Alef Logo
كشاف الوراقين
              

سيرة شعرية مفتوحة لأنسنة الجمال

2008-01-08

عرف القارئ العربي الشاعر الكردي شيركو بيكه س عن قرب منذ ديوان «مرايا صغيرة»، الذي قام بترجمته مجموعة من الأدباء الأكراد عام 1988، مروراً بترجمة جلال زنكبادي لديوان «ساعات من قصب» 1994، و«مضيق الفراشات» الذي ترجمه آزاد البرزنجي عام 1996، ومن ثم ديوان «نغمة حجرية» الذي قام بترجمته مجموعة من الأدباء 1999، وصولاً إلى ديوان «سفر الروائح» الذي ترجمه آزاد البرزنجي 2001.
كثيراً ما تأتي ترجمات الشاعر الكردي شيركو بيكه س لتفتح نافذة جديدة على تجربة شعرية مليئة بالزخم الإنساني وهمّ المكان؛ تجربة تخرج على إطار الحالة الكردية بمعناها الضيق لتؤطّرها في معناها الديموغرافي الواسع من دون الوقوع في مطبّ الابتعاد عن همّ الشعر الصافي الباحث عن التفاصيل الإنسانية الصغرى.
نصّ الكرسي عُرِّف عنه في الصفحة الأولى بأنه «نص مفتوح - الشعر - القصّ - النثر - المسرح»، لكنه في خضمّ القراءة يأتي متجانساً ضمن القالب الشعري وينتقل بهدوء بين القصّ والمسرح والسرد الحكائي دون الانزياح عن إطار القصيدة، إنما يضمّنها تلك الحالات كجزء من نسيج النصّ، مستفيداً من السردية العالية التي كُتبت بها هذه السيرة الشعرية.
شيركو بيكه س في ديوان «الكرسي»، الصادر لدى «دار المدى» (ترجمة: سامي ابراهيم داوود) يتخذ من رحلة كرسي، مذ كان غصناً في شجرة حتى أصبح كرسياً على يد النجار، مروراً بحياته وذكرياته، إطاراً «فضفاضاً» لرحلة الإنسان اللااختيارية في الحياة؛ هذه الرحلة الممتدّة منذ النطفة وصولاً إلى عتمة الحفرة الأخيرة.
محاولة أنسنة الجماد في «الكرسي» تنصاع لتجربة الشاعر مع الحياة، فهو يُسقط، في الكثير من مقاطع نصّه، ذكريات صباه وحياته دون فجاجة، وينتقل بسهولة بين الخيال وشدّة مطابقة الخيال للواقع في أحاديث ونقاشات تدور على لسان مجموعة من الكراسي كاشفةً رغبة الخشب الدفينة في أن يكون على يد ..... «النجّار» ما يتمنى هو لا ما يتمنى النجار، بالإضافة إلى البون الشاسع الذي تتحكّم به مجريات الحياة بين أن تكون كرسياً في غرفة شاعر أو أن تكون كرسياً للتعذيب في معتقل... تماماً هي انعكاس لأحلام البشر التي تديرها عجلة الحياة على هواها وتتحكّم بها مجموعة من التفاعلات التسلسلية الخارجة على رغباتنا: «بعد حياتك هذه... ستُبعثين لصانعك النجار،/ ماذا تحبّين أن تكوني؟/ قالت إحداها: أريد أن أكون معرض كتب/ والأخرى: خزانة لغرفة فتاة/ الأخرى: خزانة أوانٍ/ الغريب أنه بعد سنوات عدّة/ ذاك الذي كانت أمنيته أن يكون معرضاً للكتب/ صار خزانة أوانٍ/ والذي أراد أن يكون سرير زوجين / لسوء حظّه صار خشب غسل الموتى/ والذي حلمه أن يكون زورقاً/ صار محفّة في جامع/ والذي أمنيته أن يكون مجدافاً/ جعلوه مشنقة»!
هموم الكرسي هي هموم إنسانية بحتة، والأغلب أنها جزء من هموم شيركو بيكه س نفسه، فهو وعلى لسان شخصياته يفسح المجال أمام لاشعوره بالانسكاب على الورق مازجاً الخاص بالعام، ومُظهراً في جوانب عديدة أن الكرسي في الكثير من ذكرياته هو الشاعر نفسه: «أنا كاتب هذا النصّ/ عتيق في المدينة/ مجنون كالريح/ حافٍ/ رثٌّ/ حائر../ آتي وأغدو /حيناً أستحيل شعراً ثملاً في حانةٍ/ وحيناً في خلوةٍ صوفية/ أمسي قصةً حدباء/ أو خطيئةً هائمة».
يمكن أن نرى قدرة شيركو على التنويع بين حالات عدّة، ودمجها في بوتقة واحدة من دون أي انقطاع يؤدي إلى الخروج على حالة النصّ، بل على العكس تأتي تنويعات الشكل، ومن ثم المضمون، متناغمة مع مسرحة النص وأنسنة الجمادات وتجسيمها، ويُترك للقارئ لملمة المتساقط من بين السطور، فهو منهمك بالتذكّر وفي الوقت نفسه يراوغ على لسان جماداته، معبّداً الطريق لتركيب جملته الشعرية، بحسب منطق النصّ لا منطق اللغة، في حين أنه يوظف الدراما في نصه حتى حدودها القصوى: «في رأسه / يتلوّى مسمار الوجع / كعمر اليأس/ تهن رموش انقباضاته/ حسير البصر في الظل/ دبق الجلد/ شاحب/ في الشمس/ ندي ككأس شاي ذهبيّ باسم/ تأخذه البهجة/ كلما اقتعد الشعر عليه».
يستعير شيركو نصّه من المكان، ويسترسل في سرقة اللحظة الهاربة من الزمن، مؤطّراً التاريخ بالشفافية ومازجاً بين الواقع والسحرية ببراعة الحكواتي ورهافة الشاعر:
«مذ كنت شجراً/ أيام الثورة في الجبل/ إذا سمعت يوماً/ أن طفلاً صُدم في المعمورةِ/ كانت براعمي تتكسّر/ وتتقصف أوراقي».
ورغم الحضور الطاغي للمراوغة في تراكيب المقاطع الشعرية، إلا أن الوضوح يناور بنقل المحسوس البديهي إلى المجرّد ويضفي ضبابية لذيذة على العوالم المنسوجة مضمّناً إيّاها خيالاً رغم واقعية الزمان والمكان الحاضرة في نصّه بقوّة: «يقول العاشق:/ ذات ليلة سألتني الوحدة:/ ما هو العشق؟/ قلت: عندما تصبحين فراشة/ حول اللظى/ عندما تحضن الفراشة النار/ والنار تستحيل رماداً/ قلت: حينها يأخذ الريح الرماد/ للعدم/ والعدم يصبح.........../ حلماً».
في نص «الكرسي» تناقض جميل بين الكلمة المفردة وبينها إذ تدخل في تركيب الصورة الشعرية، فكلمات كثيرة تأتي فجّةً بمفردها، وفي الوقت نفسه لا يمكن الاستغناء عنها لخدمة السياق، في حين أن الصورة الشعرية المركّبة من هذه الكلمات تأتي سلسة وبعيدة كلّ البعد عن المباشرة: «طوال النهار، كانت أصابعه كمنقار ديك/ مأخوذة بالطقطقة/ كنت ألاحقه/ من كل أربع كلمات/ كان عنق كلمتين ينكسر».
موضوعات كثيرة احتشدت في «الكرسي»، فهو أشبه ما يكون بتسجيل لمرحلة وطريقة حياة وأحداث مرّت بها جبال الكرد، دون أن يقع في مطبّ التأريخ، ودون أن يبتعد عن التلقائية التي عادةً ما يتميّز بها بيكه س في قصائده. هذه التلقائية النابعة من الذكاء في اختيار الصورة والقدرة الكبيرة على التلاعب بنسيجها، بالإضافة إلى بساطة الطرح وعمق الدلالة. شيركو بيكه س في قصيدته الطويلة «الكرسي» صوت شعري عميق وعزف منفرد لذات مشبعة بالقلق الجميل.
صحيفة أوان الكويتية
الثلاثاء, 18 ديسمبر 2007

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow