الخير في ما اختاره الشعراء / حوار مع الشاعر محمد أنوار محمد أجراه الشاعر
2009-04-17
- تنطلق في قصائدك محلقا في الأعالي، على اعتبار أن "سماء الله واسعة" كما تقول في قصيدتك الأولى. كيف تجمع بين "منطق الطير" وكل هذا التصوف و"التصعلك" واحتمال الوجود على المستوى الفينومينولوجي، وبين مطلب عودة الشعراء إلى واقع البشر الآن وأزماتهم الفردية والجماعية؟
* تعرف أن أسطورة الخلق البابلية تبدأ بعبارة "إينوما إيليش" (حينما في الأعالي )، مع ذلك كانت تنتهي إلى الكلام عن واقع البشر. وعندما كتب فريد الدين العطار رائعته الإنسانية "منطق الطير" ( رحلة السيمرغ إلى السيمرغ )، فقد كان يتحدث عن واقع البشر أيضا. الأعالي بالنسبة إلي ليست هروبا من مشاكل البشر، بل سفرا في صلب أزماتهم الروحية والمادية. والشاعر في الأخير وفي الجوهر ليس إلا تجليا آخر لهم. ستجد في الديوان قصائد تتحدث عن الأزمات التي نعيشها حاليا ( إرهابي، وقفة الثمالة، أرض ما...) رغم أني لا أحصر وظيفة الشعر في هذا البعد. ثم إن الشاعر/ الباحث في واقعه المادي والروحي لا بد أن يتصعلك في شوارع الأفكار، والفلسفات، والأساطير، والأحلام... متشككا، وحذرا، وقلقا، ومسكونا باللايقين...وهذا ما يفضي به إلى عدم الحسم في أي شيء، بما في ذلك وجوده...
- عاد الحديث مؤخرا إلى جدل الشعر والنثر، ألا تراه جدلا يؤجل جوهر السؤال الشعري الحقيقي، الذي هو الشعر نفسه، انطلاقا من مبدأ " الانتصار للشعراء من ألف إلى ياء " كما تقول؟
* صحيح، طالما تساءلت عن جدوى هذا الجدل. وقد تابعت النقاش حول مؤلف "القصيدة الخرساء" لعبد المعطي حجازي، والمؤتمرين الشعريين الأخيرين في مصر... لست ضد النقاش الشعري، ولكن هذا التوجه، وهذا النفي ونفي النفي، لا يروق لي. في أعماقي أجدني دائما ضد التنميط والهيمنة والفكر الوحيد... والشعر، كممارسة إبداعية، لا يحتاج إلى صراعات تعتمد أساليب الدعاية والماركوتينغ ومنطق "نحن أفضل منكم" ، و"نحن أحدث منكم"، و"بضاعتنا أجود من بضاعتكم"... قد أتفهم منطق الدفاع عن الخيارات في لحظات زمنية كما في الأربعينيات والسبعينيات، لأن الأمر حينها تعلق بمقاومة للسائد، والعمل على فتح آفاق جديدة للإبداع...لكن عندما يتعلق الأمر بمنطق السيطرة والانحياز إلى نمط دون آخر، فهذا ما يظهر لي نظرة ضيقة إلى الشعر. الشعر أوسع وأجل من أن نحصره في قصيدة نثر أو قصيدة تفعيلة أو قصيدة عمودية أو أي شكل آخر...بهذا المعنى قلت "أنتصر للشعراء من ألف إلى ياء"، أي لكل الشعراء دون استثناء.. وأستمتع بقراءة الجميح والمسيب والشنفرى وطرفة والمتنبي ..كما أستمتع بقراءة شعراء القرن العشرين. أنا مع جميع أنماط الشعر الجيد.. وعندما أقرأ أو أنصت..أترك لحاسة السمع لدي ولإحساسي الداخلي أن يحكما.. فإما أتفاعل وإما لا أتفاعل..وحتى إذا لم أتفاعل مع نص شعري أقول "المسألة أذواق". ولهذا أيضا أقول: لا تُدافعْ عن نهجكَ الشِّعريِّ، التّسليمُ بأنّكَ على الصِّراط المستقيم يعني أنّكَ كافرٌ. لكن هناك أيضا، الجودة والرداءة في الشعر، إذ هناك معايير معروفة نقيس بها الشعر..وهذا دور النقاد... وأحيانا دور الشعراء.
- تقول إن "الخير فيما اختاره الشعراء".. ما هي كفاية الاختيار الشعري اليوم؟
* تعرف أن العلوم الاجتماعية لم تحسم بعد في أولوية الإرادة أو الحتمية. أنختار أن نصبح شعراء أم أن شروطا ما ذاتية وموضوعية تدفعنا إلى أن نصبح شعراء؟ الشعر اختيار أم حتمية؟ لذا ربما أعتبر الشعر خيارا وضرورة. وفي تلك الجملة التصريحية، أتحدث عن إصرار الشعراء على القول والكتابة، عن الشعراء الذين يؤمنون حقا بالشعر، والذين يعملون على إبداع شريعة فريدة في القول الشعري. ورغم زحف التقننة والعقلنة والثقافة الإسمنتية على الخيال البشري والعلاقة الإنسانية، والتي قد تدفع إلى الحديث عن "بؤس الشعر" وجدواه وكفايته، إلا أنني لا أبالي بهذا الزحف. لديّ إيمان قوي بالشعر. وفي الأماسي القليلة التي أنشد فيها الشعر، أرى المتعة التي يشعر بها الناس. تلك المتعة تجعلني متفائلا بمستقبل الشعر. وأجد أنه لا يمكن إرواء عطش البشر إلى الشعر.. سيظل الإنسان يقول الشعر ويستمتع بالاستماع إليه، ما دام يحلم ويقلق ويفكر ويتأمل... ويبحث في ذاته وفي تأويلات أشياء العالم.
- حاز ديوانك أحتمل الوجود على جائزة الديوان الأول كما يعلنها بيت الشعر كل سنة احتفالا بيومه العالمي... والحق أن تجربتك تمتد لمسافة ربع قرن تقريبا قبل أن تتجرأ على نشر ديوانك الأول .. والخلاصة أن الشعر يحتاج إلى وقت طويل وتعتيق أطول حتى يستحق عناية القراء والنقاد..وهذا ما حدث مع الديوان الفائز في الدورة السابقة لشاعر من جيلك اسمه سعيد الباز..أليس كذلك؟
* صحيح.. أنا من جيل التسعينيات.. ومن جماعة " شعراء مقهى مكسيكو" ( جمال الموساوي، محمد أحمد بنيس، عمر بنلحسن، وعبد الصمد الصغير...).. وجيل "البحور الألف"...بصدد تجربة إصدار الديوان، أتذكر جملة من درس في القانون الجنائي " الضرورة تمر عبر عدد لا يحصى من الصدف". هناك صدف ما تساهم في لحظة الضرورة. وأعتبر هذا الوقت الطويل مرتبطا بظروف ذاتية وموضوعية ( الدراسة الطويلة، الظروف المادية، العمل، واقع النشر، التردد..). لكن ما قلته أيضا صحيح، يحتاج الشعر إلى مسافة زمنية، ليس فقط قبل إصدار العمل الشعري بل أيضا بعده...أي بالنسبة للشاعر والقارئ معا.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |