سيلينا و انطلاقة سينما سيتي
2009-04-27
في مسرحية المحطة للفنانة الكبيرة فيروز قيل “الانتظار خلق المحطة‘ و شوق السفر جاب الترين”
تعود هذه المقولة للذهن مع افتتاح أول صالة سينما حديثة و جيدة بمعايير اليوم هي سينما سيتي في مبنى سينما دمشق العريقة‘ فقد اثمر الانتظار الطويل عن صالة تليق بهذا الاسم ‘ بعد أن أعادها إلى الحياة المنتج السينمائي العريق المهندس نادر الأتاسي. و افتتاحها ليس مجرد افتتاح صالة‘ بل هو بمثابة قبلة الحياة لطقس الفرجة السينمائية في بلد عانى من انطفاء أنوار المسارح و دور السينما فيه واحدة بعد الأخرى لأسباب اقتصادية اساساً و ادارية ثانياً‘ مما جعل الدور تتوارى وراء لافتات “مغلق للاصلاحات” و “برسم التسليم”‘ بما لذلك من انعكاسات ثقافية و اجتماعية.
فافتتاح الصالة قد يمثل النقلة التي كانت بقية دور السينما القليلة التي ما زالت صامدة بحاجة إليها لتتمثل بها‘ فهي تمثل مستوى جديداً من حيث الأثاث و التجهيزات بكراسيها الوثيرة المريحة و نظام العرض و الصوت الممتازين‘ إضافة إلى طاقم جيد من الموظفين يقوم بمهماته بشكل ممتاز في الحفاظ على النظافة و على روح السينما. و التحدي الأكبر هو الأفلام التي ستقوم هذه الصالة بعرضها.
فمغامرة نادر الأتاسي لم تقتصر على الصالة‘ بل تعدتها لانتاج فيلم سيلينا الذي افتتحت الصالة به‘ و هو الفيلم الذي يمثل تجربته الرحبانية الرابعة بعد أفلام فيروز الثلاثة‘ و من الظلم طبعاً مقارنة فيروز بمريام فارس أو نصري شمس الدين بجورج خباز‘ لكن الفيلم لطيف بشكل عام و يحقق متعة بصرية أساساً و درامية ثانياً و موسيقية ثالثاً‘ و هو بالتأكيد يستحق المشاهدة و يستحق أن تقصده تلك الوجوه التي تذهب لرؤيته كل يوم من أناس هجروا دور السينما منذ سنوات طويلة‘ ليعود المرء و يراها تدخل بثقة إلى هذه الصالة الفاخرة دون تكبر و الجميلة دون بهرجة زائدة.
بيد أنه لا بد من توجيه بعض الملاحظات على الفيلم‘ فبعيداً عن الحبكة و الحوار الذين كانا رحبانيين يصعب على المخرج أن يتدخل فيهما كثيراً ‘ كانت بعض الجوانب التقنية و الإخراجية بحاجة إلى بعض الجهود الاضافية. فقد بدا الفرق واضحاً بين جودة الصوت في الفيلم و جودة صوت المقاطع الترويجية من الأفلام الأجنبية التي عرضت قبله‘ و هو مرض مزمن في الأفلام العربية و بسبب ضغط النفقات في غالب الأحيان. كما أن جودة المؤثرات البصرية و الجرافيكية كانت جيدة بشكل عام باستثناء مشاهد الألعاب النارية التي أساءت إلى الفيلم بتنفيذها البسيط جداَ. أما الملاحظة الأكبر على الناحية الاخراجية في الفيلم فهي كثرة اللقطات الوجهية و البوزات لباسل خياط بشكل أكبر بكثير مما يتطلبه النص و تتابع الأحداث.
بيد أن هذه الملاحظات لا تقلل أبداً من الحماسة لدعوة الجميع لحضور هذا الفيلم المسلي في هذه الصالة الرائعة‘ و إن كان السؤال الأهم هو: و ماذا بعد سيلينا؟
تبدو صالة سينما سيتي أمام خيارات صعبة للحفاظ على المشاهدين الذين خرجوا بعد طول غياب لحضور فيلم سينمائي و اجتذاب غيرهم بعد بدايتها بفيلم سيلينا. فالانتاج المحلي الخاص من السينما شبه معدوم ‘ أما انتاج القطاع العام -القليل على أي حال- فهو محصور بسينما الكندي‘ و يبقى أمام القائمين على السينما الانتاج العربي أو العالمي . الانتاج العربي ما يزال مشغولاً بهوس “السينما النظيفة” و “الكوميديين الجدد”‘ و هي أفلام بشكل عام شديدة الابتذال تكفي مشاهدة دقيقة واحدة منها -محمد سعد مثلاً- لإصابة أي محب للسينما بالذبحة الثقافية! بيد أن هذه هي الأفلام التي انساقت إليها ما بقي من دور السينما التي بقيت صامدة‘ حتى صالة سينما الشام التي تمتعت منذ انشائها بالتحرر من قيود حصر الاستيراد بالمؤسسة العامة للسينما خضعت لضغط “الجمهور عايز كده” و قدمت هذه الأفلام‘ مما أدى بدوره إلى انحصار رواد السينما لفئات محدودة.
و هنا أهمية أن لا تقع سينما سيتي في هذا الفخ‘ و الخيار ليس سهلاً‘ فالأفلام العربية الجيدة الجاذبة للجمهور قليلة‘ أما الأفلام الأجنبية فهي متوفرة بجودة عالية بشكل مقرصن على أقراص دي في دي متوفرة ما أن يبدأ عرض الفيلم في العالم.و سعر تذكرة السينما يساوي دزينة من هذه الأقراص و بالتالي فعلى السينما أن تراهن على تعزيز طقوسية الذهاب إلى السينما و جلب نوعية الأفلام التي تعزز ذلك.
من الأفلام التي قد تكون موفقة في جذب الجمهور بهذه الطريقة أفلام الرسوم المتحركة الجديدة الموجهة للصغار و الكبار في آن معاً مثل “شريك” و الفأر الطباخ “راتوتوي” و مثيلاتها‘ فهذه النوعية من الأفلام الموجهة للعائلة قادرة على اجتذاب أسر لم تزر السينما في حياتها كنوع من نشاط ترفيهي جماعي و مشوار ممتع.
نوع آخر من الأفلام هو ذلك الذي يستهدف الشباب من الجنسين من الأفلام الاجتماعية الرومانسية و الكوميدية الخفيفة التي تستطيع جذب هذه الشريحة من الجمهور و التي تنحصر “مشاويرها الثقافية” في هذه الأيام ببعض الأنشطة الثقافية المتباعدة في دار الأسد بعد أن اسدلت الستارة على أنشطة عاصمة الثقافة العربية في دمشق. و هذا النوع من الجمهور هو الأكثر جاذبية لاملاء صالات السينما بسبب توفر الوقت و الحماسة للذهاب للسينما و الأنشطة الثقافية لديه.
الخيار الثالث من الأفلام أمام الصالة هو الاتجاه نحو أفلام الابهار البصري و التي تفقد جزءاً كبيراً من إمتاعها عند مشاهدتها على شاشة صغيرة من قبيل سلسلة “سيد الخواتم” مثلاً‘ بيد أن هذه النوعية من الأفلام لها عشاق مختلفون يميلون عادة للمشاهدة المنزلية و خاصة مع توفر الشاشات الأكبر و نظم الصوت المجسم من خلال أجهزة الحاسوب المنزلية‘ و لذلك فإن المراهنة على اجتذاب هذه الشريحة لترتاد السينما قد يكون الأمر الأصعب.
و مهما كان الخيار من الأفلام العالمية‘ فإن هناك بعض النقاط التي يتوجب حلها و هي خارج نطاق تحكم إدارة الصالة‘ أولها هو مسألة الرقابة‘ حيث يجب الانتقال إلى أسلوب الرقابة الملائمة للفئات العمرية المختلفة بدل الرقابة الموحدة على الأطفال والكبار في آن معاً. و النقطة الثانية هي مسألة الترجمة المطبوعة على الشاشة للأفلام الأجنبية. فكما بدا من العروض الترويجية فإن الترجمة ما زالت تستخدم الخط القديم و أسلوب الترجمة للغتين العربية و الفرنسية معاً مما يشغل نحو ثلث الشاشة ‘ و بخط يقل عن جودة الترجمات على أقراص الدي في دي‘ و هو أمر يتطلب العناية.
إدارة الصالة إذا اليوم أمام تحدي “ما بعد سيلينا”‘ و يبدو أن الخيار القادم هو عرض فيلم الأكشن “سريع و غاضب”‘ و هو خيار لا يبدو موفقاً كثيراً. و إن كان حب التجربة قد يدفع البعض ممن لا يرى في فيلم سيلينا فيلماً يدفعه للذهاب للسينما قد يذهب لرؤية هذا الفيلم‘ لكن هذا لن يستمر غالباً فهذه النوعية من أفلام الأكشن و الإثارة لا تخاطب الجانب الاجتماعي الطقوسي في الذهاب للسينما و بالتالي يصعب عليها التنافس مع الأفلام المقرصنة بجودتها العالية و توافرها المبكر.
نتمنى للصالة النجاح في جذب جمهور السينما من جديد‘ و هو الأمر الذي قد يتطلب إعادة ممارسات قديمة لجذب مختلف الشرائح كتخصيص يوم في الأسبوع أو في الشهر للسيدات فقط و بأسعار مخفضة‘ و ربما تخصيص أيام من أفلام معينة ببطاقات للأزواج بسعر مخفض قليلاً أو مع هدية من المرطبات مثلاً. فنجاح هذه الصالة في مهمتها قد يعني عودة ألق السينما و طقوسية الذهاب الجماعي و العائلي‘ الذي لا بد من التعويل عليه لانعاش سينما القطاع الخاص.
لقد خلق الانتظار “محطة” سينما سيتي‘ و يبقى أن يجلب شوق السينما “ترين” الأفلام السورية التي تليق بنا.
عن كلنا شركاء
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |