هنري ميللر : بقدر ما أناصر لورنس سأهاجم جويس ترجمة
2008-12-31
يجب أن يصاب العالم بالرعب، بالهزيمة، أن يقتنع رغما عنه - دائما، دائما. العالم دائما على خطأ. وأنا الذي أقول هذا، بوحشية، بتعصّب، بتهوّر، بعناد، أعلم علم اليقين الجحيم الذي ينتظرني وأنا أحمل هذا الموقف، لكنه الموقف الوحيد، وهو صحيح، صادق وصائب.
لا أعلم تماما لماذا أفضي بهذا كله إليك - كنت أنوي فقط أن أكتب كلمة اعتذار موجزة وأبدي إعجابي بوجبة العشاء الفخمة، الخ. وهاأنا ذا، كالمعتاد، أبدأ في طَرْق موضوعي الأثير. لعلي استلهمتُهُ من خشيةٍ مبهمةٍ من أنَّ ما بدا في البداية أشبه بعلاقة عمل جيدة بيننا هي علاقة مستحيلة تماما، وأنك ستتمكن، ليس أكثر من "بينكر" في حالة لورانس، من تقديم العون لي - اقتصاديا. وما فعلته حتى الآن هو اشد ما أقدِّره منك ويقرّبك إلى قلبي إلى الأبد. لقد مددتَ يدك لي في لحظة حرجة. وكنتَ رائعا وشجاعا حين حاولتَ أن تُدركَ ما أرمي إليه. وسوف أظل عاجزا عن شكركَ كما ينبغي. وهكذا، أتصوّر، مستبقا الصراع القادم، سوف يتوجّبُ علينا أن نتطلّع إلى المستقبل من أجلِ علاقةٍ أشد إنسانية وخطرا - إلى صداقة بسيطة.
آمل ألا تسيء فهم كلامي. إنني لا أحاول أن أمنعك من تقديم العون لي، لكني فقط أخشى أن يكون ذلك مستحيلا. وأعتقد أني سأكون حتى أكثر استعجالا مما كان لورانس - ذلك لأن الناس، كما أرى، لم يتغيّروا، والغالب أنهم لن يفعلوا. إن العالم يزداد كآبة، ووحشة، وركودا. وبينما هو يصبح كذلك أزداد أنا إشراقا، ومرحا، وصلابة. أنا لن أتغيَّر؛ لن أتنازل. إن كنت بالأمس قد رغبت في اقتطاع عبارات وأسطر، وحتى فقرات، فغداً لن أغيّر كلمة واحدة، ولا كلمة. قد تكون الكلمة مبتذلة، أو مستهلكة، أو تفتقر إلى الذوق، أو حتى خطأ … لن أبدّلها! سوف أنفّذ كلمتي حتى وإن أدّت إلى قتلي. وماهمّني، على المدى الطويل، إن نُشِرَ إنتاجي الآن أو بعد مماتي؟ أنا لاتهمّني الأجيال القادمة – افهـم هذا بوضوح - ولا الإنسـانية. إن ما يهمني هو أمانتي – إنها كل شيء بالنسبة إليّ. في هذا المجال لن أتراجع إنشاً واحدا، ولا حتى ملليمترا واحدا. لعل هذا النبأ سيحزن كاهين وكل الذين يتطلّعون إلى التغذية من جثة الفنان. ولا تظن، أيضا، أني سأتهوّر وأسبّب الضرر لنفسي. كلا! إنني جادّ جدّية تامة، صارمة، هذا كل شيء، ومَنْ يكون كاهين أو نوبف أو أي شخص آخر في هذا العالم ليُملي عليّ ما ينبغي أن أقول أو لا أقول؟ هذا ما أريد أن أعرف. يمكنهم أن يفحموني، إذا شاؤوا. يستطيعون أن يتبرّؤوا مني، أن يرفضوا الإصغاء إليّ. هذه وجهة نظرهم، لا وجهة نظري. إنني أسير على دربي. إذا نعَبْتُ، إذا عجزتُ عن القتال،tant pis(لا يهم). لن أسـتسلم. خذ هذا مني. إنه مبدأي.
إنني مشمئزّ أشد الاشمئزاز من أولاد الحرام الجبناء الذين يغذّون الجماهيرَ هذه الأيام بروثِ الأدبِ وحُثالته. ودفاعا عن لورانس، ومناصرة هذه الجثة، أشنّ حربا على أعدائهِ الدائمين، وأعدائي الدائمين. لم يكن شعور الإنسان بالفخر بعصر أقل منه بهذا العصر. إن من الإجرام أن يولد المرء فيه. وكل طفل يولد فيه هو جريمة في حق الله. هل أغالي؟ هذا لا شيء. لدي تصريحات أسوأ بكثير. قد لا تتحمل سماع الباقي، حسن، لا تتحمل! إنني لا أحبذ التوازن، أو سلامة العقل، أو علم المداواة. أنا مع ثورة دينية ومتعصّبة شاملة. لا يهمني كم يُسفَكْ من دماء، ولا عدد مَنْ سيتمّ القضاء عليهم. لا أمانع إذا خلا نصف الكرة الأرضية من ساكنيه، وإذا ما ظهر وباءٌ وغطى سطح الأرض بالجثث وجعل حتى السماوات تفوح بروائحها الكريهة. أعتقد أنه سيكون أمرا مريحا أن نحصل على رائحةٍ كريهةٍ أصيلةٍ، رائحة كريهة متعفّنة وليس فقط نتانة الخراء. أنا أعتقد، إذا سمحتَ لي بهذه الرهافة، أن جويس هو نتانة متعفّنة. وبقدرِ ما أناصرُ لورانس سأهاجم جويس وأكثر.
أودّ في آخر هذا العام أن أنتهي من أمر جويس ولورانس وبروست، وكامل أطروحة كراستي، وإلى الأبد، فلتكن تلك فلسفتي. لقد كان مهينا لي أن أجلس في غرفة مكتبك، ويُطلبُ مني أن أكتب كراسا صغيرا عن هذا الرجل أو ذاك لأقدّم به نفسي. أنا لم أرد أي تقديم. أردت ببساطة أن أصلِبَ قامتي وأطلقَ العنان لنفسي- أن أٌصرعَ دون ذلك أو أنال المجد. ولكن لا اعتذار، ولا تبرير لنفسي. لا أستطيع أن أشرح لك كم بدا هذا لي مُذلاّ. وإذا ما بدا، أخيرا، أني أذعن، تستطيع أن ترى الآن أي نوع من الإذعان كان. إن كاهين لن يقبل أبدا كتابي عن لورانس، أنا واثق تماما من هذا. ولا "الكرّاس". ولا جويس ولابروست. ولا كتابي "مدار الجدي". أنا أعلم أنه لن يقبلهم. أشعر به في عظامي. أشعر من أعماقي أن أمري لا يهمّه البتة. ولا ما أناضل من أجله. وهو لا يعلم ما الذي أناضل من أجله. ولعل هذا بالذات ما يفقع مرارتي. ولكن قبل أن تحل نهاية هذا العام سيكون معلوما لدى الجميع ما الذي أناضل من أجله. وسيبرز خط واضح - يبيّن الأصدقاء من الأعداء، وأعتقد أنهم سيكونون في الغالب من النوع الثاني. وأنا دائما يحدوني الأمل في أن تظل دائما من الأصدقاء. حتى عندما تختلف معي في الرأي - وخاصة في هذه الحالة. هذا كل شيء.
بالنسبة إلى العشاء - يا إلهي، لا أدري. هذه مسألة عملية، وفي مثل هذه المسائل أضيع. لا أستطيع أن أدعوك إلى الوليمة الملكية التي توقعتُ ذات يوم أن أقيمها لأجلك. ولماذا تأتي إلى كليشي من أجل تناول وجبة عاديّة؟ فلندع الأمور تجري بصورة طبيعية. إن وجبة عشاء ليست بالأمر المهم. والأهم أن تعرف ما أكنّه لك من مشاعر. وسوف يسكن هذا بين أضلاعك أمداً يطول أكثر بكثير مما تفعل وجبة يمكنني أن أملأك بها.
بعد كل هذه العواطف من الطبيعي بالنسبة إليك أن تقول - " دعني أدفـع ثمن الوجبة!" أرجوك لا تفعل. إنك تحرجني. أكره أن ألزم بقبول الدعوات، مهما كانت حسنة النيّة. إنها دائما تجعلني أشعر كأني أسمّم مضيفي. وأنا لا أريد أن أسمّمك "
_______________________
- مقطع من كتاب "عالم لورانس" لـ هنري ميللر، ترجمة أسامة منزلجي
- الصورة من أعمالBanksy على الجدران
*****
عن موقع بأوكسجين
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |