورية، كعاشق جذل تارة و كئيب أخرى, كإبن مرضيّ عليه من أمّه التي يحن إلى خبزها و قهوتها، وكسياسي ربّما.
لكن ماذا عن محمود درويش قارئ هايدغر، متشرّب إليوت، صديق إدوار سعيد و يانيس ريتسوس ؟ ماذا عن المُعارض الشعري للقرآن و الإنجيل و التوراة؟ طارح الأسئلة الوجودية و الميتافيزيقية الكبرى، المتشكّك الأصيل، مفلسف الشعر مشعرن الفلسفة ؟
لن أنتظر حتى ُينجز المسلسل كي أنتقده، كما أتوقع أن يُقترح عليّ. فعلى الحالين لا أتابع مسلسلات. يكفيني أن أساهم في زرع الشكّ لدى القائمين على هذا العمل، و ربّما مشاهديه المستقبليين. فبغير شكّ تستحيل الثقافة. و بغير شكّ لا يجوز أن نقترب من عالم محمود درويش.
فارس البحرة - برلين
08-أيار-2021
17-تشرين الثاني-2010 | |
30-آذار-2010 | |
16-آذار-2010 | |
23-كانون الثاني-2010 | |
19-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |