ينكرها الناشرون تبعاً لجرأتها ... رواية سعودية نسائية باسم مستعار تروج خليجياً..
2006-05-16
لن يحار المتجول في المواقع والمنتديات الالكترونية المعنية بالأدب الخليجي في تفسير أسباب الرواج الذي وجدته رواية «القران المقدس» المنشورة باسم مستعار لكاتبة سعودية هو طيف الحلاج، فالرواية هذه حظيت بعشرات التعليقات المتناقضة إزاءها. فالبعض يراها عملاً جريئاً لا سيما أنها تقتحم محظورات اجتماعية وسياسية، بينما يرى قليلون فيها أكثر من «بيان غضب» ولا علاقة لها بالفن.
وتزيد من حمى الاهتمام بالرواية رواجها الاستثنائي قياساً الى قيمتها الفنية المشكلة التي أثيرت بشأن حقوق نشرها، فالغلاف يحمل اسم دار «ليلى» وهي دار مصرية معنية بأدب الشباب، لكنها تنكرت للرواية على موقعها الالكتروني وأكدت أن لا صلة لها بها.
ولم يعد أمام القارئ في هذه الحال سوى اللجوء الى موزعها وهو صاحب «دار فراديس للنشر» في البحرين موسى الموسوي, وهو لا يكف عن نفي صلته بالرواية كناشر لكنه يؤكد تولي مسؤولية توزيعها في الأسواق، ويؤكد لكل من يسأله عن صاحبة الرواية أن «المؤلفة فتاة سعودية تقيم في الولايات المتحدة الأميركية، و «طيف الحلاج» مجرد اسم مستعار اتخذته لتأكيد حريتها في قول ما تريد».
تبدأ الرواية برحلة تقوم بها ليلى مع شقيقها إبراهيم في سيارة إلى بيت الخالة في إحدى الواحات، وأثناء الرحلة يقع حادث سير، تكاد ليلى أن تذهب ضحيته. وطوال فترة تلقيها العلاج في غرفة «العناية المركزة» نستمع إلى حكايتها وحكاية جسدها المرهق، وفيها كشف عن كثير من أسرارها وأسرار مجتمعها الذي لا تكف عن إدانة معظم ما يُجرى فيه. ولكي تمرر «ليلى» بيان إدانتها تدخل حياتها في المستشفى شخصية ذات ملمح أسطوري تسميها «عشتار» تزورها في غياب الآخرين وتحاورها في القضايا المسكوت عنها في مجتمعها الخليجي. وتبدو «عشتار» بمثابة قرين يكشف لها تخفيه ولا تقدر على البوح به، بما في ذلك رغباتها المعطلة بعد وفاة زوجها «سامي» وكان هو أصر على زواجه منها على رغم معارضة عائلته لأسباب طبقية ترتبط بموقعه. وطوال «الحوار» بين «ليلى» و «عشتار» ينصت القارئ الى رغباتها التي عطلتها بنية مجتمعها لا سيما حلمها بالسفر إلى أميركا (أرض الفرص) لكي تكون «حرة طليقة ليل نهار، مجردة من كل أصناف الوصاية والرقابة». وفي نهاية الرواية نكتشف أن ليلى لم تصب في الحادث وإنما دخلت في نوبة إغماء أو ذهول تحت تأثير التصادم الذي وقع فعلاً، لكن فتاة أخرى راحت ضحيته. وعبر صفحاتها (287 صفحة) تتحرك أحداث الرواية في مساحة زمنية تبدأ من الستينات من القرن المنصرم حيث عاشت ليلى طفولتها وقت نشاط حركة القوميين العرب، وتمتد حتى اللحظة الراهنة.
وعبر تقنيات سردية متواضعة حافلة بالأخطاء النحوية تتبنى الراوية عدداً من المفاهيم «النسوية» لتؤكد خطابها النهائي الذي يرى أن إشكالية «الجنوسة» في المجتمع العربي ناتجة عن النظر إلى الفارق ما بين الرجل والمرأة، كفارق ايديولوجي ثقافي واجتماعي. وهو الذي دافع عنه المجتمع الأبوي / البطريركي وعمل على ترسيخه بقوة العرف والقانون، ومن ثم فالثقافة، وليس الطبيعة البيولوجية، هي التي تضع قيوداً على طرق التفكير والإبداع والسلوك.
لا تكف الرواية عن تعداد العلامات التي تعمق هذا الفارق التمييزي، ومنها على سبيل المثال تأويلها للعلامات اللونية في ملابس سكان هذا المجتمع. فزي الرجال هو الأبيض وزي النساء هو الأسود، وتقول الكاتبة إنهما لونان يصران على الانفصال والطبقية والعزلة.
وتثقل الكاتبة السياق الفني للسرد بوفرة من المعلومات عن دول الخليج العربي، وأوضاع العمالة المهاجرة فيه، ومعظمها ذو طابع استشراقي قائم على التنميط.
وتحفل الرواية كذلك بمعلومات أخرى عن طبيعة المجتمع الخليجي الشيعي الذي تنتسب إليه الشخصيات، ونتعرف منها على والدة ليلى الملقبة بـ «أم نور» وهي تعمل ملاية وهي واحدة من ثلاث نسوة يمتهن هذا العمل في الحي حيث يقرأن القرآن في المآتم الحسينية ويساعدن النساء على تفهم أصول الدين. أما الأب الأمي الذي يبدو ممثلاً لبطريركية المجتمع، فهو لا يظهر أي إعجاب أو اهتمام بقدرات ابنته المتفوقة دراسياً، ويترك الأسرة بأكملها ليتزوج من فتاة صغيرة بغية تجاوز علاقته المشوهة بالزوجة الأفضل منه علماً. وضمن آلياته في تعويض هذا الفارق الثقافي ينتقم من الزوجة فيسكنها في منطقة غالبية سكانها من السنة ليحرمها من ممارسة مهنتها «كامرأة قارئة في المآتم الحسينية» ومن نفوذها الرمزي في مجتمع يعتبر فحولة ذكوره «رجولة» ويسوده الصوت الواحد المتغطرس ليكون الرجل صاحب السلطة المطلقة على النساء. أما الانثى في هذا المجتمع فهي سبب للفتنة، لذا يُوارى اسمها بألقاب ذكورية بعد زواجها، ويكون الزواج «وسيلة لانتقال صك الملكية من الأب إلى الزوج».
وفي مجتمع مماثل من الطبيعي ان تتجاوز «البطريركية « بنية العائلة الى البنية الاجتماعية بكاملها، فلا يسمح للمرأة ان تتجاوز موقعها الثانوي أو الدوني مهما حققت من نجاحات.
تكاد الرواية تكون تجسيداً مثالياً لمقولات عالم النفس المصري مصطفى حجازي عن «الانسان المهدور»، لا سيما في ما يتعلق منها بالهدر الذي يصيب المرأة وما يمارس على كيانها من انشطار بين صورة الأم رمز العطاء والمرأة الغاوية موضوع الحظر وبالتالي التبخيس (مثل رباب التي تسكن الحي فجأة وتواجه رفضاً اجتماعياً له ما يبرره).
ووسط أسر رغبتها في الانطلاق من المقولات الذهنية لإدانة خطاب التعصب والتمييز القائم على التفرقة، تهمل الرواية التفاصيل الإنسانية التي يمكن من خلالها قراءة التحولات المجتمعية وانعكاسها على شخوص العمل، وتحديداً في الفصول التي عرض فيها ضحايا «ثقافة التعصب»، أولئك الذين اختطفتهم موجة «العتمة» كما تقول الكاتبة. وهنا نواجه نماذج أخرى أبرزها «حسن» ابن خالة «البطلة» الراغب في ترك الجامعة للذهاب الى إيران والانضمام الى الحوزة العلمية، والذي يمنع أمه من زيارة جارتها «السنية». وهذه الجارة تعاني بدورها من ابنها الذي يمثل الوجه الآخر لحسن والراغب في الذهاب الى أفغانستان لنصرة المجاهدين. أما سلمى، شقيقة حسن، فهي ترسم في حجرتها صورة للخميني وتعلقها في مكان كانت تتربع فيه صورة عبدالحليم حافظ.
وفي تقديري أن مشكلة الرواية الحقيقية تكمن في مبرر رواجها، فهي انطلقت من أحكام جاهزة ونمطية عن مجتمعات مغرية بالكتابة والاكتشاف ولذا افتقدت شخوصها حريتها في التمرد على مقولات كان يسهل صبها في مقال أو بيان.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |