فلسطين ولبنان ... بين الرياض وباريس
2006-07-19
الحياة - 19/07/06//
قبل اندلاع حرب حزيران (يونيو) 1967 بأسبوعين تقريباً، قام الملك فيصل بجولة أوروبية شملت عواصم عدة بينها باريس.
وبسبب الوضع السياسي المتوتر الذي كان يشغل اهتمام الدول الكبرى، افتتح الرئيس الفرنسي شارل ديغول محادثاته مع العاهل السعودي بسؤال مفاجئ: ان إسرائيل أصبحت أمراً واقعاً، وأرى من المناسب أن تعترف الدول العربية بإسرائيل كأمر واقع. ورد عليه الملك فيصل بجواب محرج قائلاً: استغرب صدور هذا الكلام عن شخصية تاريخية اعتبرها جيلنا رمزاً وقدوة لرفض الاذعان الى الأمر الواقع. ولو انك، يا سيادة الرئيس، قبلت بالأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال النازي، لما تحررت فرنسا.
عندها اضطر ديغول الى تغيير الحجج التي يعتقد أنها كفيلة بالاقناع، ويقول: ولكن اليهود يزعمون أنه من حقهم العودة الى وطنهم التاريخي بعد ألفي سنة!! وفاجأه الملك فيصل بجواب أكثر حرجاً عندما قال له: ولماذا يخص المجتمع الدولي اليهود بهذا الامتياز
فيسمح لهم بتغيير حدود الجغرافيا القائمة باسم تاريخ غير موثوق يعود إلى ألفي سنة؟ ذلك أن تطبيق هذا المبدأ على الجميع سيدخل الدول والشعوب في حال من الفوضى والنزاعات، وسيعيد للعرب كل ما كسبوه خلال عصر الفتوحات، بما في ذلك الأندلس!
ثم انتقل الحديث بينهما الى الجانب السياسي من القضية الفلسطينية. وأصغى الرئيس الفرنسي الى وجهة نظر العاهل السعودي الذي أعرب أمامه عن خيبة أمله من دور الأمم المتحدة التي شارك في وضع ميثاقها في سان فرانسيسكو.
عقب انتهاء حرب حزيران 1967 قام ديغول بانعطافة سياسية نقلت فرنسا من موقف الدولة الداعمة لإسرائيل إلى موقف الدولة الداعية الى حظر الأسلحة عنها. وكان الرئيس ديغول أول قائد غربي يصف الدولة العبرية بالفريق المعتدي. وفي 21 حزيران أصدر بياناً قال فيه إن بلاده تستنكر الاعتداء الذي نفذته إسرائيل، وترفض أي تغيير على الأرض بواسطة القوة المسلحة. ثم كلف وزير خارجيته موريس كوف دوميرفيل نقل هذه الرسالة الى الجمعية العامة، محذراً من مخاطر الأزمات التي تخلقها الحرب.
مقابل هذا الموقف السياسي الجريء الذي دفع ديغول ثمنه غالياً في ما بعد، كافأه الملك فيصل عن طريق مضاعفة مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري. وهكذا تحولت فرنسا، بسبب سياستها المعتدلة تجاه أزمة الشرق الأوسط، الى مخزن صادرات تجارية وعسكرية تتزاحم على أبواب شركاتها كل الدول العربية. وهكذا تشكلت على جوانب التعاون التجاري هيئات تتولى القضايا السياسية الثنائية عبر حوار لا ينقطع، وتواصل مستمر منذ أكثر من ربع قرن. ولقد تولى ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز هذه المهمة في مختلف المراحل بحيث تحولت اجتماعاته مع وزراء الدفاع الفرنسيين الى محطات سنوية موزعة بين الرياض وباريس. ويرى المراقبون أن الزيارة التي يقوم بها حالياً لباريس تكتسب أهمية خاصة، كونها تتعلق بمعالجة وضع بالغ الخطورة يتعرض له لبنان وقطاع غزة.
في جلسة مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين الماضي، طالبت المملكة بضرورة وضع حد للعدوان الإسرائيلي على لبنان، وانهاء الحصار المفروض على الفلسطينيين. واعتبر المجلس أن الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان وشعبه واقتصاده ومكونات حياته، وما تقوم به من تدمير وانتهاك لحقوق الإنسان واستهداف المدنيين الأبرياء من دون أي اعتبار للمواثيق الدولية والاعتبارات الإنسانية... إنما هو امتداد لسياسات الاحتلال والهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. ومن المؤكد أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز سينقل هذا الموقف الى الاجتماعات التي يعقدها مع الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان ورئيس مجلس الشيوخ كريستيان بونسوليه ووزير الخارجية فيليب دوست بلازي ووزيرة الدفاع ميشال اليو - ماري. ومن المتوقع أن يضعه الرئيس شيراك في صورة الموقف الدولي الذي هيمن على محادثات قمة مجموعة الثماني، على أمل الخروج بحلول توقف حصار غزة وتجنب لبنان ما هو أسوأ من الدمار والموت... أي الدخول في حرب أهلية شرسة كالتي أفرزها انهيار النظام العراقي!
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |