ايها المثقفون العرب ... ماذا تعني لكم اللحظة المأسوية في لبنان؟ (3)
2006-07-23
ضحيّة التردي العربي
جمال الغيطاني
لبنان ضحية التردي العربي على كل المستويات، ولكنني مضطر الى أن أكون صريحاً أكثر. تعلمت من عملي كمراسل حربي ما يعرف بتقدير الموقف، بمعنى أنني قبل أن اقدم على عمل عسكري أو سياسي يجب أن أعرف ميزان الخسائر والمكاسب. لذلك أنا لا أرى ان أسر «حماس» الجندي الإسرائيلي قد خدم قضية الشعب الفلسطيني، خصوصاً انه كان هناك ما يشبه الوفاق الوطني على وشك ان يتم، ولكن مجموعة «خالد مشعل» قامت بهذه العملية في اتجاه صراع داخلي «حماسي - حماسي»، نتجت عنه المحنة التي تجرى الآن في غزة وفلسطين.
المنطق نفسه ينطبق على ما قام به «حزب الله» الذي لا أدري كيف لم يقدر الموقف، أنا بالطبع أقدر «حزب الله» وزعيمه حسن نصر الله، ولكنني أسأل: هل يساوي أسر جنديين إسرائيليين إحراق وطن بكامله؟
بالطبع هذا لا يعني ان إسرائيل قامت برد فعل تلقائي، فما نراه من تفاصيل المحرقة التي يتعرض لها الشعب اللبناني، يؤكد ان الأمر جرى إعداده منذ فترة طويلة، نحن نرى عمليات تدمير ممنهجة لم تستثن شيئاً، لا مستشفى ولا مدرسة ولا مساكن آهلة بالناس، نحن أمام مجزرة تقوم بها دولة مدججة بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، وأخشى أن أقول إن ما قام به «حزب الله» و «حماس» خالد مشعل، قد قدم الفرصة لإسرائيل لكي تنفذ هذه الكارثة، وفي الوقت نفسه أرى أن الصراع مع إسرائيل ليس صراعاً دينياً، فهو صراع سياسي واقتصادي واستعماري، وتدينه خطر كبير يتوافق مع ما تريده إسرائيل.
إننا نعيش مأساة اختلطت فيها الأوراق، الشعب اللبناني يذبح بأحدث الأسلحة تحت غطاء دولي، وما يسقط من صواريخ «حزب الله» على مدن إسرائيل، بآثاره التدميرية المحدودة جداً، يستخدم، على المستوى الدولي، لإظهار إسرائيل في وضع المعتدى عليه، وفي الوقت نفسه فإن الذين لديهم إمكان مواجهة اسرائيل صامتين، ولم تسمع من جانبهم طلقة واحدة.
(روائي مصري)
أنا أشعر بحزن شديد، الشعب اللبناني يذبح ونحن نتابعه في التلفزيون.
علاء الأسواني
لحظة فاجعة لكل المصريين، فمن يُضرب في لبنان هم أهلنا، نحن نسحل ونقتل في لبنان، ومما يضاعف المأساة هو هذا التخاذل المشين للحكام العرب، الأمر لا يتوقف على المبالاة وكأن من يدمر ليس لبنان منارة الأمة العربية، ولكن الأمرّ هو السير في ركب أميركا وإدانة «حزب الله» وتحميله مسؤولية تدمير لبنان، على رغم ان «حزب الله» وزعيمه حسن نصر الله يمارس حقه المشروع في مقاومة الاحتلال، فضلاً عن أن لديه أسرى مدنيين بالمئات في السجون الإسرائيلية، ومن حقه ان يفعل كل ما في وسعه لاستردادهم، ثم كيف يسمى أسر جنديين إسرائيليين إرهاباً تقوم عليه الدنيا، بينما يصمت العالم أجمع، بل يتواطأ على جرائم الحرب البشعة التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب اللبناني والإنسانية جمعاء!
أما زعم أن أسر حزب الله للجنديين أعطى ذريعة لإسرائيل لتدمير لبنان فإنه كلام مأجورين أو على الأقل مغرر بهم، فإسرائيل ليست في حاجة لذرائع للعدوان، وهي تعتدي على البلاد العربية في شكل مستمر ومتواصل منذ قيامها، والأهم ان ما يحدث في لبنان الآن في ظل المباركة الأميركية يكشف ان النية كانت مبيتة منذ فترة لتدمير «حزب الله» ولبنان وإعادة صوغ المنطقة برمتها.
هي لحظة محزنة، تكشف مدى عجز وهشاشة الأنظمة العربية والمفارقة المتسعة بين تقاعسها عن رد العدوان الخارجي وبين شراستها واستئسادها على المعارضين من مواطنيها، غير ان هذه اللحظة، على مرارتها، أتوقع ان تنقل الشعب العربي الى مرحلة جديدة، سيدرك فيها عدوه الحقيقي ويواجهه بكل ضراوة.
(روائي مصري)
حروب الأصل والإنابة
أمجد ناصر
أعرف كيف تعاش هذه الأيام في لبنان لأنني عشتها في صيف عام 1982 لثلاثة أشهر طوال. المشهد يكاد يكون واحداً عدا ان الحصار، اليوم، يطاول لبنان كله وليس بيروت، وان الطائرات لا تفرق بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية وبين الجبل والبقاع والشمال والوسط.
ما عدا ذلك، والاستثناء ينطوي على دلالة رمزية مهمة، فإن المشهد يكاد يكون واحداً: الطائرات التي تغير بحمولتها من الموت المحقق، البوارج التي تعوي كضباع نذلة في البحر، والبيوت التي تنهار على ساكنيها، والرجاء الذي لا تدنيه التضرعات ولا الصلوات.
وخارج هذا البلد العربي المبتلى بحروب الأصل والإنابة والتحكم عن بعد يسمع صوت المقبرة العربية موحشاً كما لم يكن موحشاً من قبل.
كان لا شيء يتغير في هذه المقبرة الصحراوية الشاسعة، حيث لا يمر التاريخ، ولا يحتفظ الرمل بذكرى علقت بالصدفة في شجيرة غضا، فالرمل لا يحفظ ذكرى ولا آثار عبور. حتى أمهر قصاصي الأثر يضلون في هذا المجاز من الوحشة الخام. وفيما لبنان يدمر على خريطة مقسمة الى مربعات صغيرة موضوعة أمام جنرالات أسباط إسرائيل المدججين بالحديد، هناك في القبائل العربية المبعثرة من يتساءل عن الأسباب والعلل لـ «الوعد الصادق»، وعن الإقليمي والدولي وعن المتضرر والمستفيد.
ثمة صدى جدل بيزنطي شاحب ومحير يتردد في المضارب العربية الالكترونية والفضائية عن الذرائع والحجج، ولبنان كله يئن تحت سماء من البارود والدخان. هذه هي الذبذبات الوحيدة الملتقطة في أثير موبوء، ما عدا هناك من صمت وانصراف الى عيش ذليل.
ليست الأسباب والعلل مهمة اليوم بقدر ما هو مهم تدمير منزل على رؤوس ساكنيه، وبقدر ما هو مهم ان يكون هناك كيس دم وضمادات وطريق آمن الى مستشفى آمن.
هذا هو المهم.
(شاعر أردني)
عدوان سافر
إدوار الخراط
العدوان على لبنان يؤكد الطبيعة الخاصة لدولة إسرائيل القائمة على العدوانية وانتهاك حقوق اللبنانيين والفلسطينيين معاً، وهذا ليس بجديد، وما يزيد الأمر سوءاً هو صمت النظم والدول العربية إزاء العدوان السافر الذي لا يحتمل السكوت، بل يتعين الوقوف أمامه ومقاومته بكل السبل.
(روائي مصري)
نافذة على الجحيم
أمين صالح
نطل في ذعر ومن أحداقنا الذاهلة تتدفق كل مشاعر الغضب والألم والحزن والعجز. بسبب مغامرة أو حماقة أو وهم محض، تتداعى البيوت غرفة غرفة، وتتعرى المدن من بواباتها وشرفاتها وحدائقها وضحكات أطفالها، وتركض الطرقات أمام نازحين لا يعرفون سبباً لنزوحهم غير النجاة من قصف لا يميّز ومن قتل لا يفرّق.
شعب بأكمله يدفع دمه ثمناً لخطيئة حزب لا يكترث، لعدوات دول تبحث عمن ينوب عنها في العراك، لكراهية جيش يبالغ في الكره فيدمر كل ما هو جميل وبريء. ولماذا يتعين على بلاد بأسرها أن تدفع ثمن أخطاء حزب أو ميليشيا لا تستشير أحداً؟
لماذا يتعين على لبنان أن يكون، على الدوام، ضحية براءته وجماله؟ إزاء هذا الفتك والتدمير المجاني، ما الذي يتعين علينا فعله؟ لا شيء... شلل تام، عجز مخجل، ذعر لا يداري ذعره.
شاخصون الى مائدة المفاوضـــات وما ترميـــه الدول من مبادرات. شاخـــصون الى سماء ما عادت ترحب بصـــلواتنا التي نخترعها على عجل. شاخـــصون الى عرب لا يحسنون إلا الشجب وإبداء القلق... شاخصون الينا ونحن نحدّق في شاشة تشبه نافذة مفتوحة على الجحيم. ويأخذنا الحدث من ذهول الى ذهول.
مخيف ما يحدث، مخيف أكثر ضعفنا وعجزنا.
(روائي بحريني)
تدمير شامل
أحمد اللباد
بعدما يجرى أمامنا من تدمير شامل وممنهج للبنان وشعبه، لم يعد هناك مكان للهرب أو التسويف أو التعامي أو الاحتماء حتى من أنفسنا، وأنا شخصياً استلمت حصة كاملة من الإهانة والألم، وأعتقد بأننا جميعاً استلمناها و «تممنا عليها»، وأكدوا لنا بتمام هزيمة كل الأجيال، فلم يعد من المخجل أن يطالب البعض منا - في هذه اللحظة - بمقاومة المقاومة، ويطالب رئيس أكبر دولة في العالم بعدم وقف إطلاق نار حرب مستعرة تحرق الاطفال، وهذا ما لم تشهده البشرية من قبل، فحتى النازيين والفاشيين كانوا يبذلون بعض الجهد ليبرروا استمرار الحروب.
يقول حكامنا «الواقعيون» ان علينا التمسك بالحسابات «الواقعية» على رغم اننا - الآن بالذات - مطالبون بالتمسك بالخيال لا الواقعية لنستطيع اختراع مستقبل كريم، فكل الدلائل «الواقعية» تشير، للأسف، إلى أن مستقبلنا مفتوح على الهزيمة والإهانة المستمرين للأبد.
(رسام مصري)
وطن لا يستحق هذه الوحشية
منصورة عز الدين
هل يصبح للكلمة معنى في مواجهة فعل الحرب؟ عادة ما تبحث الكلمات عن المنطق، والحرب بطبيعتها ضد أي منطق.
ربما لهذا السبب يسيطر عليّ الشعور بالعجز منذ بدء الحرب الهمجية ضد المدنيين العزل في لبنان. مدنيون يدفعون الثمن من دون أن يستشيرهم أحد في القرارات المصيرية التي تتوقف عليها حياتهم وحياة أطفالهم.
مؤلم أن تعجز عن فعل أي شيء في مواجهة هجمة بربرية، وجثث متفحمة، وأطفال يتجرعون الموت يومياً، وبلد يتهدم على رؤوس سكانه من دون أن يتحرك أحد للنجدة.
ما الذي يخيف إسرائيل الى هذا الحد من بلد صغير مسالم كلبنان كي تهاجمه بهذه الوحشية؟ الخوف وحده يصلح قريناً للوحشية الشديدة التي يُضرب بــها لبــنان، الـــخوف وحده يبرر رد الفـــعل البــالغ العنف والذي فاق مستوى الحدث نفسه. يبدو لي أن خوف إسرائيل نابــع من داخلها هــي خصـــوصاً مع هذا الضعف الذي تغرق فيه الأنظمة العربية.
ما يحدث الآن في لبنان هو إعلان صريح وواضح عن موت الدولة بمفهومها الحديث في عالمنا العربي، ما أقصده هنا هو دولة المؤسسات القائمة على أدوار ومسؤوليات محددة.
(كاتبة مصرية)
أوقفوا الاسطورة
صلاح حسن
لا أحد يعرف الحرب سوى ضحاياها الذين لا يعرفون لماذا تقوم. هم وحدهم يعرفون ذلك الألم الذي تخلفه الرصاصة وهي تخترق اللحم الحي... الشظية التي تمزق العظام... القذيفة التي تنثر الأجساد أشلاء بلا ذاكرة. الحرب هي اللاذاكرة، آلة المحو الشامل والتقطيع والتمزيق والثرم والتفتيت والهدم. غالباً ما تكون الحرب عمياء وسوداء وتجريدية ورعناء وعاهرة. واذا صدف ان يكون مشعلها عاهراً فهي اكبر كثيراً من الجحيم. اذا صدف ان يكون مشعلها سايكوباثياً فإنها القيامة ولا شيء بعدها.
إسرائيل ليست عاهرة وسايكوباثية فحسب لأن قاموس الرذيلة كله لن يفيها حقها في هذا المجال. إسرائيل تقتل بقوة الأسطورة وتذبح بإسم آلهة العدم وتهدم بإسم العقل المستهتر... وبإسم المخيلة الإجرامية تمحو كل شيء حي يقع تحت تربيع قاصفاتها الأكثر حداثة من الموت عينه.
اسرائيل ليست ايديولوجيا أو ديناً أو قومية أو شعباً أو لاهوتاً، بل هي ثقافة همجية ملعونة بلا جذور ولا مرجعيات ولا عمق، تتحرك وفقاً لهاجس اللاانتماء والتخبط. إسرائيل كيان بلا ذاكرة ولا عاطفة ولا تعين... لذلك تسعى لمحو كل ذاكرة وكل تعين وكل جذر يذكرها بتيهانها الأبدي.
إسرائيل لن يوقفها مشهد الدم الذي ينزفه الأطفال في كل شبر من لبنان وفلسطين والعراق، لأنها تعتاش على الدم... تشربه... تلعقه... تسبح به... تغتسل به وتتمرغ من دون ان تشبع. لا يوجد مثال على الأرض يمكن ان نشبّه به إسرائيل، فهذه القسوة جديدة على ذاكرة الأرض والتاريخ ولإسرائيل شرف تقديمها للبشرية كانفراد خارق وعلم شيطاني كابوسي أول من نوعه.
اسرائيل ليست ضد لبنان فقط وليست ضد العرب والمسلمين فقط... انها عدو كل شيء يتنفس، ولو أتيح لها ان تمحو العالم لفعلت ذلك في أسرع وقت لأنها تعتقد انها صانعة هذا العالم وهي الأحق بامتلاكه كله او تدميره ان لم ينحن لعواصفها الهوجاء.
اسرائيل لا تحتمي بأميركا ولا بالغرب حينما تقدم على هذي الشراسات... انها تحتمي بأسطورتها الرمز القاتل الذي يجيد التصويب ويقتل كل شيء يتحرك... لذلك ينبغي ان تعامل اسرائيل بطرق لا تشبه القوانين ولا الاخلاق ولا الحكمة... ينبغي ان تعامل بطريقتها اللابشرية واللاإنســانية... ينبــغي ان تـــعامل إسرائيل بطريقتها الأسطورية الغيبية الباطنية... علينا ان نوقف هذه الأسطورة... ان نهشمها... نفتتها... نحرقها... ندفنها... علينا ان نفعل أي شيء من اجل إيقافها اذا أردنا أن نحفظ هذا العالم. أوقفوا الأسطورة.
(شاعر عراقي)
جسد ينبض بالحياة
محمد سلماوي
اللحظة المأسوية التي نشهدها ليست حكراً على لبنان وحده وإنما على الأمة العربية، وما يحدث في لبنان ما هو إلا أحد أعراضها، والمشكلة ليست في العدوان الإسرائيلي، فإسرائيل دائماً تعتدي، هي قامت أصلاً على العدوان، ولكن المأساة الحقيقية هي الهوان العربي والعجز الكامل عن التعامل مع هذا الموقف لا عسكرياً ولا ديبلوماسياً.
نحن لا نطالب الحكومات العربية بإعلان الحرب الشاملة، وإنما بالتعامل سياسياً مع الأزمة، فالسياسة ما زالت تعطينا إمكانات وخيارات كثيرة، ولكن العجز الذي نعيشه الآن يحول دون استخدام أي منها. فإذا وصل الحال الى أن مجرد الاجتماع، الاجتماع، للتشاور أصبحنا عاجزين عنه، فتلك مصيبة لم نصل إليها من قبل. على أنني أود أن أؤكد ان وسط هذا كله هناك صحوة عربية بين الجماهير، وغضب عارم تموج به صدورهم، وهناك أيضاً فعل يتمثل في المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهو ما يشير الى أن هذا الجسد العربي ما زال ينبض بالحياة.
(رئيس اتحاد الكتاب المصريين)
مزيد من المرارات
داود عبدالسيد
السؤال ضمنياً يحيلك إلى الإجابة، فالشعب اللبناني يعيش لحظة مأسوية رهيبة، وهناك دولة عدوانية تحتل أراضي عربية، لا يستطيع أحد أن يقف في مواجهتها، والشعوب العربية شديدة الإحباط من أنظمتها المتخاذلة دائماً، والمجتمع الدولي يقف بجوار إسرائيل، وكأن العالم العربي يدور في حلقة مفرغة.
وفي شكل واضح عاطفياً أنا مع ما حدث من «حزب الله» ولكن منطقياً أتساءل عن مشروعية ما حدث: فـ «حزب الله» اختار توقيتاً خاطئاً، فلا يصح أن أهد كل أسس الدولة. علينا أن ننظر الى الأمور في شكل موضوعي مع الأخذ في الاعتبار انني لست ضد أي مقاومة.
ولكن ما يحدث في لبنان يزيد من المرارات الكثيرة في نفوس الشعوب التي أصبحت غير قادرة على التحكم في مصائرها.
أشعر بالخوف والخطر على لبنان، وأتمنى أن يستفيق العالم العربي قبل فوات الأوان، فما يحدث في لبنان الآن، تأثيراته السياسية ستكون على المنطقة العربية بأكملها، وأرجو ألا ينفض مخزون الغضب الشعبي سريعاً وألا ينفض «السامر عن لا شيء».
(سينمائي مصري)
فضيلة كبيرة
طيب تيزيني
لبنان الذي يعيش مأساة تبدو وكأنها محكومة عليه أبداً ليس هو نقطة جيو- سياسية واقتصادية مغلقة وإنما هو يمثل بيئة جيو- سياسية مفتوحة على آفاق قد لا تكون قابلة للتحديد والضبط. ومن ثم فإن النظر الى ما يحدث الآن في لبنان لا يصح النظر إليه من موقع لبنان وحده انه نتيجة أحداث وصراعات وعلاقات حيث من منطقة الشرق الأوسط برمته. وقد يقال ان كل ما يجاور لبنان يجد صداه داخل لبنان، وبهذا فإنه من السهل إشعال النار فيه في يوم أو آخر وفق الوضعيات التي تتوزع محيطه وهذا لا يعني أن لبنان ذاته غير فاعل في ما يحدث، ولكن ما يمكن أن يقال هنا هو أن هذا الذي يتحدر منه ذاته يأتي عبر أقنية المحيط، محيطه الإقليمي، ولذلك أقرأ ما يحدث الآن في لبنان بوصفه تعبيراً عما يحدث في الشرق الأوسط كله.
إضافة الى ذلك يمكن القول ان لبنان يمتلك فضيلة كبيرة في هذا وذاك حين يعبر عن الأحداث الملمة بالشرق الأوسط تعبيراً مأسوياً وحين يراد له ألا يعبر عن الشرق الأوسط فإنه يمكن أن يكون بمثابة محاولة لوجود لبنان ذاته.
إذاً الحرب على لبنان الآن هي لا شك ذات مصادر لبنانية ولكن هذه المصادر غالباً ما تمر عبر مصادر أخرى محيطة به ولذلك مع إدانتي هذه الحرب التي تقودها إسرائيل إدارة كلية فإنني لا أرى حلاً للإشكال اللبناني إلا بالنظر إليه بصفته دولة مستقلة ذات سيادة. والحل السياسي والآفاق لا يمكن أن تكتسب شخصيتها إلا عبر وفاق مع القوى اللبنانية جميعها وكذلك وفاق عبر بلدان المحيط.
(مفكر سوري)
تصفية حسابات
أحمد طه
أنا أحمّل «حزب الله» مسؤولية ما يحدث من عدوان و من تدمير شامل للبنان، فهو حزب استفحل أمره حتى صار يتحرك وفق قناعة تامة بأنه فوق الدولة، بل حامي حمى الأمة العربية. ووضعه هذا يرجع الى أن لبنان في النصف القرن الأخير أصبح أرضاً لتصفية حسابات القوى الإقليمية على حساب مصلحة اللبنانيين وأمنهم. وسيؤدي الى كوارث متلاحقة. وأسر «حزب الله» الجنديين الإسرائيليين لا يخرج عن الأزمتين السورية والإيرانية بل ينطلق منهما.
لذا فأنا أطالب بتجريد «حزب الله» من سلاحه، وتحويله حزباً سياسياً مدنياً. إنه يمتلك أسلحة لا يملكها الجيش اللبناني، وهذه المفارقة ستكرر المأساة مرات ومرات لمصلحة إيران وسورية وربما غيرهما على حساب شعب اللبناني.
(شاعر مصري)
الحديد يخترق اللحم
عادل السيوي
أي روح تلك التي يمكن ان تتماسك أمام كل هذا الانهيار، أمام مشهد الحديد وهو يخترق اللحم، انه «جنون الخراب» كما قال ليوناردو دافنشي.
كنا على رغم المرارة التي تلف قلوبنا نتجادل، هنا في القاهرة، حول المأساة اللبنانية، قطع أحمد فؤاد نجم «المقاومة في ذاتها قيمة أهم من أي إطار أو مرجعية تصدر عنها»، ولكن ذلك الانحياز الناصع لم يوقف الأسئلة: أليست مقاومتنا شائهة مثلنا؟ ولم نقاوم تحت عباءة واحدة داخل ذلك الخطاب الديني المغلق؟ ولم يصبح المدفع الرشاش وحده فوق لفظ الجلالة هو رايتنا الخفاقة؟
يقولون إن هذا ليس وقت التفاصيل، فإلى متى ترجأ المواجهات؟ وأين تذهب روح المقاومة المدنية؟ ولم يحتل الانتحاريون والاستشهاديون مقدمة اللوحة وخلفيتها في آن؟ أليس هذا الاحتضار دلالة على فداحة ما وصلنا إليه؟
منذ شــهور كنا نتابع من القاهرة بفرح انبــعاث تلك الروح الجديدة في لبـــنان، ونقلق كثيراً من الأطر القـــديمة التي تصر على حشر هذه الطــاقة الرائعة داخل المسارات الضــيقة، الابجانون العـــرب على خــطى الآباء إعاـــدة هزلية ومريرة لــلروايــة وشــبح لــقانون الوراثة!
وفي مصر كان المشهد يزداد إعتاماً، البدن يتمدد بلا رأس داخل مرضه المزمن ولا أمل. فيما مضى كان الإيقاع السريع يأتي من الشام، ويوقظ رتابة الجسد المصري، ولكن هذا التصحر العنيد، هذا التثاقل يشد كل الأطراف معه نحو هاوية بلا قرار.
كنا نتابع السياسيين الكبار، سادة العالم، وهم يتقزمون أمام لغة المصالح المباشرة، ونتأمل كيف تحول السياسيون الى كائنات قديمة داخل أطر بالية: الحزب، البرلمان، الجبهة، المحور، هي كيانات بطيئة تتراجع أمام تدافع الطاقة والإبداع في قاعدة الحياة والمجتمعات المدنية، انها مقدمة لصدام المقبل بلا جدال.
قرأت للفيلسوف إيمانويل ليفي كلاماً يبشر بأن دولة داود ستحرر البشر وهي تقيم مدينة التوحيد العصرية، وتنقذهم، أي البشر، من عبوديتهم لمدن وثنية «روما - أثينا - الاسكندرية»، ولكن يبدو ان دولة داود لن تفتح الأبواب لأحد، بل ستغلق الطريق أمام أي محاولة للخروج من قدر الذاكرة السوداء، قدر المذبحة، ومن تكرار أكثر إيلاماً لما يجب أن نتجاوزه جميعاً كبشر: العنصرية، الاستباحة، العنف.
أخيراً أنحاز مع «نجم» للمقاومة، وأرفع علمها الذي لا أوافق عليه، لكنني أفزع من تجلياتها السوداء.
(رسام مصري)
جريدة الحياة 24/ 7 / 2006
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |