الجزائري مصطفى ماضي: مثقف في "منزلة بين منزلتين"
2009-01-18
قدر مصطفى ماضي أن يكون في "المنزلة بين منزلتين" بتعبير المعتزلة، فهو القادم من بلدة صغيرة تقع بالقرب من بريكة بالشرق الجزائري اسمها مدوكال، انتبه إلى نفسه واستعاد هوسه بالبحث السوسيولوجي يهتم حاليا بموضوع غاية في الخطورة من وجهة نظره وهو "الانتقاء باللغة" الذي سيصدر لاحقا في شكل كتاب..
هذا المسكون باللغة حد الهوس وهو الواقف في المنزلة بين العربية والفرنسية المزدوج اللغة.. يتذكر تلك المعارك التي كان يقودها في سبيل التعريب في الجزائر إلى درجة أن اتهمه البعض بـ "البعثية"، ففي النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين التحق طالبا بمعهد علم الاجتماع وهو القسم الوحيد المشهود له بـ"التسامح اللغوي"، وصادف أن كان في الفوج الوحيد المعرب وكانت نية المسؤولين آنئذ غلق فرع علم الاجتماع باللغة العربية لكن مصطفى انضم إلى صف المحتجين ولم يغلق الفرع.. وفي ذات القسم يفتخر بأنه درس على يد السوسيولوجي الراحل عبد المجيد مزيان في "علم الاجتماع الثقافي والأنثربولوجيا"، وهناك انخرط في النشاط السياسي محاولا مع زملائه "محو القطيعة بين المعرب والمفرنس"، وكان الشرخ بين المعسكرين يزداد يوما بعد يوم وكان مصطفى في المنزلة بينهما يتهم مرة بالدفاع عن العروبة ومرة أخرى باليسار والتوجه الغربي، ولم تمر سنوات قليلة حتى طرد من يومية الشعب التي التحق بها سنة 1973 محررا بالقسم الوطني.. وكان طرده في سياق عملية "تطهير إيديولوجي" نفذها المدير العام للمؤسسة حينها محمد السعيد في عهد وزير الإعلام أحمد طالب الإبراهيمي، والحجة هي تطهير يومية الشعب المعربة "الوحيدة في زمن الحزب الواحد والفكر الواحد" من الشيوعيين مع أن ماضي يقول بأنه كان في "يسار" حزب الطليعة الاشتراكية اليساري.. لكن كان في المنزلة بين الإيديولوجيات المناحرة ولم يفهمه أحد ولم يغفروا له وقوفه في تلك المنزلة، وكان من بين المطرودين من صحفيي "الشعب" حينها عبد العالي رزاقي، وصافي عمار وشعبان لوناكل وغيرهم من "الشيوعيين".
كانت تلك نهاية فصل من مسيرة طويلة، ليبدأ فصل آخر بحصوله على منحة جامعية في الخارج وقد اختير للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لكنه رفض الذهاب إلى "بلد الامبريالية" واختار الدراسة في فرنسا.. كان ذلك سنة 1977 وفي باريس اكتشف جوا آخر مع "المعارضة العربية" هناك وتعرف عن قرب عن غالي شكري والعفيف الأخضر (الذي لم يعد صديقه بأن أن تحول إلى واحد من المطبعين مثلما يؤكد) وغيرهما كما تعرف على محامية الرئيس الأسبق أحمد بن بلة الذي كان في السجن حينها وقد أصبحت واحدة من أصدقائه فيما بعد..وهناك بقي ثلاث سنوات ونصف سنة أثمرت حصول على شهادة الأستاذية وديبلوم دراسات ودكتوراه في علم الاجتماع.
وفي الوقت الذي عاد فيه مصطفى إلى الجزائر والتحق في سبتمبر 1980 بجامعة الجزائر أستاذا في علم الاجتماع، لم تأكله الجامعة مثلما أكلت الكثير ممن جاؤوا قبله وجاءوا بعده بل بقي هم المثقف القلق يسكنه بل تمكن من إقناع والده باستثمار المطبعة التي يمتلكها ويؤسس دار نشر أسماها "الحكمة" وهي الكلمة التي تحيل على المأمون بن هارون الرشيد أول خليفة معتزلي قاتل في سبيل فكرة "المنزلة بين منزلتين"، ومع دار الحكمة تمكن مصطفى بحسه النقدي أن ينشر سلسلة من الكتب أثارت زوابع إعلامية وسياسية كبرى لعل أشهرها "مذكرات الرائد لخضر بورقعة.. شاهد على اغتيال ثورة" والذي وضع له العنوان بنفسه، وكتاب احميدة عياشي "الإسلاميون الجزائريون بين السلطة والرصاص" الذي صدر قبيل انتخابات 1991 التشريعية الملغاة وصودر بعد أسابيع من توزيعه بعد أن أصبح مرجعا في فهم الظاهرة الإسلامية المتنامية ساعتها، ولما قررت العائلة التراجع عن النشر بتلك الصورة كان عليه مغادرة المؤسسة وتلقى عرضين من "الشهاب" و"القصبة" ليختار القصبة في النهاية ومعه عرفت التميز في صناعة الكتاب، وأصبح "متعاونا" على حد تعبيره معها ومشرفا على واده من أهم السلاسل الجامعية يحث الأساتذة على الكتابة والترجمة حتى لا تبقى الجامعة لأ"الهمل" وهو مصطلح لابن رشد الذي يستعمله..
مصطفى ماضي الذي تمزق طويلا بين الجامعة التي لم يتخل عنها والنشر الذي عشقه نسي في زحمة ذلك الانخراط الكتابة مؤقتا وهو يستكتب الناس فيقول بأنه سيكتب لاحقا ما يمكن أن يكون "يوميات مع المؤلفين" فلكل كتاب قصة وقد نشر لكبار الكتّاب والسياسيين، وقبل ذلك فهو مشغول بجديد النشر في دار القصبة وكتابه "الانتقاء باللغة" الذي يتقدم فيه بثبات.. ذلكم هو مصطفى ماضي عاشق "المنزلة بين منزلتين".. الرافض لأن يكون مجرد أستاذ في "جامعة الهمّل".
[email protected]
08-أيار-2021
القاص اعلاّوة حاجي: راهنت على تقديم مادة قصيرة تتماشى والقراءة الالكترونية حاوره: |
11-حزيران-2009 |
04-حزيران-2009 | |
23-أيار-2009 | |
14-أيار-2009 | |
08-أيار-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |