المقامة الورقية
2009-03-25
اللوحة : الفنان يوسف عبدلكي
بَينَما أَنا في مِحَطَّةِ القِطار، أَحمِلُ فَوقَ كَتفي الزّاد قاصِداً بِلاداً بِعاد إِلى حَيثُ القاهِرة أَنشُدُ بِها يَحي بنَ هِشام نُراجِعُ ما كانَ مِن كَلام عَسى أَن يُقَدَّرَ لي نَشرُ الدّيوان فَيكونُ لي بَينَ الشُّعَراءِ مَكان، إِذ عَرَضَ لي رَجُلٌ أَشيَبَ الشَّعر مُقَوَّسَ الظَّهر قَد أَكَل عَليهِ الدَّهر، فَأَلقى بِأَكمَلِ سَلام فَأجَبتُ بِأَتَمِّ كَلام وَمِن ثَمَّ تَنَحَّيتُ فَقالَ: أَبيتَ!!، قُلتُ: وَما أَبيتُ؟!! قَالَ: أَما سَمِعتَ قَولَ الشّاعِرِ:
تَعَرَّض لِلكَريمِ تَحُز نَوالا = فَلا يَأبى كَريمٌ أَن يُنالا
فَقُلتُ: صَدَقت، حَسبُكَ قَد أَصَبتَ وَسَل فَقَد أُجِبتَ، فَقالَ: أَسأَلُكَ وُرَيقاتٍ يُزِلنَ الهُموم وَيُلهِبنَ الخُصوم وَيَفتِنَّ المَعصوم، يَرضي بِقَليلِهِنَّ الكَريم وَلا يَكتَفي مِنهُنَّ اللَئيم، لا يَطلُبُها لِغَيرِها إِلا عاقِل وَلا يَطلُبُها لِذاتِها إِلا جاهِل، تُقضى بِها الحاجات وَتُقالُ بِها العَثرات وَتُدفَعُ بِها الدِّيات، بِها يَتَجَبَّرُ الدّائِنون وَيُذَلُّ المُعسِرون فَما طَلَبها إِلا مَفتون وَما تَرَكَها إِلا مَجنون، إِذا أَقبَلتَ عَلَيها أَدبَرَت بِخَيرٍ مِنها وَإِذا أَدبَرتَ عَنها أَقبَلَت بِخَيرٍ مِنها، فَقُلتُ: أُجِبتَ، وَدَفَعتُ إِلَيهِ الوَرقات فَلَمَّا هَمَّ بِالشَتات قُلتُ: قَد رَأَيتُكَ جَذلَ المَقال فَهل لي مِن سُؤال؟، قال:سَل، قُلتُ:لَإِن كانَ كَما تَقول فَقد أَقبَلتَ وَلَم تُدبِر وَأَدبَرتُ وَلَم تُقبِل!!، فَقالَ: قَد صَدَقتُكَ، فَإِنَّما أَدبَر عَنّي بِإِقبالي شَرَفُ الإِباء وَأَقبَلَ عَلَيكَ بِإِدبارِكَ شَرَفُ العَطاء، ثُمَّ أَنشَدَ يَقول:
لا تَسأَلَنَّ وَإِن عَسَرتَ = وَلا تُضِع شَرَفَ الإِباء
وَإِذا سُئِلتَ فَجُد بِما = يُرضي وَحُز شَرَفَ العَطاء
ثُم استَأذَنَ في أَدَب فَشَيَّعتُهُ في عَجَب وَنَظَرتُ فَإِذا القِطارُ قَد ذَهَب.
--
محمد أبو الفتوح غنيم
--
محمد أبو الفتوح غنيم
http://zekraa.wordpress.com
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |