صدور رواية"السيدة من تل أبيب" للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون مع فصل من الرواية
2009-04-26
صدرت عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت وعمان، رواية "السيدة من تل أبيب"، للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون.
تختبر الرواية موضوعة التعايش الفلسطيني والعربي –الإسرائيلي، في علاقة إشكالية ملتبسة بين كاتب فلسطيني وممثلة إسرائيلية وابن زعيم عربي معروف. وتقدم من خلال سرد متعدد المستويات، تتولد في سياقه رواية أخرى، تجربتين لمغتربيْن فلسطينييْن يعودان من المهجر إلى قطاع غزة، تكشفان عن التحولات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمع الفلسطيني وانعكاساتها المتفاوتة على كل من الشخصيتين، وتجربة ثالثة لإسرائيلية تعاني من تمزق علاقاتها الاجتماعية، ومن مأزق وجودي تعمقه التحولات المقابلة على صعيد المجتمع الإسرائيلي.
بطل الرواية كاتب فلسطيني بريطاني الجنسية، ينشغل بكتابة روايته الرابعة حول شاب فلسطيني، يغادر في التاسعة عشرة من عمره قطاع غزة للدراسة في إحدى جامعات فرانكفورت بألمانيا، تاركا خلفه ابنة جيران أحبها لسنوات ووعدها بالزواج بعد تخرجه وعودته إلى البلاد. تقع حرب يونيو (حزيران) 1967 ولا يتمكن الشاب من العودة. تتزوج الفتاة من ابن عمها، ويتزوج هو من ألمانية زميلة له في الدراسات العليا، ويعيشان معا علاقة متوترة، تمزقها العادات واختلاف التقاليد، فتنتهي بالطلاق.
يُقتل زوج الفلسطينية برصاص قناص إسرائيلي. وحين يبلغه الخبر بعد سنوات، يستيقظ في قلب الشاب حبه القديم، ويقرر العودة إلى غزة والبحث عن حبيبة مضى على انقطاع علاقته بها ثلاثون عاما.
تغري تفاصيل الرواية كاتبها، فيقرر بدوره زيارة غزة، بعد غربة طالت ثمانية وثلاثين عاما، والبحث عن أصدقائه القدامى، وتتبع رحلة بطل روايته، واختبار تفاصيلها واقعيا.
في الطائرة التي تقله إلى تل - أبيب، يتعرف الكاتب على ممثلة إسرائيلية، تكشف عن علاقة غرامية ملتبسة تربطها بابن زعيم عربي معروف.
في غزة، التي يصلها الكاتب بعد ثماني ساعات انتظار عند معبر إيرز الحدودي، يصبح المتخيل حقيقيا: يغادر بطل روايته النص وينتمي إلى الواقع. ويكتشف الكاتب أن العاشقة القديمة المتخيلة في روايته، هي إحدى قريباته.
يلتقي الكاتب بطل روايته ويتعرف عليه، ويفتح له كل الطرق التي تقوده إلى حبه القديم، ويتركه يرسم بقية حكايته ويضع لها النهاية التي يريد.
بعد عودته إلى لندن، يتلقى الكاتب مكالمة هاتفية من الممثلة الإسرائيلية، تخبره فيها بأنها هناك، وأنها ترغب في رؤيته لإطلاعه على أسرار خطيرة. يغادر الكاتب مكان عمله مساء قاصدا موعده، لكنه يختفي في المسافة بين محطة انطلاقه ومكان اللقاء. تقع الرواية في328 صفحة من القطع المتوسط.
يذكر أن للمدهون أيضا "أبله خان يونس"، وهو مجموعة قصصية، و"الانتفاضة الفلسطينية..الهيكل التنظيمي وأساليب العمل"، وهو بحث أكاديمي، و"طعم الفراق..ثلاثة أجيال فلسطينية في ذاكرة" وهو سيرة ذاتية.
وهذا فصل من الرواية
لم أكن أحلم حين ذهبت للقاء نور الدين في شقة على الطابق السادس، في عمارة في حي "سويس كوتيج" في لندن. فقد تلقيت، أول من أمس، وكنت أتابع زيارتي لكاليفورنيا، رسالة نصيّة على هاتفي الجوال، تطلب إليّ الحضور الى لندن، وتحدد لي موعد اللقاء ومكانه. كان اللقاء بالنسبة لي أكثر من مهم. ولو لم أتلق تلك الرسالة، لسعيت بنفسي إلى ترتيب موعد مع نور الدين بأية طريقة. كنت بحاجة إلى رؤيته وإطلاعه على سرّ كبير.
وصلت الى الشقة قرابة الثامنة والنصف. كان المساء دافئا مثل ومضات الأمل التي لم تتخل عنّي طيلة الوقت. وكان ضوء ما تبقى من النهار ينتشر باهتا في الخارج، وما تسرّب منه إلى داخل العمارة، يكفي للاستغناء عن مصابيح السلالم.
ضغطت زر الجرس الكهربائي مرات عدة متتالية، استعجله إحضار من يفتح الباب لي وانتظرت. "يقف نور الدين هناك وسط الصالة، وربما يختبئ الآن خلف الباب، يستمع سرا لأنفاسي المتلاحقة مثل لهفتي على اللقاء. سوف أندفع نحوه. وسيقفز هو فاردا ذراعيه مثل شراعي سفينة. ونبحر معا في قبلة طويلة تنتهي به يزف اليّ الخبر الذي انتظرته طويلا: سنتزوج قريبا يا حبيبتي. أغلق فمي بكفي على لحظة اندهاش عميقة وأحتفظ بها في صدري. وقبل أن أبعد كفي وأحرر دهشتي، سيقول لي نور الدين أنه طلب مني الحضور على عجل كي يطلعني على التفاصيل. أهجم عليه بقوة، غير مهتمة للتفاصيل التي سنوزعها على الليل كله. يتلقفني بذراعيه الفولاذيتين. ألفّ ساقيّ حوله، وأعصر خاصرته بين فخذيّ، وأدق ظهره بكعبي قدمي فرحا. يدور بي في الشقة ويشبعني قبلا فلا أشبع. وحين ننتهي الى الفراش، سآخذ كفه بين يديّ، وأضعها على بطني العارية، وأهمس في أذنه: أنا حامل".
تبدّد رنين الجرس داخل الشقة حتى رعشته الأخيرة. وظل الباب مغلقا لا يسمع خلفه وقع أقدام، أو حركة تدل على أن أحدا ما سوف يفتحه لي في أية لحظة. ضغطت زر الجرس ثانية وانتظرت، وقد بدأ القلق يتسرب إلى نفسي. وحين ضغطته للمرة الثالثة، أيقظني الصمت على حقيقة مرعبة: الشقة خاوية وموعدي صار فقاعة صابون.
بدأ قلبي يلهث وكفايّ تعرقان ودمعت عيناي بحرقة. أخذت نفساً عميقا. لملمت نفسي المشتتة على عجل، واستدرت راكضة نحو السلالم متجنبة المصعد كي لا يراني احد. ومضيت احمل خيبتي الثقيلة وأجرها مع خطاي هابطة السلالم نحو باب العمارة.
أوقفت سيارة أجرة، وطلبت من سائقها أن يأخذني إلى فندق "دورشستر" في حي "بارك لين" وسط لندن، حيث نزلت ليلة أمس. وانطلقت السيارة وفي مقعدها الخلفي، تجلس امرأة اخرى غير التي جاءت تبحث عن موعدها قبل قليل.
تذكّرت لقاءنا الأخير في روما قبل أكثر من شهر، حين وعدني نور الدين بأن يبتّ في أمر علاقتنا التي كبرت في العتمة خلال أكثر من ثلاث سنوات. قال أنه سيخرجها إلى العلن كي يشرع كل منا في اتخاذ الترتيبات الضرورية لأمر غير عادي نقدم عليه. وقال أيضا، إن تصريحا للصحافة من بضع كلمات على لسانه، يمكنه أن يزلزل الشرق الأوسط، ويضيف الى حروبه الخمس حربا سادسة من طراز جديد. حرب يتنافس فيها العشاق، ويصبح تاريخ اندلاعها الناعم فالانتاين سنويا يحتفلون به.
يومها، خِفت على نور الدين من فرحته، وعليّ من فرحتي لي وله. نصحته بالتريث، والتفكير في طريقة ما لتسريب تفاصيل الحكاية بالتقسيط. قلت له أن الأمر قد يستنفر رجال الأمن في بلدينا. ويعرّضنا للملاحقة معا أو منفصلين. وقلت له أيضا، أنه سيواجه اتهامات بالعمالة لإسرائيل. وأنني سأتعرض لاتهامات مماثلة. سيقال أنني خنت إسرائيليتي، وربما يهوديتي أيضا. وأوضحت له بأن ارتباطنا علنا يحتاج إلى خطوة سياسية تسبقه وتمهد له الطريق. وأن عليه هو بالذات كابن زعيم عربي كبير - وكان دائم الحديث عن التغيير في بلاده، وعن رغبته في إحلال الديمقراطية فيها والسلام في المنطقة - ان يساهم في التعجيل بهذه الخطوة. وسألته قبل أن أغادر شقته السرية في روما، إن كانت لدى والده جرأة السادات لكي يهبط في مطار تل افيف كما فعل الرئيس المصري عام 1977، أو ينوب هو عن والده ويقوم بالمهمة، ونبدأ معا أولى رقصات العاشقين؟.
قبل رسالته الأخيرة التي جاءت بي إلى هنا، بعث اليّ نور الدين بنص هاتفي من خمس كلمات فقط: "في الأفق مفاجأة كبرى يا عزيزتي". حقا، أي مفاجأة اكبر من اختفاء نور الدين نفسه، وهروبه غير المتوقع مني ومنه، ومن كل التفاصيل التي يعرفها، والتي كنت عازمة على مفاجأته بها؟!. هل يعقل أن يكون قد تعمّد ذلك ليتخلص مني؟. هل كان يكذب عليّ كل تلك السنين؟ هل كنت بالنسبة له مجرد عشيقة يُضيء جسدها عتمة عابرة في فراشه؟. أم يكون هو نفسه قد تعرّض لضغوط معينة لإنهاء علاقته بي بهذه الطريقة المفاجئة الصادمة؟.
"نور الدين لا يفعل ذلك". لكنه فعل، وحوّل وعده لي إلى خيبة أكبر منها. وجعل من اللقاء الذي تمنيته فصلا أول في علاقة شرعية تربطنا، فصلا أخيرا شديد الغموض. حقا كنت بلهاء حين صدّقت أن علاقتنا يمكن ان ترى النور ذات يوم. كنت بلهاء أكثر حين نمت معه بدل المرة مرات. وها أنا أحمل في بطني جنينا، عمره أسابيع افترض انه أبوه. "إلوهي أيكون ابن ايهود؟". لم اسأل نفسي من قبل. كنت واثقة وما زلت، أن ما في بطني هو ابن نور الدين. نمت مع ايهود مرة واحدة في شقته في اشكلون. كانت الأولى والأخيرة، وما كان لها ان تحصل أصلا بين صديقين. تبادلنا وقتها عتابا قاسيا. قال لي ايهود محاولا التخفيف من ورطتي: "لا تتعجلي الامور .. فقد لا تحملين..وإن حصل تستطيعين اسقاط الجنين في اسابيعه الاولى".
في تلك اللحظة، فكّرت في نور الدين الذي ارتكبت معه الحماقة نفسها قبل ذلك بأيام فقط. وكانت حماقتي نكتة سوداء.
غادرت غرفتي في هيلتون روما قرابة الحادية عشرة ليلا. سلّمت مفاتيحها لموظف في مكتب الاستقبال، وانطلقت على عجل. كان مرافق نور الدين وحارسه الشخصي النايف وسائقه الهاشمي، ينتظراني في سيارة "بي إم دبليو" فضية اللون، اوقفاهاعلى بعد امتار قليلة من المدخل الرئيسي للفندق.
ركضت بسرعة نحو السيارة. تلقفني الرجلان الانيقان حين وصلت. ألقيا بي في المقعد الخلفي كما لو كانا ينفّذان عملية اختطاف حقيقية. وانطلقت بنا السيارة تلتهم شوارع روما بجنون.
في الطريق، اكتشفت أنني نسيت حقيبة يدي في غرفتي بالفندق، وبها علبة واقي الحمل الذي لا اتخلى عنه في العادة. كان الطلب من الرجلين اعادتي الى الفندق لإحضار الحقيبة مستحيلا. وكان استئذانهما بالتجول في روما في تلك الساعة المتأخرة من الليل بحثا عن واق مستحيلا، سمجا، ومخجلا أيضا.
واصلت السيارة جنونها الذي لم يهدأ الا عند اطراف المدينة، حين توقفت مباشرة، خلف سيارة أخر من نوع "لاند روفر" سوداء. هبط النايف وفتح الباب على عجل، واتجهنا معا مسرعين الى السيارة الثانية التي انطلق بنا سائقها الذي لم أره من قبل، نحو شقة سريّة تقع خارج روما، حيث كان نور الدين بانتظاري.
قرّرت تلك الليلة ان أقي نفسي من الحمل بنفسي. أن أهجر الفراش وأمنحه إجازة، وأكتفي من الحب برذاذ من همس نور الدين الساحر ورائحته التي تغني عن كل أنواع العطور. ولم يكن ذلك سوى وهم بدّده سحر اللقاء فلم أصمد طويلا. أسكرني كلام الحب وأفقدتني رائحته الوعي كله. انهرت مستسلمة بين ذراعي نور الدين. وغاب جسدانا في بحر من لذة سبحنا فيه ما تبقى من الليل، ولم نخرج الى شواطئه الا قرابة الفجر.
الآن، عليّ أن أتخذ قرارات صعبة. الاتصال بنور الدين بدا لي مستحيلا لاعتبارات أمنية. الاعتبارات نفسها التي فرضت عليه أن يجعل من النايف أو الهاشمي، حلقة الوصل الوحيدة بيننا. والاعتبارات نفسها حالت دوني والحصول على رقم هاتف أي منهما. وما كان ذلك ليفيدني بشيء على أية حال، فكلاهما يغير هاتفه من وقت لآخر بأوامر من نور الدين غير قابلة للمساومة أو التأجيل.
انتابني شعور بأن نور الدين تركني وحيدة في تقاطع طرق بلا اشارات. ولم يبق أمامي من خيار سوى العودة إلى اسرائيل حزينة مكسورة الخاطر. لا أحمل معي سوى جنينا لم أقرر إن كنت سأحتفظ به أم لا، وظلال أحلام تمزّقت بين روما وكاليفورنيا ولندن.
أتأمل الشوارع عبر نافذة السيارة علّني المح نور الدين، فلا أرى غير أوهامي تتمشى بين عشاق آخرين، يلتفون حول أجسادهم تحت الأضواء المتقاطعة، في مساء يشعرون بدفئه وحدهم. افتقدت نور الدين وخفت عليه. افتقدت حضنه الدافئ ومزاحه الخفيف والثقيل. افتقدت وقفته التي تشبه فرسان روما القديمة، وكلامه الذي يغني عن كل ما سمعت من غزل العاشقين. افتقدت فيه رعشات صوته حين يناديني داناتينو هبيبي، فألقي بنفسي بين ذراعيه، ويغنّي لي بصوت يفزع قطط الكون كله، أغنية قديمة لداليدا:
I found my love in Portofino
وجدت حبّي في بورتوفينو
في كل مرة تحضرني
يدقّ قارع الاجراس عاليا
يبثّ اغنيات زواجنا
عبر السحاب
آه .. يا بورتوفينو
وجدت فيك الاحباب
ويحملني بين ذراعيه ويدور بي في ارجاء الشقة ولم يزل يردد: "آه يا داناتينو...
يوقظني مكبر الصوت في قاعة الانتظار، معلنا عن اقتراب موعد اقلاع طائرة الخطوط الجوية البريطانية، الرحلة رقم 153، الى مطار بن - غوريون، وصوت مضيفة تسألني إن كنت مسافرة الى تل - أفيف.
أقفز فزعة. ومن دون أن أرد على سؤالها، أدسّ لوح شيكولاته التهمت نصفه، قبل أن أغفو، في حقيبتي الصغيرة وأعلقها على كتفي. تلتقط المضيفة من يدي بطاقة الصعود الى الطائرة، ونركض معا نحو بوابة الدخول التي خلت من الركاب تماما، وقد توقفت عندها مضيفة أخرى، أخذت تستعجلنا بإشارات من يديها. تختطف البطاقة من يد زميلتها، وتقطع طرفها ثم تعيد اليّ بقيتها، وترافقني المضيفة الاولى عبر الممر المفضي الى باب الطائرة.
أجتاز بأنفاس متقطعة، مضيف ومضيفة يستقبلان الركاب عند الباب من الداخل، وأمر سريعا من بين مقاعد الدرجة الأولى وفي ظنّي أنني آخر الركاب الصاعدين الى الطائرة، وأنها توشك على الاقلاع فعلا.
يفاجئني الممر الأيمن بين مقاعد الدرجة السياحية، مغلقا بصف طويل من ركاب ينتظرون الجلوس في أماكنهم. ألتحق أنا وأنفاسي المتقطعة بالطابور، ونقف خلف سيدة مسنة تقارب السبعين، وربما تخطتها بقليل، تتقدّم ببطء شديد مثل الآخرين. أستعيد هدوئي تدريجيا، وأزحف تدريجيا ايضا مع الزاحفين، لكن برأس مليء بهواجس وهموم أحس بها وحدي، وأقلق بها وحدي، وأحملها معي الى تل - أفيف وحدي.
تمر خمس دقائق أخرى على الأقل، قبل أن أقترب من الصف الذي يقع فيه مقعدي، ولا يعود يفصلني عنه سوى العجوز. إلى يمينها مباشرة، ثمة رجل يجلس في المقعد المحاذي للممر بعيدا عن الشباك، بجوار ما يفترض أنه مقعدي. أنظر اليه من فوق كتفي العجوز. يرفع الرجل رأسه فجأة وأتبين بعض تفاصيل ملامحه: في منتصف العمر أو تجاوزه بقليل، حنطي اللون، شرق أوسطي الملامح، شيء ما فيه ذكرني بنور الدين.
تهزني المفاجأة، وتسري في جسدي كله رعشة غريبة باردة. أنا التي تقف أمام الكاميرا تتعرى بمرح صبية تكتشف جسدها على عتبة البلوغ، يرعشني الجلوس إلى جوار رجل بعض ما فيه يشبه نور الدين. أسأله بشيء من الارتباك، من دون أن تكف عيناي عن تسلق كتفي العجوز والنظر اليه، بينما يتطلع إليّ بشيء من الدهشة:
Excuse me Sigh, Is this ghow numbegh19?
"نعم يا سيدتي، والمقعد المجاور حرف A، هل هو ما تبحثين عنه؟".
يجيبني بأدب وبلكنة أعشقها حد الموت. وينهض بقامة متوسطة الطول، تضاف الى متوسطياته كلها: عمره، لون بشرته، وجاذبيته.
يتخلى رجل المتوسطيات عن مقعده ويفسح لي في المجال. أشكره وأمر الى مقعدي.
ألقي بحقيبة الكتف الصغيرة على أرض الطائرة بين قدميّ، ثم بجسدي كله على المقعد، وأبدأ فورا في استبدال ملابسي تحسبا لبرد محتمل.
أتذكر أمي حين كانت تستعيد في ساقي ما كان لها قبل ثلاثين عاما أو أكثر. وكنت استطيب حسرتها وهي تستعيد فيّ ما فقدته عبر السنين: "إلوهي دانا.. كأنك أمك في صباها حبيبتي. سوف تجرين شباب تل - أفيف خلفك.. أخشى أن تأخذيهم بعيدا عن الخدمة في جيش الدفاع أهوفاتي".
وأرد عليها: " أليس ذلك أرحم من الذهاب الى الحرب إما (أمي)؟ المشكلة هي أن جيش الدفاع هو الذي يجر الجميع خلفه".
"لن تتغيري أبدا.. وسيظل لسانك طويلا مثل ساقيك".
ثم تحمد الله، باروخ هَشِمْ، وتضيف: لولا جيش الدفاع ما كنا بقينا في هذه البلاد".
أنتهي من تغيير ملابسي، وألقي بظهري الى الخلف أستجدي قسطا من الراحة، يقطعه صوت جاري يتمتم بكلمات أفهم منها أنه نادم على عدم احضاره ملابس ثقيلة يتدثر بها. "يستطيع ان يستخدم الحرام الصوفي الذي تركوه له مثل بقية الركاب إن شاء".
أهمس لنفسي. أربط حزام الأمان، وأغمض عيني بانتظار إقلاع الطائرة.
كاتب فلسطيني، لندن
[email protected]
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |