إيروتيك / مقتطفات من رواية برهان العسل لسلوى النعيمي
2008-01-21
لم أحك لأحد في البداية عن هذا الولع المعرفي. كانت هذه الكتب سري الذي لا أشارك فيه أحدا. و قلت له : نعم. جاء المكر و انفتح القمقم. في السرير حكيت له عن قراءاتي السرية. تداخل السران و امتزجا نهرا واحدا.
في تلك الأيام كنت أكتفي بالتلذذ بهذه الكتب و استعادتها معه. في البداية كنت أبحث عن اسم كل وضع جنسي و أنقله له. صارت الأسماء المضحكة في أغلب الأحيان شيفرة سرية نتناقلها بيننا ببراءة ظاهرية ، نطعم بها حديثا في حضور الآخرين . و نتفنن في تمريرها في كل سياق. لم يكن ذلك سهلا : كيف يمكنك أن تلفظ كلمات مثل المقمّع و الكباشي و الكوري و اللوي و خياطة الحب في جملة مفيدة ؟. كان جهل الآخرين عونا على اللعب نستغله من دون حرج.
كنت واثقة من أنه لا أحد يستطيع أن يتوقف عند هذه الكلمات.إلا إذا كان خبيرا بكتب الباه ، يقرأها و يعيد ، مثلي أنا . هذا نادر ، حتى في أوساط المثقفين العارفين بأمور التراث، تأكدت منه بالتجربة العملية و كانت طريفة في كل مرة. مع " المفكر " أدركت قيمة ما أقرأ و وعيت أهميته. صرت أتنقل بين أحمد التيفاشي و علي بننصر و السموأل بن يحيى و نصر الدين الطوسي و محمد النفزاوي و أحمد بن سليمان و علي الكاتبي القزويني و السيوطي و التيجاني و كأنني بين أصدقاء. أقرأهم و أستعيدهم ، أتمزمز بنصوصهم و أترجم حياتي إلى كلماتهم . أحتفظ بها كلمة سرية لا أجرؤ على البوح بها إلا للمفكر.
لماذا كان هذا الترقي بين المفكر و كتبي السرية ؟.
يخطر لي أنني انتقلت معه إلى مرحلة وعي جنسي ما كان يمكن أن تنفصل عن قراءاتي. تداخلت التجربة العملية بقاعدة نظرية ، و ما كان يمكن لهذا التقاطع إلا أن يقدح شررا. كنت أتسلى بحالة ما أعيش معه إلى مقاطع من هذه الكتب. أنقله له أولا بأول و ينظر إلي بدهشة : هذا كنز معتم عليه لا يعرفه إلا القليلون . يجب الكتابة عنه و التعريف به.
كان المفكر سري و كانت الكتب جزءا من هذ السر.
كانت الحرية التي يكتب بها القدماء تمد لي لسانها مع صفوف الكلمات الي لا أجرؤ على استعمالها ، لا شفويا و لا تحريريا. لغة مهيّجة . لا يمكنني أن أقرأ مقطعا من دون أن أتبلل. لا يمكن للغة أجنبية أن تثيرني هكذا. العربية هي لغة الجنس عندي. لا يمكن للغة أخرى أن تحل محلها وقت الحمى ، حتى مع غير الناطقين بها، من دون الحجة إلى ترجمة طبعا.
كانت الكلمات الممنوعة تحيي تاريخا من الكبت الجنسي و تحيي معه مقاومة هذا الكبت. الطريف أنني لم أكن أستعمل هذه المفردات ، حتى بيني و بين نفسي. مفردات القراءة فقط. لا للكلام و لا للكتابة. حتى الآن يصعب علي أن أستعمل في لغتي كلمة من " الكلمات الكبيرة " . أتحاشاها . يمكنني أن أنقلها ، و أن أستشهد بها ، و براءة الأطفال في عينيّ ، مهما كانت ساخنة. أم أن أستعملها للحديث عني و عن تجاربي فتلك حكاية أخرى.
هذه النصوص جزء من ثقافتي. هذه النصوص جزء من مخيلتي.
هذه النصوص جزء من حياتي الجنسية. قبل المفكر ، و معه ، و من بعده. في هذه النقطة الحساسة من تشابك التجارب من المستحيل أن تفك أي ارتباط. التداخل هنا عضوي . نعم عضوي. هل يمكن لي أن أستبدلها بأية كلمة أخرى.؟.
عرفت باكرا ما أريد و قررت أن ألعب لعبتي الخاصة. أدرجت هذا جزءا من حياتي السرية التي لا يعرفها أحد غيري. لست ملزمة بتقديم تقارير عنها لأي إنسان. لا أريد من الآخري موافقة ، و لا صفحا ، و لا مشاركة. حياتي لي وحدي. و أسراري لي وحدي.
في البداية ما كنت أريد لهذا الارتباط أن ينفك . لم أكن أريد أن أزيح الستار عنه. أن أعلنه. لم أجرؤ يوما حتى على الحديث عنه.
كنت أعده فضيحة.
كنت أتساءل إن كانت الفضيحة في الفعل أم في إعلان الفعل ؟.
كنت أدهش حتى لسؤالي و أقول لنفسي : إن معلميّ القدماء كانوا أكبر من السؤال.
فضيحة قلت ؟.
ما الفضيحة.
هل كوني امرأة هو الذي ينفخ قراءاتي السرية ؟.
أليس اعتباري لها سرا جزءا من تلك التربية المخصية التي ربيت عليها. لماذا يمكنني أن أتباهى بقراءة الأدب البورنوغرافي الغربي و الشرقي و أخفي قراءتي للتيفاشي. ؟. لماذا أعلن عن ولعي بجورج باتاي و هنري ميللر و الماركيز دو ساد و كازانوفا و الكاما سوترا ، و أتناسى السيوطي و النفزاوي ؟. هذه حكايات قديمة على كل حال ، و قراءاتي الخبيئة صارت موضة الآن ، الجميع يتحدثون بها و أولهم أنا. سري القديم انفضح و اتضح.
انفضح و اتضح و صار مثل غمزة بياع الزعتر ، يراها الجميع.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |