محاضرة جريئة في حلب عن المرجعية الإسلامية والدولة
2009-02-19
محاضرة الدكتور الشيخ محمد صهيب محمد الشامي في مديرية الثقافة بحلب
"عندما نتحدث عن الدولة الدينية أو الدولة الإسلامية فهي إحدى الألغام التي وقع فيها كثير من مفكرينا وشبابنا."
"أخطر ما نعيشه اليوم هو أن وعي الكثيرين في عالمنا العربي و الإسلامي هو في حالة تغييب وحالة تزييف".
"أنا لا أخاف اليوم على الإسلام، فالهجمة هي على الإنسان لا على الإسلام لأجل تفكيك إنسانية الإنسان"
" إن اعتبار الشريعة مصدراً لا يعني بالضرورة بأن يكون الفقه مرجعاً"
"نحتاج إلى اجتهادات فقهية جديدة تربطنا بالأصل و لا تفصلنا عن العصر"
"إن وصف الدولة في الإسلام بأنها دينية أو مدنية هو وصف لها لغير ما هي فيه"
"لم تجد المسيحية أمناً و اطمئناناً كما وجدته في ظل الإسلام ورعايته، حينما كانت تسود المجتمعات مبادئ الإسلام"
"المرجعية الإسلامية هي مرجعية الشريعة، ويجب تغيير الأصول الكلية لمبادئ الشريعة وأولوية المحافظة ليكون الإنسان أولاً.
ألقى فضيلة الدكتور الشيخ محمد صهيب محمد الشامي محاضرة بعنوان " المرجعية الإسلامية والدولة" على مدرج مديرية الثقافة في حلب مساء يوم الاثنين الماضي وذلك بدعوة من مديرية الثقافة وفرع اتحاد الكتاب العرب بحلب، حضرها عدد كبير غير اعتيادي قارب ال400 شخص من ضيوف ومشايخ وعلماء دين ومفكرين وأساتذة جامعات وطلاب، من بينهم الأستاذ عبد الله الأشعر ( معاون وزير خارجية مصر السابق) والشيخ فؤاد حديثي عضو هيئة علماء المسلمين في العراق والمطران يوحنا ابراهيم مطران السريان في حلب وشخصيات مرموقة عديدة.
وقد وُصفت المحاضرة بالجريئة لأنها تطرح موضوعاً حساساً لا يجرؤ الكثيرون عن طرحه، ويتم تداوله بين العامة أي عنوان المحاضرة، فتحدث المحاضر عن إشكالية تحديد المصطلح وتوضيح دلالته، وأن أخطر ما تعيشه الأمة العربية اليوم هو حرب المصطلحات وأزمة المصطلحات وأن وعي الكثيرين في عالمنا العربي والإسلامي في حالة تغييب وحالة تزييف، حين تنعكس المفاهيم وتضطرب المقاييس وتختلف العلاقات فيصبح السفاح داعية سلام ومن يدافع عن أرضه يتهم بالإرهاب.
وقال الدكتور الشامي بأنه عندما نتحدث عن الدولة الدينية أو الدولة الإسلامية أو مرجعية إسلامية وعن العلاقات ما بين الدولة، فهذه هي إحدى الألغام وإحدى المصائب التي وقع فيها كثير من مفكرينا وشبابنا نتيجة تغيير المصطلح عن إطاره المعرفي الذي وُضع له أصلاً.
وعرّف الشامي المرجعية: بأنها حاجة طبيعية لكل البشر لتحقيق التوازن، فلا نظام بلا مرجعية، "فربُ الأسرة هو مرجعها وشيخُ القبيلة هو مرجعها ورئيسُ الدولة هو مرجعها فهي تنتسب إليه وسائر دساتير الدول هي مرجعيتها تحتكم إليها وتجتمع حولها".
وخلُصَ الشامي إلى أن المرجعية الإسلامية هي مرجعية الشريعة التي عرفها قائلاً: بأنها المنهج الإلهي الذي تُستقى منه الأحكام العملية لبسط سلوك البشر وتحقيق التوازن والعدالة في ما بينهم بغية رفع الخلاف المفضي إلى النزاع من أجل تحقيق السعادة لهم، وعبّر عن أن هناك أزمة في تحقيق مفهوم المرجعية و هل هي مرجعية بيان أم مرجعية تشريع؟.
وعدّد المحاضر الأصول الكلية لمبادئ الشريعة بحسب ترتيب الأقدمين بأنها الحفاظ على الدين والنفس والعقل والعِرض والمال، و أعاد ما كان قد اقترحه سابقاً من على منبر بعض الفضائيات العربية وخلال مشاركته بمؤتمر الوسطية العالمية بأنه يجب إعادة النظر بترتيب المبادئ كي تكون أولى مقاصد الشريعة هي المحافظة على الإنسان أولاً.
كما شرح الشامي بأنه كان قد رد على بعض الذين اعترضوا على اقتراحه حينئذ والذين قالوا بأن الله شرع للجهاد وفيه إزهاق للنفس من أجل المحافظة على الدين فكان رده عليهم : بأن الإسلام شرع الجهاد للمحافظة على الكل وأن يُضحيَ فرد بحياته لأجل أمة أو جماعة من أجل أمة، مستشهداً بأن الله أباح للإنسان من أن يتلفظ بكلمة الكفر محافظة على النفس إذا ما أُرغم على ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان.
وعبر الشيخ عن عدم خوفه على الإسلام اليوم مستشهداً بحديثه مع إحدى الصحف غير العربية التي صرح لها بأنه لا يخاف على الإسلام وأن من يدعي غير ذلك فهو مخطئ، وشدد على أن الهجمة هي على الإنسان لا على الإسلام، فالإسلام هو آخر الفصول الذي يحتمي بها انساننا المعاصر والهجمة هي على تفكيك انسانية الإنسان، حتى لا يبالي الإنسان بمن يُقتل من حوله، ولا يبالي بالجياع بينما هو شبعان ولا يبالي بمن هو خائف بينما هو آمن، فأكد على أن هذه الحالات تناقض مفهوم الإنسانية ومفهوم الجسد الواحد الذي إذا اشتكى له عضو تداعت له سائر أعضاء الجسد.
وعن المفارقة بين الشريعة والفقه، فقال الدكتور صهيب بأن " اعتبار الشريعة مصدراً لا يعني بالضرورة بأن يكون الفقه مرجعاً"، فالشريعة مصدر ثابت متفق عليه، أما الفقه فهو علم مستنبط بالرأي والاجتهاد ويُحتاج فيه إلى النظر والتأمل.
وقال خلال محاضرته بأنه عندما يقول الفقه لا يقصد فيه بالفقه القديم وكتبِ الفقهاء القدامى للأخذ بأحكامهم الذين سطروها في القرن الثاني أو الثالث الهجري، فهم اجتهدوا عليها حلاً لمشاكل عصورهم مستندين إلى ثوابت عقيدتهم، بينما المطلوب اليوم هو فقه جديد لهذا العصر ومجتمعاته ومشاكله " علينا أن نحل مشكلاتنا بعقولنا مستفيدين من الفقه القديم ومضيفين إليه الاجتهادات الجديدة التي تربطنا بالأصل ولا تفصلنا عن العصر".
وعن الدولة الدينية تحدث الدكتور الشامي بأن مضمون الدولة الدينية لا ينتمي إلى التراث الإسلامي بل لمضمون نهضوي يجد أصوله وفصوله في النموذج الحضاري الغربي، فالدولة المدنية في النموذج الغربي هو نقيض ومقابل للدولة الدينية وهما يعكسان إشكالية كان يعيشها المجتمع في الحضارة الغربية حينئذ( سلطة الشعب وسلطة الكنيسة).
وعن وصف الدولة في الإسلام بأنها دينية أو مدنية هو وصف لها لغير ما هي فيه، فالمرجعية الدينية هي مرجعية تتسم بمبادئ وقواعد وتتسم بالإنسانية والعقلانية والدنيوية.
وعن الحكم الإسلامي في الدول التي تعيش فيها أقليات مسيحية بأن أول دولة في الإسلام هي دولة المدينة و دستور المدينة الذي كُتب على صحيفة، وقال "بأن المسيحية لم تجد أمناً و استقراراً و اطمئنانا كما وجدته في ظل الإسلام ورعايته، حينما كانت تسود المجتمعات مبادئ الإسلام وهذه حقيقة يجب أن نقرَ بها".
أما عن شكل نظام الحكم فقال بأنه لا يوجد نظام حكم محدد لنظام الحكم لأنه عبارة عن إرادة الشعب والجماهير والأمة.
وفي ختام المحاضرة تم طرح عدد كبير من الأسئلة والأفكار في جو شيق من الأسئلة الشفافة ودون أي احتقان أو اختلاف وهي أسئلة جاءت غالبيتها من أساتذة جامعات وشيوخ وطلاب علم واللافت بأن أغلب المتسائلين التزم بالوقت المحدد للسؤال وهو دقيقتين اثنتين، نختار منها:
طرح المطران يوحنا إبراهيم سؤالين على المحاضر هما: من يحدد ثوابت المرجعية الإسلامية التي عرفها المحاضر بأنها الالتزام بالثوابت؟ و ما علاقة المرجعية الإسلامية في دولة غير إسلامية (علمانية أو دينية غير مسلمة).
وبينما طرح د.محمد عابدين فكرة أن دستور المدينة هو أول دستور في التاريخ وضعه الرسول الكريم الذي عّرف الأمة: بأنها " المسلمون أمة ومن معهم على غيرهم" و فسّر ذلك الدستور بحسب رأي عابدين بأن ليس هناك دولة دينية وإنما هناك دولة ذات نظام ديني، فالدولة الدينية تُحتمُ على جميع المواطنين أن يكونوا من دين واحد كالدولة الإسرائيلية، أما الدولة الإسلامية فهي دولة ذات نظام إسلامي لكن يقال عرفاً أنها "دولة إسلامية" ولكن من الناحية الحقوقية والتشريعية هي دولة ذات نظام إسلامي وهناك فرق، وذكر بأن الدولة بحسب تعريف الرسول(ص) هي الدولة قومية فأينما وجد المسلمون ومن معهم فهم أمة.
وفي مداخلة الباحث المعروف الدكتور عبد الرحمن عطبة الذي تحدث عن نقاط عدة أهمها بأن العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين وتربطهم روابط عقائدية وليس فقط روابط تاريخية، وتأسف د. عطبة على أن هناك أقوال تخالف النصوص القرآنية بالنسبة للمسيحيين، وطرح بأنه يسمع أحياناً على بعض المنابر ومن بعض الناس خلال أحاديثهم وفي دعائهم الآتي: " اللهم أحرق اليهود والنصارى" فتساءل مستغرباً هل هذا الدعاء إسلامي؟
واستشهد بالآية الكريمة" إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ، أو لا ينهاكم الله عن الذين لا يقاتلونكم في دينكم، ولم يخرجوكم من ديارهم"
وفي ختام المحاضرة أجاب الدكتور الشيخ محمد صهيب محمد الشامي على الأسئلة والاستفسارات ثم تلقى التحية والشكر من أغلب الحاضرين عند إنهاء محاضرته.
*الدكتور محمد صهيب محمد الشامي هو من مواليد حلب عام1949م، أستاذ أصول الفقه لطلاب السنة الرابعة في كلية الحقوق جامعة حلب منذ عام 1986، درّس نظام الحكم في الإسلام لطلاب الدراسات العليا في كلية الحقوق بجامعة حلب و عضو مجلس الإفتاء الأعلى في الجمهورية العربية السورية.
ريمون جرجي - خاص ( كلنا شركاء): 18/2/2009
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |