الشاعر والمترجم بدل رفو المزوري / الرحيل من حيث بدأت المواجع
2009-02-21
قليلون هم من يبدعون في الأدب والفن والترجمة بشكل خاص . وإذا كان للشعرِ عالمه مع الشاعر الرصين فيكون ترجمة الشعرأكثر صعوبة أذا لم يحتفظ بنقاوته ونكهته العذبة وكما هو الحال مع النص الحيوي الذي ينبض بالديمومة فيبقى وردا ومثلا على لسان الشعوب وكما حال فطاحل شعراء ممالك الإنسانية.. وفي عالم الرواية والقص أيضا له رجاله وله رسوخه في قممه السامقة، وفي ترجمة دواوين الشعر والروايات من تلك الراوائع ألسنة ومنطق وطاقة وذائقة لاتقل رصانة في موازة صاحب الشعر والترجمة وعلى قول د. محمد أحمد صالح حسين- في معناها القريب والمباشر والأولي هي نقل من لغة إلى لغة بدقة وأمانة، وهي أيضا علم باللغتين المنقول منها والناقلة، ومعرفة بالمادة التي تشكل موضوع الترجمة واشتغال المترجم. والترجمة بهذا الشكل تعني قراءة لنص بغير لغتهركة أخذ وعطاء، وهي - حركة تبادل في جميع المجالات، تتيح اللقاء بين الثقافات والتفاعل بينهما، وينتج عنها أن يشارك بعضها البعض في الاكتشافات العلمية والتكنولوجية والتراث الثقافي الإنساني. المترجم والشاعر بدل رفو المزوري وبعيداً عن الألقاب والتوصيف فقد عرفته الساحة الشعرية قبل ميدان الترجمة كشاعرٍ جبليٍ القادم من عمق مأساة قومه ليحمل على كاهله الأربعيني ونيفّا من الأعوام إرهاصات وتشرذم تبعة ظلم وجغرافية منطقته له ولأهل عزائم قومه المشتت على بوابات العالم . فتشبه تلك المأساة في بعضها كسنوات عجاف من الصّمت المقهورأمام حرائق عروق البلوط ولا لصوت مغيث، سنوات من نسيان الهوية مخافة البوح بأنه شاعرٌ صاحب قضية ومن سليل أمة شتتها لعبة دوائر السياسة قبل قَتامة كواليس خلط أوراق المصالح فبعيدا عن قذى عيون السياسة العمياء في بيئتنا الشرقية. منذ أعوام خَلت ونحن ُنطالع برغبة عشق صوفي ترجماته الشعرية من لغات عدّة الى العربية والكردية. ولقد تميزت ترجماته الموفقة وبالأخص لشعراء النمسا بأنه أقترب قاب قوسين من روح الشعر المترجم .وجاءت ترجمته لشعراء ذلك القوم، أشبه بمذاق فاكهتهم المتوفرة علىمدار فصول السنة من حيث طبيعة الشعرالدافئة والمسكونة في روح ترجمته كشاعر متمكن. حيث أنه لا يأتي الشعر قسراً كصناعة جامدة بل هو الشعر يأتيه سلساً عذباً وفي صور لوحات سُوريالية وصور فانتازية كقطعةٍ من ذاكرةٍ تجمع فيها الزمان والمكان وفي لحظة تأمل لا تتلاشي إلاّ على تخوم ولادة مملكة الشعر. وقد قيل الكثيرعنه وعن تجربته الشعرية، وعن فن ترجمته وبالأخص أنطولوجيته لشعراء النمسا. قالوا عنه في برنامج عراقيون في المهجر وكما وصفه مبهوراً الكاتب مسعود عكو- أنه يئن بكلماته مع آهات الشعراء الذين يترجم لهم قصائدهم من لغات شتى إلى العربية، جعل من تلك الأشعار قصائد جديدة، فيستغرب القارئ كثيراً إذا ما قارنها مع نصوصها الأصلية دون أن يفقد النص الأساسي معانيه وأحاسيسه. وقالت الكاتبة النمساوية -ماريا فانتا- عن تجربة بدل رفو وإنطباعها في ترجمة الشعر النمساوي- نجد رفو قد أختارَ الى جانب الشعراء النمساويين من أمثال انغيبورك باخمان، و بيتر توريني، و إريك فريد، نجده أدرج مختارات من شعر سونيا هارتر وميكا ماركارت، في حين إن الشاعر ارنست ياندل كان عصيا على الترجمة وكذلك بيتر روزيكا الذي وجد صعوبة في نقل مناخ اللهجة التي يعتمدها في شعره إلى لغته الأم لا سيّما في عبارات عصّية مثل- I geh hoam- التي يستحيل نقلها متعافية إلى العربية. هذا وحظي الكتاب بقبول واسع بعد ذيوعه في الأوساط الثقافية العربية والكردية، حتى أن الشاعر الكوردي (جلال زنكابادي) قال قبل أيام - لقد أثر رفو فينا من خلال كتابه أنطولوجيا شعراء النمسا وغيّر جوهرياً ما نحمله من مفاهيم متضاربة عن النمسا، لم نكن نعرف قبل صدور هذا الكتاب عن النمسا سوى ما يصلنا عبر مواسير المدافع حتى خرج علينا رفو بقذائف التراث النمساوي الآمنة.وقال عنه الشاعر المغربي المعروف إبراهيم قهوايجي- ضميره الثقافي الكوردي هو الذي دعاه الى أن يخوضَ غِمار سِفرٍ ثقافي بإمتياز تفاعل من خلاله الشعر الكوردي بالشعر المغربي كأول عتبة يمكن بلورتها مستقبلا في إطار مشاريع ثقافية تتبناها الجهات الرسمية في البلدين خاصة وأن بدل رفو يقّر بأن أقرب الشعوب للثقافة الكوردية هم العرب، وفي مقدمتهم المغاربة .ونختم هذه المقدمة التعريفية بشهادة الكاتب زهير كاظم عبود في مطالعته لكتاب المزوري بدل الباز الكردي- ترجمة القصائد تضعف أحياناً معانيها ولاترتقي بالقصيدة لما تتضمنه حرارة المشاعر والأحاسيس التي تنتاب الشاعر عند كتابتها ، الترجمة تفقد الكثير من خصال القصيدة الأساسية ، وربما تتجنى على أركانها فتقضي عليها أو قد تأتي ضعيفةً هشةً لاترتقي الى لغتها الأصلية غير أن الترجمة بما عبّرت عن أصلها الكردي بهرتني وسحرتني حتى آخر القصائد-. فالحوار يكون شيّقاً مع بعض النُخب المثقفة والعقول المبدعة وأصحاب التجارب في ميدان الترجمة من اللغات الحية ومن أرض الواقع التي تكنز المعرفة ولحضارات الشعوب المتحضرة التي رفدت الإنسانية بعطاء لا تفنى قيمها الجمالية, وعندما تكون أقلها كفسحة من الحرية تهدى لمنفي عن أرض أجداده ، في تلويحة ختامية لمنجز المزوري في الترجمة والشعر سأترك مساحة ضافية ومكاناً لتقييم الكاتب المبدع محمد الأمير لأنطولوجيته المتميزة لروائع شعراء النمسا والتي وصفته كقنطرة ذهبية بين حضارتين- يعدبدلرفوواحداًمن أنشط المثقفين الكردالذينلميتوقفواعن الكتابةوالابداعشعراًوترجمةفي اصعبأيامغربتهوحياتهفياوربا،وظليواصلمسيرةالمثقفالجاد خدمةللادبالكردي،فيماأنزوت وجوهكثيرةتاركةالساحةللعبث وسطالملاذاتالآمنةفي أوربا أولإجتراءهمومالغربةوتداعيات الحياةالصعبةبكلالتزاماتها المادية-. بدل المزوري لم يظهر كفاكهةٍ غريبةٍ في موسم غير معنون، بل سبقت مسمياته الشعرية وترجماته المعتمدة حضوراً مكثفاً في عالم الصحف والإذاعة وقبل أن تشد الّرحال الى عالم المنفى. ياترى من تلك سحرته في حب الأدب والشعر والترجمة خصوصا، وحُبَ الغوص في عمق بحار اللغات رغم تياراتها الصعبة في المفردات والمعاني من لغة الى لغة ، فماذا بقيت في تلك الذاكرة من عبق التذكار ليتذكر سنين المواجع والمسرات في مفكرة ذلك الوطن الجميل موطن الطفولة والنشأة ، ربما في لحظة الغضب والتمرد على الأشياء المبعثرة بين محطات المنافي أنه قد نسي يوماً ما أنه قد أبتسم سهواً خارج أسوار تلك القسوة الفكرية. فيا لها من مفكرة مسكونة بالألم والأمل وآه لهذا الحلم الذي تلاشى على نقاط الحدود ليلة السفر بمعية الصمت والدموع. فتكفيها أن تسعد تلك الحرية المُبللة بقطرات عَرق سنين الكفاح، وفي وطنٍ لم يَسعد يوما صاحب فكر من نعيمه المفقود بين ويلات الحروب والكوارث، وما بين هدرعَرضه ودمه المُستباح وتزدان فخراً لإهداء المترجم ثمرة جهده الطويل من خلال كلماته المهداة لها - الى فسحةِ حريةٍ أهديت لي، لم أكن لأتنفسها في وطني، الى أرض أحتضنتني- . سأدع رحيل المواجع في مهب تساؤلات البحار وصمت الرمال في جدلية العقل والروح بعد تقاطع مسببات القضاء ومتاهات القدر وقد ناح من قبل ايليا ابو ماضي لست أدري:
كم ملوكٍ ضربوا حولَكَ في الليلِ القبابا
طلعَ الصبــحُ ولكنْ لم تجدْ إلاالضبابا
ألَهـــــــمْ يا بحرُ يوماً رجعةٌ أم لا مآبا؟
أهمُ فيالرمــــــــــــــلِ، قالَ الرملُ : إنِّي
لست أدري
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |