صلاة منسية عند مقامك .. يا حبّ
2006-05-27
كنتَ تمرّ يا حب ، حاملا كيس النجوم على ظهرك ،
فنتبعـكَ على دراجاتنا الهوائية .
لانعرف ، الآن، أنـّا صرنا نتبع مـَن عند أول منعطف سيتوارى :
نلتفتُ فنراه عالقا على الأسلاك ، التي وضعناها لاصطياد العدو .
هل أنتَ عدوّنا ياحب ، وهل قلوبنا ساحة حرب؟
شربناكَ أيها الفاتن، وترنـّحنا عبر العالم .
انتظرنا عطاياك ،
حين كنتَ تطرح انعامك على أبواب الهائمة نفوسهم في البعيد .
طاردناكَ من مكتبةٍ إلى مكتبة ٍ ،
قرأناكَ في الفنجان والكف ،
في خطوط الوجه ،
وفي نظرات المطر ، عندما يصبّ ، في غيمة الروح ، خيوط رعده المنيرة .
لاحقناكَ في كل مكان ،
عندما كنا ننسى أبداننا على النسمة التي تطير في رئتيك .
عندما ، بعد كل هجر ، ينسل عصفورك من أغانينا ، فنبكي
لأنك ، أيها الفاتن ، تخيط ثقوب أرواحنا بحسراتك الدافئة ، بعد كل خسارة .
هذه صلاتنا ، من أجلك ياحب ..
نحن الواحات في معطف البراري ، يرنو الينا الطير ،
قادما من هضبة الخيال ،
ناقلا بمنقاره حبة رمل ، يتركها على راحاتِـنا ،
فنعيد معه المصباح اليدوي ، الذي سقط من يد القمر ، إلى أعماقنا..
قل ياحبيبنا المتواري خلف حجاب الاغنية :
أي موسيقى نعزف ، كي تتجلى لك أرواحنا كما تريد ؟
كي تعرفنا جيدا يا حب ؟
بعد أن هجرنا دروسكَ ، ونسينا الترانيم وحدها في المهد ،
يلاطفها الغبار بأجنحته اللانهائية ؟
دلـّنا .. ياحب على وديانكَ ،
لعلنا نتيه في خطوط يديك ،
لعل المصاب قديما بعدوى مرضاك يمرض من جديد ،
فتفرك عن رموش عينيه آثار هذيانك.
تـِـقـنـا إليكَ ... ياحب .
فزعتْ إليك النجوم المرسومة على أكتافنا ،
فرّتْ نحوكَ فوّهات أوجاعنا،
فلم نعد قادرين على مقاومة نحول أفراحنا ،
أو فقر دم الأصباح التي تفتح نوافذنا بيد ذابلة ..
من أجلكَ ، نسينا مناجل المنفى ، غربتنا عنا ، وتيهنا المستحيل .
انتظرنا القمح يعلو فوق هامة السياج ،
ثم وضعنا الحرب في الثلاجة وجئناكَ ،
كأننا اكتشفناكَ من جديد ،
فهل تسمح لنا أن نمر من خلال خرائطكَ ونجومكَ ،
لنعيد للأشجار اصطفافها الأول على النهر ؟
ياحب ، من أين نأتيكَ فتمنحنا الصفح ؟
من أعماقنا المغسولة بالحزن ،
حيث الليل يشحذ حدّ مديته ،
وهو يصعد نحو كل نجمة مسـّها طيف أوجاعنا ،
فتخر مغشيا عليها من فرط الوحشة ؟
من الدمع ياحب ؟
أم من نـَشارة احلامنا ، وهي تزيـّن ثياب الريح ؟
قل يا حب ، يا صلاتنا المنسية :
أي كتاب نتلوه لترضى ، فتأتي كما قبل ،
عندما كانت العشيـّات تهدهد أطراف قمصاننا ببرد روحـَك :
عندما كنا ننتظرك في باب السينما ،
ندخل أثرك ، حاملين تذاكر الركوب معك إلى الأحلام ؟
آه ... كنا نفرّ من الدرس ،
نجلس بانتظارك ، على سياج المدرسة ،
مدلدلين أرجلنا طوال شهقة السنابل ،
إذ ترنو إلينا قشة العشب ،
تتوق متأهبة لأن تمسك بحبل أرواحنا، لترتفع معنا فيك ،
كما صلاة وجدتْ مـَن يقبلها فوق ، فحلـّقتْ .
لقد نسينا الصلاة الواجبة ، فكيف بالمستحبة ؟
ذكـّرنا ، أرجوك ، يا حب .
ذكـّرنا، ذكـّرنا
ذكـّرنا بغيمتك تمطرنا مظلات ، تحت قوس البهجة ،
ترافقنا إلى الموعد ،
تجلس بانتظارنا على مصطبة الشاطئ ،
تحرسنا من الموجة ، وتكسونا قوارب ورحلات .
ذكـّرنا يا حب بنورك ، الذي نسيناه تحت قصف مدافع النسيان ،
وغارات الحراسة .
ذكـّرنا .. فقد أضعنا العنوان في أحد الثكنات ،
وبين حاجيات الجنود القتلى .
ذكـّرنا .. أين يمكن أن نصادف مقهاك ، أو غرفتك ، أو سريرك ؟
ذكـّرنا .. كيف نغسل أيدينا ، فقد نسينا الماء ،
بعد أن نشرنا أصابعنا على حبال غسيل العطش ،
فما عدنا نلـّوح ، يا حب ، إلا بيدين متخيلتين ،
ولا نبكي ، يا حب ، إلا بعينين متخيلتين ،
والأفضل فينا هو مـَن وجد بصمة إنسان في نحيبه .
ذكـّرنا يا حب بشكل يديكَ ،
لعلنا نعرف أيدينا ، يوم ترضى عنا ، فنـُبعث فيكَ .
يا حب ، يا حب ، يا حب ..
ها قد جئناك مفترضين أنك في الكتابة ،
أو أنـكَ في العيون التي تقرأ ما خلف الكتابة ،
فهل أنتَ هنا حقا ، أم نحن واهمون ؟
قل ياحب ، فليس كل ما في الكتابة أنتَ ،
أيها الذائب في فص الغيبة ،
ايها الشاعر فينا، قبل أن تمشي على الأرض أول قصيدة .
دلـّنا عليك ، أرجوك .
اقتلعنا من عروقنا ، فلم نعد قادرين على الوقوف من دون ساقيك .
جرجرنا من شعورنا : رؤوسنا لاتستقر إلا بين كتفيك .
اخطف أرواحنا بيديك ،
أقبلنا ولو حلقة دخان ، تأوي اليها ،
وتنام .
هذه صلاتنا يا حب ..
نحن الفنادق التي تأوي إليها الغرف المنسية في جيوب المسافرين ،
فهل نسيتَ ، أنتَ الآخر ، بحـّة الرخام في غنائنا ،
ونحن نغسل أطراف قدميك ،
إذ تعود مرهقا ، من أسفارك الكثيرة ؟
من أبولو وود
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |