برهان العسل ( 3 ) باب المفكر و التاريخ الشخصي
2008-02-18
المفكر حكاية وحده.
قسمت حياتي قسمين . ق م و ب م ، قبل المفكر و بعد المفكر.
كنت أصل إليه مبللة تماما. يكفي أن أفكر فيه كي يفور دمي.
كان المفكر يقولها لي : أنت دائما مهتاجة ، لم أرك إلا محمومة. كنت أبتسم و لا يخطر لي أن أشرح له أنه سبب ارتفاع الحرارة في صدري . أرتمي عليه و تتأكد تحليلاته.
مرة في الميترو . كنت مستغرقة في استرجاع لقائي معه عندما تنبهت إلى الرجل الجالس في مواجهتي يحدق فيّ . ينظر إلي كأنه يتفرج على فيلم بورنوغرافي . ينظر إليّ و كأنه يقرأ أفكاري. ألم يقل لي المفكرمرة ، ونحن في المقهى و أنا أغالب شهوتي إليه في مكان عام : لم أعرف قبلك امرأة يعلن وجهها انتصابها " كنت أصل إليه مبللة و أول ما يفعله هو أن يمد أصبعه بين ساقي يتفقد " العسل " كما كان يسميه ،".
يذوقه و يقبلني ويوغل عميقا في فمي و أقول له : من الواضح أنك تطبق وصايا الرسول و تقتدي به : لا يقع أحد منكم على أهله كما تقع البهيمة . و ليكن بينكما رسول : القبلة و الحديث. عن عائشة : إن رسول الله كان إذا قبل الواحدة منا مص لسانها.
كيف يمكنني ألا أكون بنت هذا التراث.
كيف يمكن ألا أذكر المفكر به ؟.
لم يكن بحاجة إلى من يذكره بتراثه. هنا كان مسلما بامتياز.و أنا أيضا.
كنت أذهب إليه في الصباح قبل العمل. أصعد الدرج ركضا. رنة الجرس الخفيفة و يفتح الباب فورا و كأنه ينتظرني وراءه ، نصف نائم. أرمي ملابسي و أدخل السرير ملتهبة ، ألتصق به و أبدأ في تشممه. يرفع الغطاء و تمر يده على تفاصيلي ببطء. يتذوق عسلي بجدية راضية ، و أتفقد بشفتي كل موضع من جسده. عيناي مفتوحتان و جسدي . بين تسرعي المتلهف و تمهلله المتلذذ نجد إيقاعنا. يمر الوقت و لا نفترق . لا نتوقف. تحته ، فوقه ، إلى جانبه ، منبطحة على بطني ، راكعة على ركبتيّ . بين كل وضعية و أخرى يردد جملته : عندي فكرة . كانت أفكاره لا تنتهي. و أنا أحب الفلسفة.
سميته : المفكر .
المفكر حكاية وحده.
قسمت حياتي قسمين ، ق م ، و ب م : قبل المفكر و بعد المفكر.
قبله كانت الجاهلية الأولى.
لا يعني هذا أنني كنت عذراء الروح أو الجسد. لا هذه و لا ذاك.
لم أكن مثل حواء التي سألت آدم عندما نام معها للمرة الأولى : ما هذا ؟. ، قال :يسمونه النيك. قالت: أكثر لي منه فإنه طيب.
أنا ، مع تجاربي العملية ، قراءاتي السرية و العلنية ، كنت لا أعرف اللذة إلا معرفة شبه واعية. معرفة غامضة ، كصورة قليلة الدقة ، مهزوزة. جاء المفكر و انتظمت التفاصيل في أمكنتها.وضحت الخطوط و الألوان و تركزت الإضاءة. لم أعد أمثل دوري ، صرت أنا.
ق.م كانت الجاهلية الأولى ؟.
ألتقي رجالا ، أصطفيهم و يصطفونني. أعرف ما أريد و لا يعنيني ماذا يريدون. صفحات ممتلئة بكلمات ينكتب بعضها فوق بعض. تتراكب من دون أن تمحي. و في النهاية تنفرش أمامي مسودة مشوشة لا يحل رموزها أحد ، و لا حتى أنا. صفحات مكتوبة بشيفرة سرية. جاء المفكر ليلقي الضوء و ينظم الأساطير. لم يجّبَ ما قبله ، لكنه جعلني أدخل في منطقة وعي جديدة لأقرأ سطري من جديد.
ب م ، كان عصر النضة الجنسية. نهضتي أنا. و كل ما عشته بعده مع رجل آخر كان ملونا بحكايتي معه.
هذا شيء لا علاقة له بالإشباع.
كنت قبلها مكتفية شبعانة مرتوية و كان ذلك واضحا علي . عندما تشكت الصديقة أن بعض السحاقيات يغازلنها في تظاهرة فنية للنساء قلت مازحة : لم تغازلني أية امرأة حتى الآن ، علق الجوّاب : رائحة الرجل تفوح منك على بعد كيلومترات و تريدين أن..
هو فهم ذلك أيضا. كان يقول لي : اعتدت حتى الآن على شبع ( الفاست فود ) ، معي تعيشين شيئا آخر . كان محقا ؟.
ربما.
كان يقول لي : النساء نوعان : المرأة الخسة ، و المرأة الجمرة . و أنا ؟ ، أسأل بخبث. لا يرد بل يجذبني إلى صدره و أرتمي عليه و يقبل عيني و شفتي ، و أمص ريقه ، و يحسس على بطني . افتح ساقي و يدخلني عميقا ليحترق معي. أود أن أسأل : و الرجال ، كم نوعا للرجال ؟، و تنسيني لذتي كل الأسئلة.
إيقاعنا الواحد جاء منذ البداية. لم أحتج لتمرين أو دوزنة . يدهش هو و يعلن دهشته. لم يكن لي الوقت كي أشاركه الإعلانات. كنت في حكايتي معه مكتملة. أسكت. ألتصق بجسده و أغمر وجهي تحت إبطه و أتنفس رائحته ملء صدري.
فائدة الجماع الأول شهوة ، و الثاني لذة ، و الثالث شفاء.
كان يعانقني خلف الباب المغلق عناق الوداع و لا نستطيع فراقا. يقبلني و يقبلني ، و لا أستطيع فراقا ، و أركع أمامه و أنحني أفرك رأسي عليه و أريده أن يملأ فمي و أكاد أختنق لهفة ،و ينتشر و أمتص شرهة حتى آخر قطرة و أرفع عيني إليه لأرى وجهه المعذب باللذة يتشنج مرميا إلى الوراء و يداعب لى شعري. الآن فقط يمكنني أن أعود إلى العالم مضيئة بطعمه في فمي . ثقيلا أبيض حلوا يتضوع برائحة الكافور الواخزة. كما في الكتب.
كان يقول لي : أنت جميلة. بعد كل فترة ابتعاد يقول و كأنه يصدم لرؤيتي : تزدادين جمالا. الترمل يليق بك. أفكر أنني لست أرملة لا في غيابه و لا في حضوره. أبتسم و أكاد أعيد جواب غارانس في " أطفال الجنة " : لست جميلة ، أنا حية فقط ، هذا كل شيء. لا أقول شيئا و يفهم صمت ابتسامتي.
كان يسوّر معصمي بين إصبعين و يقول لي : هذا ما يعود إليّ عندما أفكر بك. مفتوحة و مغلقة. تنطبقين عليه في حركة دائمة.
هذا نادر. يضغط علي أكثر و هو يشرح لي. الاكتشافات نعمة لا تنتهي. كلها جديدة علي. هذه يسميها كسارة البندق. سأبحث عنها في المعجم الجنسي فورا.
لا أقول له إنني أبقى أياما بعد خروجه مني أتحرك بإحساس أنه ما يزال فيّ. أتحين الدقائق التي أبتعد فيها عن الآخرين لأغمض عينيّ وحدي : أمتلئ به من جديد.
يقول لي : لا تتكلمين كثيرا ، و أكتفي بابتسامة. أكلم نفسي.تعود أن أكلم نفسي . حتى معه ؟.
كان يغمض عينيه و كأنه يستعيد صورا مخزونة : ما يرتسم أمامي هو لأخدود وسط الظهر ينتهي على حدود الغمازتين العميقتين و خطوط المؤخرة تستدير بعد الخصر و ما تحت القبة إلا طريق الحرير. تعرفين هذا ؟ يسألني ، و أجيب عابثة : لا أستطيع أن أرى ما ترى من الموقع نفسه. سأحضر آلة التصوير في المرة القادمة إذا كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة لإقناعك. يجيب و كأنه يريد إفحامي.
قال لي المفكر يوما بعد غياب : هل تفكرين فيّ ؟.قلت : نعم.
قل : إنه الحب إذن. سكتّ و لم أجب.
ما كان للمفكر أن يمشي إلى جنبي من دون أن يضع يده على مؤخرتي يتحسسها من فوق الثياب أو على اللحم مباشرة. أصرخ مبتعدة ، جنون نحن في الشارع يرانا الناس. كنت جبانة، و حريتي الجنسية العملية لا تعبر عن نفسها إلا بعيدا من عيون الآخرين. تلفتين نظر الناس عندما تبتعدين. إنهم لا يرون شيئا. لا أحد ينظر إلينا لو تابعت السير بهدوء ، يرد و هو يعيد يده إلي. أشهق رغما عني و ألتصق به و ننسى العيون الغريبة.
صار يبحث عن باب أول عمارة كي يجذبني إلى الداخل يقبل شفتي و يمص لساني و يتحسس صدري. كنت مضطربة.
بمرور الأيام صرت أمشي إلى جانبه و عيناي تبحثان معه عن مكان يمكنني فيه أن أقابله و أمص لسانه و أتحسس جسده.
كتب لي المفكر يوما يتحدث عن الحب. قلت لنفسي : كيف يستعمل كلمة مثل هذه. أتجنبها قدر ما أستطيع. معه مع الآخرين. أنا لا أعرف الحب ، أعرف الشهوة. الحب ينتمي إلى عالم من الماورائيات يتجاوزني ، و لا أريد أن أركض خلفه. الشهوة ، شهوتي أو شهوة الآخر ، أعرفها ، ألمسها ، أراها ، أشمه ، أعيش إعلاناتها و تحولاتها. هي وحدها تمسك بيدي و ترافقني إلى مساحاتي المجهولة.
الحب للروح و الشهوة للجسد. أنا لا روح لي. الجملة سكنت رأسي قبل أن أكتشف أن هناك تاريخا حرم النساء من الأرواح.
عندما كنت صغيرة لم أجد روحي.عندما كبرت لم أتعب نفسي في البحث عنها. " لا روح لي " انحفرت الجملة في رأسي و صارت حياتي تمر من خلالها. كنت أعرف أني جسدي فقط. لا أملك شيئا آخر. جسدي هو ذكائي و وعيي و ثقافتي. من يشتهي جسدي يحبني. من يحب جسدي يشتهيني. هذا هو الحب الوحيد الذي أعرفه ، و الباقي أدبيات.
عندما سألني المفكر في البداية : هل ما بيننا هو الجنس فقط ؟، لم أجب. لم أقل له : إنني لا أحب إلا بجسدي.ليس لدي تعبير آخر عن الحب.
ق م كانت حياتي العلنية و حياتي السرية تتوازيان. كنت قد تعلمت في المدرسة صغيرة أن الخطين المتوازيين لا يلتقيان أبدا. يقول بعض المتهكمين : إن هذا التعريف تلحقه في مدارس المملكة العربية السعودية جملة : إلا بمشيئة الله. هذه حكاية أخرى.
كان خطا حياتي المتوازيان لا يلتقيان أبدا ، كما في كتب الهندسة. جاء المفكر و بدأت الأمورتتخربط كما في الكتب المدرسية السعودية.
بدأت الأمور تتخربط في رأسي قبل كل شيء. صرت أحمله معي إلى حياتي المعلنة ، أفكر فيه ، أبحث عنه ، أتشوق لرؤيته. بدأت أخاف. ليس هذا ما عودت نفسي عليه . التوازي هو عماد حياتي. زعزعته تعني أن ينقلب كل شيء. و ما كنت أريد أن ينقلب. رسمت كل شيء بمهارة مخرج كبير ، و الخروج عن النص يعني شيئا واحدا : لن أحرك خيوط حياتي بعد الآن. ستتفلت مني واحدة بعد الأخرى ، و لن أقوى على الإمساك بها من جديد.
ما كان يمكنني أن أنظر إلى وجهي في المرآة من دون أن أتذكر ما يقوله لي " بعد الحب تسود عيناك و يضيء جلدك و كأن نورا تحت مسامك". " كل النساء كذلك بعد الحب "، كنت أجيب. يقترب بوجهه من صدري ، يمرغه بين ثديي ، ضغط بذراعيّ حوله لينحشر بينهما أكثر ، لأحسه بينهما أكثر.
ما كان يمكنني أن أرى جسدي إلا و أسترجع تعبيره لحظة اقترابنا الأولى و هو يسبح بحمد الله. ضحكت : الذي لا يحمد على مكروه سواه ؟. يضمني إليه عارية حارة ، يقبلني و أنسى أن أضحك.
في الحلم كان المفكر ينتظرني ، و لم أكن أعرف كيف أتخلص ممن يحيطون بي كي ألحق به. حكيت له الحلم و لم يضحك. كما في الحياة أنت في الحلم ، عاجزة ، لا تستطيعين شيئا. قال لي بقسوة و هو ينظر في عينيّ. حولت وجهي عنه إلى الجهة الأخرى و تشاغلت بالنظر إلى العابرين لأتناسى دمي الصارخ و هيجان قلبي.
بدأت أخاف ؟.
يوم تسلل المفكر إلى أحلامي عرفت أنني واقعة في التهلكة. بدأ الجرف ينفتح أمامي و كنت أراه يتسع يوما بعد يوم.
كتب لي المفكر يوما يتحدث عن الحب ، و كنت عمياء البصيرة وبدأت أخاف.
قبل المفكر لم أر واحدا من رجالي العابرين في أحلامي قبل أن يتحول إلى ذكرى منسية. لم يقفز أي منهم من الفراش إلى حلمي. كان عليهم أن يمروا بفترة تخمر في كهوفي السرية قبل أن يأتوا إلي في أحلامي لينعشوها. كنت بحاجة إلى زمن حليف كي أعيد خلقهم حكايات تؤجج مخيلتي و كلمات تنظم توازني.
المفكر تسلل إليّ و أنا معه. جاء إلى الحلم من سرير ساخن. حرق المراحل و جاء إليّ ، و صحوت.
و بدأت أخاف
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |