Alef Logo
المرصد الصحفي
              

في الرجل المتمنّع

مي صباغ

2006-06-13

(فيا لنفسي أمارةٌ بالألم
ويا لفمي عطشان على حافة النبع
ويا ليدي ادعتا وصلاً
وعادتا خاويتين)
(أمجد ناصر، "مرتقى الأنفاس")1
أي ضلال كنت فيه حين حسبت أني وجدت بعد طول تيه جسداً أسكن إليه، يتمنع مني من أحب فلا أعرف سبيلاً الى النجاة برغبتي. إذ يتمادى دانيال أتوي بطل فيلم "شتاء القلب" في إنكار جسده، تفرش إيمانويل بيار غضبها وحيرتها على طاولة المقهى مكيلة له ما تيسر من إهانات: "أيها النكرة عديم الرجولة!". هي على الأقل ستجد في فضيحتها الصغيرة أمام رواد المقهى جمهوراً لمحنتها ولسان حالها يقول: "أعينوني على هذا الرجل". أما أنا، فلا أجيد سوى الرفق بمن أحب. لا أجرؤ في لقاء ألتمسه على إفساد نعمة حضوره بكلمة لوم واحدة وفي يقيني أن من كان مثله لم يخلق سوى للرقة. "لا تعذليه فإن العذل يوجعه". (إبن زريق) لا أبدأ بحياكة شروري إلا بعد أن يبتعد الآخر.
2
يتمنّع وهو الراغب عليّ بن أبي طالب. يراني أمامه غنيمة سهلة ويتعفف. أي جنس. من الرجال هو ليسلبني أدواري التاريخية في الصد والدلال؟ أجدني في سعيي وراءه أغادر جنسي فلما لا يكون جريئاً، مبادراً، مقداماً كجميع الرجال الذين لا أطيقهم؟
يا لحماقتي. أليس الخجل والاطراق والنظرة المنكسرة ما يجعله فريداً بين الرجال المزهوين أبداً بذكورتهم؟ يعجبني أن يكون غافلاً عن فتنته. أحب فيه "ذكورة التواضع".
3
"ولا برء من ميّ وقد حيل دونها
فما أنت في ما بين هاتين صانع؟"
(ذو الرمة)
ماذا أصنع؟أهم به وأقد قميصه كما فعلت زليخة؟ أختبئ وراء نزاهة مزعومة: "لست ممن يفعلن هذا". أعرف في قرارة نفسي أنني أكثر جبناً من أن أكيد له. أدعه لشأنه الى حين فيظن أن ولهي به لم يكن سوى تعلق عابر؟ "ها قد شفيت مني سريعاً". ألح عليه؟ أخشى من ابتذال صورتي. "لقد ضقت ذرعاً بها". لكن، ألا يطمئن الآخر المتوجس إذا ما ثابرت في التماس الوصل الى أصالة رغبتي فيه، الى أنني أصطفيه دوناً عن سائر الأجساد؟
أقيم بين منزلتين. أفهم الآخر أنني هنا، رهن الاشارة، في انتظار مفتوح غير مشروط. أتحايل لأؤجل، أياً كان الثمن، اقتراب اللحظة الأخيرة.
4
لا أجد، في ما أستعيره من لغة، أخوات لي في محنتي. عبلة وليلى، ودعد وهند، وسعاد وريا، ولبنى وعزة، ومي ودينب، ألسن هن القاهرات المستبدات المتدللات؟ ألسن هن اللواتي يصرعن الشعراء بلحظهن؟ لما أنا هكذا فريدة في عاري؟
5
"ولا مي بعد اليوم إلا تعلة=
من الطيف أو تلقى لها منزلاً قفراً"
أنتظره خارج العالم، أغادر حياة أجلتها لحين لقائه وأؤجلها ثانية لحين وصله. ما عدت أحسن سوى التبطل ومساكنة الشعراء الموتى. لا نفع لي ولا ثمن لهذا الوقت: أتعلم الأذرية في كتاب، أحول سواراً الى قلادة وقلادة الى سوار، أتمرن طوال النهار أمام المرآة على نظرة سخط ستردي الآخر قتيلاً في حال صادفته. أحياناً، أسترق النظر برعب الى العالم. كم صنع الآخرون من أشياء وأولاد في غيابي! لقد تأخرت كثيراً. هل فاتني العالم؟
6
"تجنبت ليلى حين لج بك الهوى
وهيهات كان الحب قبل التجنب"
(المجنون/ نصيب/ النميري)
أراه يقصيني ويدني غيري كأني مجذوم العصور القديمة، كم من الشرور أضمر لأصدقاء يجالسهم وقد انقفل باب المجلس يحدثني عنهم. إذا ما من بلقاء، فأعدمهم في صمتي الواحد تلو الآخر. ش.؟ "يا لها من سليطة متعجرفة!" أ.؟ "هذا الممل عديم الموهبة!" يصف زحف الجماهير المحبة لعيادته أثناء مرضه فأكاد أموت كمداً: "هنيئاً لك العالم بأسره".
يتنصل مني فيتركني مغفلة، منزوعة الصفة، فاقدة الحظوة، متفرعة لتربية الضغئن. إذا أصاب الآخر مكروه، من يعزيني؟
7
أما وقد فرغت من التسوق الغرامي، ما أنا فاعلة الآن بعدة الحب؟
8
"أهيم بدعد ما حييت فإن أمت
فوا حزني من ذا يهيم بها بعدي"
(نصيب)
تقترح سكينة بنت الحسين على راوية نصيب عجزاً آخر للبيت: "فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي". أريده، وقد طربت لتصويب سكينة البديع، أن ينذر العفة أبد الدهر. بل سأذهب في لؤمي أبعد منها بكثير. أريد له بأنانية. صادقة، أن لا يصلح لشيء بعدي. لا أغفر له انصرافه الى شؤونه وأنا مقيمة في العطل أو احتماله العالم خالياً مني كأني لم أكن يوماً.
"كم أكره أن يكون الآخر بخير من دوني".
9
يحزنني أنه أفلت بسر جسده وأنني لن أعرف أبداً ماذا يكون منه في الوصل. كيف ينظر، كيف يعانق، ماذا يقول؟
10
أنا في انفرادي ألوك وساوسي. الى أي امرأة يخلو في غيابي؟ أتألم مع ذي الرمة لانقطاع الخبر. "لا تعجمي من دوني الخبرا". ما أنتظره لن يكون سوى كارثة محققة: الآخر، بخرقه الذي لا يرحم، يتصل ليشكرني على هدية لم أرسلها. يا لشقائي حين أعرف أن ثمة من يغازله. أخليت الساحة لتركته مطعماً للطامعين. ها أنا أتخبط في ذعر السؤال:
"أمؤثرة الرجال عليّ ليلى
ولم أوثر على ليلى النساء؟"
11
يصادف أحياناً أن أخرج من وكري. أخالط الناس لأسلو فيؤذيني الكلام من حيث لا أدري. إذ تقول س. عن زوجها: "أجدني فقيرة حين يسافر" تصفعني جملتها البريئة فاتحة باب رثاء الذات على مصراعيه: "أنا فقيرة الى من هو غني عني. بل أنا أعيش دون خط الفقر. الآخر يذيقني بصده هو أن الغرباء واليتامى والمساكين... إلخ".
لكل منا حسب رولان بارت "خريطة جروح" يعرفها أصدقاؤنا فيتحاسون ذكر ما قد ينكأ جرحاً هنا أو يقرف قرحاً هناك (أو بالعكس). أنا ما عدت أتعرف على خريطتي. أتحسس في جلدي مواقع جديدة تلتهب كل يوم دون سابق انذار.
12
استراحة بين نوبتي غضب: أشتاق للآخر. أصفو له فتستحيل لغتي عتباً رقيقاً:
"ذهبت من الهجران في كل مذهب
ولم يك حقاً كل هذا التجنب"
(علقمة الفحل)
أعفو عنه فيعاودني خوف قديم عليه: "لا تقطع الشارع وأنت شارد الذهن".
13
أي داء، أي لعنة أصابت الآخر ليعرض عن نفسي المبذولة لأجله؟ إذا ما وضعت يدي على جبينه فرقيته، هل يبرأ من علته فيلين؟ إذا ما سقيته ماء أعشابي هل يثوب الى رشده؟
14
الهدية اختراق الحيز الممنوع أراه يتعثر بأشيائي الكثيرة في الغرفة والمطبخ والحمام. فأفرح. لا تدوم سعادتي بالفكرة طويلاً، حين تبلى آخر أشيائي سينتهي مني تماماً.
15
لا أطمع في أن يصلني دهراً ولا أعلل النفس بدوام السرور. لكن، هل يكفي أن يكون التصرم مصير الرغبات لندفنها حية ترزق؟ أرى الآخر يعصر ماء الرغبة ولا أستسلم. ذو الرمة حاك ثلث لغة العرب. أنا سأكر سجادتي وأحيكها من جديد: "دعني أريك من أكون. ثمة أشياء كثيرة في قبعتي. أنا أكثر روعة مما تظن".
16
أستأنف الحكم ولا أكسب. ها هو الآخر ينفث سمه ساخراً من زهدي في غيره "كالشهداء والقديسين". أنا في النزع الأخير: "يا ليتني مت قبل هذا"، أو "هذا ما جنيته من رأفتي". يجهز عليّ معتصماً بأخلاقيات القسوة.
ليتني أنا اعتصمت بحكمة علي بن أبي طالب: "رغبتك في زاهد فيك مذلة".
17
"وكنت معه كالقابض على الماء وكالباني في الهواء والمستمسك بحبال الهباء".
(اليازجي)
18
"قلت لنفسي حين فاضت أدمعي
يا نفس لامي فموتي أودعي".
أنا عالقة هنا، والى جانبي رغبتي المغدورة، لا أموت ولا أدع. لا أطمع ولا أقصر. أكابد الزمن الذي سيمر قبل أن أنفض يدي يأساً منه "نفض الأنامل من تراب الميت". (الشريف الرضي).

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow