إعجاز علمي: أم كلام عجائز؟
2008-02-19
قراءة نقدية في كتاب موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة لمحمد راتب النابلسي"
يعرض النابلسي في مقدمات كتابة فهمه الخاص لمصطلحات الإعجاز – العلم- في القرآن و السنة
أ- مقدمات الكتاب
1- الإعجاز: يحمد الله و يثني عليه و يعرض لأفكاره حول التوحيد و السببية و المعجزة, معتمدا ً مقولات المذهب الأشعري في العقائد * فيرى أن " من اعتقد أن الأسباب وحدها تخلق النتائج ثم اعتمد على الأسباب وحدها فقد أشرك"ص8 و يرى أن "الأسباب وحدها لا تقود إلى النتائج إلا بمشيئة,الله"ص9, و يرى أن المعجزة هي البرهان على صدق النبوة يقول : " و هنا تأتي المعجزة لتكون برهانا ً على صدق إرسال النبي و مصداقية منهجه"ص9, فالدليل على صدق النبوة هو دليل خارجي من وجهة نظره
و يقول أيضا ً : " و المعجزة في بعض تعاريفها خرق لنواميس الكون و لقوانينه, و لا يستطيعها إلا خالق الكون , لأنه هو الذي وضع القوانين و النواميس "ص9. و يضيف " و المعجزة ممكنة عقلا ً غير مألوفة عادة , فهناك فرق بين أن يحكم العقل على شيء باستحالته , و أن يعلن عجزه عن فهم هذا الشيء" ص9 ثم يستدرك النابلسي قائلا :ً" فالناس يخاطبون عادة بأصول الدين, و المؤمنون يخاطبون بفروع الدين و الحديث عن المعجزات من فروع الدين, فإذا كان الأصل مهتزا ً فلا جدوى من الحديث عن المعجزات "ص10
و يميز بين معجزات حسية محدودة بالزمان و المكان و هي معجزات الرسل السابقين " إذن معجزاتهم كتألق عود الثقاب , وقعت مرة واحدة , و أصبحت خبرا ً يصدقه من يصدقه, و يكذبه من يكذبه"ص11 و بين معجزة مستمرة " هي آيات الإعجاز العلمي في الكتاب و السنَّة"فيقول : "أما نبينا محمد " ص" الذي هو خاتم الأنبياء و المرسلين , و أرسل إلى الناس كافة بشيرا ً و نذيرا ً, فينبغي أن يكون من معجزاته ما هو مستمر, و لذلك كانت آيات الإعجاز العلمي في الكتاب و السنة معجزة علمية نصية" ص11 و بذلك يصل النابلسي إلى بيت القصيد " المعجزة العلمية النصية. و يشير إلى 1300آيه تتحدث عن الكون و خلق الإنسان في القرآن الكريم "و هذه الآيات تقترب من سدس القرآن"ص11 و هو يرى أن آيات الكون تقتضي " التفكر"و لحكمة إلهية بالغة لم يفسر النبي هذه الآيات " و لو فسرها تفسيرا ً يفهمه من سيأتي بعده لاستغلق هذا التفسير على من حوله و لذلك تركت هذه الآيات للعصور اللاحقة"ص12
2- العلم: يعرف النابلسي العلم فيقول : " و العلم كما يرى بعض العلماء , علم بالله , و علم بأمره, و علم بخلقه, أو علم بالحقيقة و علم بالشريعة و علم بالخليقة " ص13
و يدعم وجهة نظره حول العلم بالله بآيات قرآنية تحض على التفكر في خلق الله" قل انظروا ماذا في السموات و الأرض و ما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون "يونس101
وأما عن العلم بأمره – أي علم الشريعة - فيقول: " و الشريعة عدل كلها , و رحمة كلها , و مصالح كلها, و حكمة كلها"ص16 و يدعم وجهة نظره بحديث للبخاري"من يرد الله به خيرا ً يفقهه بالدين" البخاري 71
أما الفرع الثالث من العلوم – وفق النابلسي- فهو علم الخليقة أي العلم بخلقه" فيقول: " و تعلم العلوم المادية , و التفوق فيها قوة , يجب أن تكون في أيدي المسلمين ليجابهوا أعدائهم , أعداء الحق و الخير و السلام , تحقيقا ً لقوله تعالى " و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم"الأنفال60
3- في القرآن و السنة : يميز النابلسي بين أنواع الإعجاز في القرآن الكريم بين إعجاز بلاغي و تاريخي و مستقبلي و تشريعي و أخيرا ً- موضوع الكتاب – الإعجاز العلمي.
و يرى أن" الإعجاز هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي , و ثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول"ص19
و يرى " أن المعجزة القرآنية – بما تتضمنه من حقائق علمية – دليل على عالمية الرسالة الإسلامية"ص19
و يميز بين التفسير العلمي و الإعجاز العلمي " فالتفسير العلمي هو كشف عن معاني الآية أو الحديث, في ضوء ما ترجحت صحته من حقائق العلوم الكونية , أما الإعجاز العلمي فهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيرا ً, و ثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية , في زمن الرسول" ص23
و ثم يبين النابلسي المنهج الذي اعتمد عليه في كتابة - الموسوعة- فيرى أنه " لا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي و قطعي من العلم التجريبي , فإذا وقع في الظاهر فلا بد أن هناك خطأ في اعتبار قطعية أحدهما , و هذه قاعدة جليلة قررها علماء المسلمين , و قد ألف غير واحد من العلماء كتبا ً تؤكد حتمية توافق العقل مع النقل" ص24
و يكرر الفكرة ذاتها بوضوح أكبر" إذا وقع تعارض بين دلالة قطعية للنص و نظرية علمية , رفضت هذه النظرية , لأن النص وحي ٌ من الذي أحاط بكل شيء علما ً , و إذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا ً على صحة تلك النظرية , و إذا كان النص ظنيا ً و الحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها , و حيث لا يوجد مجال للتوافق فيقدَّم القطعي" ص25
ثم يبين النابلسي أوجه الإعجاز العلمي فيرى من بينها" تصحيح الكتاب و السنة لما شاع بين البشرية في أجيالها المختلفة من أفكار باطلة حول أسرار الخلق" ص26
أما عن الضوابط التي يلزم بها النابلسي نفسه في بحثه في الإعجاز العلمي في الكتاب و السنة – و سأوردها كلها لأهميتها في بيان وجهة نظره:
أن تراعي معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي, و أن تراعي القواعد النحوية و دلالاتها , و أن تراعي القواعد البلاغية و خصائصها , و لا سيما قاعدة "ألا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية "
البعد عن التأويل في النصوص المتعلقة بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم و دلالة نبوة النبي"ص"
ألا تُجعل حقائق القرآن موضوع نظر , بل تجعل الحقائق هي الأصل : فما وافقها قبل , و ما عارضها رفض
ألا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم , لا بالفروض و النظريات التي ما تزال موضع محص و تمحيص " ص27
و يتابع النابلسي ضبطه لمصطلح التفسير العلمي للقرآن و السنة و رافضا ً:
1- إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت و لم تستقر...
2-و مرفوض إذا خرج بالقرآن عن قواعد اللغة العربية و مدلولاتها زمن النبي"ص"
3- و مرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلا ً و تجعل القرآن تابعا ً
4- و مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع آخر , أو دل عليه صحيح السنة
5- و مرفوض ممن هب ودب من الذين لم يتحققوا في أخذهم , و لم يتثبتوا في إلقائهم, و هم يزعمون أنهم على علم , و العلم منهم براء
6- أن يكون التطابق عفويا ً و تاما ً , لا مفتعلا ً أو متكلفا ً"ص28-29
" ملاحظة: لم يرد الترقيم في الكتاب وقمت به لسهولة المراجعة"
و يبلغ طموح – النابلسي- ذروته مؤكدا ً أنه "بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم , ووضعه في مكانه الصحيح"ص29
............
ب- مناقشة مقدمات الكتاب:
كيف ينظر النابلسي إلى العلم؟ و ما هو العلم؟ و ما مهمة العلم؟ و ذلك قبل الخوض في أي نقاش حول الإعجاز العلمي و التفسير العلمي , فهو لا يرى العلم " كقوانين موضوعية قائمة على الاستنتاج العقلي و القياس التجريبي". و إذا كان النابلسي يملك فهما ً مختلفا ً عن هذا التعريف البسيط - بما استقر عليه العقل البشري حتى الآن- فكيف نناقشه في الإعجاز العلمي إذا كان فهمه للعلم ملتبسا ً, يقول " الأسباب وحدها لا تقود إلى النتائج إلا بمشيئة الله"ص9 هذا قول يقع خارج دائرة العلم و من المفضَّل للنابلسي و ضعه في مكان آخر خارج كتاب يدَّعي العلم لا بل يدَّعي أنه قاهر العلم و العلوم
" فالأسباب تقود إلى النتائج" هذه المقولة نفسها التي يستخدمها النابلسي و غيره من رجال الدين في إثبات وجود الله على اعتبار الله - مسبب الأسباب- فكيف نجترئ الطعن بها؟
و كذلك لا يسع أي إنسان عاقل - عالما ً كان أم جاهلا ً- إلا أن يأخذ بها حتى من دون التصريح بذلك , فلكي يتقي برد الشتاء عليه تركيب مدفئة, و لكي تعمل المدفئة عليه شراء وقود, ووضعه في الخزان و من ثم إيقاد النار حتى تتحقق نتيجة الدفء, و الاعتراض الموجه من قبل المؤمنين لا توقد المدفئة إلا بمشيئة الله, لن يفيدني من الناحية العملية مع احترام مشاعر المشاعر الإيمانية و تقديرها .
الأسباب تقود إلى النتائج طبعا ً ليس في صيغة بسيطة دائما ً, و لكن ضمن صيرورة احتمالية نسبية تتدخل فيها عوامل متعددة أو بسيطة , فالعلم يقول الأسباب تقود إلى نتائج عند فهم القانون الذي نسلك فيه هذه الأسباب عبر طرق تشكل مختلفة – وربما معقدة- للوصول إلى نتائج
و أما إضافة عبارة " بمشيئة الله" فهذا يدخلنا ضمن حقل آخر هو اللاهوت؟ و لا دليل عليه – من داخل الحقل العلمي- كما لا دليل ضده بالمقابل؟
و لو اعتمد النابلسي هذا الفهم – البديهي- للعلم فلن يضير دراسته في الإعجاز العلمي شيئا , ً بل و لربما جعلها أكثر رصانة ! و يتابع النابلسي قولة : " من اعتقد أن الأسباب وحدها تخلق النتائج ثم اعتمد على الأسباب وحدها فقد أشرك" ص8
هذا القول ينتمي إلى حقل اللاهوت و ليس حقل العلوم و المنطق العلمي , و هو قول مثير للجدل عامة, فالحكم بالشرك ليس بالأمر البسيط , من السهل إطلاقه ولكن ليس من الحكمة استسهاله, فقد يكون بوابة لنفي الآخرين و إقصائهم بل و حتى تصفيتهم جسديا و معنويا ً . و أظن أن عنوان الكتاب " موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة" أي من المفترض جعل القارئ يؤمن أو أن يصبح أكثر إيمانا ً بعد قراءة الكتاب و ليس تكفير الناس فذلك خرق لبداهة من بداهات الدعوة إلى الله..
و القول السابق للنابلسي يقع خارج حقل العلم و الإعجاز العلمي , و هو ينتمي إلى عالم العقائد و اللاهوت و القناعات الذاتية , و لكني مضطر إلى مناقشته , فالله الذي خلق النواميس و الكون ألم يخلقها وفق قوانين
و لا ينقص من إيماننا شيئا ً, لو اكتشفنا قوانين الله و شفراته لإعمار الحياة و الكون؟ و هذا مقصد من مقاصد الشريعة عظيم؟ هل من الضروري أن يخرق الله نواميس الكون و قوانينه لنؤمن به؟
ثم هل من مبرر منطقي و ضروري لهذا الخرق , ألا يمكننا كبشر - مؤمنين و غير مؤمنين- أن نعيش بدونه
مادمنا نعيش كبشر- بشكل ايجابي - بدون هذا الخرق
مادمنا نستطيع الإيمان بالأنبياء بدون هذا الخرق اعتمادا ً على نقاش سابق؟
لنعيد صياغة قول النابلسي " بأن الله الذي خلق النواميس و الكون يحثنا و يأمرنا بتأمل الكون و النواميس التفكر في العالم و البحث عن سننه" كي يكون إيماننا إيمان تفكر و تدبر لا إيمان معجزات و خرافات؟
إن خرق القوانين و النواميس يقوم به الله – وفق النابلسي- و لكن إرادة الله لا تتجلى بشكل مباشر, فالله ليس مجسد بشخص أو شيء محدود؟ فالخرق يتم على يد بشري , و بالتالي يستطيع هذا البشري ادعاءه لنفسه, أنه – هو - الذي خرق هذه القوانين, ما يتبع ذلك من استثمار قد يكون سلبي إلى حد كبير؟
- مثال:أحمد تحول إلى ذبابة و هذا خرق واضح لنواميس الكون
و عندما يعود أحمد إلى حالته الإنسانية يقول لمشاهديه:
أنا أحمد إلهكم " و العياذ بالله" أستطيع أن أخرق قوانين الكون التي تعرفونها, لأني أنا من صنع هذه القوانين, و أن هذه القوانين صنعت لأمثالكم...؟ أحدهم سيقول دجال كافر
نفس المثال أحمد بعد أن عاد إلى حالته الإنسانية يقول لمشاهديه
أنا أحمد و هذه معجزتي
أنا أحمد إنسان صالح وولي الله؟
و هذا يفتح أمامنا باب طويل عريض للمدعين و الدجالين و الادعاءات المضادة؟ و إن كان أمثال هذا قليل في عصرنا إلا أنه كان منتشرا و بشده في عصور سابقة من مدعي الخرافات و المعجزات و النبوات و كلهم فاعلين اجتماعيين و دينيين و سياسيين بدرجات متفاوتة؟
أقول لا يمكن التحقق بشكل موضوعي من هذا القول " بأن الله وحده يستطيع خرق هذه النواميس؟!"
ليس المقصود من نقاشيً رفض الإلوهية , و لكن إقرار مفهوم للإلوهية يتفق مع البداهة و الفطرة, مفهوم ايجابي ينمي المصالح المشتركة للبشر , مفهوم :
يتفهم الظاهرة الدينية و يدرس طرق تشكلها كبعد إنساني وجودي و ليس كظاهرة علمية, فالعلم و الدين حقلان منفصلان لكل منهما هوية
الرقي باللاهوت الإسلامي من مستوى المفبركات و علم الكلام, إلى منظومة معرفية للعقائد و الإيمان قائمة بذاتها غير متكلة و ليست عالة لا على العلم و لا على غيره
فالعلم لا يؤدي لنفي الدين , و الدين لا يؤدي لنفي العلم بالضرورة , و العلم لا يؤدي للإيمان بدين أو تصور محدد دون غيره , بل يترك الايجابه أمام احتمالات متعددة أمام كل إنسان و له الحق في خياره الخاص الذي ترتاح نفسه إليه, و قد يعرضه على الآخرين من دون الادعاء أنه قد وقع على كنوز المعرفة و استملك أرض الحقيقة.
لنعود إلى النابلسي و لننظر إلى قوله " المعجزة ممكنة عقلا ً غير مألوفة عادة "
فهل من فرق بين أن يحكم العقل على شئ باستحالته, أو أن يعلن عجزه عن فهم هذا الشيء ؟
و لنتساءل هل إحياء الموتى "معجزة عيسى" أو البقاء حيا ً ثلاثة أيام في بطن حوت "معجزة يونس" ممكنتين عقلا ً و غير مألوفتين عادة ؟
وفق النابلسي هذا ممكن عقلا ً ؟ و إني أطالبه - و من يرى رأيه - أن يثبت لنا هذه الإمكانية وفق قوانين العقل و العلم مع تحييد النصوص المقدسة كونها مقدسة عند جزء من البشر و ليس كلهم ؟ و لكون النقاش هنا علمي بحت و ليس عقائدي إيماني؟ وهو لن يستطيع إلى ذلك سبيلا ً ؟ لذلك يعمد إلى تعطيل العقل و القانون و المنطق تحت مسمى المعجزة؟
فهل إحياء الموتى من الأمور التي لا يحكم العقل باستحالتها؟ أم أن هناك موتى كثيرون عادوا للحياة و حدثونا عن القبر و الجنة و النار ؟!
* ملاحظة : يجب استثناء حالات الموت الظاهري و هي م
08-أيار-2021
23-كانون الثاني-2013 | |
25-كانون الأول-2012 | |
22-تموز-2012 | |
24-أيار-2012 | |
21-شباط-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |