في فورة الرد على أدونيس / الإستشراق والإستغراب و" الغُراب"
2009-05-16
كنت اندفعت للرد على أدونيس – الشاعر والمفكر- فيما يتعلق بتصريحاته الأخيرة عن "انقراض "العرب في مقالي المعنون هكذا : "ما قاله حفيد المتنبي في المحمية الأمريكية بأربيل "*
وهكذا ردَدَت- بصورة نصف جادة على الأقل – , لكن ما قاله يبدو لي الآن يشبه أكثر ما يشبه دعابة , خذوا هذه مثلاً : "لو اجتــمع الأميركي والأوروبي والعربي على سبيل المثال إلى طاولة واحدة ترى ماذا يمكن أن يقدمه العربي؟ لا شيء». أو هذه "أرجو ألا تصيب عدوى العرب الوسـط الثقافي الكردي" ...فينقرضوا
ثم قيل لي ألا آخذ الموضوع محمل الجد وأنه هكذا كل حين وآخر يحب أن يلفت الأضواء إليه لا أكثر , كي يثبت حضوراً أو ليؤكد هذا الحضور- دائماً تحت الأضواء-
الآن أقول أن التصريحات تلك كان يجدر أن توضع في خانة " اللاتعليق "..
ولكن ثمة من يدافع عنه في تصريحات كهذه , وثمة أنه دافع عن نفسه في رد نشرته " الحياة" و"السفير"
, ورغم أنه - أي أدونيس – تحدث , بحماسة ربما, في مقاله عن ثقافة الحوار بديلاً عن الإلغاء وعن حوار الفكر بدلاً عن " الغمز و اللمز" أدونيس نفسه هذا أشار إلى ما كتبته في مقالي على أنه "خلط" وإلى أنه " لايستحق الاهتمام "و أَلمح إلى أنني وفواز طرابلسي ندافع عن ثقافة الاستبداد أو عن سلفية ما وعُصاب قومي ما ... مما أثار الابتسام لدى كل من يعرفني هنا, ولدى كل من يعرف فواز طرابلس - لا بد – هناك في بيروت
أنا أجد أن الظاهرة أبعد من مجرد "أدونيس" – من جديد الشاعر والمفكر- الأمر يتعلق بحالة "الإستغراب "الذي هو مقابل " الإستشراق"والتي أسماها فواز طرابلسي بـ " الغُراب" ( على وزن الهُزال والنُكاف) مثلاً ...
نعم ثمة ملوك وأباطرة ودول " ديموقرطية " ولا ديموقرطية – قدامى وجدد- أرادوا دائماً توسيع ثرواتهم وممتلكاتهم "الإمبراطورية " و أولئك وهؤلاء هم بكل تأكيد في حالة تنازع وتحارب لا ينتهي – حتى الآن على الأقل- و يسقط بعضهم بعضاًو" يبيد" أو " يقرض" بعضهم بعضاً في حروب وقودها الناس وليس الأباطرة
وفي العالم الحالي الحروب التي تخاض من أجل السيطرة على التجارة والثروات فاقت بالقتل و التدميروالهمجية نزاعات الإمبراطوريات القديمة بمراحل,لكن أحد أدواتها- وربما الأهم - إقناع " الخصم" بأن حضارته "انقرضت" وأن أمته " فاشلة "وأن ثقافته "ميتة" ...
مفهوم الشاعر والمفكر أدونيس عن "انقراض الحضارات"- كما بدا في تصريحاته الأخيرة- لا يبتعد كثيراً عن مفهوم " صدام الحضارات" ... سواء في نسخته القديمة الكولونيالية أو تلك الـ "المجدَّدَة" الإمبراطورية التي لـ "هنتغتن", بالنسبة لهذه وتلك التاريخ هو صراع لا ينتهي بين " حضارات" , ولا بد من أن أترجم عبارة " حضارات" الخادعة- في هذا السياق- إلى معناها الحقيقي : الممالك والإمبراطوريات والدول , هذا الخلط هو الفخ الحقيقي - في نظرية هنتغتن المسماة هكذا : "صدام الحضارات"
وكلتا الطبعتين من "النظرية" - القديمة والمحدثة- - لا تتركان فضاء ما , في بنيتهما, لحضارة إنسانية مشتركة أو لحضارة إنسانية متجددة – تهتم بالإنسان وليس بالأباطرة_ وتلغي النزاعات بين الأمم , التي هي في الحقيقة نزاعات الملوك والممالك , و تحل محلها التنوع الغني لثقافات الشعوب الذي هو بمثابة قوس القزح الذي تتشكل منه الحضارة الإنسانية بعيداً عن الحروب و القتل والسلب و النهب و التي هي كما أرى الحضارة الحقيقية
أدونيس في ما يقوله غالباًعن " الشرق" , أو عن العرب , يقارن " جودته" أو "كفاءته "و " صلاحيته" بمثل ثابت " قياسي" هو الغرب الأوروبي - الأمريكي , هنالك مسطرة تقاس عليها الحضارة أُنتجت هناك وأنت عليك أن تستخدمها- وإرشادات الإستخدام مرفقة بنشرة ضُمّنت في الغلاف -
وهكذا كما أرى فإن الأنظمة العربية أي ماهو " سائد"و" مستتب في النظام العربي "- مستتب منذ قرون عديدة- ما ينبغي الإشارة إليه بأنه متخلف و ساقط واستبدادي ورجعي وبطريركي وما ينبغي الدعوة لإسقاطه وليس الثقافة العربية. إلا أن أدونيس لا يفعل ذلك و يبشر بانقراض" العرب" و"الحضارة العربية" ..
الاستبداد هذا – بكافة أشكاله وأطواره- ما علينا أن " نبشر " بانقراضه ... وليس الحضارة العربية والثقافة العربية , الثقافة العربية هي ثقافات وبها تيارات ونزاعات و ثمة ولادة عسيرة لثقافة عربية تقدمية حقاً وديمقراطية حقاً ولكن ثمة أيضاًفي الثقافة العربية ما هو صالح للاستهلاك الجاهز من المستبدين ومن حراس التخلف أينما كانوا أينما كانوا
و أدونيس الذي ملأ الفضاء بالحديث عن الحداثة يختار أن يمتدح – من هذه "الثقافة" التي تنقرض – مؤسس المذهب الوهابي , و"برج دبي" ...
فواز طرابلسي أشار في رده على تصريحات أدونيس إلى أن " الثقافة العربية تقاوم " , وأضيف لما قاله الطرابلسي أن الثقافة العربية لا تقاوم وحسب لكنها أيضاً تنهض , وإلا فما معنى لما يفعله كل هؤلاء المتنورين من كتاب وشعراء وموسيقيين ومسرحيين وباحثين وصحفيين ومفكرين – بما في ذلك أدونيس – ولماذا السجون العربية لا تََفرغ يوماً من سجناء الرأي ومن المكافحين ضد الاستبداد ....
ليس لنا أن نمضي بلا نهاية في إعادة إنتاج إعجاب الغرب بحضارتنا " الميتافيزيقية", آملين أن نحوز بذلك " عالمية" ما , أو ما نظنهاكذلك , ثم نقدّم ذلك على أنه " حداثة" ... وليس لنا أن نمضي أكثر مما فعلنا في تغييب الوعي و" أسلبة" العقول بالتهويمات الماورائية والأحاجي الصوفية التي تشبه ما يتوقعه الغرب الإستشراقي من الكتابة الآتية من " الشرق"... بحيث لا نمضي أبداً أبعد من ثنائيات الباطن والظاهر , الجسد والروح , الشروق والغروب , الليل والنهار , وغير ذلك من الثنائيات الساذجة
ولن نكون بذلك قد "أسهمنا في الحضارة الإنسانية " على حد تعبير أدونيس .
منذ أيام قليلة كنت أقول لصديقي ّالشاعرين الجميلين , الكرديين لمن يهمه الأمر , جولان حاجي وعارف حمزة أني سأبدأ مقالي بهذا : ربما أن الأكراد هم أجمل العرب , أو أن الكردي هو عربي آخر بقدر ما أن العربي مجرد كردي آخر ... أقول هذا برسم من يلعبون على وتر التعصب القومي الرديء , وعدتهما أن أكتب هكذا وها أنا أفعل
هذا هو النص الأصلي كما وصلنا من الكاتب
• نشر في ألف تحت عنوان هل حقاً أن العرب ينقرضون ... - تعليقاً على "صراحة" أدونيس -
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |