جورجي والجويلي
2009-01-30
بزغ نجم جورجي زيدان في بدايات القرن العشرين كصاحب اسهامات عظيمة في المجال الأدبي والتاريخي فهو مؤسس دار الهلال المصرية وصاحب الروايات الاسلامية الشهيرة من أوائل من كتبوا روايات تاريخية مُستمدة في إطارها العام من التاريخ الإسلامي .. بل إن كثيرا من النُّقَّاد يعدونه رائداً للقصة الإسلامية التاريخية في عالمنا العربي ..
واذا كان جورجي زيدان يمثل علامة ادبية وتاريخية مميزة اختلف حولها البعض اعجابا ومدحا بينما تناولها البعض الآخر بالقدح والاتهام بتأثير ديانته المسيحية وهو يتناول تاريخ اسلامي ، لكن الاستاذ احمد علي الجويلي ابن الاسكندرية والحاصل علي درجة الدكتوراة في الأدب العربي من كلية الآداب بجامعة المنوفية يقدمه لنا من زاوية أخري حيث يلقي الضوء في كتابه الجديد جورجي زيدان والبحث اللغـوي حيث يعرض لاسهامات جورجي زيدان في المجال اللغـوي وذلك في كتابيه
1- الفلسفة اللغــوية
2- اللغـة العربية كائن حي .. حيث يتناول اراءه ، ونظرياته اللغـوية والتي تندرج تحت ما يعرف بعلمي : فقه اللغـة ، وعلم اللغـة ..
وقبل ان نعرض ما بكتاب الدكتور الجويلي نتذكر رأي الدكتور فاروق مواسي في كتابه لغتنا كائن حي وهو يعارض المتزمتين في اللغـة وقد نصبوا انسهم أوصياء وأنا أريد أن نحافظ علي النحو والصرف بقواعد أصولية فان وجدنا مخرجا وشاهدا يجيز لنا صورة أخري فلا جناح علينا ليسير اللغـة وادائها فهل يعقل أن نقول فاز الفريق بالقدح بدلا من الكأس لأن لا تطلق الا مع امتلاء القدح بالماء .. واذا كتبنا أرسل له وأرسل اليه ، وبعث له وبعث اليه .. بربكم الا تفهم الجملة بهذه وتلك ..؟ ويقول انه من انصار الأعجمية اذا لم يكن لها بديل دقيق يؤدي دلالتها وفحواها خاصة ونحن في عصر مخترعات تسبقنا كثيرا ، فلنبق هذه الكلمات ونعربها حتي نملكها كما يقول طه حسين فالتليفون والتلفزيون والكاسيت والسي دي والفيتامين والبنزين والرجيم والمساج والانترنت وغيرها كلمات عالمية ونحن من المستهلكين لها كما هي ولن نتفق علي ترجمة لها شئنا أم أبينا . لذا نحبذ صور التوليد والاشتقاق والنحت الجديدة فجمال اللغـة في توثبها وخلقها في انطلاقها وسبقها وهذا معني ما قاله جورجي في كتابه ان اللغـة العربية كائن هي فلغتنا هي خلاصة فكرنا ووعاؤه وهي حتما لن تقف حتي تظل لغتنا الجميلة ..
وعودة الي جورجي والجويلي ورغم صعوبة التناول فقد حاول الدكتور الجويلي ـ قدر الإمكان ـ تبسيط الحديث عنها ، حيث بعضها مبتورة التعريفات وغير مستوفاة كما يقول الجويلي و مستعرضا أهم الآراء التي توصل اليها علماء اللغـة قديمهم وحديثهم وموضحا رأيه في ذلك ..
وجاء تحليل كتاب الفلسفة اللغوية في فصلين ..
الأول : القضايا الخمس ..
الالفاظ المتقاربة لفظا ومعني هي تنوعات لفظ واحد ودار البحث حول ما يعرف بالقلب والابدال الالفاظ المانعة الدالة علي معني في غيرها إنما هي بقايا ألفاظ ذات معني في نفسها
الثنائية في اللغـة العربية ( الثنائية التاريخية .. الثنائية المعجمية )
الألفاظ المطلقة قابلة الرد بالاستقراء الي لفظ واحد أو بضعة الفاظ
المجاز في الاستخدام اللغوي
الفصل الثاني وهل اللغـة ضرورية توقيفية أم هي مكتسبة اصطلاحية ..؟
وجاء الباب الثاني لتحليل كتاب جورجي ( اللغـة العربية كائن حي )
ويعرض تاريخ اللغـة باعنبار منشأها ونموها وما اندثر منها وما طرأ عليها من التغيير والتجديد
فالغـة وسيلة وغاية الي دراسة الثقافة كجزء من النشاط الانساني مع المقارنات اللغوية وتاريخ الكلمة واللهجات وصولا الي اللغـة الأم
وتناول البحث الألفاظ الأعجمية وتأثر اللغات بعضها ببعض ومقابلة بعض الألفاظ الدخيلة باصولها والتغيير في الألفاظ مثل الألفاظ الاسلامية والادارية والعلمية والنصرانية واليهودية
كذلك الألفاظ الدخيلة والمولدة في عصر التدهور
واخيرا الحديث عن النهضة العلمية الأخيرة
وان كانت المـادة غير شيقة للبعض نظـرا لخصوصيتها ومصطلحاتها العديدة الا ان التدقيق للمراجع والهوامش والذي جاء في نهاية البحث طبقا لأساليب البحث المستخدمة بالجامعات كان علي حساب ندرة الأمثلة وكلمات غير دارجة أو مندثرة وعدم وجود موجز في نهاية كل قضية أوفصل يساعد القارئ علي التوقف ثم الولوج الي الجزء التالي .ص90
وكتب الاستاذ احمد شبلول في مدونته ( شمس أخري بحر آخر )
لم يكن جورجي زيدان (1861 ـ 1914) كاتبا ومؤرخا في النواحي الأدبية والاجتماعية، ومؤسسا لدار الهلال بالقاهرة ومجلتها الشهيرة "الهلال" 1891 فحسب، ولكنه إلى جانب ذلك كان باحثا لغويا، بل فقيها في علم اللغة، ووضع في ذلك كتابين مهمين هما: "الفلسفة اللغوية"، و"اللغة العربية كائن حي"، نشر فيها آراءه ونظرياته اللغوية، وبسط فيهما الشرح والإيضاح لمسائل لغوية عديدة. وحول هذين الكتابين تحديدا توقف الباحث د. أحمد علي جويلي فوضع كتابه الجديد "جورجي زيدان والبحث اللغوي" الذي صدر مؤخرا عن دار الثقافة العلمية بالإسكندرية دار الباب الأول من كتاب جويلي، فتحدث عن قضايا لغوية خمس عند زيدان، هي: ـ القلب والإبدال، فالألفاظ المتقاربة لفظا ومعنى هي تنويعات لفظ واحد. ـ الاشتقاق والنحت ومزيدات الأفعال وتصاريفها، وتصاريف الأسماء، حيث الألفاظ المانعة الدالة على معنى في غيرها إنما هي بقايا ألفاظ ذات معنى في نفسها. ـ ثنائية اللغة، فالألفاظ المانعة الدالة على معنى في نفسها يردُّ معظمها بالاستقراء إلى أصول ثنائية (أحادية المقطع) تحاكي أصواتا طبيعية. ـ الألفاظ المطلقة، وهي الضمائر واسم الإشارة واسم الموصول حيث يمكن بالدلالة بواحدة منها على أي نوع من الموجودات، فجميع الألفاظ المطلقة قابلة الرد بالاستقراء إلى لفظ واحد أو بضعة ألفاظ. ـ المجاز في الاستخدام اللغوي، حيث يرجع زيدان قسما كبيرا من ألفاظ اللغة إلى الاستعمالين: الحسي والمعنوي. ويضرب مثالا على ذلك بلفظ (فصل) الذي يستخدم استخداما حسيا بمعنى (قطع) و(أبان) كما يستخدم استخداما معنويا حينما نقول "فصل الحكم الخصومات". ويرجع زيدان الأسبقية إلى المعنى الحسي، ثم يأتي بعده الاستخدام المعنوي.
وحول السؤال الأزلي: هل اللغة ضرورية توقيفية أم هي مكتسبة اصطلاحية؟ يأتي الفصل الثاني الذي يحمل عنوان "اللغة بين التوفيقية والاصطلاحية"، مفندا رأي جورجي زيدان في هذه المسألة ورده على القائلين بأن اللغة توقيفية، والقائلين بالاصطلاح والتواضع، فكونها ضرورية يقتضي كونها حاصلة بلا اكتساب ونظر، وكونها توقيفية يقتضي كونها ثابتة البناء، والدلالة غير قابلة التغير والانفعال شأن كل ما هو توقيف منه تعالى. والواقع خلاف ذلك فإننا لا ننطق إلا بما نسمعه من الذين حولنا، ونحن لا نتكلم العربية إلا أننا نشأنا بين قوم يتكلمونها، ولو اتفق أننا ربينا بين اليونانيين لكانت لغتنا اليونانية، أو بين الهنود فالهندية.
ويرى زيدان أن الأصوات الطبيعية الحية وغير الحية هي ما اقتبسه الإنسان للغته حيث بدأ بتقليد هذه الأصوات الأولى إلى أن أصابها النحت والإبدال والقلب حتى صارت إلى ما هي عليه. وفي الباب الثاني يقوم جويلي بتحليل كتاب "اللغة العربية كائن حي" لجورجي زيدان من خلال ثلاثة عشر فصلا، بدأها من العصر الجاهلي وأنهاها بالنهضة العلمية الأخيرة، متوقفا عند الألفاظ الأعجمية وتأثر اللغات بعضها ببعض، ومقابلة بعض الألفاظ الدخيلة بأصولها ومنها ما نقل عن اليونانية واللاتينية والحبشية والسنسكريتية، والقاعدة في تعيين أصول الألفاظ الأعجمية وما نقل عن الفارسية وألفاظ اللغات في التاريخ القديم، والتغيير في الألفاظ، ومقابلة العربية بأخواتها. ومن خلال هذا التحليل يرى جويلي أن كتاب "اللغة العربية كائن حي من الكتب اللغوية القيمة التي سبق به جورجي زيدان العديدين من الكتاب العرب المعاصرين، وكان رائدا لهم في الدراسات اللغوية ... ونترك هذا الجانب لنقدم وقفة أخري مع الطرح الأدبي والتاريخي لجورجي زيدان
وقفة .. مع هذيان جورجي زيدان
وقفات مع جورجي زيدان وتياره الفكري والملامح الفنية لطرحه الأدبي والتأريخي .. ووجدتُ ضالتي في كتابٍ قيِّم للدكتور ((عبدالرحمن العشماوي)) بعنوان
(وقفة مع جورجي زيدان) ويتألف من (88) صفحة من القطع المتوسط وتمت طباعته في مكتبة العبيكان ويحتوي الكتاب على عدة محاور منها :
التعريف بجورجي زيدان ومؤلفاته
نقد وتحليل لروايته التاريخية (صلاح الدين الأيوبي
التشوية التاريخي للشخصيات الإسلامية في رواياته
الملامح الفنية لرواياته
من هو جورجي زيدان ؟
هو جورجي حبيب زيدان ، لبناني من عين عنوب ، وُلد في بيروت عام 1861ترك المدرسة صغيرا ثم التحق بالكلية السورية الإنجليلية ( الجامعة الأمريكية) ودرس الطب ولكنه اضطر لترك سوريا مُرغماً فيمَّم وجهه شطر مِصر فانخرط في سلك الصحافة والترجمة والتأليف والنشر والتي أثمرت عن تأسيسه لدار (الهلال) للطباعة والنشر ثم ألحق بها مجلة الهلال .. وبدأ جورجي زيدان رحلته مع التأليف عام 1889م ومن مؤلفاته
أولا في التاريخ :
كتاب ( مصر العثمانية) وكتاب (التمدن الإسلامي) وكتاب (تاريخ مصر الحديث) وكتاب (تاريخ العرب قبل الإسلام )وكتاب (تاريخ الماسونية) وكتاب ( رحلة جورجي زيدان إلى أوروبا) وكتاب وكتاب (التاريخ العام منذ الخليقة إلى الآن
وكتاب (تاريخ انجلترا منذ نشأتها إلى هذه الأيام) وكتاب (تاريخ اليونان والرومان
ثانيا في اللغة العربية وآدابها : ومنها كتاب (تاريخ آداب اللغة العربية) وكتاب (تاريخ اللغة العربية) وكتاب (أنساب العرب القدماء) وكتاب(الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية) وكتاب ( مختارات جورجي زيدان في فلسفة الاجتماع والعمران
ثالثا الروايات الأدبية ذات الصلة التاريخية :
ومنها رواية ( أرمانوسة المصرية) ورواية( فتاة غسَّان) ورواية (عذراء قريش) ورواية (السابع عشر من رمضا ن )ورواية (غادة كربلاء) ورواية (الحجَّاج بن يوسف) ورواية (فتح الأندلس) ورواية (شارل وعبدالرحمن) ورواية (أبو مسلم الخراساني) ورواية (العبَّاسة أخت الرشيد) ورواية (الأمين والمامون) ورواية (عروس فرغانة) ورواية
أحمد بن طولون) ورواية ( عبدالرحمن الناصر) ورواية (الانقلاب العثماني) ورواية (فتاة القيروان) ورواية صلاح الدين ومكائد الحشَّاشين ورواية(شجرة الدر)
الوقفـــــــة الثانية :
تتمحور حول رواية (صلاح الدين) وهو شخصية معروفة لدى القاصي والداني أفرد لها جورجي زيدان ثلاثمائة وخمسين صفحة .. تحتوي الرواية على أحداث كثيرة ، صغيرة وكبيرة ، خيالية وحقيقية حيث الملاحظ في الرواية أن الأحداث والشخصيات المحورية في الرواية كانت خيالية لاوجود لها في عالم الحقيقة فقد أسهب في ذكر شخصية( أبو الحسن الفاطمي) والذي عشق (ست الملك) أخت الخليفة العاضد وكانت له أطماع في الخلافة فأخذ يدبر المكائد تلو المكائد ، فشغل بذلك مساحة كبيرة من الرواية .. في حين نجده قد همَّش دور صلاح الدين وجعله شخصية ثانوية لاتكاد تُذكر في روايته إلا ماندر ناهيك وصفه ووصمه بالصفة لا بالإسم فتراة يُكثر من وصفه بالكردي في روايته وجملة الكردي تُوحي بموقف خاص من الكاتب تجاه صلاح الدين فهو برغم أنه جعل عنوان روايته (صلاح الدين) إلا إننا نلاحظ أن جورجي زيدان أسهب في السرد التاريخي لأخبار الدولة الفاطمية ووصف مواكب الخليفة العاضد ووصف قصوره ودوره في حين تجاهل ذكر صلاح الدين إلا قليلا
وعندما يتحدث عن صلاح الدين يتجاهل بطولاته وسنين جهاده وتحريره للمسجد الاقصى في حين نجد أنه يُدلِّس الحقائق بزيف أخباره التي يحشوها في الرواية فلم يذكر معركة حطين
في حين نجده يصف صلاح الدين بقوله (( إن موكبه لايقل عن موكب الخليفة في شيء ، وأرى عليه ملابس أفخر من ملابسه)) ويستطرد في وصفه ويقول (( هذا الكردي ، إن منظره يدعو إلى الهيبة أكثر من منظر الخليفة )) ويستطرد في حديثه بذكر موقفه الشخصي من صلاح الدين فيقول (( والبسطاء يستغربون خروج الخليفة لاستقبال ذلك الكردي ، والعارفون لايرون فيه غرابة لضعف أمر الخلافة))
واستمر جورجي زيدان ( بنبرته) النصرانية الحاقدة ينتقص من صلاح الدين ويثير حوله الشبهات فجعل من صلاح الدين في الرواية شخصية باهتة سوقية لاقيمة لها مما أضعف الطرح الفني للرواية لعدم مصداقية جورجي زيدان في التناول التأريخي لأحداث التأريخ الاسلامي ..وفي ختام تناولنا لرواية ((صلاح الدين )) لابد لها من عقد مقارنة تأريخية لحقائق أهملها ذلك النصراني الحاقد
يقول ابن كثير عن صلاح الدين (( لم يترك في خزانته من الذهب سوى دينارا واحدا وستة وثلاثين درهما ولم يترك دارا ولاعقارا ولامزرعة ولاشيئا من أنزاع الأملاك)) ويقول الزركلي عن صلاح الدين (( وكان رقيق القلب والنفس على شدة بطولته ، رجل سياسة وحرب ، بعيد النظر ، متواضعا مع جنده وأمراء جيشه ، لايستطيع المتقرب منه إلا أن يحس بحب له ممزوج بهيبة ، ولم يدخر لنفسه مالا ولا عقارا))
ويقول عنه بهاء الدين المعروف بابن شداد الذي عاصره (( وكان رحمه الله حسن العقيدة كثير الذكر لله مواظبا على صلاته وطاعته لله وكان رحمه الله شديد الرغبة في سماع الحديث ، كثير التعظيم لشعائر الدين وكان مبغضا للفلاسفة والمعطلة )) أما تصوير جورجي زيدان لصلاح الدين فنوجزه (( قال العم حسن هذا هو يا صاحبي صلاح الدين الوزير وهذا الثوب الذي عليه أفخر من ثوب الخليفة وعمامته البيضاء من نسج (تنيس) لها طرف مذهب وتحتها ثوب (ديبقي) مطرز بالذهب وكذلك الجبة التي عليه مطرزة بالذهب ، وفوق ذلك(طيلسان) مطرز بالذهب ، وانظر إلى عنقه هل ترى العقد ؟ إنه من الجوهر يساوي عشرة آلاف ديناروإلى جانبه سيف محلى بخمسة آلاف دينار ، وتحته حجرة (فرس) قيمتها ثمانية آلاف دينار ، وعليها سرج مذهب وسرسار ذهب مجوهر ، وفي رأسها مائتا حبة جوهر وعلى رأسها قصبة بذهب ، وفيها شدة بياض بأعلام بيض ، هذا هو صلاح الدين ))
هذا الوصف الذي قد لايستطيع العقل البشري تصوره عندما تقرأه الأجيال المُسلمة فترى هذه الشخصية المترفة الذي صوَّرها ذلك الجورجي الحاقد ثم تسمع من بطولات عظيمة عن صلاح الدين وأنه دافع عن حوزة الإسلام وحررر مقدساته فأي ازدواجية وتشويش سيحصل لها وكيف ستكون نظرتها إلى أبطال الإسلام ؟
في الختام نقول إن رواية صلاح الدين فقدت للمصداقية التأريخية والصدق الفني في تناول شخصياتهافهي أشبه بهذيان عقلية مريضة ونفسية شريرة ولعلي أختم هذا المحور بمقولة للدكتور نجيب الكيلاني
لقد حاول جورجي زيدان أن يقدم التأريخ الإسلامي في سلسلة من الروايات كانت ميتة الروح جافة الينابيع ، فأظهر الخلفاء وأعلام الحرية والفكر الإسلامي في نماذج سيئة التقديم
الوقفة الثالثة:
جورجي زيدان والنصرانية:
من الإنصاف أن نقول أن جورجي زيدان قد بذل جهدا كبيرا فيما كتب، وصدق مع نفسه وقلبه ، فعرض على المسلمين تأريخهم الإسلامي عرضاً روائياً يتلائم مع معتقداته النصرانية ومنطلقاته النفسية والفكرية ، فهاهو في روايته (غادة كربلاء) يقوم برسم صورة مُشرقة للكنائس والأديرة حيث نجدها دائماً هي مكان الأمن والطمأنينة في الوقت الذي يُصوِّر فيه الكاتب معارك العنف والدماء بين المسلمين ! .. فقد أسهب في وصف (دير خالد) والذي يقع بالقرب من دمشق وصفاً جميلا برزت فيه مشاعره نحو هذا الدير .. وتعاوده تلك المشاعر في رواية (فتاة غسَّان) حيث ختمها بقوله قالوا : حسناً ونهضوا إلى كنيسة بقرب الدير عقدوا فيها قران حمَّاد وهند) .. لذا فمن الظلم بمكان أن يصف بعض المتحذلقين السمجين روايات جورجي زيدان بأنها روايات تأريخ الإسلام لأنها في حقيقة الأمر لاتمت للإسلام بصلة اللهم إلا صلة التشويه .. وبرز ذلك جليا في جميع روايات ومؤلفات جورجي زيدان وأختم هذا المحور بكلمات نيِّرة للدكتور عبدالمحسن طه بدر عن جورجي زيدان فيقول: ( إن جورجي زيدان كان لايلجأ إلى الفترات المُشرقة التي تمثل أمجاد التأريخ العربي دائما ، ولكنه يختار المواقف الحسَّاسة أو كتلتين تتصارعان على النفوذ والسيطرة
الوقفــــــــــــــــة الأخيرة :
الملامح الفنية العامة لروايات جورجي زيدان
1- اضطراب البناء الفني في رواياته :
حيث يبرز ذلك الإضطراب في التنافر بين الأشخاص والأحداث ، مما أحدث شرخا كبيرا في البناء والسبب في ذلك عدم حرص الكاتب على عرض الحقائق التأريخية كما هي .. فنجده على سبيل المثال في رواية (غادة كربلاء) يقول الكاتب أثناء سرده لقصة مقتل الصحابي الجليل حجر الخير (( فأمر فحفرت القبور وأحضرت الأكفان ، وقام والدك وأصحابه يصلون عامة الليل ، فلما كان من الغد قدموهم ليقتلوهم ، فال لهم والدك اتركوني أتوضأ وأصلي فإني ماتوضأت ولاصليت ،فتركوه فصلى ثم انصرف منها )) تضمن هذا المقطع اضطرابا تأريخيا حدث بسببه الاضطراب الفني ، فهو يروي على لسان المتحدث إلى سلمى عن أبيها أنه ظل طوال الليل يصلي مع أصحابه ، ثم يناقض قوله ذلك المتحدث إلى سلمى حين قال ((فقال لهم والدك اتركوني أتوضأ وأصلي فإني ماتوضأت ولا صليت ))!فأي اضطراب هذا والذي ريقع حتى من الهُواة من الكُتَّاب !
2- عدم قدرة الكاتب على التغلغل في أعماق شخصياته التأريخية :
ربما نجد له بعض العذر كونه نصراني بعدم قدرته على التفاعل مع شخصيات التأريخ الإسلامي لاختلاف العقيدة والمنهج ولكننا لانقبل منه أي عذر في عدم قدرته على تنسيق حركة الأشخاص الخياليين الذين صنعهم بنفسه وشملهم برعايته ليهمِّش بهم دورالشخصيات الحقيقية وتشويههم .. فنجده يغض الطرف عن شخصية تأريخية واضحة المعالم كصلاح الدين الأيوبي وفي المقابل يبرز شخصية سلمى والتي هي من نسيج خياله فيقحمها في روايته (غادة كربلاء) وجعلها الشخصية المحورية للرواية ..
وفي رواية(عبدالرحمن الغافقي) نحى نفس المنحى بتشوية صورة عبدالرحمن الغافقي وجعله من شخصيات الظل في روايته في حين أنه عمد إلى صنع شخصيتين خياليتين هما مريم وأمها سالمة ليطرح من خلالهما مايريد (( فأدرك عبدالرحمن أن المراد بتقييد الزواج بذلك المكان هو تعجيل الفتح حتى يقطع المسلمون نهر لوار ، وهو آخر حدود أكيتانيا من جهة الشمال في الطريق الذي هم سائرون فيه فثار في خاطره حب الفتح ، وأحس من تلك الساعة بميل إلى مريم بنت سالمة ، وكان قد استلطفها منذ شاهدها ..نرى هنا كيف تعمَّد جورجي تشويه صورة عبدالرحمن الغافقي واختزال بطولاته وفتوحاته بحب فتاة نصرانية قد أخذت بمجامع روحه وقلبه فأحب الفتح من أجل أن يحظى بالزواج من مريم فأي عبث تأريخي ينسجه ذلك المأفون
تتمة الوقفــــــة الأخيرة :
لازال الحديث عن المعالم الفنية لروايات جورجي زيدان
3- اخفاق الكاتب في استخدام عناصر التشويق في رواياته لأنه يعد إلى حشو رواياته بالمصادفات الممجوجة ومفاجآت رخيصة تفقد الرواية الطابع الفني والحبكة الروائية .. فتراه يشط عن النص كثيرا بزرع طرهات من قصص غرامية خيالية وشخوص خيالية شاذة المعالم يهيم في وصفها وصفا دقيقا فعلى سبيل المثال نجده في رواية (فتاة غسَّان) يدعم هذا الإتجاه فيقول (جلست هند على السرير بجلبابها وقد أرخت شعرها ، وحسرت عن زندين مستديرين ممتلئين مشرقين يزينهما الوشم على صورة الصليب وعليه السيد المسيح وصورة مريم العذراء تحمل طفلها !!) ولاتعليق على النص سوى سيطرة النصرانية على عباراته ..
4- ضعف أسلوب الكاتب واضطراب لغته :
ويبدو ذلك جليا في تفكك جمله وعباراته فيعرض أحداث وشخصيات رواياته بعيدا عن البناء اللغوي السليم بالرغم من استخدامه للكلمات العربية الفصيحة في رواياته .. ومن أمثلة ذلك الإضطراب وضعف الأسلوب ماذكره على لسان عبدالرحمن الغافقي في روايته حيث يقول (( لاأريد الانتقام له ، ولكنني أخشى أن يترتب على مقتله اضطراب في صفوف الجند)) فمن يقرأ عن عبدالرحمن ويعرف أساليب ذلك العصر يدرك عدم التلاؤم بين كلمة ((يترتب على مفتله)) وبين قائلها ، فهي عبارة من صميم القاموس الصحفي المعاصر وورودها على لسان شخصية تاريخية يُعد خللا في لغة الرواية .. وهذا ماتكرر ايضا عندما أورد الكاتب على لسان جبلة بن الأيهم في نفس الرواية (فتاة غسان) قوله (( رافقتك السلامة في المسير والإقامة وجعل الله مسيرك سعيدا ولاحرمك مما تريد)) فعبارة ((رافقتك السلامة)) لاتتلائم مع جبلة بن الأيهم ذلك الملك الغساني الذي عاش في فترة كانت اللغة العربية فيها متميزة بفخامة العبارة وسلامة الأسلوب .
هذه أبزز المعالم الفنية لروايات جورجي زيدان .. نصل بها لختام هذه القراءة لهذا الكتاب القيِّم والذي بدل فيه الكاتب جهدا كبيرا في النقد الموضوعي البنَّاء والحرص على دقة الإستقصاء فشكر الله جهود شاعر الإسلام المعاصر الأديب الأريب الدكتور عبدالرحمن العشماوي (أبو أسامة) ولايفوتني أن أشير أيضا بالشكر والتقدير والعرفان للأستاذ شوقي أبو خليل فقد نقلنا من كتابه (( جورجي زيدان في الميزان)) نصوصا عدة ساعدت في اكتمال محاور هذه الدراسة النقدية التحليلية
مع تحيات الشربيني المهندس
مدونتي شربينكو
m-elsherbiny.maktoobblog,.com
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |